شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
بعد تصريحات فنان تونسي... هل التمييز مستمر ضد المحجّبات في

بعد تصريحات فنان تونسي... هل التمييز مستمر ضد المحجّبات في "بلد الحريات"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 23 فبراير 202304:49 م
Read in English:

Discrimination against veiled women thrives in Tunisia, "the nation of freedoms"

يرتبط نزع الحجاب في الذاكرة الشعبية التونسية، بالزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، الذي أقدم يوم 3 آب/ أغسطس 1957، على نزع "السفساري"، وهو غطاء الرأس التقليدي، من على رؤوس العديد من النسوة التونسيّات، أمام حشد شعبي كبير في حركة رمزية تدلّ على تحريره المرأة من جميع القيود التي كانت تكبّلها قبل الاستقلال.

كانت صلوحة بوزقرو زوجة "قاضي الإسلام" عبد القادر محله، أول امرأة نزع بورقيبة عنها الحجاب، وقال لها في كلمته الشهيرة: "لن تحتاجيه فوق رأسك بعد اليوم".

في أواخر حكمه، تحديداً سنة 1981، أصدر بورقيبة المنشور عدد 108 الذي منع بمقتضاه ارتداء الحجاب داخل المؤسسات العموميّة كونه لباساً طائفياً منافياً لروح العصر ومظهر من مظاهر التمييز.

"انتهاك للحرية"

تواصل انتهاك "حريّة اللباس" خلال فترة حكم زين العابدين بن علي، أيضاً، فصودر حق كل محجّبة في العمل وفي التعليم، وخلال الدخول المدرسي أو الجامعي كان لزاماً على كل تلميذة وطالبة الإمضاء على ميثاق النظام الداخلي للمؤسسة التعليمية الذي يعدّ "الامتناع عن ارتداء اللباس الطائفي"، من ضمن أبرز بنوده. وفي حال الإخلال بأحكام هذا البند تعرّض المخالفة للطرد، الأمر الذي حرم الآلاف من مواصلة دراستهن.

لم يقتصر التمييز تجاه المحجبات فقط في المؤسسات العمومية، فقد كنّ يتعرضن لحملات أمنية حتى خلال التنقل، تطورت مع مر الزمن وبتطور الأحداث في البلاد إلى عمليات توقيف وإهانة و"هرسلة" (مضايقات) متواصلة. لم ينتهِ هذا التوجه الرسمي إلا بعد الإطاحة بنظام بن علي سنة 2011، وكان ذلك التاريخ انتهاءً لحظر الحجاب والانفتاح على حرية كل امرأة في اختيار اللباس الذي يناسبها وفق قناعاتها، ممّا جعل عدد المحجبات يرتفع كما تمكنّ من الانخراط في جميع المجالات.

لم يدُم التصالح مع الحجاب طويلاً، فبعد وقت وجيز من استرداد المرأة التونسية حقها المبدئي في حرية اللباس، وزوال كابوس الممارسات القمعية ضد المحجبات، ارتفعت بعض الأصوات المناهضة لغطاء الرأس التي ترى في الحجاب ضرباً من ضروب التخلف والجهل.

معاداة الحجاب موضوع يتجدد بتجدد التصريحات التمييزية التي يستعملها البعض في حق النساء المحجبات، فيثير الجدل في أوساط الرأي العام.

تصريحات مستفزة

أعرب الفنان التونسي محمد كوكة، خلال استضافته في برنامج تلفزيوني عن موقف رافض لفكرة الحجاب، قائلاً: "الحجاب إرث من مجتمعات حسب رأيي متشبثة بتقاليد وعادات بالية مصدرها ربما ديني. يقطع الحجاب المرأة عن المجتمع كشخص، كبشر، كإنسان. يجعل الحجاب المرأة أدنى وأقل قيمةً وهذا سبب كرهي له إلى درجة أنني عندما تعترضني امرأة محجبة أتمنى تمزيقه. الحجاب هو نكران المرأة لإنسانيتها. في فرنسا أجد فتيات جميلات يرتدين الحجاب. هذا يعني أن الحجاب متأصل في اللا وعي لديهن، ويعني أن المرأة يجب أن تكون أقل من الرجل. أبغض شيء اسمه الحجاب".

تصريح محمد كوكة، ليس الأول من نوعه في معاداة الحجاب، فقد وصف القيادي السابق في حزب نداء تونس، الطاهر بن حسين، في تصريح تلفزيوني، الحجاب بـ"شكيمة متع البهيمة" (الأتان)، عادّاً أن الحجاب ضد الإسلام وضد الإنسانية وأن المرأة التي تقبل الحجاب تقبل الاستبداد والظلم. كما أعرب بن حسين في تصريحات سابقة عن نيته منع الحجاب في تونس.

"معاداة الحجاب" موضوع يتجدد بتجدد التصريحات التمييزية التي يستعملها البعض في حق النساء المحجبات، فيثير الجدل في أوساط الرأي العام التونسي

أما العدّاءة التونسية حبيبة الغريبي، فقد سبق أن انتقدت ارتداء إحدى العدّاءات الشابات الحجاب في مؤتمر صحافي وتوجهت إليها بالقول: "اختاري بين الحجاب والعدو. اختاري بين حجابك ومستقبلك فهو ليس ضرورياً كالصلاة"، وقد أثارت هذه الكلمات ارتباك العدّاءة التي أُحرجت ولم تتمالك نفسها من البكاء.

بالإضافة إلى التصريحات الإذاعية والتلفزيونية، تعرضت مضيفة طيران في الخطوط التونسية، للاستبعاد من عملها بسبب ارتداء غطاء الرأس، وقد برر وزير النقل الطرد آنذاك، بأن الحجاب يخفّض 30% من نسبة السمع، وقد أثار هذا حملة سخرية وتندّر بين التونسيين.

صور نمطيّة

خلافاً لوصمها بالتخلف والجهل، توصم المحجبة في تونس بالتطرف وبالانتماء إلى أحزاب إسلامية حتى وإن لم يكن لها أي انتماء سياسي. المنظمات الحقوقية التي تنادي بحرية المرأة وتقدّس خياراتها مهما كانت، شريطة أن تكون نابعةً من قناعاتها ومسارها الشخصي، وتنافح بشراسة كل ما يمكن أن يهدد حقها في حرية القرار، في غالبيتها لا تحرّك ساكناً أمام هذا الكمّ من التصريحات التمييزية تجاه حقوق النساء المحجبات وتصعيد خطاب الكراهية تجاههن.

يرى الباحث الجامعي في الحضارة والإسلاميات والإعلامي التونسي الدكتور غفران حسايني، أن تصريحات شبيهةً "تعبّر عن عقلية عنصرية وعن رفض الآخر وعدم قبول الاختلاف والتعدد التي يتميز بها الشعب التونسي"، كما أنها "تصريحات معادية لهوية التونسيين وانتمائهم الحضاري والديني وتعدٍّ صارخ على حرية المعتقد وحرية اللباس"، معرباً عن استغرابه من صدورها من ممثل، لأن الممثل "ينتمي إلى الطبقة المثقفة وخطابات شبيهة بعيدة كل البعد عن الثقافة التي تقتضي قبول الآخر والتعدد والتعايش".

ورأى الحسايني، في حديثه إلى رصيف22، أن هذه التصريحات لا تختلف في شيء عمّن يعادي غير المحجبات ويرغب في إلباسهنّ الحجاب أو النقاب بالقوة وبالعنف، مشيراً إلى أنها عندما تصدر في وسائل الإعلام وتدخل بيوت التونسيين التي فيها من الأمهات والزوجات المحجبات ومن غير المحجبات، تصبح اعتداءً صارخاً وتفريقاً للتونسيين على أساس اللباس والمعتقد والقناعات الشخصية في حين أن لكل إنسان حريته في ممارسة حياته باختيار فردي.

يرى المتحدث أن "سبب هذه التصريحات هو الخلط لدى بعض المنتسبين إلى النخب الثقافية بين الموقف السياسي من الإسلام السياسي، والاتجاهات الدينية المتطرفة، وبين الشعائر الدينية"، و"انتقلت معاداتهم للأفكار والسياسة إلى معاداة شعائر الناس وعباداتهم وعلاقاتهم بالخالق".

انتقل هذا العداء، بحسب المتحدث، "من الفضاء السياسيّ إلى ضرب قناعات الناس وعاداتها وهويتها وشعائرها الدينية، وهذا يعود للجهل لأن التفكير الذي مرجعه الجهل ومستنده الجهل لا يميز بين الأشياء ولا يفرّق بين التوجهات السياسية التي يمكن أن نخالفها ونعارضها ونناضل ضدها وبين قناعات الناس وأفكارهم وممارستهم لدينهم وشعائرهم أو ما يعتقدون بأنها شعائرهم".

ما زال مجتمعنا لم يقبل بعد بالحرية الشخصية والخيار الشخصي وبالاختلاف في اللون وفي الميول الجنسية وفي الدين

في نقده لصمت المنظمات الحقوقية عن هذه التصريحات، تحدث الباحث الجامعي عن سياسة الكيل بمكيالين لدى العديد من المنظمات الحقوقية والنسوية التي تدافع بقوة عن بعض النسوة غير المحجبات، وإذا وقع الاعتداء بالعنف اللفظي أو المادي أو التهديد به حتى، لا يصدر عنها لا تنديد ولا أي شكل من أشكال الرفض والمعارضة لمثل هذه الخطابات التي لا يمكن وصفها إلا بالعنيفة ضد المرأة.

أضاف الحسايني: "ندافع عن المرأة كمرأة محجبة أو غير محجبة، وندافع عن الرجل وحقوق الإنسان سواء كان متديناً أو غير متدين. لكن أن يتم السكوت على حقوق الإنسان وحقوق المرأة إذا كانت محجبةً في خطابات عنيفة وعنصرية واستئصالية، فهذا أمر مستغرب ويحتاج من الحقوقيين إلى وقفة نقد ذاتي ومساءلة وتقييم لأدائهم الحقوقي تجاه كل عناصر المجتمع التونسي على اختلافه وتعدده".

كما ختم بالتأكيد على أنه لا يمكن بناء مجتمع مسالم مختلف مؤمن بحقوق الإنسان في ظل سياسة الكيل بمكيالين، وعدّ أن من يشبهنا في الأفكار هو أحق من غيره في المساندة، وفي ذلك تقسيم عمودي للمجتمع التونسي بجعل صنف أعلى من صنف آخر، وكأن هناك مواطنين درجة أولى وآخرين درجة خامسة أو سادسة.

"الاختلاف ليس تونسياً"

أكدت الأستاذة في علم الاجتماع درة محفوظ، على أهمية وضرورة احترام الإنسان لحرية الرأي والاختيار، لافتةً إلى أن الاختلاف معيار اجتماعي لم يدخل في تقاليد التونسيين الذين لم يتأقلموا بعد مع الديمقراطية.

كما بيّنت أن بعض المجتمعات تستغرق عشرات السنين لتطبّع مع عادات مثل الاختلاف، في حين أن تونس حديثة العهد مع التنوع والتعدد، مشيرةً إلى أن الاختلاف مفقود سياسياً، فما بالك مجتمعياً؟

برفض الاختلاف تتعدد الصراعات وتُهدر طاقة الأشخاص في الصراعات الزائفة التي تتأخر بالمجتمعات عوض التقدم بها نحو الحضارة والديمقراطية وقبول الاختلافات والخيارات الحرة لكل شخص

تقول محفوظ في حديثها إلى رصيف22: "نبذ الاختلاف موجود حتى داخل العائلة والمجموعات الصغيرة. ما زال مجتمعنا لم يقبل بعد بالحرية الشخصية والخيار الشخصي وبالاختلاف في اللون وفي الميول الجنسية وفي الدين. تبعات رفض الاختلاف خطيرة وتتمثل في انتشار خطاب الكراهية وخلق حواجز أمام بناء علاقات إيجابية نتقدم ونتطور عبرها. برفض الاختلاف تتعدد الصراعات وتُهدر طاقة الأشخاص في الصراعات الزائفة التي تتأخر بالمجتمعات عوض التقدم بها نحو الحضارة والديمقراطية وقبول الاختلافات والخيارات الحرة لكل شخص".

ختمت الباحثة بالتأكيد على أنه طالما لم يفرض الآخر رأيه فهو حر في خياراته، ولا داعي لرفضه، وكما يُمنع على المحجّبات فرض أفكارهن على الأخريات فالأخريات لا يجب أن يفرضن رأيهن عليهن.

صحيح أن هذه التصريحات العدوانية ضد المحجبات لا يمكن عدّها منفردةً أو شاذةً، لأنها متكررة بصفة شبه دورية، وتظهر موقف جزء من المجتمع، لكن جزءاً من المجتمع يندد بدوره بهذه المواقف عادّاً إياها شكلاً من أشكال التمييز والوصم الاجتماعي.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard