شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
شنقتُ دميتي لأنها سمينة وتشبهني

شنقتُ دميتي لأنها سمينة وتشبهني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الأربعاء 3 مايو 202312:00 م


ملاحظة أتركها للقارئات العزيزات، لا تعتبرن كلماتي المكتوبة ها هنا دعوة للتصالح مع أجسامكن، فلسنا من نخاصمها، بل لنا كامل الحق والحريّة في اختيار تقبّلها أو رفضها، ربّما هي دعوة للمجتمع بأن يكفّ يده عن السيطرة على أجسامنا والتصالح مع فكرة اختلافنا.

ورثت عن نساء عائلتي عُرض المنكبين والأثداء الكبيرة، أو بالأحرى كما يسمونها في ضيعتي البقاعيّة "الجتّة الضّخمة". فأن تكوني امرأة بـ "جتّة ضخمة" يعني أنّه عليك أن تخسري الكثير من الوقت والطاقة في محاولات شبه متكرّرة مع الدهون التي تتراكم أسفل البطن وأماكن أخرى، وأن تنتظري ليكفّ الجميع عن النظر إليك وأنت تلتهمين صحنك بشراهة، ولتجاهل الكثير من الكلمات التي تخترق حدود جسدك.

عندما أكون خارج جسدي

رغبت وأنا طفلة في العديد من الأشياء، ومن ضمنها أن أكون كلعبة باربي، لذا عمدت إلى تجميع الدمى على أمل أن أصيرهن يوماً ما. إلى أن فاجأني أبي بدميّة سمينة محشوّة بالقطن في إحدى الأعياد، فشنقت دميتي لأنّها تشبهني. طفلة صغيرة محشوّة بالدهون، يرفض الجميع اللّعب معها، لا لشيء سوى لبعض الكيلوغرامات الزائدة التي اكتسبتها لأسباب وراثيّة، فتعلّمت البقاء خارج جسدي.

كنت أنسى أحياناً أنني أملك جسماً سميناً، لولا نظرات الأفراد من حولي، وهي تذكّرني بأن جسدي، بهيئته هذه، لن يكون مرغوباً، وتذكّرني مجلّات سيّدتي وجمالك أنّني لست فاتنة مثل عارضات الأزياء وهنّ يجذبن أنظار الرجال إليهن، ويتنافسون فيما بينهم للظفر بهن.

فاجأني أبي بدميّة سمينة محشوّة بالقطن في إحدى الأعياد، فشنقت دميتي لأنّها تشبهني. طفلة صغيرة محشوّة بالدهون، يرفض الجميع اللّعب معها، لا لشيء سوى لبعض الكيلوغرامات الزائدة التي اكتسبتها لأسباب وراثيّة، فتعلّمت البقاء خارج جسدي

لم أعش قصص الحب في مراهقتي سوى في خيالي، وعندما أرسلت وردتي اليتيمة إلى أحد الفتيان الذي يكبرني بأعوام، خجل منها أمام رفاقه، لأن مرسلتها لم تكن سوى فتاة سمينة.

تجارب كثيرة عشتها، في هرب مستمر من جسدي، ومن النّظر إليه في المرآة، ومن توقّعات الآخرين منه.

يسلبوننا جنسانيّتنا

في زيارتي الأولى للطبيبة النسائيّة، أخبرتني أن وزني الزائد سيعيق إنجابي للأطفال، وأنني مسؤولة عن العقم الذي سيصيبني إذا ما استمرّيت بهذا الوزن. لا أعرف كيف أباحت لنفسها تحويل مشكلتي حينها إلى فقرة معالجة للسمنة. كنت مدهوشة وهي تقيس خصري ووزني وطولي، وتحاول البرهنة أنّني تجاوزت مقياس الرشاقة، وعليّ المشي وممارسة التمارين الرياضيّة للتخلّص من الدهون الزائدة، مرفقةً نصيحتها بدواء للتنحيف وبعض النصائح الغذائيّة.

فقدت حينها في غضون بضعة أيام 7 كيلوغرامات، وشهيتي، لأسقط مغشية من التعب.

ما لم تعرفه طبيبتي، أنّني أعاني من تكييس المبايض، ومقاومة للأنسولين. لكنّني لم أكن بالنسبة لها، وللمجتمع، سوى معبر للجنس البشريّ، عليهم تأهيله جيّداً احتفاءً بقدرته على التناسل.

وتجربتي هذه لم تكن الوحيدة، فأعداد الأطباء الذين تخوّلهم أنفسهم بتحويل أمراض النساء البدينات إلى تطبيب للسمنة يفوق المتوقّع، فهل الأمر متعلّق بالصحة؟

لو أنّه مرتبط بالصّحة فحسب لوجدنا الآن آلاف كلمات التعييب للمدخنين، أو للرجال البدينين أو من يمارسون عادات غير صحيّة، لكنّها مشكلة تخصّ كيفيّة النظر إلى النساء، وما الصورة الجماليّة المناسبة لهنّ. فهنّ بأرطال الشحوم مزعجات للنظر، يحقّ لأي كان قذفهن بالإهانة، رغم أن كلمة "بدانة" مجرّد كلمة للوصف، لكنّهم يحمّلونها النيّة باستصغار واحتقار من تمثّلها فتكون أشدّ قسوة.

ما تزال كلمة "بكرا بيقرف منها زوجها" وهم يطلقونها كلما شاهدوا امرأة بدينة، ترنّ في أذني، مع ما يرافقها من مشاعر خزيّ وعدم استحقاق، فكم من امرأة، تمنّع شريكها عن ممارسة الجنس معها، فقط لأن وزنها قد ازداد، في محاولة للتحكّم بها؟ ومن يرضى بامرأة سمينة، إلا رجل فقد الأمل من أن يكون مرغوباً من باقي النساء؟ وكيف للنساء البدينات أن يكنّ مثيرات بالفراش وهنّ يحملن كل هذه الشحوم؟

أن تكوني امرأة بوزن زائد، يعني أنّك ستُسلبين من نظرات الإعجاب وكلمات الإطراء، لتُستبدل بكلمات الشفقة، وكأن جسدك قطعة أرض قاحلة، لن تنمو فيها الرّغبة.

سينسون، وسيجعلونك تنسين، أنّك تمتلكين جسداً يحق له التمتّع بالحميميّة، وفي أن يكون مرغوباً ويرغب، وأن يشتهي، وأنك تمتلكين الحق في التخيّل والاستثارة، ولست باردة جنسيّاً بل خائفة من أحكامهم

ستُسلبين جنسانيّتك لأنّك غير مؤهلة لتطبيق الوضعيات والفانتازمات الجنسيّة التي يرغبون بها، ولأنّك لن تكوني مرغوبة بهذا "التشوّه" الذي تحتويه في تفاصيلك. سينسون، وسيجعلونك تنسين، أنّك تمتلكين جسداً يحق له التمتّع بالحميميّة، وفي أن يكون مرغوباً ويرغب، وأن يشتهي. وأنك تمتلكين الحق في التخيّل والاستثارة، ولست باردة جنسيّاً بل خائفة من أحكامهم، تنتظرين الفرصة للإفصاح والتعبير عن نفسك.

مغريات ولكن

تعرف خوارزميات إنستغرام لديّ أننّي أحب رؤية أجسام النساء الأخريات، وهي عادة نكتسبها نحن النساء منذ تفتّحنا، فنميل لتفحّص الأجسام الأخرى ومقارنتها بأجسامنا.

لعنة التّفحّص هذه، اكتسبناها لأنّنا دائماً ما نكون في وضع المفحوص، أو موضع تحديق الآخر، بتعبير جون برجر، فتصير نظرة الفاحص الذكوريّة هي نظرتنا لأنفسنا.

أقلّب الصور، لأجد نفسي في مدّ هائل من صور نساء عاريات بأثداء كبيرة، وبطون وأوراك ضخمة ومترهلّة، أو يظهرن في البيكيني الخاص بهن وهنّ سعيدات. أجدهن رائعات، بترهلاتهن وشحومهن، وبطونهن المدلوقة، ومثيرات بطيّاتهن ومنحنياتهن المستديرة، فأحب سمنتهن، لكن الأمر أعقد إذا ما كان متعلّقاً بمظهري الخاص.

كما أنّ عالم صناعة الملابس لا يضع باعتباره تنوّع المقاسات، فتصير أزياء النساء السمينات باهظة أكثر مقارنة بملابس النساء من المقاسات المتوسّطة، أو ما دون المتوسّطة. وكأنّنا ندفع ثمن سمنتنا وما نود أن نبدو عليه أضعافاً في المتاجر.

لست فخورة اليوم بجسدي، ولا خجلة منه، أتأرجح ما بين السمنة والنحافة، كما تتأرجح أمزجتنا، لكنّني أتعلّم أن أحبّ عافيته، خموله ونشاطه، واستمراريّته.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard