شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
قسد في شمال شرق سوريا... غليان شعبي وترصّد تركي وأزمة خيارات

قسد في شمال شرق سوريا... غليان شعبي وترصّد تركي وأزمة خيارات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتنوّع

الاثنين 30 يناير 202304:01 م

تعيش مناطق شمال شرق سوريا الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" قسد، على صفيح ساخن، منذ أيام عدة، إذ تشهد المنطقة احتجاجات شعبيةً واسعةً وإضرابات في مدن وقرى متفرقة.

بدأت حالة الغليان الشعبي عبر تظاهرات في مدينة الرقة، في 21 كانون الثاني/ يناير الجاري، احتجاجاً على جريمة قتل معلمة وطفلتها (8 سنوات)، في منزلها في حي المشلب في الرقة، في 16 الشهر الجاري، على يد أحد الأمنيين المنتمين إلى جهاز الأمن التابع لقوات قسد، إذ تركزت مطالب المحتجين على محاسبة القاتل بعد صدور قرار قيادة قسد القاضي بمحاكمته داخلياً، على خلاف ما كان يطالب به ذوو الضحية وأقاربها، بأن تكون محاكمته علنيةً خوفاً من التلاعب بالحكم.

في المقابل، وصفت الإدارة الذاتية (جناح قوات قسد المدني)، المتظاهرين بالمخربين، وأشارت في بيان لها، إلى مهاجمة عدد من المتظاهرين مبنى المحكمة وتخريبه وحرقه، متسببين بهرب 30 موقوفاً، ولفتت إلى أنها أوقفت عدداً من المتظاهرين، وأنها ستلاحق كل من شارك في أعمال التخريب.

وجاء ذلك بعد أن فرضت قوى قسد الأمنية حظر تجول واسعاً في المدينة، وأغلقت الشوارع المؤدية إلى السجن المركزي على خلفية المظاهرات.

بدأت حالة الغليان الشعبي عبر تظاهرات في مدينة الرقة، في 21 كانون الثاني/ يناير الجاري، احتجاجاً على جريمة قتل معلمة وطفلتها

توسع الاحتجاجات

توسعت رقعة الاحتجاجات في قرى ومناطق عدة في الحسكة والرقة ودير الزور ومدينة منبج في ريف حلب كبرى المدن الخاضعة لقوات قسد، حيث شهدت إضراباً عاماً للأسواق والأهالي بعد حملة اعتقالات واسعة استهدفت أكثر من 50 شخصاً بينهم أطفال تحت سن الـ17، تم سوقهم إلى معسكرات التجنيد الإجباري في الشدادي في ريف الحسكة، ويقول الأهالي إن الإضراب مستمر حتى تنفيذ قوات قسد مطالب الأهالي المتمثلة في تحسينات معيشية، وإيقاف حملات التجنيد الإجبارية، ومحاسبة الفاسدين التابعين لها.

يقول الشيخ مضر حماد الأسعد، المنسق العام للمجلس الأعلى للعشائر والقبائل السورية المعارض، في حديثه إلى رصيف22، إن "الاحتجاجات لم تنقطع منذ دخول قوات قسد شمال شرق سوريا، فهناك رفض تام من قبل أبناء الشعب السوري عموماً، وأبناء القبائل العربية خصوصاً، لتصرفات قسد من تجنيد إجباري وقسري للأطفال وخطف القاصرات وسرقة المواد النفطية والزراعية والحيوانية والاعتقالات والاغتيالات والمداهمات، وارتباطها بأجندة خارجية، تهدف إلى فصل الجزيرة السورية والفرات عن سوريا، برغم أن الأكراد يمثلون أقل من 10% من المكون السكاني للمنطقة".

ويضيف: "الإضرابات والمظاهرات والعصيان المدني باتت السلاح الأمضى بيد المدنيين والعشائر العربية حالياً، خاصةً بعد محاولات قسد الحثيثة للتقارب مع النظام السوري، برغم أن العلاقة بين الطرفين لم تنقطع، والدليل أن مطار القامشلي القابع تحت سيطرة النظام هو تحت تصرف قوات قسد، فضلاً عن التعاون الأمني وتقاسم الموارد النفطية".

القبضة الأمنية

من جانب آخر، لم يمضِ وقت طويل على انتهاء حملة قسد الأمنية "صاعقة الجزيرة"، ضد خلايا تنظيم داعش، والتي انتهت في التاسع من شهر كانون الثاني/ يناير الجاري، رداً على استهداف الخلايا مقراً للأسايش وقتلهم وجرحهم العشرات، حتى انطلقت حملة أخرى حملت اسم "الانتقام لشهداء الرقة"، أسفرت حتى اليوم عن اعتقال 107 أشخاص بتهمة الانتماء إلى داعش، بعد مداهمات واسعة امتدت إلى قرى وبلدات الريف الشرقي للحسكة وصولاً إلى القرى الممتدة على الحدود العراقية، وبمشاركة وتنسيق قوات التحالف الدولي الداعمة لها جوّاً لأول مرة منذ انسحابه من الرقة أواخر 2019.

السياسة الأمنية الخاصة بقسد هي المسبب الرئيسي للاحتجاجات، فالموضوع تراكمي وليس جديداً، خاصةً في ما يتعلق بتهاونها مع تجاوزات عناصرها ضد المدنيين من جهة، والواقع المعيشي المتردي من جهة أخرى

وكانت قسد قد أعلنت قبل يوم واحد من المداهمات اعتقال 68 عنصراً، بينهم ما أسمته "والي الرقة" المسؤول عن خلايا تنظيم الدولة وتسيير أمور كتيبة "خالد بن الوليد" التابعة له، والمسؤولة عن الهجوم على مركز قوى الأمن الداخلي في حي الدرعية أواخر شهر كانون الأول/ ديسمبر الفائت.

في المقابل، تتواصل عمليات التنظيم ضد مراكز وعناصر قسد من دون هوادة، وعلى مساحات جغرافية واسعة، فوفقاً لجريدة النبأ التابعة للتنظيم، فإن داعش قد نفّذ عبر خلاياه عمليتي استهداف في دير الزور والحسكة، ما بين 20 و27 كانون الثاني/ يناير الجاري، أدّتا إلى مقتل وجرح ستة أشخاص من قسد.

ويلاحَظ من إغارات داعش السريعة والمتواصلة، أن قوات قسد لم تستطع إلى الآن الحدّ من أنشطته المتزايدة، خاصةً في مخيم الهول وأرياف دير الزور الشرقي، برغم الدعم والتدريب والتنسيق المقدّم من التحالف الدولي لوحدات مكافحة الإرهاب YAT والقوات الخاصة HAT التابعتين لقسد.

يشير الباحث المختص في شؤون المنطقة الشرقية، في مركز جسور للدراسات، أنس شواخ، خلال حديثه لرصيف22، إلى "ارتفاع واضح في معدل العمليات الأمنية لقوات قسد وعمليات الإنزال الجوي بقيادة التحالف ضد خلايا داعش، ويعود ذلك إلى رغبة قسد في إظهار قيمة نشاطها ضد تنظيم داعش، والمبالغة بحجم أنشطة التنظيم التي تشكل تهديداً لها".

ويضيف: "التحالف الدولي أيضاً حريص على زيادة عملياته هذه الفترة، خاصةً أن ملف داعش أحد الملفات التي استخدمتها الولايات المتحدة لتأجيل العملية العسكرية التركية والتي لطالما أكدت أن عملية تركيا تقوّض محاربة داعش وتؤثر على مكافحه أنشطته شمال شرق سوريا".

وبحسب الشواخ، فإن عملية "الثأر لشهداء الرقة"، جاءت بعد أقل من 48 ساعةً من موجة احتجاجات شعبية واسعة في الرقة، التي تُعدّ الأكبر منذ سيطرة قسد على المحافظة، لافتاً إلى أن هناك تخبطاً أمنياً واضحاً في صفوف قسد، خاصةً أنها أعلنت بعد هذه الاحتجاجات حملات تجنيد واسعةً ثم أطلقت هذه العملية بالرغم من مرور أكثر من شهر على عملية تنظيم داعش في الرقة والتي كانت سبباً لإطلاق هذه العملية".

ويرجّح الشواخ، أن السياسة الأمنية الخاصة بقسد هي المسبب الرئيسي للاحتجاجات، فالموضوع تراكمي وليس جديداً، خاصةً في ما يتعلق بتهاونها مع تجاوزات عناصرها ضد المدنيين من جهة، والواقع المعيشي المتردي من جهة أخرى.

 كشف القائد العام لقوات قسد، مظلوم عبدي، أنه طلب من نظام الأسد الاعتراف بالإدارة الذاتية دستورياً

مسارات على المحك

في تطور لافت، كشف القائد العام لقوات قسد، مظلوم عبدي، في مقابلة تلفزيونية على قناة العربية، في 26 كانون الثاني/ يناير الجاري، أنه طلب من نظام الأسد الاعتراف بالإدارة الذاتية دستورياً، وأن تستلم قوات قسد وقوى الأسايش (قوى الأمن الداخلي)، الملفّين الأمني والعسكري في المنطقة، تحت مظلة جيش النظام في المستقبل، لافتاً إلى أن "تركيا إذا هاجمت منبج وتل رفعت، فإن قوات النظام والقوات الأخرى لن تسمح بشن هجوم هناك، لكنها لا تبدي أي رغبة في الدفاع عن عين العرب-كوباني، في حال شنّت تركيا هجوماً عليها".

ويتزامن تصريح عبدي، مع توقعاته تحضير تركيا لعمل عسكري الشهر المقبل على محور عين عرب-كوباني، وسط توجسه من موقف واشنطن هذه المرة، فبحسب تأكيداته في المقابلة ذاتها، فإن قواته حفرت أنفاقاً لتشكيل نظام دفاعي لحماية نفسها ضد هجمات تركيا، والدعم الأمريكي لقواته بالأسلحة "كذبة كبيرة".

وتصريحات عبدي، وكذلك منهجية قسد عموماً في إدارة مناطقها وعلاقاتها، لا ترضيان المكون العربي، الذي يشكل الغالبية هناك بطابعه العشائري، خاصةً في ما يتعلق بتطور تنسيقها مع النظام وحليفه الروسي، وارتباطها المباشر بحزب العمال الكردستاني من جهة، والاحتقان الكبير الناتج عن ممارساتها الأمنية والاجتماعية من جهة أخرى، وهذا ما جعل الولايات المتحدة تدندن على وتر مشروع جديد أطلقته في مناطق شرق الفرات يهدف إلى إشراك المكون العربي بشكل أوسع عسكرياً وسياسياً في المؤسسات القائمة في المنطقة، عبر تطعيم المؤسسات التي تديرها الإدارة الذاتية، ويشرف عليها حزب الاتحاد الديمقراطي PYD بالمكون العربي بالدرجة الأولى، وبقية المكونات الأخرى، بهدف تشكيل تحالف واسع يجابه عملية التطبيع الجارية بين تركيا والنظام، وفق ما أكد موقع "باس نيوز" الكردي المقرب من قوات قسد.

ووفق "باس نيوز"، الذي نقل عما أسماه مصدراً مطلعاً، أن مسؤولين في قوات التحالف الدولي التقوا عقب التمركز في مقر الفرقة 17 بقائد فصيل لواء ثوار الرقة، أحمد علوش، لإعادة تشكيل فصيله المنحلّ ودعمه مجدداً.

يشير الأسعد، إلى وجود معلومات حول اجتماع القوات الأمريكية ببعض القيادات العسكرية العشائرية العربية والسياسية التي شاركت في الثورة السورية، بغرض ضمهم وزجهم في مناطق شرق سوريا، لإحداث توازن بين المكونين في إدارة المنطقة، ويعلّل الأسعد ذلك بالقول، إن الولايات المتحدة بعد أن رأت رفض المكون العربي لممارسات تنظيم قسد، وحالة الاستياء الشعبية الواسعة، أدركت أنه لا بد من الاعتماد على الأكثرية العربية، في إدارة المنطقة.

ويبدو أن هيكلية قسد القائمة على المجالس العسكرية المحلية واستحواذ حزب العمال وقيادييه على القرارات المفصلية والمقدرات والمكاسب مع إقصائه بقية مكوناتها الأخرى، تزيد احتمال الانقسام الداخلي في صفوفها، خاصةً المكون العربي الذي يعاني من التهميش بشكل واضح.

خيارات صعبة

تشير دراسة قدّمها مركز "جسور للدراسات الإستراتيجية"، بداية العام الجاري، إلى أنّ "الضغط الحالي الذي تتعرض له قسد يُمثّل المرحلة الأصعب التي تواجهها منذ تأسيسها، وخياراتها تبدو محدودةً، وقد يفضي أيّ منها إلى إعادة هيكلتها أو تقديم تنازلات جديدة ستكون لصالح بقية أطراف النزاع على حساب نفوذها وسيطرتها".

الضغط الحالي الذي تتعرض له قسد يُمثّل المرحلة الأصعب التي تواجهها منذ تأسيسها، وخياراتها تبدو محدودةً، وقد يفضي أيّ منها إلى إعادة هيكلتها أو تقديم تنازلات جديدة، فما هي هذه الخيارات؟

وترى الدراسة أن مصير قسد مرتبط بسيناريوهات أربعة، تأتي في مقدمتها "إعادة هيكلة قسد برعاية أمريكية"، وإبعاد الكتل والشخصيات التي ترفضها تركيا لارتباطها بحزب العمال، أما السيناريو الثاني فهو "انسحاب قسد لصالح النظام"، والثالث "استنزاف قسد عبر عمليات تركية"، جوية وبرّية، وفق جدول زمني تحدده أمريكا، في حين استبعدت الدراسة السيناريو الرابع، وهو "انسحاب قسد لصالح المعارضة"، على غرار عملية نبع السلام شتاء 2019، ويُلاحظ أن خيارات قسد ستبقى محدودةً، وتالياً وفي المحصلة تقديم تنازلات جديدة لصالح بقية أطراف النزاع على حساب امتدادها.

في السياق ذاته، فقد وردت معلومات كشفها مصدر مقرب من قسد لموقع "باس نيوز" الكردي، عن اجتماع عُقد في مطار القامشلي، الخميس 26 كانون الثاني/ يناير الجاري، بين وفدي قوات "قسد" والقوات الروسية، تضمّن مطالبة الوفد الروسي بتسليم منبج وتل رفعت إلى حكومة دمشق، إلا أن "قسد" اشترطت من أجل تسليم أي منطقة إلى النظام، الاعتراف بخصوصية القوات الكردية ضمن جيش النظام، والاعتراف بـ"الإدارة الذاتية".

وأضاف المصدر أن الطرفين لم يتوصلا إلى نتائج ملموسة خلال اجتماع، مرجحاً شنّ تركيا هجوماً على مدينة عين العرب في ريف حلب، في الوقت الذي ترفض فيه روسيا أي عملية عسكرية تركية في منبج، بينما ترفض إيران أي عملية في تل رفعت.

يقول طارق خيركي، نائب رئيس "تيار الحرية الكردستاني"، أحد أحزاب المجلس الوطني الكردي، المنضوي تحت مظلة الائتلاف السوري المعارض، إن "رضوخ قسد لمطالب النظام برعاية روسية، يعتمد على الضوء الأخضر الأمريكي، خاصةً أن هناك اتفاقاً في بعض النقاط السياسية بين قسد والنظام، خاصةً في ما يتعلق بالتهديدات التركية".

ويضيف في حديثه إلى رصيف22: "على قسد فكّ ارتباطها بقيادة قنديل، وفك العلاقة العضوية مع قيادات حزب العمال الكردستاني، لتجنّب التوترات التي تواجهها على الصعيد الداخلي والخارجي، وهذا مُستبعد".

وحول مطالب روسيا بتسليم قسد المناطق الحدودية لقوات النظام، يشير خيركي إلى أن "قسد تماطل لتحقيق مكاسب ما، لكنها سترضخ أخيراً من أجل تسليم تلك المناطق للنظام، لأن هناك تنسيقاً مع حكومة دمشق في ملفات عدة".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard