شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
تعاني في ظلّ

تعاني في ظلّ "تقشُّف" الحكومة... مهرجانات السينما المصرية في مهبّ ريح الدولار

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 13 فبراير 202304:43 م

تحت ضغط الارتفاع الكبير في أسعار الطيران ومقابل الإقامة بالفنادق، اضطرت إدارة مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية إلى إعادة توجيه موارد المهرجان لضمان إقامة دورته الثانية عشرة التي اختتمت فعالياتها في مدينة الأقصر في 10 فبراير/ شباط الجاري. 

لجأت إدارة المهرجان إلى الاكتفاء بدعوة النقاد وطواقم العمل في الأفلام المشاركة وضيوف المهرجان من المبدعين الأفارقة مع خفض عدد المدعوين والاستغناء كلياً عن دعوة الوفود الإعلامية والصحافيين، والاكتفاء بالاعتماد على نشرة المهرجان وبياناته الصحافية من أجل الدعاية لأنشطته. 

ما واجهه مهرجان الأقصر هو ما تواجهه المهرجانات السينمائية المصرية على اختلاف تنويعاتها، من دولية إلى إقليمية وتلك التابعة لمؤسسات المجتمع المدني. فمع صعود سعر الدولار مقابل الجنيه إلى ضعف قيمته قبل عام واحد، صارت الميزانيات التي تعمل بها المهرجانات تساوي في قيمتها نصف ما عملت به في العام الماضي.

ولم تقف المسألة عند هذه النقطة، بل إن هذه المهرجانات تتلقى دعماً من وزارة الثقافة المصرية. هذا الدعم على الرغم من تواضعه ساهم في نفقات التنظيم، إلا أنه أيضاً تأثر سلباً، إذ تلقت إدارات المهرجانات تعليمات شفاهية من وزارة الثقافة، تعلن من خلالها عدم تحملها قيمة تذاكر طيران الضيوف الأجانب.

يأتي قرار وزارة الثقافة استجابة لحزمة القرارات التي أعلن عنها رئيس الحكومة المصرية د. مصطفي مدبولي في 15 يناير/ كانون الثاني الفائت بشأن ترشيد الإنفاق العام بالجهات الداخلة في الموازنة العامة للدولة التي لن تتحمل الدولة بدل تذاكر طيران ضيوف المهرجانات.

يأتي قرار وزارة الثقافة استجابة لحزمة القرارات التي أعلن عنها رئيس الحكومة المصرية في 15 يناير/ كانون الثاني الفائت بشأن ترشيد الإنفاق العام بالجهات الداخلة في الموازنة العامة للدولة، التي لن تتحمل الدولة بدل تذاكر طيران ضيوف المهرجانات.

صعوبات الرعاية والتمويل

في 20 يناير/كانون الثاني، كانت الفنانة عزة الحسيني، مديرة مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، أول من أشار إلى تلك الأزمة في مؤتمر صحافي للإعلان عن تفاصيل الدورة الثانية عشرة للمهرجان وعنوانها "السينما خلود الزمان" في الفترة الممتدة من 4 إلى 10 فبراير/ شباط.

وأشارت مديرة المهرجان في المؤتمر إلى أن هناك تحديات تواجه إدارة المهرجان تتمثل في "التحدي المالي" وجملة من الصعوبات، أهمها الرعاية والتمويل، لافتة إلى أنه "رغم أن هناك الكثير من الجهات التي تدعمنا لوجستياً، جاء انسحاب اثنين من رجال الأعمال الرعاة للمهرجان بمثابة ضربة. إلا أننا استطعنا أن نتدارك الأمر ببعض السبل التمويلية، منها خفض مدة المهرجان إلى ستة أيام بدلاً من أسبوع".

ما واجهه مهرجان الأقصر هو ما تواجهه المهرجانات السينمائية المصرية على اختلاف تنويعاتها. فمع صعود سعر الدولار مقابل الجنيه إلى ضعف قيمته قبل عام واحد، صارت الميزانيات التي تعمل بها المهرجانات تساوي في قيمتها نصف ما عملت به في العام الماضي

 كما طالبت الحسيني زيادة ميزانية وزارة الثقافة، الداعمة لكل المهرجانات السينمائية بمصر.

السيناريست سيد فؤاد رئيس مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية قال لرصيف22: "هناك مشكلة كبيرة تواجه المهرجانات بسبب الظرف الاقتصادي، وارتفاع الدولار وصعوبة إيجاد العملة، وارتفاع أسعار تذاكر الطيران والإقامة والمعدات".

وعن الخطوات التي اتخذتها إدارة المهرجان لتخطي الأزمة، أوضح فؤاد: "خفّضنا أعداد الضيوف والفعاليات من دون الإخلال بالمهرجان. وكان تعزيز الحل اللوجيستي من الحكومة المصرية والوزارات المعنية وتقليل عدد الضيوف، والاعتماد على بعض الفعاليات المحلية والقوية والمؤثرة هو الحل".

وتابع: "ستبحث إدارة المهرجان عن مصادر تمويل قوية للدورة المقبلة، بالإضافة للدعم الحكومي. لا بد من وجود شركاء من مصر وخارجها ومن الشركات ورجال الأعمال".

أزمة توفير العملة 

 السيناريست محمد عبد الخالق رئيس مهرجان أسوان السينمائي الدولي لأفلام المرأة، المنتظر إقامة دورته السابعة في مارس/ آذار المقبل، قال لرصيف22: "المشكلة أن كل الميزانيات اعتمدت من نحو ستة أشهر مع الدولة أو مع الشركاء والرعاة، والمطلوب أننا ننفذ اتفاقنا بنصف قيمة مبلغ الميزانية".

وأضاف: "هناك بنود لا يمكن تغييرها، والمشكلة الأكبر أننا المهرجان الوحيد بعد القاهرة السينمائي الذي يدفع مقابل عرض الأفلام، فكل فيلم مهم أو جديد له "فيز" يُدفَع باليورو أو الدولار وفقاً للدولة التي يقيم فيها الوكيل، ونتيجة الأزمة الاقتصادية في أوروبا رفع الوكلاء أسعارهم، فضلاً عن ارتفاع سعر الدولار واليورو في مصر. ولدي فواتير شراء الدولار للعام الماضي بـ15 جنيهاً و40 قرشاً، وهذا العام بات بـ30 جنيهاً و80 قرشاً وهو غير موجود. لذا أصبح بدل عرض الفيلم يساوي ثلاثة أضعاف السعر الذي كنا ندفعه في العام الماضي".

ولفت عبد الخالق إلى أزمة أخرى تتمثل في أن تذاكر الطيران من القاهرة إلى أسوان تبلغ خمسة آلاف جنيه تقريباً للفرد، "ولأنه مهرجان دولي تمثل فيه جميع الدول، هناك مسافات طويلة سيضطر إلى أن يدفع المهرجان معها تذاكر طيران إضافية من أجل الضيوف".

وأضاف: "في المجمل لدي كارثة في القيمة وفي الطيران وفي الميزانيات المعتمدة منذ شهور، والشركاء لن يتحملوا تذاكر الطيران إلا لمن يتبع لهم ولأعضائهم. لذلك لن تتحمل المهرجانات السينمائية الستة في مصر هذه التكاليف عنهم، لأن وزارة الثقافة هي المستفيدة، وهذا هو عملها ولا يمكن أن يتحمل هذه الأمور غيرها، وجزء من وزارة السياحة لو كان هناك ترويج للسياحة خلال المهرجان".

وأكد عبد الخالق: "نحن في أزمة كبيرة لكننا لن نمس البرامج والفعاليات برغم أن التخفيض سيكون بحجم الضيوف الذي نزل إلى نصف العدد المشارك العام الماضي".

ورأى أن أزمة جائحة كورونا ثم الأزمة الإقتصادية جعلتا المهرجانات السينمائية في مهب الريح، مشيراً إلي أن "الدولة كانت تدعم المهرجانات من خلال وزارة الثقافة بنسبة 40% من التكلفة كحد أقصي، وذلك حتى عام 2020 وبعد جائحة كورونا في عامي 2021 و 2022 خفضت للنصف بحيث لا تزيد عن 20%. وهذا العام بعد انخفاض القيمة الفعلية للجنية إلى النصف، أصبحت القيمة الفعلية للدعم لا تتجاوز 10% من الميزانية كحد أقصى. وهذا المقدار في أي فعالية يُعدّ مصاريف ثانوية، فهل يعقل أن تتحول الدولة التي هي الشريك الأساسي لشريك ثانوي؟".

وأشار محمد عبد الخالق إلى تراجع البساط من تحت أقدام السينما المصرية، إذ تكاد تتحول إلى بؤرة طاردة للإبداع السينمائي، في وقت تصبح عواصم عربية أخرى نقاط جذب واحتضان، مؤكداً: "ما لم تلتفت الدولة وتتخذ خطوات جادة في دعم السينما ومهرجاناتها في مصر فسيتحول المريض بين أيدينا إلى ميت". 

مدير مهرجان الإسكندرية للأفلام القصيرة والوثائقية: إلغاء أو تأجيل دورات المهرجان أفضل من الاضطرار إلى القبول بتراجع المستوى بسبب الميزانيات 

الإلغاء أفضل من التراجع 

من وجهة نظر محمد محمود، رئيس مهرجان الإسكندرية للأفلام القصيرة والتسجيلية الذي ستقام دورته التاسعة في 16 فبراير/ شباط الجاري: "هناك طريقان للمهرجان في ظل هذه الأزمة، الأول هو توفير موارد ليستمر بشكله الذي يتطور كل عام، والثاني أننا نتجمد في موضعنا ونقدم فعاليات ثابتة، وفي هذه الحالة سيفشل المهرجان ولن يستمر". 

وأوضح محمود: "المهرجان تطور بشكل منطقي حتى دورته التاسعة لو تأثر بالميزانية فيكون وقفه أفضل".

ولفت مدير المهرجان السكندري إلى أن الحل يكمن في تنويع جهات التمويل والرعاية، وأضاف: "الراعي يهتم أكثر بأسماء الفنانين المشاركين والنجوم الذين سيظهرون خلال الفعاليات، وهذا مختلف عن طبيعة المهرجان النوعية، فالاهتمام لا يكون بقيمة المهرجان أو الأفلام المشاركة. ولا ألومهم فهم شركات تجارية ومن الطبيعي أن تبحث عن النجوم الذين ستظهر أسماؤهم إلى جانب شعارات تلك الشركات، لكن آخذ عليها عدم الاهتمام بالجزء الفني".

وتابع " المهرجان يعتمد على دعم وزارة الثقافة وهو دعم صغير ونعمل بنفس الميزانية في آخر دورتين للمهرجان، لكن الوضع تغير وارتفعت تكاليف الإقامة والطيران والجوائز والتكريمات والمطبوعات الضعف وما زال الدعم نفسه ولم يتغير". 

وأشار محمود إلى أن "ملامح الأزمة الاقتصادية بدأت منذ ديسمبر/ كانون الأول 2021، وكان المهرجان قد فتح أبوابه لاستقبال الأعمال المشاركة قبلها بستة أشهر، فلم يكن هناك وقت لإلغاء الدورة الجديدة. وسيشارك هذا العام 70 فيلماً من 46 دولة، لكن إن لم نجد موارد لدروة العام المقبل فقرار الإلغاء وارد".

نقاد: صناعة السينما في مصر تعاني بالفعل من قبل الأزمة الاقتصادية الأخيرة، لكن الأزمة الحالية كاشفة لعوار غياب استقلال التمويل والقرار الإبداعي للسينما والمهرجانات المصرية

بداية صعبة وحلول مبتكرة

يري الكاتب أيمن الحكيم رئيس مهرجان السينما العربية المنتظر انعقاد دورته الأولي في مايو/ أيار المقبل بمدينة شرم الشيخ المصرية أن "الأزمة الاقتصادية شاملة وعامة، "وبالتأكيد لها تأثير على المهرجانات والثقافة التي تأتي متأخرة في قائمة الأولويات، ولأننا في صدد عقد أولى دورات المهرجان، بحثنا عن بعض الحلول بشكل عام. وعليه، يجب تقليص الفعاليات وعدد أيامها وتخفيض الميزانية. لكن الطيران إلى شرم الشيخ مكلف، وبدأنا في أيجاد حلول لمسألتي الإقامة والطيران، كما لدينا فعاليات مبتكرة وتكاليفها قليلة سنكشف عنها لاحقاً، ولدينا رعاة من بعض الجهات الثقافية مثل مكتبة الإسكندرية وجهات أخرى، كل جهة منها يمكن أن تتحمل جزءاً، وأتمنى أن تتغير الأزمة العام المقبل".

وأشار الحكيم إلى أن المهرجان له طبيعة خاصة فكل دورة تقام في بلد عربي مختلف ستتحمل مصاريف استضافته، والدورة الأولى تكون في مصر لأن المهرجان أسِّس فيها.

التأثير السلبي على الصناعة

الناقد طارق الشناوي يقول لرصيف22 إن مشكلات المهرجانات وصناعة السينما المصرية مع التمويل صارت أكثر حضوراً في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، لكنها لم تنشأ عنها. إن أزمة الدولار حتماً تضع معوقات جديدة في وجه الصناعة التي تعاني كثيراً. 

أما الناقدة ماجدة خيرالله، فترى في حديثها لرصيف22 أن صناعة السينما مرتبطة بالمنتجين ولا تتأثر بالمهرجانات المرتبطة بميزانيات وزارة الثقافة، فلو ميزانية الدولة تعثرت فإن المهرجانات مضطرة لتقليص فعالياتها.

وتضيف: "عندما يكون هناك أزمة عالمية، كل المهرجانات حتى الضخمة تتأثر إذ قام مهرجان كان السينمائي بعقد إحدى دوراته في الواقع الافتراضي، والمهرجانات العالمية أيضاً لا تتحمل أعباء إقامة وتذاكر طيران وكارت لحضور الأفلام فقط".

وتختم ماجدة: "من زمان ونحن نعاني، إذ قلما يدخل فيلم مصري المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة، وبالكاد يجدون فيلماً، وعندما يكون هناك فيلم جيد يفضل القائمون عليه أن يتقدموا بت لمهرجانات مثل دبي وأبو ظبي لأن جوائزها كبيرة. أزمة المهرجانات المصرية أكبر من مجرد أزمة الدولار. هناك أزمة تأثير".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard