شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"اتكلمي – سبيك أب"... كيف أطلقت طبيبة أسنان أكبر حملة للبوح ضد الانتهاكات الجنسية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 13 ديسمبر 202201:07 م

في السادس من كانون الأول/ديسمبر 2022، أُطلقت النسخة العاشرة من BBC 100 Women، وضمت القائمة اسم طبيبة الأسنان وناشطة حقوق المرأة المصرية جهاد حمدي، مؤسسة ومديرة مبادرة "اتكلمي - Speak Up"، بعد اختيارها واحدة من أكثر 100 امرأة تأثيرًا في العالم في عام 2022، لتكون المصرية الوحيدة بالقائمة.

فكيف أحدثت طبيبة أسنان مصرية ثورة في حقوق المرأة في المجتمع المصري لتاخذ مكانها بين المائة؟

 خلال السنوات الماضية، اجتاحت مصر موجة غير مسبوقة من العنف ضد النساء، بلغت أوجها مع تصاعد ظاهرة الابتزاز الالكتروني، وقتل الفتيات علناً في سلسلة جرائم مروعة أودت بحياة نيرة أشرف وبسنت خالد وخلود درويش وغيرهن.

وسط كل ذلك، استمر اسم في الظهور في صدارة المعركة ضد هذا الكابوس، وهو اسم حملة "اتكلمي Speak Up".

اضطرت جهاد حمدي مؤسسة حملة "اتكلمي Speak up" إلى تغيير محل سكنها عدة مرات خوفاً على سلامتها وسلامة أسرتها


البداية استطلاع

عام 2020، ومع ملاحظتها ارتفاع معدلات تحوّل التحرش الجنسي المعتاد انتشاره في مصر إلى صيغ أكثر عنفاً وإيذاءً لضحاياه، بدأت جهاد استطلاعاً على حسابها الشخصي على فيسبوك، طلبت فيه من النساء اللواتي تعرضن للتحرش مشاركة قصصهن، ودعتهن إلى كتابة تلك الشهادات عبر "استمارة غوغل" Google form، إلا أن عدد ما تلقته من شهادات جاء غير متوقع. تقول جهاد لرصيف22: "لم أتخيل هذا التفاعل الرهيب الذي تلقاه الاستطلاع. في غضون بضعة أيام، تدفق عدد كبير من الشهادات عبر نموذج غوغل، كل واحدة منها أكثر بشاعة من سابقتها”.

قامت جهاد لاحقاً بإخفاء هوية صاحبات الشهادات ثم شاركت النتائج. انتشرت الشهادات على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، ودفعها ذلك إلى إطلاق صفحة مخصصة لزيادة الوعي بالتحرش الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في مصر. هكذا بدأت حملة "اتكلمي Speak Up".

وجدت الفتيات من جميع الخلفيات ملاذاً في مجتمع Speak Up لكشف الجناة، والإرشاد القانوني، والدعم النفسي

بعد زخم ودعم كبيرين، توسعت " اتكلمي Speak Up" للقيام بحملات شرسة ضد المضايقات الجنسية والمغتصبين. على موقعهم الإلكتروني، تمتلك الحركة صفحة بعنوان "جدار العار" تحتله أسماء جميع المعتدين الجنسيين الذين وضعوا خلف القضبان نتيجة جهود النساء.

تقول الناشطة النسوية المصرية ملك بغدادي لرصيف22: "لقد حققت Speak Up طفرة عظيمة. لم نر مبادرة نسوية تنمو بهذه السرعة وتجمع هذا القدر من الدعم في غضون بضعة أشهر. كان من المذهل أن نشهد ما حدث”.

أكثر من مجرد بوح

وجدت الفتيات من جميع الخلفيات ملاذاً في مجتمع Speak Up لكشف الجناة، والإرشاد القانوني، والدعم النفسي. ثم اكتسبت الحركة دعماً قوياً من عدد من المؤثرين المصريين، وتسببت في إلغاء أنشطة عدد من الشخصيات العامة التي روجت لثقافة الاغتصاب أو مارستها، مثل المطرب المتهم بالاغتصاب سعد لمجرد، الذي تصدت الحملة بالتعاون مع حركات نسوية وتقدمية أخرى لتنظيم حملات رفض نتج عنها إلغاء عروضه في مصر بعد الإعلان عنها أكثر من مرة.

مثال آخر  على نجاح  Speak up كان حملتها ضد عمرو دياب في إعلان سيارة سيتروين الذي روج لتصوير النساء من دون علمهن. أصدرت الشركة في النهاية اعتذارًا رسمياً وسحبت تلك النسخة من الإعلان.

"شعور عظيم”. تقول لنا ريم ميخائيل، العضوة في فريق Speak Up: "رأت الفتيات من جميع أنحاء مصر ما يحدث وتجمعن حول المبادرة. إمكانية لمس حياة الآلاف وتغييرها بهذه الطريقة هي أكثر لحظات الحياة امتلاء”.

كرست جهاد كل وقتها لقضية مايكل فهمي، وتعقبت خيوط المؤامرة المروعة لجرائمه، وتفاصيل انتهاكاته المنهجية والتسجيلات المسربة، في حملة امتدت عاماً كاملاً حتى صدر أمر باعتقاله.

نهاية عام 2020، لمع نجم جهاد في حملتها المستميتة الشهيرة ضد الدكتور مايكل فهمي، الذي حكم عليه جنائياً هو وزوجته بتهمتي الاغتصاب وتسهيل الاغتصاب.

استغل مايكل فهمي، وهو طبيب ومتحدث قبطي، علاقاته القوية بالكنيسة المصرية، وسمعة مهنته كطبيب نفسي، كغطاء للاعتداء الجنسي واغتصاب القاصرات بشكل متكرر منذ عام 2001، ومن خلال مخطط متشابك من التلاعب العاطفي، والابتزاز الديني، والعلاج المُختَرَع بالحقن الشرجية، قام مايكل بالاعتداء جنسياً على ما لا يقل عن عشرات الفتيات، منهن قاصرات.

تلقت حملة speak up  العديد من الشهادات، دفعت جهاد حمدي إلى بدء حملة ضد المؤثر المغتصب مايكل فهمي عام 2020، بهدف الضغط على السلطات القانونية في مصر للتحقيق في وقائع الاعتداء الجنسي وتقديمه للمحاكمة.

توقّف نجاح الحملة لمدة طويلة بسبب استغلال مايكل فهمي لعلاقاته لتعطيل أية تحركات قانونية ضده. تقول جهاد إنها "تلقت تهديدات لا حصر لها لحياتها وحريتها لإسقاط الحملة". إلا أنها كرست كل وقتها للقضية، وتعقبت خيوط المؤامرة المروعة لجرائم مايكل، وتفاصيل انتهاكاته المنهجية والتسجيلات المسربة، في حملة امتدت عاماً كاملاً حتى صدر أمر باعتقاله.

أخبرتني مي فاضل، وهي عضوة بالفريق: "كان هذا وقتاً صعباً خشينا فيه حقاً على سلامة جهاد وصحتها. استهلكتها القضية تماماً. بالكاد كانت تأكل وتنام، يدور يومها حول الحملة، ومقابلة المحامين، ودعم الضحايا”.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، تلقى مايكل حكماً بالسجن المؤبد.

حملات كثيرة وانتهاكات أكثر

طوال السنتين الماضيتين، عملت المبادرة على أكثر من 400 قضية انتهت إلى إنصاف الضحايا، وقدمت، من خلال شبكة واسعة من العلاقات، مساعدة قانونية ونفسية مجانية لأكثر من 14000 ضحية عن طريق ربطهم بمتطوعين. كما جمعت المبادرة أكثر من 15000 شهادة تحرش جنسي، و20000 شهادة اغتصاب وتعنيف وختان.

أدت إحدى حملات "اتكلمي Speak up" إلى توفير فوط صحية مجانية في أكثر من 80 مدرسة و 11 مقهى في مصر. وبعد مشاركة عضواتها في حملة واسعة تدعو إلى إدخال تعديلات على القانون المصري الهادف لمكافحة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، اعتمد البرلمان المصري التعديلات المقترحة بتشديد العقوبات وصدق عليها في مارس/ آذار 2021.

جهاد حمدي: "الثقافة المجتمعية في مصر توفر أرضاً خصبة للتحرش الجنسي. ثقافة تجسد عقلية لوم الضحايا، وتبرر التحرش، وتبرئ المنتهكين على حساب أولئك اللواتي يرفعن أصواتهن ضدهم".

لا تمثل قائمة BBC التكريم الدولي الأول لجهاد، فقد فازت بالجائزة الذهبية باعتبارها صانعة التغيير الاجتماعي للعام 2022 من قبل جوائز ستيفي في الولايات المتحدة، وجائزتي صانعة التغيير والإنسانية من قبل قائدات الشركات الصغيرة والمتوسطة في دبي، والجائزة الإنسانية الدولية من قبل Women4Africa في المملكة المتحدة، وكانت منافسة نهائية لكل من جائزة المساواة في الحقوق وعدم التمييز في منتدى العدالة العالمي عام 2022 في هولندا، وجائزة تمكين المرأة من قبل منتدى الابتكار وريادة الأعمال للمرأة الأفريقية (AWIEF) 2021 في جنوب أفريقيا، وجائزة البطل الإنساني لعام Aidex 2022 في بروكسل، بلجيكا.

ولكن، لم تكن كل القصة جوائز وإلهاماً. واجهت جهاد تهديدات دائمة منذ أن بدأت مبادرتها. بحسب تصريحاتها ومنشورات عديدة على صفحة الحملة، يطلق المتطرفون "هجمات شرسة" لإغلاق Speak Up وترهيب مؤيداتها والتشهير بهن، وعلى رأسهن مؤسستها. وأصبحت هي وفريقها هدفاً وسُرِّبت هوياتهن وبياناتهن الشخصية، وهُدِّدَت عائلاتهن. وتحولت الرسائل التي تردهن على وسائل التواصل الاجتماعي إلى سيلٍ من التهديدات اللفظية بالقتل والاغتصاب، واضطرت جهاد إلى تغيير محل سكنها عدة مرات خوفاً على سلامتها وسلامة أسرتها.

"لا يصدق أحد أننا نعمل على أساس تطوعي منذ عام 2020 حتى اليوم. يعتقد الناس أننا نجني الكثير من المال من المبادرة. ليتهم يعرفون الحقيقة”.

تقول جهاد: "نحن نعيش في مجتمع فيه العنف ضد المرأة مؤسسي وممنهج على حد سواء - إنه دائم، وعمدي ومترسخ حتى النخاع. هناك طريق طويل يجب قطعه. لا زالت نهاية المشوار في الأفق البعيد؛ نحن بالكاد بدأنا”.

عمل Speak Up تطوعي تماماً. لا تُمَوَّل الحركة من قبل أي جهة مانحة، ولم يوقفهن الافتقار إلى التعويض المستحق عن وقتهن وصحتهن عن العمل. كل يوم، يستيقظن ويشرعن في مثل هذا العمل الشديد الأهمية، مدفوعات فقط بما يؤمنّ به.

تضيف ضاحكة: "لا يصدق أحد أننا نعمل على أساس تطوعي منذ عام 2020 حتى اليوم. يعتقد الناس أننا نجني الكثير من المال من المبادرة. ليتهم يعرفون الحقيقة”.

أقف مشدوهاً أمام التحول الجذري في مشهد حقوق المرأة في مصر في مثل هذا الوقت القصير - لا شك أن جهاد تستحق كل شبر من موقعها بين المائة.

"شجاعة النساء المبهرة التي أشهدها كل يوم في هذا المجتمع تجعلني أتشبث بالأمل”. تقول جهاد وتختم: "ربما سنكسر يوماً ما سلسلة العنف”.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard