شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"هو أنت حامل في فيل؟"... عندما تعرضت للتنمر أثناء الحمل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الخميس 19 يناير 202312:41 م

"إيه اللي حصلك"، لم يملّ المقرّبون مني من تكرار هذه الجملة أمامي أثناء فترة حملي، ولم يعرف أياً منهم أنني كرهت سماعها كما كرهتهم، وأن كلماتهم القاسية وغير المبالية والتي تقال دون أي تردد كانت سبباً في جعلي أكره النظر في المرآة لشهور.

تجربة الحمل لم تكن صعبة بالنسبة لي فقط بسبب متاعب ومشاق الحمل العادية التي تمر بها كل النساء، ولكن حدث تغيّر في شكلي جعل الأمر يزداد صعوبة مع كل التعليقات التي أسمعها من الآخرين: "كنت جميلة.. ماذا حدث لك؟ بقيتي واحدة تانية"، وزاد التنمّر عن الحد لدرجة أن قريبة لي حاولت تقليد مشيتي الثقيلة فكدت أصفعها.

جسد ليس لي

لم أكن أعرف بطبيعة الحال أن هذا التغيّر الكبير سيحدث في شكلي بعد الحمل بسبب الهرمونات، فلم يكن الأمر يقتصر على زيادة طبيعية في الوزن، بل جاءني زائر لم أكن أنتظره وهو "الزلال" الذي جعل كل جسدي ينتفخ دون سبب، فتحول جسدي بالكامل لجسد واحدة أخرى، وحتى وجهي بات شكله متغيراً ومختلفاً. كنت أنظر في المرآة لأراقب ملامحي فأشعر أنها تبدّلت: هذا الأنف ليس لي، وهذه الشفاه الكبيرة لا تخصني، وبالطبع هذا الخصر لا علاقة لي به.

تجربة الحمل لم تكن صعبة بالنسبة لي فقط بسبب متاعب ومشاق الحمل العادية التي تمر بها كل النساء، ولكن حدث تغيّر في شكلي جعل الأمر يزداد صعوبة مع كل التعليقات التي أسمعها من الآخرين: "كنت جميلة.. ماذا حدث لك؟ بقيتي واحدة تانية" 

كنت في هذا التوقيت أنتظر بعض التفهّم من الآخرين، ولكن ما حدث كان فظيعاً لدرجة أنني عندما أتذكره لا أصدق أن هناك أناساً يمكن أن يقولوا هذه الجمل دون أي تأنيب ضمير، ويشعروا أنهم لم يفعلوا شيئاً.

قريبة لي سببت لي الصدمة الأولى عندما رأتني وكنت في الشهر الخامس من الحمل، وقالت جملتها التي سببت لي الانهيار: "راح الجمال... فين هويدا بتاعة زمان". لا أعرف كيف تحملت زيارتها التي استمرت ساعة تقريباً، وبعد رحيلها دخلت إلى غرفتي وانهرت من البكاء دون توقف. نظرت في المرآة وأنا أراقب ماذا حدث لي فوجدت أن بالفعل جسدي تغيّر بالكامل. بعد دقائق مستمرة من البكاء قررت أن أتوقف عن النظر للمرآة وأن أنتظر حتى تنتهي هذه الفترة ثم أضع خطة تساعدني للعودة لشكلي القديم. وقتها لم أكن أفكر بمنطق أن هذه فترة مؤقتة، كنت مصدومة وحزينة.

حاولت أمي التخفيف عني، وكذلك زوجي، بجمل كنت أعرف أنها ليست حقيقة بل كلها كذب ومجاملة، مثل "أنت زي القمر... دا بيحصل لكل الستات"، لم يستطع عقلي أن يهضم ما يقولونه. استمرت حالة الحزن، وأصبت وقتها بحالة نفسية جعلتني أرغب في الأكل بصورة دائمة، ما جعل وزني يزداد بصورة أكبر.

كانت الجمل تتكرّر من وقت إلى آخر، من الجيران، الأقارب، بعض الأصدقاء. كدت أصرخ فيهم وأنا أتساءل هل أصابهم العمى؟ ألا يرون بطني المنتفخ ليعرفوا أن ما أمر به مجرد حالة مؤقتة ستنتهي بانتهاء الحمل؟

مع الوقت زادت حالتي سوءاً، استمريت في تناول الطعام بشراهة، استمر وزني في الزيادة، لم أعد أنظر للمرآة أبداً. كانت شقيقتي الكبرى هي الداعم لي في هذا التوقيت، أخبرتني ألا أهتم بكلام أحد، وأنني يجب أن أفكر بطفلي فقط، وأن تغير جسدي مؤقت. حاولت أن أصدق كلامها الذي سمعته من زوجي وأمي ولم أصدقه. ربما لأنها دائماً تحتكم للعقل وأعرف أنها منطقية. بدأت أنظم أكلي قليلاً ولكن ذلك لم يخفف من الثقل الذي حدث لي مع بداية الشهر السابع.

المرأة في فترة الحمل تكون ضعيفة، مترقبة، تتخوّف من كل مرحلة وتتساءل طوال الوقت عما ينتظرها، وإن كانت ستستطيع تحمل مسؤولية طفل صغير أوشك على القدوم، فلا يصح أن نضيف عليها عبئاً جديداً

المرحلة الأصعب

مع بداية الشهر السابع في الحمل، كنت أشعر بثقل شديد في كل جسدي، وبدأ التورم ينتشر في كل مكان. لم أكن أجد أي حذاء يدخل قدمي المنتفخة. استمريت لفترة أبحث عن حذاء مناسب لي حتى حصلت على حذاء مفصل مناسب. كان هذا الأمر يسبب لي الحرج الكبير، ربما وقتها لأنني كنت ما زلت صغيرة ولم أكن أفكر بمنطق اليوم الذي يجعلني أضرب بكل الكلام عرض الحائط.

لا أنسى هذا اليوم الذي قالت فيه جارة أمي لي: "هو أنت حامل في فيل؟". 

أو ربما لأنني كنت في حالة نفسية صعبة لم تسمح لي بالتفكير بصورة منطقية، ولذلك دخلت في مرحلة اكتئاب شديدة مع كل التعليقات التي كنت أسمعها عن جسدي. لا أنسى هذا اليوم الذي قالت فيه جارة أمي لي: "هو أنت حامل في فيل؟". لم أرد عليها حينها بل ردت أمي. استمر ابتعادي عن المرآة.

في هذه الفترة، بدأ الجميع يعلق على كبر حجم أنفي الذي أصبح بحجم حبة البطاطس، كما قالت ابنة عمتي التي حاولت تقليد مشيتي، فكدت أضربها من غيظي. كل هذا التنمّر والجمل المحبطة وضعتني في حالة نفسية سيئة جداً، لم أخرج منها إلا بعد أن أنجبت طفلتي الأولى، وبدأت أستعيد شكلي القديم شيئاً فشيئاً.

لا أتمنى أن تمرّ أي امرأة بما مررت به، ولا أعرف لم لا يدرك الناس أن كلامهم مؤثر، وأنه قد يدفع الآخرين لحافة الهاوية أحياناً، وأن كل كلمة يجب أن تكون بحساب، لأن بعض الكلمات طعنات تسبب ألماً لا ينتهي مع الوقت.

المرأة في فترة الحمل تكون ضعيفة، مترقبة، تتخوّف من كل مرحلة وتتساءل طوال الوقت عما ينتظرها، وإن كانت ستستطيع تحمل مسؤولية طفل صغير أوشك على القدوم. تمر بآلام كبيرة في كل جسدها بسبب التغيرات الهرمونية وغيرها، فلا يصح أن نضيف عليها عبئاً جديداً، ونجعلها تعاني من كلمات غير محسوبة تنطق عبثاً، بحجّة "حسن النية" الذي يدفع البعض منا أحياناً للانتحار. لا يجوز أن نحاسبها على أشياء خارجة عن إرادتها ونحملها فوق طاقتها.

عزيزي/تي التنمر قد يكون في نظرة غير لائقة أو حركة صغيرة تسبب الحزن الشديد لغيرك، وتدخله في دوامة لا نهائية من الحزن والاكتئاب ومحاسبة النفس دون أي ذنب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard