شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
أسعار الدواء في الأردن بين الحكومة وفيسبوك

أسعار الدواء في الأردن بين الحكومة وفيسبوك

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الاثنين 13 مارس 202303:16 م
Read in English:

Exorbitant prices and an unregulated black market: Getting medicine in Jordan

يعاني الأردني سعد الخطيب (50 عاماً)، من انسداد شرايين قلبه بالإضافة إلى ضعف عضلته الرئيسية، ما أجبره على تناول الأدوية التي تُسمّى عادةً بمميّعات الدم، بعد مراجعة طبية.

نصح الأطباء، الخطيب، وهو مياوم في أحد المطاعم الأردنية براتب لا يتجاوز الـ500 دينار (750 دولاراً)، وبلا تأمين طبّي من الجهة التي يعمل لديها، بعد مراجعات طبية كلفته الكثير من المصاريف، بتناول نوعين محددين من مميعات الدم، مشكلتهما أن سعرهما فوق طاقة الرجل المالية، إذ يتجاوز سعر أحدهما الـ80 ديناراً (112 دولاراً)، في الأردن، لذلك نصحه بعض الأصدقاء بشرائه من الخارج (تركيا أو مصر)، حيث لا يصل سعره إلى أكثر من 10 دولارات، وهو ما يساوي سبعة دنانير فقط، غير أن التشديد الذي تفرضه السلطات على الأدوية في المطار والمنافذ البرية، منعه من استكمال علاجه مرات عدة، فما كان منه إلا الهروب نحو السوق السوداء للأدوية.

أما الأردنية إيمان محمد (30 عاماً)، وتعاني من نقص الحديد، فصُدمت بأسعار العلاج الذي كتبه لها طبيبها، إذ بلغت الوصفة العلاجية نحو 130 ديناراً أردنياً (183 دولاراً)، وهو عبارة عن إبرة حديد فقط، من دون وجود مكمّلات أخرى.

إيمان غير عاملة، ومتزوجة من موظف ولديها 3 أبناء، لا يكفيهم الراتب الشهري لتأمين مستلزمات العائلة، لذا ما كان منها غير الاستنجاد بإحدى صفحات موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، لشراء الإبر العلاجية عينها لكن بكلفة أقل، وصلت إلى 30 ديناراً فقط.

الحاجة والمرض دفعا سعد وإيمان وغيرهما للهرولة لشراء الدواء عن طريق السوق السوداء، التي ازدهرت نتيجة ارتفاع أسعار الأدوية في الأردن، مقارنةً بأسعارها في تركيا ومصر والضفة الغربية، بحسب صيادلة قابلهم رصيف22.

لماذا ارتفعت أسعار الأدوية في الأردن، مقارنةً بأسعارها في مصر والضفة الغربية؟

ضرائب على الدواء

تفرض الحكومة الأردنية على الدواء ضرائب مقسمةً حسب النوع، فوفقاً للتعرفة الجمركية الدواء العلاجي يخضع لضريبة مقدارها 4% فيما تخضع المكملات الغذائية والمستحضرات، لضريبة تبلغ 16%.

ويمنع الصيدلاني، بحسب قانون نقابة الصيادلة، من تقديم حسم مالي على الأدوية، ويعرضه ذلك للعقوبة والغرامة المالية، إلا أن ثمة عُرفاً بين الصيدليات في الأردن مفاده أنه يمكن التعاون مع المرضى من خلال تقديم حسم لا يتجاوز 10%.

يقول صيدلاني (فضّل عدم الكشف عن اسمه)، لرصيف22، إن الكثير من المرضى يطلبون حبة علاج واحدةً، أو شريطاً فقط في أحسن الأحوال، فيما يطلب آخرون تسجيل الدواء على دفتر الدين إلى حين تأمين سعره.

اتساع رقعة السوق السوداء

رصيف22 التقى بعدد من مندوبي الأدوية الذين شرحوا أسباب ارتفاع أسعارها في المملكة، وقالوا إن الارتفاع نتيجة محدودية السوق الدوائي الأردني والضرائب المفروضة عليه.

وأضافوا أن من بين الأسباب عدم انعكاس التنافسية بين شركات الأدوية، بالإضافة إلى احتكار سوق الدواء من قِبل عدد محدود من الشركات، التي تتحكم بالأسعار، محققةً أرباحاً عاليةً.

ما سبق ذكره من أسباب، وسّع رقعة السوق السوداء للأدوية في المملكة، وأصبحت هناك صفحات مخصصة لبيع الأدوية المهرّبة من تركيا ومصر، حسب ما أكد صيادلة، وأضافوا أن مشكلة الأدوية التي تدخل بشكل مهرب أنها لا تخضع للرقابة ولا لقوانين جودة الدواء.

يقول دكتور في قطاع الأدوية، فضّل عدم ذكر اسمه، إن أحد أسباب ذهاب المرضى إلى السوق السوداء، هو الربح المبالغ فيه من قبل الشركات والصيدليات، فقد يصل الربح في بعض المستحضرات التجميلية أو المكملات الغذائية إلى نحو 3،000% وربما أكثر. وفي بعض الأدوية يصل الربح إلى نحو 500%، بحسب حديث الدكتور، فالدواء الذي كلفته دولار، يباع بأكثر من 100 دولار، وهذا الربح بمعرفة الحكومة والجهات الرقابية.

وكان رئيس الحكومة الأردني قد سمح في العام 2022، بإدخال الأدوية الشخصية للمريض عبر المراكز الحدودية، الأمر الذي ضرب قرار المؤسسة العامة للغذاء والدواء، بمنع إدخال أي دواء من دون موافقة الجمارك، وهو ما فتح الباب أمام عمليات تهريب الأدوية، بعد أن كان دخول الأدوية حكراً على مؤسسة الغذاء والدواء، وفقاً لحديث رئيس جمعية مستودعات الأدوية، الدكتور ثامر عبيدات.

 أكثر من 774 ألف دواء مهرب تم ضضبطهم مؤخرا في الأردن، نصفهم منشطات ومكملات

مخالفات بالجملة

إدارة الجمارك كشفت أن حجم الأدوية المضبوطة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بلغ أكثر من 774 ألف دواء، مشيرةً إلى أن نصفها من المنشطات والمكملات، ومبيّنةً أن عدد الأدوية المنشّطة المهرّبة بلغ 343 ألفاً و921 منشّطاً ومكمّلاً غذائياً، وأن المجموع الكلي للغرامات المالية بلغ أكثر من 317 مليون دينار، فيما بلغ عدد المخالفات الكلي أكثر من 11 مليون مخالفة، مضيفةً أن 98 في المئة من الأدوية المقلّدة والمزوّرة صدرت في شأنها أحكام إتلاف ومصادرة وغرامات.

أما إحصائيات المؤسسة العامة للغذاء والدواء، فقالت إن عدد مخالفات بيع الأدوية المهربة والمزورة بلغ 56 مخالفةً في عام 2018، بالإضافة إلى تسجيل 26 قضيةً تتعلق بأدوية مهربة، و30 ضبطاً لأدوية مزوّرة، وفي العام 2019، 21 مخالفةً، فيما سجّلت 10 قضايا أدوية مهربة، و11 ضبطاً لأدوية مزوّرة.

وقد بلغ في العام 2020، عدد المخالفات المسجلة لدى الغذاء والدواء، نحو 50 مخالفةً، بينما سُجّلت 24 قضية أدوية مهربة، و26 ضبطاً لأدوية مزوّرة، وفي عام 2021 بلغ عدد الأدوية المهرّبة 20 دواءً والأدوية المزوّرة 24 دواءً، بمجموع 4 مخالفات، أما في عام 2022 فبلغ عدد الأدوية المهربة 50 دواءً والأدوية المزوّرة 56 دواءً، وبلغ مجموع المخالفات 106 مخالفات.

تحذير نقابي وطمأنة رسمية

نقابة الصيادلة طالبت في بيان لها الحكومة بتحمل مسؤولياتها في ضبط وإيقاف دخول الأدوية تحت غطاء الاستخدام الشخصي أو من خلال المواقع الإلكترونية غير المرخصة والمجهولة المصدر والتي لا تعتمد أي معيار طبي يحافظ على صحة الإنسان الأردني برغم أن المعايير العالمية تحدد ضوابط من بينها الوصفة الطبية والتقرير الطبي للحصول على الدواء.

وأكدت النقابة أن المشكلة تفاقمت، وتحولت إلى تجارة منظمة، خاصةً على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض التطبيقات الإلكترونية وأن التجارة غير المرخصة والمجهولة المصدر غير آمنة، وضحيتها الأولى المواطن وصحته.

عقّبت مؤسسة الغذاء والدواء، بالقول إنها تقوم بعملها في التصدي لمحاولات إدخال الأدوية المهربة والمزورة من خارج المملكة، على أكمل وجه، مشيرةً إلى أن شركات ومصانع الأدوية تعمل على توفير الأدوية، سواء من خلال تصنيعه، أو استيراده في أسرع فترة ممكنة.

بين الطمأنة الرسمية والتحذير النقابي، يبقى المرضى يبحثون عن أدوية لأمراضهم، ولن يحصلوا عليها بأسعار معقولة في ظل غياب شبكة التأمين الصحية التي تحدثت عنها الحكومات على مدار السنوات الماضية، في حين يستمر سماسرة الأدوية في حصد المزيد من الأرباح على حساب صحة المرضى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard