شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"يوم التنديد بزواج القاصرات وليس يوم الأم"... صراع حول مولد فاطمة الزهراء في إيران

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 17 يناير 202305:25 م

لم يفكر نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية يوماً أن يضطر ليدافع عن أصوله وأيديولوجيته التي روج لها وجعلها ضمن الدستور طيلة 44 عاماً، أمام جيل لا يخضع ولا يخشى النقد والآثار السلبية المترتبة عليه، فكل الأحداث في إيران هي مناسبة للإفصاح عن المواجهة والرفض لسياسات النظام، خاصة الإسلاموية منها.

لا تعترف إيران باليوم العالمي للمرأة والذي يُصادف 8 آذار/مارس من كل عام، بل يُطلق النظام الإيراني على ذكرى مولد فاطمة الزهراء بنت النبي محمد في 20 من جمادى الثاني من كل عام، يوم الأم ويوم المرأة، فاحتفلت إيران بهذه المناسبة في 13 كانون الثاني/يناير الحالي. وتستمر الاحتفالات في إيران بهذه المناسبة لمدة أسبوع وتتضمن غالباً، تصريحات المسؤولين، ومراسمات رسمية وتكريم النساء البارزات.

لطالما اختلفت رؤية النظام الإيراني تجاه تكريم المرأة وحقوقها مع الناشطين/ات في مجال حقوق المرأة، لكن ما ميّز هذه المناسبة هذا العام، أنها جاءت بعد الاحتجاجات التي كان للنساء دور بارز فيها، وتركزت على قضية الحجاب، ووُصفت بـ"الثورة النسائية"، إذ شكلت أكبر حركة احتجاجية ضد سياسات الجمهورية الإسلامية وفكرة أسلمة المجتمع، وجاءت بعد وفاة الشابة مهسا أميني، بعد اعتقالها من قبل شرطة الحجاب في طهران.


لا تعترف إيران باليوم العالمي للمرأة الذي يُصادف 8 آذار/مارس من كل عام، بل يُطلق النظام الإيراني على ذكرى مولد فاطمة الزهراء بنت النبي محمد في 20 من جمادى الثاني من كل عام "يوم الأم ويوم المرأة"

وطالت الانتقادات في الأيام الأخيرة النظامَ واحتفاله بهذه المناسبة النسائية من قبل ناشطي شبكات التواصل الاجتماعي، فمنهم من كتب: "يوم الأم هو اليوم الذي فقدت فيه البناتُ القتيلات أمهاتهن"، وأرفق تغريدته بهاشتاغ يحمل اسم القتيلتين في الاحتجاجات: فِرشْته أحمدي ومِينو مجيدي.

 ابنة فرشته أحمدي (32 عاماً) التي تعرضت للإصابة بإطلاق نار حربية بتاريخ 27 تشرين الأول/أكتوبر 2022 في مدينة مَهاباد الكُردية

كما علق آخر: "مولد امرأة عربية ليس يوماً لتكريم والدتي"، وأفصح منشور آخر: "لم نحتفل بهذه المناسبة لأمهاتنا". كما ذكرت إحدى رائدات مواقع التواصل: "بعد تحرير الوطن، سنحتفل بيوم المرأة، في نفس المناسبة العالمية"، إشارة إلى 8 آذار/مارس.

من جانب آخر انتقدت الكاتبة الإيرانية زهرا نِجاد بَهرام في مقال لها نُشر في صحيفة “آرمان اِمروز” الإصلاحية، الدمجَ بين يوم الأم ويوم المرأة في إيران، وطالبت بالفصل بين المناسبتين، وقالت إن الترويج للمرأة في إيران على أنها فقط “أم” وأن ترتبط حقوقها وواجباتها بهذه التسمية، مسألة غير عادلة.

لا لزواج القاصرات

فتحت كلمة مدرب منتخب كرة الطائرة الإيراني السابق فرهاد ظريف، المنشورة على حسابه الرسمي في إنستغرام، المجالَ لإبراز أشد الانتقادات بالنسبة للإسلام والنظام: "مولد امرأة كانت قد تزوجت وأنجبت في التاسعة من عمرها هو يوم للتنديد بزواج القاصرات"، مستنداً إلى الرواية الشيعية التي تقول إن فاطمة الزهراء تزوجت من علي بن أبي طالب في التاسعة من عمرها وأنجبت 4 أطفال حتى قُتلت في الثامنة عشرة من عمرها، وتشكل الزهراء رمز المرأة المثالية لدى أتباع المذهب.

ووسط حفاوة الكثيرين بتصريحات اللاعب، توعّدَه بعض المتشددين بالقتل، واستذكر المنشد الشيعي مهدي رسولي، رسالةً قديمة لمؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني عام 1989، عندما أفتى بالإعدام بحق موظفي الإذاعة الوطنية إن ثبتت نية إهانتهم للسيدة فاطمة الزهراء بتهمة بث تصريح لمواطنة إيرانية أجابت على سؤال الإذاعة بأنها تعتبر بطلة مسلسل أوشين (Oshin) الياباني، هي القدوة الأنسب لنساء إيران. ووُصف إعادة نشر رسالة الخميني بأنه فتوى دينية ومطالبة من السلطة القضائية لإصدار حكم الإعدام.

ونددت كلٌّ من وزارة الرياضة واتحاد كرة الطائرة بتصريحات فرهاد ظريف واعتبراها إساءةً للنبي محمد. كما أعلن المدعي العام في طهران علي صالحي عن إصدار حكم اعتقال اللاعب السابق بتهمة إهانة المقدسات الإسلامية، بيد أنه لم يعش في إيران.

ورد الكابتن فرهاد (39 عاماً) على غضب النظام منه بمنشور آخر جاء فيه: "32 ألف زواج للقاصرات يتراوح عمرهن من 10 إلى 14 سنة، وهناك 14 ألف أرملة قاصرة. أنتم من تهينون المقدسات عبر سنوات من ارتكاب هذه الجرائم باسم المقدسات"، وأطلق هاشتاغ "لا لزواج القاصرت".

تأكيد النظام الإيراني على الحجاب وزيادة الإنجاب 

أما النظام الإيراني الذي يصر على الإنجاب والمواليد، اغتنم فرصة المولد للدعاية والترويج لسياساته، وسارع في نشر لافتات وجداريات تحث على الإنجاب ودور الأمومة، كما وضع جدارية كبرى في العاصمة طهران تضمنت صورةً من أسرة شابة مكونة من امرأة ورجل و3 أطفال.

في غضون ذلك صرحت نائبة الرئيس الإيراني في شؤون المرأة والأسرة إنسية خزعلي: "المساواة بين المرأة والرجل يعني أن تكون مساهمة في التكاليف، ويتحملا ضغوط الحياة بالتساوي، في حين أن هذا التساوي لا يوجد في جسم المرأة والرجل، لذلك فإن التساوي يصبّ في ضرر المرأة. أما العدالة وتقسيم العمل والمسؤوليات ووضع المرأة والرجل في موقعهما، سيكون مفيداً".

وفي ظل الأوضاع التي تعيشها إيران جراء "الانتفاضة النسائية"، حسبما يصفها الباحث في الشؤون الدينية محسن مظاهري، والتي أتت للتنديد بقواعد اللباس الذي يفرضه النظام الإسلامي على جميع المواطنات حتى من الديانات والمذاهب الأخرى، أعلنت خزعلي عن مشروع حكومي لدعم الشادور (العباءة الإيرانية)، بغية انخفاض أسعاره وسط أزمة حادة في غلاء الأسعار تعيشها البلاد منذ سنوات بعد فشل العودة للاتفاق النووي.

يعتقد النظام أن الاحتجاج على الحجاب ومخالفة ارتدائه بالشكل الذي يريده هو، ناتج من غفلته تجاه تبيين ضرورة الحجاب وأهميته الدينية والدنيوية للجيل الجديد، فيرى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أن الحل الأنسب يكمن في الترويج والإفصاح والدعاية للثقافة الإسلامية، ويطلق مصطلح "جهاد التبيين"، ليقوم به أنصاره.

وفي رده على عقلية النظام في التعاطي مع حالة الاحتجاج التي تسود البلاد، يقول الباحث الاجتماعي والسياسي عباس عبدي إن إطلاق مبادرات حكومية لدعم الحجاب تدل على اليأس الشديد وعدم القدرة على فهم التطورات الثقافية الحاصلة.


فتحت كلمة كابتن منتخب كرة الطائرة الإيراني السابق فرهاد ظريف، المجالَ لإبراز أشد الانتقادات بالنسبة للإسلام والنظام: "مولد امرأة كانت قد تزوجت وأنجبت في التاسعة من عمرها هو يوم للتنديد بزواج القاصرات"

أما النائب السابق والمحامي محمود صادقي فعلق على تصريحات خامنئي: "الشرط الأساسي للتبيين هو الاعتراف بحق حرية التعبير والاختيار للشخص. الجيل الجديد لا يخضع للتبيين بالقوة"، وأرفق تغريدته بالآية القرآنية "فبشِّرْ عبادي الذين يستمعون القولَ فيتبعون أحسنه".

ثمة مؤشرات تبرز على السطح تشير إلى زيادة الفجوة بين الشارع والنظام الإيراني الذي ما زال مصراً على سلوكه في أسلمة المجتمع ولو بلغ ما بلغ؛ فوسط أصوات معتدلة وإصلاحية أكاديمية وسياسية باتت خارج دائرة الحكم، تريد للنظام بقاء مع إصلاحات جوهرية لصالح الشعب، لم يعر النظام اهتماماً لها.

ومن هذه الأصوات التي دعمت الاحتجاجات مؤخراً، هي كلمة علي الخميني، حفيد آية الله الخميني مؤسس النظام الجمهورية الإسلامية: "هذا الشعب صبور لكنه يحتج، كلنا نحتج"، وحول فكرة أسلمة المجتمع التي يصر عليها المتشددون، قال: "إذا تمكنا بطريقة ما أن نضع النظام في أيدي الشعب، يمكنني القول بكل يقين إنهم سيطبقون الإسلام بشكل أفضل منا جميعاً".

يواجه النظام الإسلامي في إيران جراء سلوكه العنيد مع شعبه ودول العالم، خاصة بعد الأحداث الأخيرة وتزامنها مع دعم موسكو في حربها ضد أوكرانيا، ضغوطات كبيرة في الداخل والخارج تذهب به نحو عزلة غير مسبوقة وعدم شرعية من قبل الشعب والمجتمع الدولي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard