شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"مجمع سجون بدر" في مصر... "عقرب" جديد يدفع نزلاءه إلى الانتحار

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

روايات مفزعة وظروف مأسوية كشفت عنها تقارير وشهادات وشكاوى عدد من المسجونين وأسر محبوسين في مركز الإصلاح والتأهيل في مدينة بدر، المعروف باسم "مجمع سجون بدر" شمال شرقي العاصمة المصرية القاهرة.

وأطلقت منظمات حقوقية مصرية وإقليمية جرس إنذار بشأن ما يجري داخل أحد أبرز السجون المصرية إثارة للجدل رغم حداثة عهده، في وقت أعلنت السلطات إنشاءه ضمن منظومة "مراكز الإصلاح" الجديدة بدعوى "تطوير منظومة التنفيذ العقابي، تطبيقاً لمحاور الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وفي سبيل احترام الحقوق والحريات وتهيئة حياة ومعاملة كريمة لجميع المواطنين في البلاد".

وأعلن المحامي خالد المصري، الحقوقي وعضو نقابة المحامين العرب، أن وزارة الداخلية أعلنت عن السماح بزيارة استثنائية في جميع السجون المصرية "عدا بدر 3 والقضايا الممنوعة من الزيارات في باقي السجون، بمناسبة عيد الأم" من 1 الشهر الجاري إلى 3 منه.

وقد خلا الإعلان من أي تعليق سياسي، بهدف نقل خدمة لأهالي المحبوسين الصادرة ضدهم أحكاماً بالسجن يجري تنفيذها.

منظمات حقوقية: محاولات انتحار المساجين تمثل مؤشراً خطيراً على حجم الانتهاكات التي يواجهها المحبوسون داخل السجون بشكل عام، وسجن بدر الجديد بشكل خاص. والسلطات المصرية تصمت عن النفي أو التعليق

وينص الدستور في مادته 56 المتعلقة بحقوق السجناء، على أن السجون هي مراكز للإصلاح والتأهيل ويحظر فيها كل ما يضر بالسجين وما ينافي كرامة الإنسان. كما ينص قانون السجون المعدل على حق السجناء جميعاً من دون تمييز في تلقي زيارتين شهريتين من ذويهم، وحق مطلق في المراسلة والتواصل الهاتفي (بمقابل مادي) ويحظر القانون على السلطات منع الزيارة عن السجناء إلا بموجب أمر قضائي من النيابة العامة أو قاضي التحقيق.

روجت السلطات لسجن بدر بزيارات لإعلاميين وصحافيين وبعثات دبلوماسية ونواب البرلمان، وأذاعت فيلماً دعائياً بعنوان "بداية جديدة"، في محاولة للترويج للسجن كبداية لحل أزمة الأوضاع الحقوقية المتعلقة بسوء أوضاع الاحتجاز في البلاد

واقع يهدم "البروباغندا الهزلية"

في نهاية ديسمبر/ كانون الأول من عام 2021، أعلنت وزارة الداخلية بدء التشغيل التجريبي لمركز الإصلاح والتأهيل ببدر على مساحة 85 فداناً في منطقة بدر بالصحراء الشرقية، قرب العاصمة الإدارية الجديدة (على بعد أقل من 60 كلم شرق القاهرة)، وذلك ضمن عدد من السجون الجديدة (تقدرها تقارير بـ49 سجناً)، وفق خطة تقوم على استبدال السجون العمومية بـ"مراكز الإصلاح والتأهيل"، تمهيداً لنقل مسجونين سياسيين إليها، وإخلاء منطقة مجمع سجون طرة على ضفاف النيل وسط العاصمة القاهرة، كي تستغل أرض السجن التاريخي في مشاريع الاستثمار العقاري.


وسط أجواء دعائية أثارت الانتقادات والسخرية، روجت السلطات للسجن الحديث العهد بزيارات لإعلاميين وصحافيين وبعثات دبلوماسية ونواب البرلمان، فضلاً عن أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان. وأذاعت فيلماً دعائياً عبر عدد من القنوات الحكومية والخاصة بعنوان "بداية جديدة"، مستعرضة مرافق السجن في محاولة للترويج له كبداية لحل أزمة الأوضاع الحقوقية المتعلقة بسوء أوضاع الاحتجاز في البلاد. لكن الأخبار التي تواترت خلال الأيام الماضية ونشرتها منظمات حقوقية دولية، من دون نفي من السلطات، حول انتحار عدد من النزلاء بسبب منعهم من الزيارة وتعرضهم لانتهاكات نفسية وبدنية، تفيد هذه الأخبار بأن مركز الإصلاح والتاهيل في بدر، هو فعلاً فاتحة فصل جديد، ولكنه فصل من الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان.

انتهاكات بالجملة

تشير الشهادات إلى نقل السجناء من دون إخطار أسرهم بمكان احتجازهم الجديد، فكان عدد من الأهالي ينتقل في اليوم الواحد بين منطقة سجون طرة في جنوب القاهرة إلى سجن أبو زعبل في شمالها وسجن بدر في شرقها بحثاً عن أقاربهم

تلاشت آثار الدعاية الحكومية حول فصل جديد من احترام حقوق الإنسان في السجون، مع بدء النقل الفعلي للسجناء إلى المجمع الجديد، حيث بدأت شكاوى السجناء وأسرهم والمحامين من المعاناة المستمرة التي باتوا يعيشونها، والتي زادت أوضاعهم سوءاً عن ذي قبل.

كذلك هنالك تقارير حقوقية كشفت عن أن عددا، من النزلاء فور وصولهم إلى السجن الجديد، تم تجريدهم من المتعلقات الشخصية، واحتجازهم في زنازين ضيقة بها كاميرات مراقبة تعمل 24 ساعة في الزنازين الجماعية والانفرادية، إلى جانب تسليط كشافات ضوئية على السجناء السياسيين مما يمنعهم من النوم. وثمة سجناء آخرون تعرضوا للإصابة بانهيار عصبي خاصة السجناء القادمين من سجن شديد الحراسة إذ لم يتعرضوا للشمس ولا الضوء فترات طويلة، نتيجة تعرضهم للكشافات بشكل مستمر، وهذه جميعها تنتهك الحقوق الأساسية للسجناء كما تنص عليها “قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء” (قواعد نيلسون مانديلا).

تشير الشهادات إلى نقل السجناء من دون إخطار أسرهم بمكان احتجازهم الجديد، فكان عدد من الأهالي ينتقل في اليوم الواحد بين منطقة سجون طرة في جنوب القاهرة إلى سجن أبو زعبل في شمالها وسجن بدر في شرقها بحثاً عن أقاربهم، وبعد تأكدهم من وجودهم في سجن بدر الجديد منعت إدارة السجن الزيارات عن السجناء السياسيين، خاصة المحتجزين منهم بسجن بدر 3، ومُنِع ذووهم من توصيل الطعام (الطبلية) والملابس، والكتب، والورق، وأدوات النظافة، والمراسلات.

حيل بيان مسرب وتقارير حقوقية، شهد سجن العقرب 3 إضرابات جماعية عن الطعام، ومحاولات انتحار، اعتراضاً على سوء أوضاع الاحتجاز، فضلاً عن حظر الزيارات العائلية وعدم كفاية الرعاية الصحية

مزيد من السجون مزيد القيود

وكشفت ورقة بحثية لـ “مبادرة الإصلاح العربي”، وهو مركز أبحاث في باريس، أن الحكومة المصرية أنشأت عشرات السجون الجديدة بين عامي 2013 و2021، منها سبعة على الأقل تحت إدارة قطاع مصلحة السجون، ما يرفع عدد السجون تحت إدارتها إلى 49. وأفادت تقارير بأن أكثر من 30 سجناً جديداً أُنشئ تحت إدارة هيئات أخرى (تحديداً مديريات الأمن) التابعة لوزارة الداخلية، ما يرفع عدد منشآت الاحتجاز الرسمية إلى 168 في 2021، هذا فضلاً عن مراكز الشرطة.

في 2013، وقبل إنشاء السجون الجديدة، قال المشرف على قطاع مصلحة السجون في وزارة الداخلية إن هناك 44 سجناً تحت إدارته، يمكنها استيعاب حتى 75 ألف شخص.

وتقع بعض السجون الجديدة في مجمع السجون الجديد في وادي النطرون، على بعد 100 كيلومتر شمال شرقي القاهرة، الذي افتُتح في أكتوبر/ تشرين الثاني 2021. وقال السيسي إنه أكبر مجمع سجون تم بناؤه في مصر ووصفه بأنه يتبع “نسخة أمريكية كاملة". وبينما زعمت وسائل إعلام مصرية أنه أحد أكبر السجون في العالم، لم تكشف السلطات عن تكلفة البناء أو قدرته الاستيعابية القصوى، بينما قال المجلس القومي لحقوق الإنسان في 2022 إن بإمكان المجمع استيعاب أكثر من 20 ألف شخص.


إضراب ومحاولات انتحار وصنوف من سوء المعاملة

أخيراً، بحسب تقارير حقوقية، شهد سجن العقرب 3 - الذي يضم سجناء رأي بارزين- إضراباً جماعياً عن الطعام ومحاولات انتحار، اعتراضاً على سوء أوضاع الاحتجاز، فضلاً عن حظر الزيارات العائلية وعدم كفاية الرعاية الصحية، إذ ناشد النزلاء المنظمات الحقوقية والدولية سرعة التدخل لإنقاذهم مما وصفوه "موتاً بطيئاً".

نقلت التقارير انتهاكات الحقوق الأساسية للمحتجزين، من بينها إنشاء قاعات محاكمة داخل السجن في عصف باستقلال القضاء، إذ لا يمكن للمحتجز أن يدافع عن نفسه ولا من ينوب عنه داخل أسوار السجن الذي تحتجز فيه حريته

وفقاً لبيان مسرب من داخل السجن، قرر عدد من السجناء فتح الفتحات الخاصة بالأبواب الإلكترونية وغلق كاميرات المراقبة في الغرف، والدخول في إضراب كلي، الأمر الذي واجهته إدارة السجن باستدعاء أفراد من القوة الضاربة والأمن المركزي الذين اقتحموا الغرف، وتم توزيع بعض هذه الغرف على التأديب. نتيجة لذلك شنق أحد المسجونين نفسه ولم يستطع زملاؤه إنقاذه، ولجأ آخر إلى قطع شرايين يده، وأصيب ثالث بأزمة قلبية حادة نتيجة التعامل الأمني معه، وتم إسعافه بعدها بساعات، ونُقل آخر إلى مستشفى بدر بعد قطعه هو أيضاً شرايين يده.

جماعة الإخوان المسلمين – المصنفة إرهابية من قبل السلطات المصرية –  حمّلت النظام المصري المسؤولية الكاملة عن صحة المرشد العام للجماعة  المودع بالسجن المشار إليه، محمد بديع - 79 عاماً- الذي أعلن إضرابه عن الطعام اعتراضاً على ظروف احتجازه، مطالبة بتشكيل وفد لتقصي الحقائق في مجمع سجون بدر، بعد ورود أنباء عن انتهاكات بالغة أودت بحياة بعض السجناء.  

وثمة تقارير حقوقية كشفت عن أن أوضاع الاحتجاز داخل المجمع "غاية في السوء"، حتى أن أهالي المحتجزين فيه أطلقوا عليه لقب “العقرب الجديد”، نسبة إلى سجن طرة المشدد الحراسة 992، المعروف باسم "العقرب الشديد الحراسة"، وهو من أشهر السجون السيئة السمعة دولياً.

التقارير نقلت أيضاً انتهاكات أخرى للحقوق الأساسية للمحتجزين، ومن بينها إنشاء قاعات محاكمة داخل السجن في عصف باستقلال القضاء، وانتقاصاً من معايير المحاكمة العادلة، إذ لا يمكن للمحتجز أن يدافع عن نفسه ولا من ينوب عنه داخل أسوار السجن الذي تحتجز فيه حريته.

كما شملت الانتهاكات شكاوى عدة من المحتجزين من الإهمال الطبي، رغم أن المجمع يضم ثلاثة مراكز تأهيل، بالإضافة إلى المركز الطبي المجهز بسعة 175 سريراً، وغرفتي عمليات، وحجرة عمليات قسطرة، و18 غرفة عناية مركزة، و11 عيادة خارجية، وأربع وحدات للغسيل الكلوي، بحسب البيان المعلن من السلطات المصرية.

كذلك اقتصرت الزيارات على مرة واحدة شهرياً، خلافاً لقانون مصلحة السجون، وتم منع العديد من الأغطية والملابس للمحتجزين، رغم انخفاض درجات الحرارة خلال تلك الفترة من العام، مع منع إدخال أسرهم عدداً من الأطعمة فيما يعرف بـ"الطبلية"، على الرغم من أن التعيين (طعام السجن) الذي يقدم للنزلاء صار أقل من المعتاد نظراً للظروف الاقتصادية، فضلاً عن الارتفاع الجنوني للأسعار داخل الكانتين (كافيتيريا السجن).

وجرى رصد منع عدد من النزلاء من التعرض للشمس بأي شكل من الأشكال، بالإضافة إلى إضاءة الأنوار داخل الغرف طوال الـ24 ساعة، وهو الأمر الذي يمنع النوم بشكل منتظم للمحبوسين، عدا وضع كاميرات مراقبة تعمل طوال اليوم داخل الغرف.

قبل دخوله غرفة الزيارة لرؤية أبنائه من داخل السجن، وجد أبو الفتوح، المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب مصر القوية، أنها من المقرر أن تتم الزيارة من وراء حاجز زجاجي بالهاتف فقرر الامتناع عنها، مكتفياً بكلمتين "الوضع قاتل"

بالإضافة لذلك، تعددت شكاوى المحامين وأهالي السجناء من عناء الذهاب إلى مقر مجمع سجون بدر لحضور الجلسات، أو للزيارة، خاصة أن السجن يبعد حوالى 68 كيلومتراً عن وسط القاهرة.

نتيجة لكل تلك الانتهاكات بحقهم، أعلن محتجزون في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، إضرابهم عن الطعام، في الوقت الذي رُصدت وفاة خمسة محتجزين بسبب الإهمال الطبي وسوء أوضاع الاحتجاز.

تعسف وتحرش ومنع من الرعاية والقراءة

"من اتخذ قرار نقل والدي من سجن مزرعة طرة إلى سجن بدر متجرد من كل شيء، ولا بد من محاكمته بتهمة القتل العمد"، هكذا وصف أحمد أبو الفتوح، نجل المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب مصر القوية، الأوضاع داخل السجن الجديد، مشيراً إلى نقل والده بملابسه التي يرتديها فقط، من دون ملابس أخرى أو غطاء أو متعلقات شخصية، إلى زنزانة انفرادية لا تضم سوى مرتبة على الأرض، ومراقبة بالكاميرات طوال اليوم، من دون توافر أبسط مقومات الحياة الكريمة.

قبل دخوله غرفة الزيارة لرؤية أبنائه من داخل السجن، وجد أبو الفتوح - 71 عاماً – أنها من المقرر أن تتم الزيارة من وراء حاجز زجاجي بالهاتف فقرر الامتناع عنها، مكتفياً بكلمتين "الوضع قاتل".

لم يلتق المرشح الرئاسي السابق، الذي بدأ عامه السادس خلف القضبان، أسرته بشكل طبيعي منذ ثلاث سنوات، في وقت تتواصل شكاوى أسرته من التدهور الشديد في أوضاعه الصحية. وهو قرر كتابه وصيته الأخيرة لأسرته بعدما فقد الأمل في تحسن أوضاعه أو خروجه قريباً، داعياً بـ"حسن الخاتمة".


تعرض الباحث أحمد سمير لواقعة إهمال جسيم أثارت زعر زملائه بالعنبر، حيث عانى ما يشبه التهيج في الجهاز التنفسي إثر تنظيف إدارة السجن الزنازين والعنبر بمواد أثرت عليه كونه مصاباً بفيروس كورونا

في فبراير/ شباط المنتهي، قالت أسرة الناشط السياسي أحمد دومة إن أوضاع حبسه تسوء يوماً بعد يوم منذ نقله من سجن طرة إلى سجن بدر، وتحديداً بعد ما اعتبره دومة تهديداً لحياته عقب السماح له بالتريض مع "متهمين من داعش"، وهو ما ترتب عليه سلسلة من الاعتداءات اللفظية عليه أكثر من مرة، وأكدت الأسرة أن حياة دومة عرضة للخطر.

وأشارت الأسرة في بيان مقتضب إلى منعه من التريض، "وبعد إبداء استيائه من الوضع استخدمت إدارة السجن قوات التدخل السريع، وأغلقت الأنوار وكاميرات المراقبة، وطالبته بالخروج إذا أراد للتريض وهو ما رفضه بشكل تام"، متسائلة: "متى ينتهي هذا الكابوس".

 

ويقضي دومة عقوبة بالسجن 15 عاماً في القضية المعروفة إعلامياً باسم "أحداث مجلس الوزراء"، التي تعود إلى عام 2011 عقب ثورة 25 يناير.

في وقت سابق، طالب نحو 130 شخصية عامة وسياسية ومحامين وصحافيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، النيابة العامة بسرعة التحرك والتحقيق في أنباء الاعتداء على الناشط السياسي أحمد دومة داخل محبسه في سجن مزرعة طرة.

في 19 يوليو/ حزيران 2022 في سجن مزرعة طرة تعرض أحمد دومة للسب والضرب وهو مقيد اليدين والأرجل على يد رئيس مباحث سجن المزرعة ويدعى أحمد زين، بعدما تعرض الباحث أحمد سمير – أفرج عنه لاحقاً بعفو رئاسي- لواقعة إهمال جسيم أثارت زعر زملائه بالعنبر، حيث عانى ما يشبه التهيج في الجهاز التنفسي إثر تنظيف إدارة السجن الزنازين والعنبر بمواد أثرت عليه كونه مصاباً بفيروس كورونا. علماً أن سجناء العنبر يعانون إهمال إدارة السجن وعدم اتخاذها أي إجراءات طبية ووقائية للمصابين والمخالطين لهم.

"أنا مصدومة وخايفة على حياة أبويا، أحواله النفسية والصحية في تدهور، ده كله فوق الحبس الانفرادي والعزلة التامة ومنعه من التريض، المروحة شغالة 24 ساعة، وبابا بردان حتى باللبس الشتوي، النور النيون مفتوح 24 ساعة، مش عارف الليل من النهار ومش بينام، كاميرا 24 ساعة، شيء غير آدمي، سحبوا منه حتى المصحف، بابا رفض كل الأكل اللي جبناه ومع الأسف رجعني به"، حكت مريم ابنة رجل الأعمال الشهير صفوان ثابت المفرج عنه حديثاً - 76 عاماً - عن أول زيارة  لوالدها بعد نقله لسجن بدر، في أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

في سياق متصل، تقدمت مؤسسة حرية الفكر والتعبير الحقوقية في مصر، ببلاغ للنائب العام للمطالبة بفتح تحقيق شفاف وجاد بشأن ما أثير حول اتهام أفراد شرطة في سجن بدر بالتحرش جنسياً بالسجين عمر محمد علي، في وجود مفتش مباحث السجن، ودعت خمس منظمات – إحداها حرية الفكر – لجنة العفو الرئاسي إلى إدراجه ضمن قوائم العفو.

ووفقاً للمنظمات، تعود الواقعة ليوم 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أثناء تفتيش أفراد الشرطة لعمر عقب وصوله لسجن بدر مرحلاً من سجن مزرعة طرة، إذ نزع ثلاثة أفراد من الأمن ملابسه بقوة وهو مكبل اليدين، وتحرشوا به بشكل متكرر، في حضور أحد مفتشي المباحث، وفي مكان يحوي عدداً من كاميرات المراقبة.

 

أوضحت المنظمات الخمس أن الواقعة تمثل مؤشراً خطيراً على حجم الانتهاكات التي يواجهها المحبوسون داخل السجون بشكل عام، وسجن بدر الجديد بشكل خاص، مؤكدة أن "الانتهاكات المتزايدة داخل سجن بدر، بحسب شكاوى العديد من المحبوسين السياسيين، تشير لعدم وجود تغيرات في سياسة الأجهزة الأمنية داخل السجون، إلى جانب التناقض الواضح مع ما تطرحه السلطات المصرية من إجراءات تقول إنها تستهدف إحداث تغييرات حقيقة بملفات حقوق الإنسان. فبدلاً من ضم عمر لقوائم العفو، تماشياً مع قرار رئيس الجمهورية بتفعيل لجنة العفو والإفراج عن بعض سجناء الرأي، تتصاعد الانتهاكات بحقه، وصولاً للتحرش الجنسي به".

آخر تقرير سنوي حول عدد السجناء أصدره “قطاع مصلحة السجون” التابع لوزارة الداخلية يعود إلى التسعينيات، بينما في السنوات الأخيرة تكرر رفض مسؤولين كبار، منهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، الإجابة عن أسئلة الصحافيين حول أعداد السجناء

حتى "عنبر الإعدام" لم يخلُ من الانتهاكات

في أكتوبر/تشرين الأول 2022، أدانت حملة "آخر سجين" التي أطلقها نشطاء وحقوقيون ما وصفته بـ"سوء المعاملة والتعذيب النفسي والبدني الممنهج بحق سجناء عنبر الإعدام بمركز الإصلاح والتأهيل (بدر 1)، والمعروف بسجن بدر1.

ووثقت الحملة إساءة معاملة نزلاء العنبر بدءاً بمنع الزيارة عنهم، وتعمد إدارة السجن توفير كميات ضئيلة من الطعام لهم، والتعذيب بالاعتداء البدني عليهم، إذ تلقت شهادات من مصادر مطلعة على الأوضاع في السجن تلفت إلى تصاعد وتيرة الانتهاكات منذ الأسابيع الأخيرة من سبتمبر/أيلول 2022 بحق نزلاء عنبر الإعدام، وقيام إدارة السجن بتقييد أيديهم أياماً متتالية، وفصلهم في زنازين انفرادية، وعزلهم عن بقية سجناء السجن.

نزلاء عنبر الإعدام بسجن بدر 1 يعانون أيضاً منذ نقلهم إليه من المنع من الزيارة، وحظر الوصول إلى المواد الأساسية مثل الملابس والدواء والأغطية والطعام، والمنع من الشراء من كافتيريا السجن (الكانتين)، ومنع التواصل مع الأهل والمحامين، وعدم الحصول على الرعاية الصحية اللازمة.

اتهامات بكذب الإحصاءات

طالبت تسع منظمات حقوقية مصرية ودولية السلطات المصرية بزيادة الشفافية عبر نشر أعداد المحتجزين والسجناء في البلاد، في إطار قمع المعارضة في مختلف أنحاء البلاد.

وأوضحت المنظمات، في بيان بتاريخ 28 فبراير/ شباط 2023، تزامناً مع مناقشة ملف مصر أمام اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة في جنيف، أن آخر تقرير سنوي حول عدد السجناء أصدره “قطاع مصلحة السجون” التابع لوزارة الداخلية يعود إلى التسعينيات، بينما في السنوات الأخيرة تكرر رفض مسؤولين كبار، منهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، الإجابة عن أسئلة الصحافيين حول أعداد السجناء، مرجحة "ارتفاع أعداد السجناء كثيراً خلال حكم الرئيس السيسي بعد احتجاز السلطات عشرات آلاف المعارضين، أو مَن تعتقد السلطات أنهم معارضون، منذ أواخر 2013، إذ أدى القمع إلى اكتظاظ خطير في مراكز الاحتجاز ومفاقمة أوضاعها المزرية، التي هي أصلاً غير إنسانية".

باستثناء بعض السجون العسكرية التي تخضع لإشراف وزارة الدفاع، فإن جميع السجون الرسمية في مصر تديرها وزارة الداخلية عبر قطاع مصلحة السجون أو مديريات الأمن أو هيئات أخرى

قال عمرو مجدي، وهو باحث أول في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، إن  "الحكومة المصرية تحجب معلومات حول أعداد السجناء وكأنها أسرار دولة، لكن من حق المصريين معرفة عدد الأشخاص الذين تحتجزهم حكومتهم وكيف تعاملهم"، لافتاً إلى أن "غياب الشفافية حول أعداد السجناء يحرم المجتمع المدني من أدوات أساسية لتقييم فعالية النظام الجنائي، ورصد ظروف الاحتجاز، وغيرها من القضايا الحقوقية الأساسية".

قالت المنظمات إنه ينبغي للسلطات المصرية إنشاء قاعدة بيانات على الإنترنت تكون متاحة لعائلات المحتجزين كي تتمكن من تحديد مكانهم بسهولة ومتى يُنقلون وأين، وكذلك الوصول إلى معلومات حول وضعهم الصحي والقانوني، مع السماح للمنظمات بزيارة مراكز الاحتجاز، وإنشاء سلطة مستقلة لمراقبة السجون والتحقيق في ادعاءات سوء المعاملة، ونقل صلاحية إدارة السجون من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل.

وأضافت: "في السنوات الأخيرة، دأبت السلطات المصرية على نشر فيديوهات ومواد دعائية أخرى حول منشآت الاحتجاز الجديدة تقدم صورة وردية عن معاملة السجناء، بينما حجبت جميع أماكن الاحتجاز عن التفتيش المستقل من الصحافيين والمنظمات غير الحكومية، ويتقاعس القضاة وأعضاء النيابة العامة منهجياً عن زيارة السجون أو نشر بيانات شفافة حول ظروفها".

باستثناء بعض السجون العسكرية التي تخضع لإشراف وزارة الدفاع، فإن جميع السجون الرسمية في مصر تديرها وزارة الداخلية عبر قطاع مصلحة السجون أو مديريات الأمن أو هيئات أخرى. غير أن آلاف السجناء محتجزون في مراكز الشرطة، بالإضافة إلى مواقع احتجاز سرية غير رسمية يديرها “قطاع الأمن الوطني”.

رغم أن الحكومة المصرية لا تنشر أرقام عدد السجناء، قدم بعض المسؤولين معلومات وتقديرات غير وافية. إذ زعم مسؤولون في 2019 و2020 أنهم أفرجوا عن عشرات آلاف السجناء إفراجا كليا، أو مشروطا، مثل المسجونين بسبب تخلفهم عن دفع الديون. وفي 2017، قال رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب حينها علاء عابد في اجتماع برلماني إن نصف السجناء في مصر محبوسون احتياطياً، أي أنه لم يكن قد حكم عليهم قاضٍ بعد.

أرسلت المنظمات الموقعة كتاباً يتضمن أسئلة مفصلة حول عدد السجناء في 15 ديسمبر/كانون الأول 2022 و19 يناير/كانون الثاني 2023، إلى وزارة الداخلية، ومكتب النائب العام، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، لكنها لم تحصل على جواب.

وطلبت المنظمات من السلطات تزويدها معلومات حول عدد المحتجزين في السجون ومنشآت الاحتجاز الأخرى، مثل مراكز الشرطة ومنشآت الهجرة والمستشفيات، بالإضافة إلى تفصيل العدد تبعاً للشنوع الاجتماعي، والسن، والمحكومين مقابل المحبوسين احتياطياً.

وطلبت المنظمات أيضاً توضيح عدد المحتجزين لجرائم متعلقة بممارسة حقوقهم الدستورية السلمية والمحتجزين لجرائم متعلقة بالعنف السياسي. وطلبت كذلك معلومات عن أعداد منشآت الاحتجاز، وأنواعها، وقدرتها الاستيعابية. قالت المنظمات إنه في غياب الشفافية والمعلومات العلنية، يستحيل إجراء تقييم حقوقي شامل لظروف السجون أو بحث علمي حول الجريمة، أو دراسة العودة إلى الجريمة (معاودة ارتكاب الجرائم)، أو التكاليف الاجتماعية والاقتصادية للاعتقال، أو أساليب مكافحة الجرائم وتقليل نسبتها، أو الأثر على النساء والأطفال. مثل هذه الأبحاث المستقلة ضرورية لمعالجة قضايا الحبس الاحتياطي المطول، والاكتظاظ، وإدارة الأموال والموارد العامة في إطار إنشاء السجون وإدارتها على السواء.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard