شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
المساكنة والمثلية والحب المتعثر... مشكلات المدينة في الفيلم اللبناني

المساكنة والمثلية والحب المتعثر... مشكلات المدينة في الفيلم اللبناني"خبصة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الثلاثاء 28 فبراير 202301:22 م

على الرغم من مرور بضع سنوات على طرحه في التداول، يستحق الفيلم اللبناني "خبصة" الذي أنتج أواخر العام 2018 ويعرض عبر منصة نيتفليكس حالياً، الإشادة وإعادة تسليط الضوء عليه، لما يطرحه من قضايا وما يمتلكه من عناصر منسجمة مترابطة، وضع من خلالها إصبعاً على العديد من المشاكل الحياتية التي نعيشها، أبرزها: الحب المتعثر، المساكنة، المثلية الجنسية، العلاقات الزوجية الفاشلة، الأم العزباء، الأزمات المالية للشباب اللبناني وغيرها. وعولجت بأسلوب طريف وطرح واقعي بعيد عن محاولة اجتراح الحلول والمواعظ والهروب إلى الأمام.
الفيلم الذي أنتجته شركة "Godot films" أخرجه شادي حنا، الذي شارك أيضاً في كتابته بالتعاون مع الممثل عبودي ملاح، وقد قُدم العمل في إطار رومانسي كوميدي. 

نايلة وفارس

تدور أحداث "خبصة" حول شخصيتي "نايلة" التي تلعب دورها رولا بقسماتي، وهي السيدة المستقلة التي تعيش قصة حب عاصف مع "فارس" الذي يلعب دوره جنيد زين الدين، وهو الذي يحاول انتشال نفسه من دائرة المراوحة التي يعيش فيها بسبب أزماته المادية، فيلجأ إلى اقتراض مبلغ من المال لاستثمارها في مطعمه غير الناجح، إلا أن الأمور تعاكس مخططاته المالية وتتسبب بانهيار مخططاته الاجتماعية.

الحب المتعثر، المساكنة، المثلية الجنسية، العلاقات الزوجية الفاشلة، الأم العزباء، الأزمات المالية للشباب اللبناني وغيرها من المشاكل عالجها الفيلم بأسلوب طريف وطرح واقعي بعيد عن محاولة اجتراح الحلول والمواعظ والهروب إلى الأمام

علاقة الحب التي جمعت "نايلة" و"فارس" بمدها وجزرها لم يكتب لها الاستمرار بعد الوصول إلى حائط مسدود، فانتهت في يوم عصيب قرر فيه الثنائي مرغمين الانفصال بعد أربع سنوات من المساكنة. وذلك نتيجة مماطلة "فارس" وتهربه من وعود الزواج من نايلة بسبب تدهور ظروفه المالية.
لكن نايلة تعجز عن نسيانه، رغم محاولاتها المتكررة، إذ تعتبره رجل حياتها، لكن هذا الحب الذي لم يصل إلى الزواج تعارض مع رغبتها القوية بإنجاب طفل قبل أن يفوتها قطار العمر.
وربما يكون المشهد الأول الذي جمع "نايلة" و"فارس" وهو يغادر المنزل، وسؤالها له "آخد معك كل غراضك" والأغنية التي افتتح بها مايك ماسي الفيلم بكلماتها ولحنها أصدق تعبير واختصار لطبيعة العلاقة بينهما.

"إذا ضليت مش متفقين
واذا فليت فاضي البيت
خلي غراضك لما تروح
لما بشوفهن باخد روح
بحسك هون لولا بعيد
وإنك راجع عالاكيد
خليك هون بلا ما تروح
بلا هالقهر وبلا الجروح"

تتطور أحداث الفيلم بعد أيام طويلة من الانهيار الذي عاشته "نايلة" فتخرج لترفه عن نفسها وتستمتع بوقتها، فينتهي بها الأمر على باب مطعم "فارس"، لتتأجج نار حبهما من جديد من دون أن تعود المياه إلى مجاريها أو من دون أن تعود العلاقة لإطارها السابق، فأسباب انفصالهما لم تتغير بل ازدادت صعوبة بعد أن أضيفت إليها مشكلة ملاحقة الدائنين لـ"فارس" فيكتفيا بالبقاء صديقين مع خيار ممارسة الجنس متى أرادا.

كله يهون في سبيل طفل

تبلغ القصة ذروتها بعد أن تفقد "نايلة" أي أمل بالإنجاب من حب حياتها، وفي نفس الوقت تعجز عن التفكير حتى في أن تكون أماً عازبة من خلال عملية تلقيح صناعي قد تلجأ لها في الخارج، إذ تخضع لقانون الأحوال الشخصية اللبناني الذي لا يعترف بمثل هذا الخيار، فيعلق حلمها ومصيرها على علاقة زوجية من رجل لا تحبه قد يدمر حياتها.

تفشل "نايلة" في أن تكون أماً عازبة من خلال عملية تلقيح صناعي قد تلجأ لها في الخارج، إذ تخضع لقانون الأحوال الشخصية اللبناني الذي لا يعترف بمثل هذا الخيار

تقرر تغيير خطتها بتشجيع من صديقتها ماريا الـ"cool" التي تلعب دورها بإتقان تانيا نصر، وبعد نصائح زميلة سابقة لها في العمل التقتها صدفة في الـبار حيث كانت تمضي وقتاً ممتعاً مع الـ"BOY FRIEND" كما يفعل زوجها في المقابل في مكان آخر مع الـ"GIRL FRIEND"، وتتمحور خطة "نايلة" الجديدة بضرب عصفورين بحجر والعثور على رجل جديد كأب وزوج.
تواعد "فارس" على العشاء في منزلها، وتفاجئه بأنها ستقدم له "سيلفيو" الذي يلعب دوره عبودي ملاح على أنه حبيبها الجديد وزوجها المستقبلي.
تشتعل نار الغيرة في قلب "فارس" لكنها تقنعه أن حبيبها الجديد هو فرصته أيضاً للتخلص من ديونه، فهو رجل الأعمال الناجح الذي يعمل في البورصة ويدير شركة ضخمة تحقق الكثير من الأرباح.
"فارس" انتفض لكرامته ورجولته وهمّ بترك العشاء مرات عدة لكن دون جدوى، إذ عجز عن مواجهة إمكانيات العريس المقتدر وتأثير غيرته على "نايلة" من جهة، ومقاومة اقتناص فرصته الوحيدة للتخلص من ديونه من جهة أخرى، فانتهى به المطاف بأن يؤدي على مضض دور مثليّ الجنس، بعد أن أدخلت أجوبته وردات فعله الشك إلى قلب "سيلفيو".

أهلاً أليكس

تكتمل اللعبة بدخول"أليكس" على الخط، وهو صديقها المثلي الذي يلعب دوره ماتيو الخضر، لإيهام "سيلفيو" أنه حبيب فارس، وهنا لا بد من التنويه بالدور الجريء الذي استطاع أليكس تقديمه بخفة دم بعيداً عن التصنع والابتذال.
تتصاعد أحداث العشاء مع كثير من شرب العرق الذي يأتي به والد فارس إلى العشاء، وينتهي بمفاجأة اعتراف العريس المزعوم "سيلفيو" بمثليته، وإقراره أن تقربه من "نايلة" يأتي بهدف تحقيق رغبة أهله بزواجه للحصول على وريث. وهذه قضية جديدة أيضاً لم يغفل عنها الفيلم بحيث باتت تنتشر بشكل لافت في مجتمعنا، اذ تجمع المصالح المشتركة الشاب المثلي بفتاة قد تلجأ إلى الزواج منه مقابل مبلغ كبير من المال تؤمن به مستقبلها، ويحافظ هو بالتالي على صورته المثالية أمام عائلته والمجتمع المخملي الذي ينتمي إليه. مع عدم إغفال أيضاً أن بعض الفتيات قد يقعن ضحية بعض الشباب الذين يعمدون إلى إخفاء هوياتهم الجنسية قبل الزواج فتقع الفتاة في فخ الخديعة بعد الزواج.

لا بد من الإشادة بالدور الجريء الذي استطاع الممثل ماتيو خضر أن يؤديه بخفة دم بعيداً عن التصنع والابتذال، في تقديمه لـشخصية "أليكس" الصديق المثلي لـ"نايلة"

الفيلم بطرافته الهادفة تطرق أيضاً للمشاكل الزوجية والبرود العاطفي الذي يضرب العلاقة الزوجية، والإهمال الذي تشعر فيه المرأة في عمر الخمسين من خلال علاقة "أم فارس" التي تؤدي دورها ريتا خوري بـ"أبو فارس" الذي يلعب دوره طوني بن، وهو الرجل "الشببلكي" المواكب للجيل الجديد بأفكاره وذوقه، والذي يعمل في إنتاج مشروب العرق، ويتعرض للشك والاتهام الدائم من قبل زوجته بالخيانة وبمطاردة الحسناوات.

كأس العرق الذي يكشف كل شيء

أبو فارس الذي يتلقى اتصالاً من ابنه ذات ليل ليطلب منه أن يوصل زجاجات العرق إلى العشاء بعد أن شرب "سيلفيو" كل العرق الموجود في منزل "نايلة"، فتنتظره فضيحة تكون بطلتها أم فارس التي تطارده بعد أن ترك فراشه والمنزل في وقت متأخر، ليواعد إحدى الحسناوات وفق اعتقادها.

"خبصة" يجب أن يرفع كدليل صارخ في وجه كل مُنتِج أو شركة تتذرع بعدم تحقيق المبتغى الربحي من أعمال كهذا العمل تناقش يومياتنا ببساطة

في المحصلة، "خبصة" يجب أن يرفع كدليل صارخ في وجه كل مُنتِج أو شركة تتذرع بعدم تحقيق المبتغى الربحي من أعمال كهذا العمل، وتلهث في اختيار مواضيع تتطلع إلى كل ما هو "ترند" ومبتذل وسطحي. فالفيلم تطرّق للعديد من القضايا وأصاب الهدف برسائل بسيطة من خلال نص مستخرج من صميم المجتمع، وقصص من يومياتنا، وأداء صادق ممتع وحقيقي من جميع أبطاله، وإنتاج متوسط حافظ فيه صناع العمل على النوعية الجيدة بعيداً عن أية ثغرات ممكن أن تشوهه، وإخراج محترف استطاع شادي حنا من خلاله أن يوازن بين كل هذه العناصر ويقدم منتجاً مميزاً للسينما اللبنانية والعربية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard