شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"قميص صديق للبيئة بخمسة آلاف جنيه"... لماذا ترتفع تكاليف المنتجات المستدامة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الاثنين 30 يناير 202302:14 م

هل فكرت يوماً، في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية التي يعيشها العالم العربي، في أن تقتني قميصاً ثمنه 5 آلاف جنيه مصري (قرابة 165 دولاراً)، ليس لأنه يعجبك أو لأنه من أحدث خطوط إنتاج ماركتك المفضلة، بل لأنه مصنوع من مواد خالية من الكيماويات وسيساهم في إنقاذ البيئة خلال السنوات المقبلة؟

هذا بالفعل ما يسعى الكثير من ناشطي البيئة والشركات الناشئة للترويج له من أجل تغيير أنماط حياة الناس، والتحول إلى ثقافة البيئة النظيفة، واستخدام منتجات صديقة للبيئة في حياتنا اليومية، مثل أدوات الطهي والعناية الشخصية، كفرشاة الأسنان المصنوعة من مواد قابلة للتحلل، وكريمات الشعر والبشرة الطبيعية، بالإضافة إلى الأحذية والملابس.

لكن اللافت أن معظم هذه المنتجات تباع بأسعار مرتفعة تفوق قدرة معظم الناس على شرائها، ما يشكل عقبةً كبيرةً أمام الترويج لها، وأيضاً تحقيق الفائدة البيئية المرجوة منها.

هل فكرت يوماً في أن تقتني قميصاً بخمسة آلاف جنيه لأنه سيساهم في إنقاذ البيئة؟

مطبخ صديق للبيئة

في أثناء حديثها إلى رصيف22، تقول زهرة ربيع (30 عاماً)، وهي تعيش في المنوفية، أنها بعد أن قرأت كثيراً عن قضايا البيئة والمناخ بدأت تغير من عاداتها الشرائية، وأصبحت تقتني فوط مطبخ "فايبر" لأغراض التنظيف بدلاً من المناديل الورقية، وذلك عندما رأت إعلاناً عنها في إحدى الصفحات على فيسبوك.

كان الإعلان جاذباً للانتباه للغاية على حد وصفها، حتى أصرت على تجريبها، فقد جاء فيه أن الهدف من هذه الفوط هو تقليل استخدام المنظفات الكيماوية المضرة بالبيئة، فمثلاً بدلاً من وضع المنظفات المليئة بالرغوة على الرخام أو موقد الطهي، نستخدم هذه الفوطة، وبالفعل كانت جيدةً جيداً وأصبحت لا يُستغنى عنها، وعلى غرار هذه الفوطة توجد أنواع أخرى لتنظيف الأتربة والأطباق والخضروات والفاكهة.

وأوضحت زهرة أن سعر الفوطة يبلغ قرابة 80 جنيهاً مصرياً (3 دولارات)، وهي أغلى بكثير من الفوط العادية التي تباع الثلاثة منها بـ20 جنيهاً، لكنها تعتقد أن هذه الفوطة الجديدة لو عاشت لسنوات كما يقول البائع، فإنها ستوفر عليها شراء العشرات من تلك العادية.

كما بدأت السيدة أيضاً بالاعتماد على منتجات طبيعية، مثل الليمون الطازج وملح الليمون، عوضاً عن المنظفات الكيميائية، وكل هذا هو مثال بسيط على التحول الذي يشهده العالم الآن مع الاهتمام بمحاربة أسباب التغير المناخي.

"غرين كارت"

ترى الباحثة البيئية نادية المصري، أنه من الصعب إقناع الناس بعدم استخدام المنتجات المصنوعة من البلاستيك من دون توفير البديل، ألا وهو المنتجات الصديقة للبيئة.

من هنا جاءتها قبل قرابة ثلاثة أعوام، فكرة إنشاء موقع إلكتروني للتسوق المستدام، فأسسته وأطلقت عليه اسم "غرين كارت"، وهو يبيع منتجات صحيةً مصنّعةً في مصر وخاليةً من الكيماويات، بدءاً من أدوات الطهي حتى منتجات العناية بالشعر والبشرة، مع مراعاة ألا تكون مضرّةً للبيئة في أي مرحلة من مراحل وصولها إلى المستهلك مثل التغليف والشحن وما إلى ذلك، ويسوّق الموقع المنتجات الصديقة للبيئة التي تنتجها بعض العلامات التجارية المصرية، بعد التأكد من كونها بالفعل مطابقةً للمواصفات المعلنة.

كافة مراحل المنتجات صديقة البيئة مكلفة، بدءاً من الإنتاج والتوزيع والتغليف والشحن وما إلى ذلك، فجميع هذه المراحل تتم بطريقة لا تضرّ بالبيئة، كما أن الخامات صديقة للبيئة، وأثمان بعضها تبلغ ضعف ثمن الخامات العادية، مثل البلاستيك القابل للتحلل إذا ما قارنّاه بالبلاستيك العادي

خلال زيارة موقع "غرين كارت"، نرى أنه يعرض مثلاً منتجات مثل أواني الطهي الخشبية، ويتراوح سعر الواحدة منها ما بين 240 إلى 520 جنيهاً (8 إلى 17 دولاراً) حسب الحجم، وهو مبلغ كاف لشراء طقم كامل من الأواني غير الصديقة للبيئة. يمكن أن نتسوق أيضاً بعض منتجات العناية الشخصية بالبشرة والشعر، مثل براعم البروكلي وصابون زبدة الشيا ومزيل العرق الطبيعي، وكذلك حقائب من مواد طبيعية معاد تدويرها.

وبسؤالها عن سبب ارتفاع ثمن المنتجات، قالت المصري لرصيف22، إن كافة مراحلها مكلفة، بدءاً من الإنتاج والتوزيع والتغليف والشحن وما إلى ذلك، فجميع هذه المراحل تتم بطريقة لا تضرّ بالبيئة، كما أن الخامات صديقة للبيئة، وأثمان بعضها تبلغ ضعف ثمن الخامات العادية، مثل البلاستيك القابل للتحلل إذا ما قارنّاه بالبلاستيك العادي.

وبالنظر إلى أواني الطهي المعروضة على "غرين كارت"، نجدها مصنوعةً من خشب السرسوب، وهو موجود ضمن شجرة تكلفة زراعتها ضخمة، وتأخذ وقتاً ومجهوداً طويلاً لقطع الخشب منها. وعلى الرغم من ارتفاع السعر، إلا أن المشتري سيأخذ قيمةً مقابل ذلك، فالمنتج صديق للبيئة، ويعيش سنوات طويلةً وتتوارثه الأجيال على حد وصفها.

وتحدثت المصري عن أضرار المنتجات غير الصديقة للبيئة على الصحة، خاصةً البلاستيك بدرجات جودته العالية والمنخفضة، والتي تصل أقصى مدة صلاحية لها إلى 5 سنوات، بعدها تصبح مضرّةً بالصحة وتتسبب في الكثير من الأمراض، "لذلك فإن المنتج صديق البيئة بمثابة استثمار في صحة الإنسان"، وفق تعبيرها. كما تنصح بعدم الشرب بزجاجات بلاستيكية واستبدالها بالزجاجات الفخارية والزجاجية.

وعن مصير هذه المنتجات بعد انتهاء صلاحيتها، وهل ستضرّ بالبيئة أم لا عند تحللها، أشارت الناشطة البيئية إلى أن هذه المنتجات تتميز بأنها لا تلوث البيئة عند تحللها، لأنها مصنوعة من خامات طبيعية مثل الفخار والخشب والورق القابل للتحلل والقماش، وتالياً تتحلل من دون أن تسبب في أي مشكلات أو أضرار.

الإقبال على شراء المنتجات الصديقة للبيئة ضعيف، وتأثر أكثر بالأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم بأسره.

هذه المبادرة ليست الوحيدة في مصر، بل ظهرت مبادرات أخرى تسير في الاتجاه نفسه، وتهدف إلى نشر التوعية البيئية وتعريف الناس بالمنتجات الصديقة للبيئة، مثل شركة "إيكو واي"، وهي إحدى الشركات الناشئة برعاية بعض المستثمرين والخبراء في مجال البيئة، وشركة "غرين واي" الروسية، وافتتحت فرعاً في مصر عام 2017، وتهدف بالأساس إلى مساعدة الناس على تقليل الاعتماد على المنظفات الكيماوية الضارة، وشركة "إيكو بلاست" التي ينصبّ اهتمامها على إنتاج منتجات بلاستيكية صحية للمنزل بأشكال وأحجام وألوان تناسب الجميع.

إقبال بسيط

تشير نادية المصري، إلى أن الإقبال على شراء المنتجات الصديقة للبيئة ضعيف، وتأثر أكثر بالأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم بأسره، والتي أثّرت بدورها على القوة الشرائية للأشخاص. "لذلك نحاول الآن التسويق بطرائق عدة، مثل تعريف الناس بأضرار المنتجات غير الصديقة البيئة، كذلك التواصل مع جهات إعلامية والتشبيك مع مبادرات بيئية أخرى، فعيش حياة نظيفة يبدأ بتغيير نمط الحياة والأشياء التي نستخدمها في المنزل، وتالياً لا نضرّ بعناصر البيئة، من هواء ومياه وتربة".

وعند سؤالها عن إمكانية توافر المنتجات الصديقة للبيئة بأسعار أرخص حتى يتمكن الجميع من شرائها، قالت إن ذلك يحتاج إلى دعم جماعي لجميع المبادرات التي تدعو لاستخدامها، فبدلاً من أن ننصح الناس بألا يؤذوا البيئة، يمكن أن نوجههم نحو شراء البدائل الصحية ونعرّفهم بالمواقع التي تروّج لها.

وضمن هذا السياق، تشير إلى وجود الكثير من المبادرات في الصعيد، على سبيل المثال، لإعادة التدوير وصناعة منتجات من الخوص والقماش، ولكنها غير معروفة على نطاق واسع. "من هنا، ولكي تنخفض أسعار هذه المنتجات، نحن بحاجة إلى انتشارها في السوق، وإلى أن يكون هناك تنوع في الإنتاج، وهذا الأمر بدوره يحتاج إلى رعاة يساعدون في إنجاح الفكرة من خلال تقديم الدعم المادي، سواء من القطاع الخاص أو الحكومي".

ولفتت الانتباه إلى ضرورة تشديد الرقابة على المصانع في ما يخص مراحل الإنتاج والمخلّفات التي تنتج عنها، والتأكد من كونها مستدامةً، والتفكير في مدخولاتها ومخرجاتها وأن تكون صديقةً للبيئة، وطرح أسئلة من قبيل: هل المصنع يعتمد على الطاقة النظيفة أم لا؟ هل المخلفات الناتجة عنه يمكن استخدامها في صناعة أخرى أم لا؟

رغبت ريتا في استخدام المنتجات الصديقة للبيئة واتّباع نمط يحافظ على الكوكب وصحة أسرتها، لكنها وجدت أن الأمر سيكون صعباً في ظل ارتفاع أسعار هذه المنتجات، وفكرت في اقتطاع جزء من راتبها لشراء شيء كل شهر، لكنها وجدت أنها ستحتاج إلى مدة طويلة حتى تقتني ما يلزمها

حلول بديلة

نظراً إلى غلاء أسعار هذه المنتجات، وعدم قدرة كثيرين على شرائها، فقد لجأ البعض إلى حلول نظيفة داعمة للبيئة، كما تقول ريتا أندرو (29 سنةً)، وهي تسكن في مدينة السادات في المنوفية.

وتشير الشابة لرصيف22، إلى أنها رغبت كثيراً في استخدام المنتجات الصديقة للبيئة واتّباع نمط يحافظ على الكوكب وعلى صحة أسرتها أيضاً، وبعد كثير من البحث وجدت أن الأمر سيكون صعباً في ظل ارتفاع أسعار هذه المنتجات، وعندما فكرت في اقتطاع جزء من راتبها لشراء شيء واحد كل شهر، وجدت أنها ستحتاج إلى مدة طويلة حتى تقتني كل ما يلزمها، فالراتب بأكمله لا يكفي لشراء 3 من هذه المنتجات.

وتضيف: "من هنا قررت اتخاذ بعض الخطوات غير المكلفة، مثل إعادة تدوير أكياس البقالة واستخدامها لأغراض أخرى كوضع القمامة فيها، وتالياً أقلّل من استهلاك أكياس القمامة الأساسية، كما استبدلت كل لمبات الإنارة في المنزل بشبيهتها الموفّرة، واشتريت أدوات العناية بالشعر والبشرة الطبيعية الخالية من الكيماويات، كذلك صرت أعتمد على الملاعق الخشبية عند طهي الطعام".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard