شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"كأنه غاندي"... صور السجين فرهاد ميثمي تهز الشارع الإيراني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 6 فبراير 202309:50 ص

"في فترة لم يترك فيها قادة البلاد لسكانها سوى الألم والمعاناة في كل يوم ولحظة في المجالات الثلاثة: سلامة الجسم والروح، والمعيشة، والكرامة الإنسانية، بدأت بدوري الصغير محاولة علّها، وبجهد جمعي، تحول هذا السمّ إلى دواء. في الأيام العشرة المقبلة سأجعل الماء الذي أشربه مُراً كعلامة على حياة أكثر مرارة من السمّ الذي صنعوه للجميع بكل الطرق...."، هذه فقرة من الرسالة الأخيرة التي كتبها السجين الشهير فرهاد ميثمي موجهةً للمجتمع الإيراني في تصعيد منه ضمن إضرابه عن الطعام الذي بدأه منذ 4 أشهر.

وأثارت صور فرهاد في الأيام الأخيرة والتي يبدو فيها في غاية النحول وبأضلُع وعظام بارزة، صدمةً وغضباً لدى الشعب، حيث أطلق الشارع الإيراني تحذيرات عديدة للجهات الرسمية حول الخطورة التي تهدد حياته، ونُشرت ردود فعل  واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وكان فرهاد قد أعلن عن بدء إضرابه عن الطعام في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، مطالباً برغباته الثلاث وهي: إيقاف حكم إعدام المتظاهرين، والإفراج عن 6 من السجناء السياسيين والمدنيين، وإيقاف ضغوط فرض الحجاب الإجباري.

"صور فرهاد تذكرني بصور الناس في أوشفيتز وبمهاتيما غاندي. كيف لي أن أحتفل بإطلاق سراحي، والكثير مثل هذا (فرهاد) من المعلمين والطلاب والناشطين والعمال يقبعون في السجون؟"... المخرج الإيراني جعفر بَناهي

ويقبع الناشط المدني في السجن منذ عام 2018، بعد دعمه الصريح لحركة "فتيات شارع اِنقلاب" ضد الحجاب القسري في إيران، وهي حركة بدأتها الشابة وِيدا موحّدي، في كانون الأول/ديسمبر 2017 بالتلويح بحجابها الأبيض على عصا من فوق صندوق توزيع في شارع انقلاب في العاصمة طهران بصمت، لتكون الحركة نوعاً من الاحتجاج السلمي على فرض الحجاب.

وقام فرهاد ميثمي مرات عدة بالإضراب عن الطعام، بيد أنه في المرة الأخيرة التي بدأها قبل 4 أشهر في عزّ الاحتجاجات التي شهدتها إيران بعد وفاة الشابة مهسا أميني، أعلن عن إضراب للحصول على 3 من مطالبه، وبينها إطلاق سراح 6 من السجناء هم/ن: المعلم محمد حبيبي، والناشطة المدنية ناهيد شِير بِيشة، والناشط العمّالي رضا شهابي، والناشطة الجامعية بَهارِه هِدايت، والمحامي مصطفى نِيلي، والصحافية نِيلُوفر حامدي.

خلق فرهاد شعاراً من خلال وضع أسماء الكتب التي في متناوله داخل السجن، ليخلق عبارة تحفيزية: "إن قوة الضعفاء ضد الاستبداد هي الطريق الضيق نحو الحرية". وإثر تلك الصور والرسالة والشعار، تصاعدت المناشدات والتصريحات المتضامنة مع فرهاد والمطالبة بسرعة الإفراج عنه وإنقاذ حياته.

"البقاء هو المقاومة"

 خصصت صحيفة "اعتماد" الإصلاحية مقالها الأول في عددها أمس الأحد 5 شباط/فبراير بقضية فرهاد ميثمي تحت عنوان: "ناشط بعظام بارزة"،  وفي هذا المقال كتب عماد الدين باقي، الناشط ورئيس لجنة الدفاع عن السجناء في إيران (منظمة غير حكومية) أن "فرهاد ميثمي معارض سياسي نبيل" وشرح ضرورة مراجعة إستراتيجية النظام في التعامل مع معارضيه السلميين.

من جانبها، طالبت منظمة العفو الدولية بفك سراح الناشط فرهاد وعلّقت على صوره: "هذه الصور هي تذكير صادم بازدراء السلطات الإيرانية لحقوق الإنسان".

كما كتبت 380 ناشطة رسالة قدّرن فيها نشاط فرهاد في مناهضة الحجاب القسري وأحكام الإعدام، وطالبنه بإنهاء الإضراب عن الطعام: "في حركة (المرأة، الحياة، الحرية)، البقاء هو المؤشر الأول للحياة، وعندما لا يوقف العنف هجومَه المستمر، فالبقاء هو المقاومة".

أما المخرج السينمائي جعفَر بناهي، والذي أُطلق سراحه بكفالة مالية في اليوم الثالث من إضرابه عن الطعام للضغط على السلطات من أجل إطلاق سراحه لحين إعادة محاكمته، قال لذويه وأقاربه الذين جاءوا لتهنئته أمام السجن: "صور فرهاد تذكرني بصور الناس في أوشفيتز ومهاتيما غاندي. كيف لي أن أحتفل بإطلاق سراحي، والكثير مثل هذا (فرهاد)  من المعلمين والطلاب والناشطين والعمال يقبعون في السجون؟".

كما نشر المجلس التنسيقي لنقابات المعلمين في إيران، بياناً طالب فيه من المعتقل فرهاد أن يكسر إضرابه نظراً لـ"قلق ملايين الإيرانيين على خطورة وضعه الراهن".

ورداً على آلاف المنشورات والتغريدات في السوشال ميديا، كتب الناشط المدني ضياء نبوي: "قضى فرهاد ميثمي 5 سنوات في السجن دون أي إجازة، وسوف يتحرر وتنتهي عقوبته بعد أقل من 4 أشهر. قلت ذلك كي أؤكد أنه ليس له أي طلب شخصي في قراراته التي إتخذها، فعلينا أن نصب اهتمامنا في تحقيق مطالبه الثلاثة الرئيسية بحق الآخرين".

السلطات تنفي الإضراب

في المقابل نفى القضاء الإيراني ما قيل حول إضراب فرهاد ميثمي عن الطعام، وقال إن متابعات مؤسسة السجون تؤكد أن السجين قد أعلن لزملائه والمعنيين في السجن أنه سوف يتناول أقل كمية ممكنة من الطعام فقط، وحالته الصحية جيدة.

ونشرت وكالة ميزان للأنباء التابعة للسلطة القضائية الإيرانية صورةً من فرهاد تظهره جالساً على أرضية زنزانته بثياب شتوية، وبجواره كيس شاي -على ما يبدو-، فيما لم يُعلن عن تاريخ التقاط الصورة.

وذكرت الوكالة أن الرجل يقبع في السجن منذ عام 2018 بتهمة إهانة المقدسات والتآمر ضد الأمن الوطني، وفي تلك الفترة قام بالإضراب عن الطعام في فترة محددة، ولكن نظراً لإصابته بمرض التهاب القولون من قبل، فقدَ بعض وزنه، حتى تدخل المسؤولون والأطباء لكسر إضرابه في تلك الحقبة الزمنية.

من هو فرهاد؟

فرهاد ميثمي (53 عاماً)، طبيب ومترجم بارز، عدّ من النخب في مجال الدراسة عندما نجح بدرجة ممتازة لدخول جامعة طهران للعلوم الطبية، وفي فترة الاختصاص انسحب من فرع علم الأمراض (الباثولوجيا)، ليؤسس دار نشر للكتب الدراسية باسم "اَنديشه سازان" (صانعو الفكر) بغية مساعدة طلاب المدارس لدخول الجامعات، وأصبحت مؤسسته من أشهر المؤسسات التي تعمل في هذا المجال، وبقيت في ذاكرة الشباب الإيراني حتى الآن، لا سيما النصوص المميزة التي كان يكتبها فرهاد في مقدمة كتب المؤسسة.

وأصبح وقتها معلماً يسهر على تعليم التلاميذ، حارصاً على إقامة جلسات لقراءة الكتب في مكتبه بطهران في مجالات التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع والنشاط المدني. كذلك ساعد السجناء السياسيين في شراء وإرسال الكتب التي يطلبونها من زنزاناتهم، كما قام بتلبية احتياجات أبناء السجناء من كتب وقرطاسيات لمدارسهم.

وصدح فرهاد بدعم حركة فتيات شارع الثورة في بدايتها سنة 2017، وذكر في خطابة بجامعة أصفهان: "نشاط فتيات شارع الثورة يتميز بخصائص الحركة اللا عنفية. إنهن يعتقدن وبشكل سلمي أن لديهن حقَّ الاختيار، وبطريقتهن هذه يحتجن مدنياً ويتقبلن دفع الثمن".

وقام بطباعة شعار "أنا أحتج على الحجاب الإلزامي" على "بکسلات" وتوزيعها بين زملائه. وتم اعتقاله من قبل وزارة الاستخبارات مع ضبط مجموعة كتب حول المعارضة المدنية وعدد من العلامات التي تخالف الحجاب.

وحينها طالبت منظمة العفو الدولية بإطلاق سراحه دون شروط مسبقة، كما كتب 2222 شخص من أطباء وناشرين وأكاديميين وطلاب، رسالةً طالبوا بها بإطلاق سراح من وصفوه بـ"أحد نخب البلاد الذي اتخذ طريقاً مختلفاً ومؤثراً في سبيل اختيار المسار التربوي للشباب".

"أفضّل أن أبقى في سجن مجموعة من أبناء جلدتي الظالمين حتى نهاية حياتي وأبذل حياتي محاولاً تصحيح أخطائهم على أن أتعرض ولو للحظة لعار دعمِ من نكث العهد وخرج من الاتفاق النووي السلمي والحكيم"

وفي العام نفسه وعندما نشر وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو بياناً لدعم فرهاد ميثمي، نشر الأخير بياناً من زنزانته في ظل ظروفه الصعبة الصحية إثر الإضراب عن الطعام احتجاجاً على سوء المعاملة هناك، قال فيه رداً على دعم الإدارة الأمريكية: "أفضّل أن أبقى في سجن مجموعة من أبنا جلدتي الظالمين حتى نهاية حياتي وأبذل حياتي محاولاً تصحيح أخطائهم على أن أتعرض ولو للحظة لعار دعم من نكث العهد وخرج من الاتفاق النووي السلمي والحكيم، وبذلك أدار ظهره لمبادئ القانون والأخلاق. ومع إعادة فرض العقوبات اللاإنسانية، جرّ أبناء وطني إلى تحت خط الفقر".

وأثناء تحمله عقوبة السجن قام فرهاد بترجمة كتاب "أساسيات النضال اللاعنفي"، لأستاذ جامعة كاليفورنيا البرفيسور مايكل نايجلر، من الإنكليزية إلى الفارسية.

وفي نهاية كانون الأول/ديسمبر الماضي طلب نايجلر من فرهاد أن ينهي إضرابه عن الطعام، ويستمرّ في نشاطه المؤثر في المجتمع الإيراني، ورد عليه الأخير بالتقدير وذكره: "إنني أحب الحياة من أجل أن أتعلّم، وليس لأعلّم وأكتب".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard