شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
على خُطى الجدّات... ما هي

على خُطى الجدّات... ما هي "تقنيات" المغربيات للادّخار؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 8 مارس 202303:50 م

"أعتمد على ادّخار جزء من راتبي الشهري في حساب توفير في إحدى الوكالات البنكية، كما أعمل في الوقت نفسه على ادّخار القطع المعدنية في علبة "صْنْدُوقة"، وفتحها فقط عند الحاجة الماسّة إلى ذلك، أي في الحالات التي قد لا أجد فيها ثمن بعض الأغراض"؛ بهذه الطرائق تعمل سميرة، الطالبة، على ادّخار بعض الأموال، للأيام الصعبة.

تضيف في حديثها إلى رصيف22: "بالنسبة إلى القرعة (نظام تعاوني لجمع المال بين الأفراد)، كنت أقوم بها برفقة مجموعة من النساء قبل فترة كورونا، إذ كان لي عمل قار، وهي وسيلة مضمونة وجدّية في جمع المال"، مشيرةً إلى أن "الادّخار يُعدّ ثقافةً في المجتمع المغربي، خاصةً لدى النساء، وذلك مُكتسب منذ الصغر عن طريق التنشئة الاجتماعية، إذ نجد الآباء والأمهات يشجّعون أولادهم على تعلّم طريقة جمع النقود التي يحصلون عليها في علبة من طين أو خشب، واستخراجها عند السفر أو خلال مناسبات معيّنة".

الادّخار يُعدّ ثقافةً في المجتمع المغربي، خاصةً لدى النساء، وذلك مُكتسب منذ الصغر عن طريق التنشئة الاجتماعية

تعمل سميرة على ترسيخ تقاليد نسائية تمتد لعقود بين النساء المغربيات لتكوين ضمانات في مواجهة تقلبات الحياة.

سيدات مغربيات كثيرات، يعتمدن في الادّخار على المزج بين الطرق التقليدية والعصرية، غير أن الواقع المغربي تغيّر بعد تفشي جائحة "كورونا"، وما تلاها من أزمات اقتصادية مُلحّة، وباتت جل طرائق الادّخار تشبه المغرب القديم؛ إذ كانت الجدّات يعتمدن على شراء الذهب، وقطع "اللويز"، وهي عملة ذهبية، تعود نسبتها إلى لويس الثالث عشر، انتشرت في أوساط المغاربة في عهد الحماية الفرنسية، وكذا تكديس الأموال في أماكن سرّية داخل المنزل، وغيرها من الطرائق المتعارفة منذ قرون، في جمع المال.

أشتري "اللويز"

فاطنة، سيدة سبعينية، تقطن في قلب منطقة شعبية في مدينة الرباط، تقول إن "شراء الجوهر واللويز، وجمع بعض المال في الوسادة، من أبرز طرائق الادّخار المُعتمدة لدي، وكذلك لدى جُملة من النساء ممن أعرف؛ غير أن الأجيال قد تغيرت، وكذلك تفكيرها، لكن يظل الادّخار أسلوباً طبيعياً لضمان غد أفضل"، مسترسلةً: "كنت آتي بالأموال التي أدّخرها من خلال توفير القليل من المال من المصروف اليومي الذي كان يأتيني به المرحوم زوجي، أو من المال الذي يرسله لي أبنائي شهرياً، في الوقت الحالي".

"كان الله في عون الشباب في زمننا هذا، لقد ارتفعت الأسعار جداً، والبطالة تزايدت، والديون تراكمت، الشيء الذي انعكس كذلك على النساء المغربيات، خاصةً ربّات البيوت، حيث بات من الصعب عليهن الادّخار بشكل سلس ومُستمر"، تضيف فاطنة، في حديثها إلى رصيف22، مشيرةً في الوقت ذاته إلى كون "نساء كثيرات يعتمدن على شراء العقارات، سواء كانت منازل أو بقعاً أرضيةً، وتركها للزمن، حيث سترتفع أسعارها، وتصبح أموالاً مُخزّنةً، أو ميراثاً لضمان مستقبل أفضل للأبناء".

شراء الجوهر و"اللويز"، وجمع بعض المال في الوسادة، من أبرز طرائق الادّخار المُعتمدة لدي، وكذلك لدى جُملة من النساء ممن أعرف

وبالرغم من كون أساليب الادّخار التقليدية، التي كانت تعتمدها النساء المغربيات فعّالةً، ولا تزال تحظى بالقبول والاستحسان من طرف فتيات الجيل الحالي، إلا أنها لا تخلو من الانتقاد، حسب ما أكدت صفية، وهي شابة ثلاثينية، تعمل موظفة في القطاع الحكومي، بالقول: "نعم أعتمد على أسلوب الجمعية القرعة، في جمع المال، بالرغم من أن الضمان فيها لا يتجاوز حدود الثقة والنيّة، ولو تعلّق الأمر لسنوات طِوال، وبمبالغ مُهمة، ففي الأول والأخير لا تكون هناك أي وثيقة تضمن لكن أموالك المُستحقة سوى معرفتك الجيدة بالنساء اللواتي يكنّ طرفاً في العملية".

تضيف صفية، أن "شراء الذهب بالرغم من كونه أفضل حلّ للادّخار في ظلّ التضخم الحالي، إلا أنه إن كثُر، يُصبح الخوف ملازماً لك، من أجل حمايته"، مردفةً: "يظل الحل الأمثل للادّخار بالنسبة لي هو استثمار المال في مشروع صغير، أو تركه في البنك، تجنباً لأي شكل من أشكال المخاطرة".

شراء الذهب بالرغم من كونه أفضل حلّ للادّخار في ظلّ التضخم الحالي، إلا أنه إن كثُر، يُصبح الخوف ملازماً لك، من أجل حمايته

وفي هذا السياق يقول صلاح الدين البدوي، وهو مُتخصّص في المقاولات وصاحب فضاء للعمل التشاركي لتطوير أفكار المقاولات، إن "الإنسان بصفة عامة في وقت الأزمات، يميل إلى الادّخار، وهو شيء مُستلهم من الطبيعة الإنسانية وكذا من الحيوان، ففي وقت الرخاء يجب أن يدّخر لوقت الأزمة، لكن مع أزمة كورونا واندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا وارتفاع الأسعار، أصبح المُواطنون يميلون إلى الادّخار بشكل أكبر، على خلاف كافة الأزمات التي حصلت سابقاً".

"إذاً، الإنسان أصبح وكأنه يميل إلى صرف المال على الأولويات فقط، وكذا الادّخار، كل شخص بحسب قدرته المادية"، يؤكد البدوي في حديثه إلى رصيف22، مسترسلاً في بسط أنواع الادّخار المعروفة بقوله: "منهم من تجده يميل إلى الاستثمارات الكبرى، إذ من المعروف أن الحصاد المادي بعد وقت الأزمات يكون أكبر، فتجدهم يوظفون أموالهم في العقارات أو في مشاريع تدرّ الكثير من المداخيل، وهناك من يميل إلى الاستثمار في بقعة أرضية أو في شقة من السكن الاجتماعي أو الاقتصادي (سكن مموّل من الدولة)، لتأجيرها أو لبيعها في وقت لاحق".

"هناك من يعتمد على القرعة أو "دارت" كما تُعرف بين النساء أساساً، أو على شراء الذهب، لأنه عادةً ما يظل ثمنه ثابتاً مع مرور السنوات، أو في شراء العُملات من قبيل الدولار أو اليورو مثلاً، ويحتفظ به من أجل بيعه لاحقاً، في الوقت المُناسب"، يردف المتحدث نفسه، موجهاً نصيحةً إلى النساء الراغبات في الادّخار في وقت الأزمات بأنه "يتوجب عليهن البحث جيداً، أين يُمكنهن الاستثمار، والكيفية الجيدة لادّخار أموالهن، قبل خوض تجربة شخص آخر، إذ إن التجارب تختلف وكذلك الوضعية المادية، فما يُناسب إنسان ما قد لا يليق بإنسان آخر".

لم يعد في وسعهم الادّخار

برغم أن الادّخار سلوك اجتماعي منتشر في أوساط المغاربة، فقد كشف استطلاع بعنوان "المغاربة والادّخار: المعيقات والدوافع"، أجرته مجموعة "سونيرجيا"، نهاية 2022، أن المغاربة أصبحوا عاجزين عن الادّخار بسبب الأوضاع الاقتصادية الحالية.

وقال التقرير إن "79 في المئة من المغاربة المستجوبين غير قادرين على الادّخار، إذ إن وضعهم المالي لا يسمح لهم بذلك"، وبالرغم من أن هذا المعدل وصل إلى نسبة 85 في المئة، إلا أنه لم يكن يستثني النساء، اللواتي بدورهنّ قلّت مواردهن، فباتت نسب الادّخار لديهن ضعيفةً.

استطلاع بعنوان "المغاربة والادّخار: المعيقات والدوافع"، أجرته مجموعة "سونيرجيا"، نهاية 2022، أن المغاربة أصبحوا عاجزين عن الادّخار بسبب الأوضاع الاقتصادية الحالية

أضاف التقرير أن "51 في المئة من المغاربة يعتمدون على الادّخار لمواجهة حالات الطوارئ"، مضيفاً أن "13 في المئة من الأشخاص الذين يخصصون حصةً ضئيلةً من المال، بشكل منتظم، يقدمون على الادّخار لدواعي الاستثمار أو لتنفيذ مشروع ما، فيما يدّخر 9 في المئة لأجل اقتناء منزل، و4 في المئة لشراء سيارة، و11 في المئة يدّخرون بدافع المتعة أو فقط لأنهم يحبون الادّخار"، مضيفاً أن "11 في المئة من المستجوبين، يدّخرون من أجل تمويل متطلبات الدراسة لأبنائهم وضماناً لمستقبلهم".

وكشف الاستطلاع نفسه، أن "32 في المئة من المغاربة يدّخرون، في مقابل 68 في المئة ليسوا قادرين على ادّخار المال" مشيراً إلى أن "مستوى الادّخار ينخفض باختلاف الفئات السوسيو-مهنية"؛ الشيء الذي أدّى إلى جُملة من علامات الاستفهام لدى عدد من روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى البرلمان، ممّا دفع البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية نعيمة الفتحاوي، إلى توجيه سؤال إلى رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، بخصوص "الإجراءات التي سيتخذونها من أجل تحسين مؤشر الادّخار لدى عموم المواطنين"، بالقول إن الأرقام التي كشف عنها الاستطلاع تشير إلى "ضعف تدنّي القدرة على الادّخار عند المغاربة وما يشكله من خطورة على الاستقرار المادي والاجتماعي للأسر".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard