شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
عندما تتحول مشاهدة

عندما تتحول مشاهدة "البورنو" إلى إدمان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الأحد 12 فبراير 202310:40 ص

يأتي هذا التقرير كجزء من مشروع "مش عَ الهامش"،
والذي يسلط الضوء على الحقوق والحريات والصحّة الجنسيّة والإنجابيّة في لبنان.


"التحول من فتاة لا تعنيها مشاهدة قبلة حميمة تمرّ أمام ناظريها على التلفاز، إلى واحدة من متابعي الأفلام الإباحية، كان صدمةً بحدّ ذاته"؛ هذا ما قالته ميليسا التي دأبت على مشاهدة الأفلام الإباحية يومياً من عمر 15 عاماً.

في حديثها إلى رصيف22، قالت الشابة البالغة من العمر 25 عاماً: "كنت استغلّ غياب أهلي عن المنزل، لأختلي بنفسي وأتصفّح المواقع الإباحية لأشبع رغبتي الجنسية التي كنت أشعر بها".

عاشت ميليسا صراعاً بين واقعها المعيش والأفلام التي تشاهدها: "وصلت إلى مرحلة صرت أقارن فيها جسدي بجسد النساء اللواتي أشاهدهنّ، ولم أجد شيئاً متطابقاً، ولم أعد أدري هل أنا الطبيعية أم هنّ؟".

خفتت ثقة ميليسا بنفسها، وصارت تخجل بجسدها، وما زاد الأمر صعوبةً أنها لم تكن تتجرأ على الحديث عن الأمر أو تستفسر من أحد عمّا يدور في رأسها وعما تشعر به: "عندما كبرت، انعكست الأفلام الإباحية عليّ سلباً، إذ أصبحت أفضّل الاستمتاع بمشاهدتها وأتجنب الخوض في العلاقات الاجتماعية والعاطفية، واستمر هذا الأمر وقتاً طويلاً، كنت أخشى خلاله أن أتعرف على شاب بسبب جسدي الذي لا يشبه أجساد الممثلات الإباحيات في شيء، الأمر الذي دفعني للبحث عن حل، وقد وجدته لدى اختصاصية نفسية، بدأت رحلة علاجي معها قبل 6 أشهر تقريباً".

التهافت على زيارة المواقع الإباحية

تهدف البورنوغرافيا، أو المواد الإباحية، إلى الوصول إلى الأطفال والمراهقين/ ات الذين/ اللواتي يشكلون/ ن الفئة المهمة من الزوّار.

يتمّ التسويق لهذه المواد الإباحية على مستوى عالٍ، لتبلغ نسبة أرباح أفلامها المنشورة على الإنترنت 3 آلاف دولار في الثانية، وفقاً لموقع "Similar web"، المُتخصص في تقديم إحصائيات وترتيب مواقع الإنترنت.

"كنت استغلّ غياب أهلي عن المنزل، لأختلي بنفسي وأتصفّح المواقع الإباحية لأشبع رغبتي الجنسية التي كنت أشعر بها"

وبحسب تحليل حركة الإنترنت، يُقدَّر عدد زوار "بورن هاب" مثلاً، بنحو 60 مليون زائر يومياً، ويحتل المرتبة الثامنة بين المواقع الأكثر زيارةً، مما يجعله أكبر موقع ويب للبالغين/ ات في العالم.

وأعلنت دراسة يجريها موقع "بورن هاب" سنوياً، أن يوم الأحد هو اليوم الأكثر زيارةً للموقع ويوم الجمعة هو الأقل، ويتعلق ذلك بالساعات التي يفضّل الناس مشاهدة المواد الإباحية فيها. عادةً ما تكون أوقات ذروة المشاهدة من الـ10 مساءً حتى الـ1 صباحاً، ولكن في عطلات نهاية الأسبوع (حيث يميل الناس إلى السهر والنوم لفترة أطول)، يتحول وقت المشاهدة إلى ساعات الصباح، كما أن الأعياد تنعكس سلباً على الموقع وإيراداته، إذ ينشغل الناس بالتحضيرات والسفر وقضاء الوقت مع الأهل.

تأثير الافلام الإباحية على العلاقة الجنسية

"كنت أتظاهر بالانشغال على حاسوبي، لكيلا يزعجني أحد، وأشاهد فيلماً تلو آخر"؛ هكذا بدأ فادي، الشاب الثلاثيني، مشواره مع الأفلام الإباحية من عمر العشرين عاماً.

وكشف فادي أن تلك الأفلام لم تكن تعني له في المراهقة، ونادراً ما كان يشاهدها: "ازدادت مشاهدتي للأفلام الإباحية عندما انتهت فترة مراهقتي، إذ أصبحت تحسسني بالراحة والرخاء من دون مجهود وتعب، فأنا أشاهد الأفلام وأستمتع بها ولست بحاجة إلى مقاربة فتاة والقيام بمجهود كي تتعرف عليّ".

اعتقد فادي أنها فترة ضغط، وسينتهي معها ولعه بالأفلام الإباحية مع أول ممارسة جنسية له، غير أنه لم يكن يعلم أن الثمن سيكون باهظاً وستؤثر هذه الأفلام على علاقاته الجنسية والعاطفية، وفق ما قاله لرصيف22: "لم أكن أشعر بالإثارة عند ممارسة الجنس إلا إذا شاهدت مقطعاً إباحياً، وما كان يزعجني أنني كنت أتوقع بأن شريكتي ستتفاعل معي كما تتفاعل ممثلة الأفلام الإباحية، لكن كنت أغفر لها عندما أتبيّن أنني لست كأبطال هذه الأفلام أيضاً، فلا جسدي ولا أدائي يشبهانهم في شيء، وهذا كان يغضبني كثيراً ويحفز شعوري بأنني لست كافياً لهذه المهمة، وأحياناً يُخرجني عن طوري فأتصرف تصرفات فيها لمحة عنفية مع الشريكة، وهذا تسبب لي بمشكلات كبيرة".

لم يبدأ فادي رحلة علاجه مع أخصائي/ ة نفسي/ ة بعد، لكنه بادر إلى زيادة وعيه الجنسي عبر القراءات والاستفسارات، لكيلا يصل إلى مرحلة يصبح فيها الأمر أصعب.

البورنوغرافيا عامل يؤدي إلى العنف

يرى الكثير من الأشخاص أنه لا ضرر من مشاهدة الكثير من الأفلام الإباحية، خاصةً إذا كان من يشاهدها شخصاً راشداً، لكن قد تسبب هذه الأفلام الكثير من الأضرار الاجتماعية والنفسية، ويمكن أن تدمّر العلاقات العاطفية والزوجية، ناهيك عن تشجيعها على العنف والاغتصاب والتمييز.

وفي هذا السياق، قالت الأخصائية النفسية وردة بو ضاهر، لرصيف22: "حتى من يعدّ نفسه واعياً ما يشاهده، فإن هذه الأفلام ستؤثر عليه ولو بشكل ضئيل. التأثر بها موجود دائماً بغض النظر عن عمر المتلقّي ووعيه، مع التأكيد على أن قلة الوعي تزيد الأمر صعوبةً وتزيد نسبة التأثر بها".

على الرغم من أن المواد الإباحية غير واقعية، فإن 1 من كل 4 مراهقين/ ات يرونها المصدر الأكثر فائدةً لتعلم كيفية ممارسة الجنس، ويعتقد 53% من الأولاد و39% من الفتيات أن المواد الإباحية هي تصوير واقعي للجنس.

"لم أكن أشعر بالإثارة عند ممارسة الجنس إلا إذا شاهدت مقطعاً إباحياً، وما كان يزعجني أنني كنت أتوقع بأن شريكتي ستتفاعل معي كما تتفاعل ممثلة الأفلام الإباحية، لكن كنت أغفر لها عندما أتبيّن أنني لست كأبطال هذه الأفلام"

في الإطار عينه، قالت بو ضاهر: "عندما عملت مع نساء ضحايا، كثيرات ذكرن أن الكثير من الرجال وخاصةً المراهقين يأتون ومعهم مقطع فيديو إباحي ويطلبون منهنّ تمثيله"، مؤكدةً أننا "إذا نظرنا إلى محتوى مقاطع الفيديو الأكثر مشاهدةً، فسنلاحظ أنها تتضمن مشاهد مسيئةً ومتطرفةً وتمييزيةً وهذا ما تؤكده الدراسات أيضاً".

واللافت أن مشاهدة المواد الإباحية قد تقلل من انزعاج الشخص عند رؤيته سلوكاً عنيفاً وضارّاً، وتحوّل هذه الغريزة بدلاً من ذلك إلى شغف بالعنف.

في هذا الصدد، نشرت صحيفة أيرش تايمز في العام 2019، المحاكمة الكاملة لصبي يبلغ من العمر 13 عاماً اغتصب بعنف بالغ زميلته في المدرسة، آنا كريغل، ثم قتلها. وعند البحث في محتويات هاتفه، تبيّن أنه كان يبحث غالباً عن مواد إباحية تتضمن اسم ضحيته، كما احتوى هاتفه على أكثر من 12 ألف صورة إباحية وعمليات بحث على الإنترنت عن مواد إباحية للأطفال.

وهنا نبّهت وردة بو ضاهر، إلى أن الأفلام الإباحية ليست السبب الوحيد للاغتصاب، لكن يمكن أن تكون مرتبطةً بها في بعض الحالات ومع بعض الأشخاص، خاصةً أن في الكثير من التحقيقات حول قضايا اغتصاب، تبيّن أن المغتصب يكون من المتابعين النهمين للأفلام الإباحية: "لكن بالطبع لا يمكننا التعميم وليس كل شخص يشاهد أفلاماً إباحيةً سيصبح مغتصباً"، على حدّ قولها.

مشاعر غير واقعية... وإدمان

يستمر الجدل حول المواد الإباحية، ويجادل البعض بأنها يمكن أن تكون وسيلةً للناس لاستكشاف حياتهم الجنسية بمفردهم في بيئتهم الآمنة والخاصة، بينما يعتقد البعض الآخر أنها شكل من أشكال استغلال النساء والتشجيع على العنف.

في الحقيقة، أصبح الجدل أكثر سخونةً في السنوات الأخيرة إذ جعل الإنترنت المواد الإباحية أكثر سهولةً من أي وقت مضى.

في حديثها إلى رصيف22، أوضحت الطبيبة النسائية وطبيبة الصحة الجنسية، الدكتورة ليال أبي زيد، أن خطورة الأفلام الإباحية تكمن في توفرها لجميع الفئات في أي لحظة: "أصبحت هي الوسيلة ليتعرف المراهقون/ ات على العلاقة الجنسية من دون علم بأنها تؤذي مستقبلهم/ نّ الجنسي".

وشددت أبي زيد، على أن ما نراه على الشاشة، تمثيل وغير حقيقي بنسبة 99.9% من حيث الأداء وشكل الأجسام، كما أن بعض الأفلام صُوّرت تحت تأثير بعض المخدرات، كاشفةً أن "الأفلام الإباحية توثر على شعور الفرد بالرضا والنشوة والفرح لأن شعور الإثارة يكون مرتكزاً على البورنوغرافيا".

ونظراً إلى كون ممارسة العادة السرية خلال مشاهدة الأفلام الإباحية تساعد على إفراز بعض الهرمونات التي تخفف نسبة القلق والتوتر، فإن المشاهدة قد تتحول إلى إدمان: "يحدث ذلك عندما يشعر المرء خلال ضغط العمل وانشغالاته، برغبة لا يمكن السيطرة عليها، وأنه بحاجة ماسة إلى مشاهدة تلك الأفلام، وحتى لو حاول التوقف عن مشاهدتها لا يستطيع ذلك، وهذا ما تنتج عنه مشكلات اجتماعية وعاطفية تتطلب علاجاً نفسياً".

"الأفلام الإباحية توثر على شعور الفرد بالرضا والنشوة والفرح لأن شعور الإثارة يكون مرتكزاً على البورنوغرافيا"

وأوضحت أبي زيد، أن الأفلام الإباحية لا تسلّط الضوء على وسائل الحماية خلال ممارسة الجنس، وتالياً من يتعرف على الحياة الجنسية بواسطة المواد الإباحية يمكن أن يعرّض نفسه لخطر انتقال الأمراض الجنسية نتيجة جهله بأهميتها.

وفي ختام حديثها، أكدت ليال أبي زيد، أن الوسيلة الأفضل للتثقيف الجنسي لدى المراهقين/ ات تكون عبر حملات التوعية من الأخصائيين/ ات أو الأهل، كما لا تنصح الثنائي باللجوء إلى الأفلام الإباحية لزيادة الإثارة، بل تشدد على أن الوسيلة الأفضل لاستعادة الرغبة الجنسية هي بواسطة الفيديوهات أو كتب الإثارة الجنسية المختصّة، التي توصل فكرةً حقيقيةً عن العلاقة وتنتج رغبةً إيجابيةً وواقعيةً وذلك بإشراف أخصائي/ ة.  

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نؤمن بأن للإنسان الحق في التفكير وفي الاختيار، وهو حق منعدم في أحيانٍ كثيرة في بلادنا، حيث يُمارَس القمع سياسياً واجتماعياً، بما في ذلك الإطار العائلي، حيث أكثر الدوائر أماناً، أو هكذا نفترض. هذا الحق هو الخطوة الأولى نحو بناء مجتمعات ديمقراطية، فيها يُحترم الإنسان والآخر، وفيها يتطوّر وينمو بشكل مستمر. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا!/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard