شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
سعياً لإحكام القيود...

سعياً لإحكام القيود... "الأعلى للإعلام" يُعد تشريعاً لحصار "ديزني" و"نتفليكس"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحقوق الأساسية

الخميس 26 يناير 202303:23 م

يعتزم المجلس الأعلى للإعلام -أعلى سلطة رقابية على الإعلام في مصر- إصدار تشريع جديد يمنع تحميل أي منصة إعلامية على الهواتف المحمولة للمصريين من دون الحصول على ترخيص مسبق من المجلس، وذلك وفقاً لتصريحات أدلى بها كرم جبر، رئيس الأعلى للإعلام خلال اجتماع لجنة التعليم وتكنولوجيا المعلومات في مجلس الشيوخ، مطلع الأسبوع الجاري.

 المثلية الجنسية والتطرف، هما القضيتان اللتان صدرهما رئيس المجلس في حديثه ليبرر بهما أسباب إعداد التشريع الجديد. وقال جبر إن هناك قضايا يتم طرحها على المنصات المختلفة، منها قضية المثلية الجنسية، وقضية التطرف، و"هذا الأمر ينبغي التصدي له والتوعية بأهمية التصدي لمثل هذه الأفكار".

كذلك "الألعاب الإلكترونية الضارة" وفقاً لحديث جبر، الذي رأي أن هناك ألعاباً إلكترونية "تنشر المثلية" أو "تحرض على التطرف"، وكل ذلك سيتم وضعه في لائحة أكواد محددة، بالتنسيق مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

يلاحظ المشتركين في خدمتي ديزني بلس وأمازون برايم في مصر، أن بعض المسلسلات والأفلام التي يُعلن عن عرضها في المنصتين لا تظهر ضمن اشتراكاتهم، على الرغم من إتاحتها لمشتركين في دول عربية أخرى، إذ تتفادى تلك المنصات الصدام مع التوجهات المحافظة في مصر

 التشريع المرتقب اعتبره خبراء تحدثوا إلى رصيف22 امتداداً لمحاولات سابقة من المجلس الأعلى للإعلام لإخضاع منصات المشاهدة للقواعد التنظيمية المصرية، وحصارها بقيود إدارية تضمن فرصة للسلطات المصرية في التدخل في المحتوى من جانب، وجباية مزيد من الأموال عبر بوابة التراخيص من جانب آخر.

وسبق للمجلس الأعلى للإعلام مطالبة منصات المحتوى الإلكترونية مثل Netflix وديزني في سبتمبر / أيلول 2022 بالالتزام بـ "أعراف وقيم الدولة المصرية". وقد جاءت مطالبة المجلس إثر هبّة  خليجية ضد منصة نتفليكس ومحتواها "الذي لا يتناسب مع القيم العربية والإسلامية"- وقال المجلس في بيانه إن التراخيص والقواعد التنظيمية تشمل التزام المنصات المشار إليها بالأعراف والقيم المجتمعية للدولة، والقيام بالإجراءات اللازمة حال بث مواد تتعارض مع قيم المجتمع.

تفاصيل قرار المجلس

 تحدثت الدكتورة منى الحديدي الأستاذة في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، عضوة المجلس الأعلى للإعلام، عن التشريع الجديد، وقالت في اتصال هاتفي مع رصيف22، إن الترخيص المزمع إلزام المنصات به "يشمل كل منصات المشاهدة العالمية الكبيرة مثل نتفليكس وديزني"، وأن المجلس "سيضع ضوابط مهنية وأخلاقية لهذه المنصات، تضمن حماية المجتمع وضمان خصوصيته من المحتوى المعروض، على أن تراعي المنصات ذلك فيما يخص بثها للمنطقة والمجتمع المصري".

حقوقيون: المنصات لديها أدوات لحماية الاطفال بالفعل، والهدف من إصدار تلك القواعد في مصر، هو فرض قيود على المحتوى وإن اختلفت المبررات

 وأضافت: "المجلس الأعلى للإعلام هيخطر كل المنصات الكبيرة الإعلامية بالضوابط الخاصة بالمجتمع المصري"، مضيفة أن الألعاب سيوضع لها ضوابط تنظيمية، رفضت الكشف عنها حتى الكشف رسمياً عن التشريع.

مبينة أن المجلس "سيتخد إجراءات أخرى من السابق الحديث عنها" أي لن يفصح عنها حالياً، ضد المنصات التي لا تلتزم بضوابطه، رافضة اعتبار تلك التحركات من المجلس ممارسات رقابية؛ "بل هي استباقية، لأن في ناس مش مثقفة وأطفال بيشوفوا الحاجات دي"، وفقاً لقولها.

 واعتبرت الحديدي أن التشريع الجديد ليس مستحدثاً، فهناك العديد من الدول التي لها مدونات سلوك رقمية تلزم منصات المحتوى الرقمي بالالتزام بها، لحماية الجمهور من المحتوى الإلكتروني الضار.

الرقابة قائمة

كلام الحديدي صحيح فيما يخص مدونات المحتوى، ولا تعتمد تلك المدونات على المنع أو فرض قيود على المحتوى؛ وإنما تتيح لمشتركيها استخدام وسائل تكنولوجية لضمان عدم تعرض الأطفال للمحتوى الذي لا يناسب أعمارهم، من خلال أكواد الرقابة العائلية على المحتوى، وتخصيص واجهات فرعية للمشتركين يمكن للأطفال متابعتها، والاطلاع من خلالها فقط على المواد التي يوافق عليها الآباء.

ولا تتدخل الدول غير الشمولية والتي تعترف بالحقوق الأساسية للأفراد في فرض أية قيود من جانبها على المحتوى، وإنما تكتفي بوضع مدونات السلوك والإتاحة وتراقب تنفيذها.
هذه الأدوات الرقمية متاحة بالفعل في المنصات التي تقدم خدماتها في مصر، ومنها ديزني بلس وأمازون برايم، وكلاهما يمكن للمشتركين فيه أن يخصصوا قناة فرعية لمشاهدة الأطفال بحسب التصنيف الرقابي المعتمد على السن.
كما أن هذه المنصات تقوم بمنع عرض بعض إنتاجاتها للمشتركين في مصر وبعض الدول العربية، خشية الصدام معهم وتعالي الدعوات لمقاطعتهم.

منذ تأسيسه عام 2017 دأب المجلس الأعلى للإعلام على فرض قيود على الصحف والبرامج ووسائل الإعلام بأشكالها المختلفة، وأصبح له صلاحيات واسعة تغولت على صلاحيات النقابات المختصة مثل نقابة الصحافيين والإعلاميين

ويلاحظ المشتركين في خدمتي ديزني بلس وأمازون برايم في مصر، أن بعض المسلسلات والأفلام التي يُعلن عن عرضها في المنصتين، لا تظهر ضمن اشتراكاتهم. وأحدثها كان فيلم My Policeman الذي يتناول قصة حب بين رجلين ينتميان إلى مجتمع الميم- عين، ولم يتح الفيلم الذي بدأ عرضه في يناير/ كانون الثاني الجاري للمشتركين من مصر.

وعن الصعوبات التقنية التي تواجه إلزام المنصات بضوابط قانونية محلية في مصر، أو منع تحميلها على أجهزة الهواتف من دون ترخيص من الأعلى للإعلام، قالت الحديدي: "الضوابط مش هنقدر نطبقها بنسبة 100%، لكن على الأقل سنوفر نوعاً من الحماية والخصوصية للمستخدمين الذين أغلبهم من الشباب والمراهقين". 

طرق إخضاع المنصات الرقمية

 يعتبر المجلس الأعلى للإعلام هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية، تتشكل بقرار من رئيس الجمهورية، وهي الجهة التي أنشئت عوضاً عن وزارة الإعلام، باختصاصات وصلاحيات واسعة وفق الدستور والقانون، تقوم على منح وسحب التراخيص والتصاريح اللازمة لعمل المنصات الإعلامية، بالإضافة إلى طرق الرقابة على المحتوى المنشور على هذه المنصات.

 ومنذ تأسيسه عام 2017 دأب المجلس الأعلى للإعلام على فرض قيود على الصحف والبرامج ووسائل الإعلام بأشكالها المختلفة، وأصبح له صلاحيات واسعة تغولت على صلاحيات النقابات المختصة مثل نقابة الصحافيين والإعلاميين، وفي سبيل ذلك حجب المجلس عشرات المواقع الصحافية وأوقف برامج وصحافيين، كما تدخل في حذف أو تعديل المواد المنشورة، وبحسب المرصد المصري للصحافة والإعلام فإن المجلس  "يهدد مهنية واستقلالية وسائل الإعلام، على عدد من المستويات. وأن هذا المجلس قد خلقته السلطة التنفيذية لتستطيع من خلاله السيطرة على وسائل الإعلام".

خبير تقني: منع المنصات الرقمية في مصر من خلال قيود الترخيص، يمكن تطبيقه بطريقتين؛ الأولى هي الحجب، والثانية بمنع تحويل الأموال لها، بحيث لا يتمكن الجمهور من دفع الاشتراك، وبالتالي لا يستطيعون استخدامها

 من المفترض، ووفقاً للائحة التراخيص الصادرة عن المجلس الأعلى للإعلام في عام 2020، التزام المنصات الرقمية بضرورة الحصول على ما يعرف بـ"شهادة الاعتماد". وهي شهادة تصدر عن المجلس الأعلى الإعلام تفيد باستيفاء جميع المتطلبات الفنية والقانونية والتنظيمية اللازمة، والتي يسمح بموجبها مزاولة النشاط داخل جمهورية مصر العربية.

وتشير لائحة التراخيص إلى أن مدة الاعتماد خمس سنوات، ويجوز تجديدها بناءاً على طلب يُقدَّم إلى المجلس الأعلى للإعلام قبل ستة أشهر من انتهائه. وفي حال كانت بيانات طلب الاعتماد غير مستوفاة فيجب على المجلس الأعلى للإعلام إخطار مقدم الطلب لاستيفائها، وذلك خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ عرض تقرير اللجنة المختصة عليه.

هل المنع ممكن؟ 

يرى محمد الطاهر الباحث والتقني في مؤسسة مسار، والمدير التنفيذي السابق لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، أن منع المنصات الرقمية في مصر من خلال قيود الترخيص، يمكن تطبيقه بطريقتين: الأولى بحجب هذه المنصات، والثانية بمنع الدفع لها، بحيث لا يتمكن الجمهور من دفع الاشتراك الشهري أو السنوي، وبالتالي لا يستطيعون استخدامها. وقال لرصيف22 إن الحل التقني الوحيد هو عدم إصدار شهادات الاعتماد لتلك المنصات. 

وأضاف أن قواعد مدونات السلوك الرقمية موجودة في كل مكان في العالم، لكن الأمر يختلف حسب التطبيق، إذ يرى الخبير التقني أن "التطبيق في مصر سيكون سيئاً"، لأن الهدف من فرض هذه الضوابط هي الرقابة على المحتوى، وليس كما يروج المجلس مواجهة المثلية الجنسية أو المحتوى الضار، "لأن الناس ممكن تقلب ومتشوفش المحتوى الذي لا يعجبها"، وفقاً للطاهر.

المحتوى الذي تقدمه المنصات العالمية مصنف تحت فئات عمرية بحيث يستطيع المشاهد انتقاء المحتوى الذي يتيحه للأطفال في بيته، ولا يحتاج الأمر لأدوات رقابية جديدة

ولم يعلن المجلس عن إصدار أو سحب شهادات اعتماد رغم مرور أكثر من عامين على إصدار اللائحة، لكن وفقاً لمركز مسار القانوني المعني بتعزيز الحقوق الرقمية والحريات المرتبطة بها في مصر، فإن محاولات المجلس لإخضاع نتفليكس وديزني تأتي في إطار "الاستفادة من الموقف المتخذ من قِبل دول مجلس التعاون الخليجي، والذي يمكن أن يساهم في الضغط على منصات المشاهدة للامتثال للقوانين المصرية".

من الناحية القانونية، يرى المحامي والباحث القانوني حسن الأزهري أن المجلس الأعلى للإعلام من حقه، وطبقاً للقانون، إصدار مجموعة من القواعد في صورة لائحة أو قرار، لكن محصلتها تنتهي إلى فرض المزيد من القيود المفروضة على المحتوى، تحت عبارات مطاطة مثل المحتوى الضار أو الأمن القومي.

 ويقول الأزهري في اتصال هاتفي مع رصيف22، إنه منذ تاريخ تعديل لائحة المجلس الأعلى للإعلام وإدخال شهادة الاعتمادات، ظهرت محاولات عديدة من المجلس لإخضاع ديزني ونتفليكس، كان أبرزها البيان الصادر في سبتمبر/أيلول من العام الماضي.

 ويؤكد أن المحتوى الذي تقدمه المنصات العالمية مصنف تحت فئات عمرية، بحيث يستطيع المشاهد انتقاء ما يناسب من يستخدمون اشتراكه بحسب مراحلهم العمرية، ويتحكم في قدرتهم على الاطلاع على ذلك المحتوى. التقدير إذن متروك للآباء أو ارباب الاُسر، و"بالتالي فإن الهدف من إصدار تلك القواعد في مصر، هو فرض قيود على المحتوى وإن اختلفت المبررات".

ووفقاً لمركز مسار القانوني، تعطي لائحة التراخيص صلاحية تقديرية للمجلس الأعلى للإعلام  باتخاذ الإجراءات المناسبة تبعاً لتقديره قد تصل إلى إمكانية سحب أو إلغاء شهادة الاعتماد، كما يفهَّم من السياق العام المتعلق بصلاحيات المجلس الأعلى للإعلام المنصوص عليها في قانون تنظيم الصحافة والإعلام، ولائحة التراخيص، ولائحة الجزاءات، أن من حق المجلس حجب "المحتوى الضار" متى تراءى له ذلك.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard