شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"أبحث عن موجب ناعم ومحترم في ألمانيا"... مجموعات فيس بوك لتواصل أفراد مجتمع الميم ـ عين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والميم-عين

السبت 3 ديسمبر 202203:36 م

"سالب ناعم، ساكن شمال الراين، ألمانيا، عمري 36 سنة، أبحث عن موجب محترم من نفس عمري، ويحب العنف في العلاقة".

"عمري 31 سنة، أبحث عن علاقة جادة مع موجب يسكن في برلين ومو مشكلة إذا كان متحول".

نموذجان لسلسلة من المنشورات تنتشر على مجموعة المثليين العرب في ألمانيا على موقع فيسبوك.

صيغة مستحدثة لمجلات التعارف التي انتشرت في التسعينيات، والفضائيات في القرن الأخير، انتقلت إلى الفضاء الأزرق مع اتساعه واحتضانه كل تفاصيل حياتنا.

العلاقة هنا تبدأ بعبارة سالب أو موجب، ويشير من خلالها الباحث عن حبيب، عن دوره في العلاقة الجنسية

العلاقة هنا تبدأ بعبارة سالب أو موجب، ويشير من خلالها الباحث عن حبيب، عن دوره في العلاقة الجنسية، تلك العلاقة التي كانت معقدة الحدوث في مجتمعه العربي، مسقط رأسه، لكنه اليوم يجاهر بها، ويسعى إليها بحسابه الفيسبوكي الخاص، والذي في بعض الأحيان يحمل اسمه الصريح وصورته الحقيقية.

شابات وشباب يعبرون عن ميولهم الجنسية في ظل الحرية الأوروبية المحكمة التغليف ببطانة القانون، والقادرة على امتصاص معظم الضربات المعادية للحرية الشخصية، فمضوا نحو خياراتهم في عالمهم الجديد، يفاضلون بين أفراده ومكوناته، منها المرتبط بالشكل كتصنيفات "ناعم أو معضل" وأخرى ترنو إلى قيم شخصية مثل الجدية والاستمرارية والالتزام.

المثلية كانت دافعي للسفر

محمد فريدي، 25 عاماً، مقيم في ألمانيا. يبحث عن نصفه الآخر عبر هذه المجموعة، مستخدماً حسابه الشخصي واسمه الصريح، مع تحفظه على وضع صورته، خوفاً من بعض المتسللين إلى المجموعة بغرض التسلية والتشهير.

"أطلب من الشخص بشكل فوري أن نجري اتصال فيديو، و يتبين عندها إذا كان جاداً وصادقاً أم لا". يقول فريدي لرصيف22، ويضيف: "تعرفت إلى عدد كبير من الأشخاص عبر هذه المجموعة، وبعد أيام من التعارف، تبين لي أنهم كاذبون، لذلك أصبحت أطلب إجراء Video call بشكل فوري، إذا كان مثلياً قلن يخاف وسيقوم بالاتصال، أما إذا كان دخيلاً على عالمنا، فسيرفض أو يجري الاتصال من دون كشف ملامح وجهه".

"أطلب من الشخص بشكل فوري أن نجري اتصال فيديو، و يتبين عندها إذا كان جاداً وصادقاً أم لا". محمد فريدي، سوري مقيم في ألمانيا.

كشف محمد، وهو سوري وصل إلى ألمانيا عام 2019 الغطاء عن مثليته بعد سنة من مكوثه بألمانيا، تمكّن خلالها من التعرف على مجتمع الميم- عين هناك، وأصبح يتسكع معهم ويرتاد الأماكن التي يقصدونها، يقول: "لم أقم أي علاقة في سورية، كنت صغيراً وقتها وأعيش في بيئة شعبية جداً، الكشف فيها عن أمر كهذا نتائجه كارثية، وكانت مثليتي الدافع الأكبر للسفر. وعندما وصلت تعرفت في السنة الأولى على شاب مغربي عبر هذه المجموعات على موقع فيسبوك، وأقمنا علاقة استمرت خمسة أشهر، ثم انفصلنا بعد أن اكتشفت أنه يخطط للبدء بعلاقة أخرى مع شاب من بلده".

البحث عن منصات آمنة

يبحث محمد الذي يدرس هندسة الحاسوب اليوم عن شاب أنيق وجاد يتحدث العربية، يفضله ثلاثيني، أما مواصفاته الجسدية فلا يعيرها الاهتمام الكبير، لكن يفضل أن يكون ضخم البنية.

ويضيف: "أواصل البحث عبر هذه المجموعات في ألمانيا والسويد والدول الأوروبية الأخرى، وعندما أجد الشريك المناسب سأسافر إليه أو يأتي ليعيش معي، وما أتعرض له من مضايقات عبر المجموعة أو بشكل عام، طبيعي جداً ولم يعد يؤرقني، لأنني تيقنت أن التقبل الكامل لنا ولعالمنا ضرب من الخيال، لا ألوم هؤلاء الذين يهاجموننا بقدر ما ألوم الحكومات والسياسيين الذين يستغلون أي مناسبة لانتقاد المثليين ومزدوجي الميول الجنسية".

"أواصل البحث عبر هذه المجموعات في ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى، وعندما أجد الشريك المناسب سأسافر إليه أو يأتي ليعيش معي". محمد فريدي

رغم البيئة الحاضنة التي توفرها القارة الأوروبية لمجتمع الميم، يسجلون بين الحين والآخر حوادث اعتداء وهجمات كراهية، وهذا ما تحدث عنه الفرع الأوروبي للمؤسّسة الدولية للمثليين والمثليات ومزدوجي التوجه الجنسي والمتحولين جنسياً وثنائيي الجنس في تقرير كشف فيه عن ارتفاع وتيرة خطاب الكراهية في كلام قادة دينيين وسياسيين في 17 دولة أوروبية ضد الميول الجنسية المثلية.

لذلك يبحث محمد ومجتمعه عن منصات الأمان المفترض التي وفرتها التكنولوجيا وعالم التواصل الاجتماعي، كي يجدوا خلوة مع الشريك يتفادون فيها دخلاء يوجهون لهم صفعات كراهية أو يسعون للمساس بخصوصيتهم، وبناءً على ذلك اتخذ ورفاقه من المجموعة وسيلة للوصول للشريك، ثم الانتفال إلى الـ "الخاص" الذي يمنحهم تلك الحماية.

علاقات عن بعد

عبر حساب وهمي ضمن مجموعات "المثليين العرب في أوروبا"، أحاول الدخول لمعرفة تفاصيل أكثر، وعن وسائل الحماية التي يتبعونها في التواصل، وكيف خلق هذا الفضاء مساحة أمان وحب مفترضين من أجل البحث عن النصف الآخر.

التوجس والحيطة تشوبان أية محادثة خاصة في أيامها الأولى، والسؤال عن الجنسية يأتي في المقدمة. فلبعض الجنسيات سمعة غير جيدة في التعامل مع الأمر. ثم تأتي الخطوة الأهم، إيجاد ميدان آمن لاختبار صدقية مشاعر الآخر، وغالباً ما تجد هذه الميادين في تطبيق واتساب خياراً مناسباً لاحتوائها.

يكون معظم من يرتادون هذه المجموعات مرتاحين مع وضع تفاصيل علاقة السرير في سلم المواصفات المطلوبة، ويبدون متصالحين مع شهواتهم ورغباتهم، فليس هناك اضطرار لإخفائها أو التكتم عليها.

يكون معظم من يرتادون هذه المجموعات مرتاحين مع وضع تفاصيل علاقة السرير في سلم المواصفات المطلوبة، ويبدون متصالحين مع رغباتهم.

لا حديث عن المهور هنا، ولا خلاف حول ملابس الزفاف ووزن الخاتم، أما مشاكل الغيرة فحاضرة وشرسة، خاصة عندما يكون أحد الطرفين مزدوج الجنس، وربما يكون متزوجاً ولديه أولاد، مثل عمر (اسم مستعار)، 41 عاماً، يعيش في السويد مع زوجته وأولاده، لكنه قصد مجموعة على فيسبوك للمثليين باسم وهمي بحثاً عن شريك يجد فيه فسحة لميوله الجنسية الأخرى التي لا يستوعبها سرير منزله.

يقول عمر لرصيف22: "لكل منا مساحة خاصة يجد فيها أهواءه ومتعته، ومن حقه أن يمضي نحوها، شريطة عدم إيذاء أي شخص آخر أو التعدي على حريته، وهذا ما أقوم به باعتدال شديد، دائماً أجعل زوجتي وأولادي في رأس هرم أولوياتي، وأجد في نفس الوقت مساحة خاصة لإرضاء ميولي الأخرى".

تعرف عمر على شاب عربي من خلال مجموعة للمثليين في السويد على موقع تلغرام، وأقام علاقة معه دامت أشهراً طويلة، ومنذ عام سافر إلى فنلندا لقضاء إجازة مع شاب تعرف عليه عبر المجموعة نفسها.

السرية ضرورة ملحة

تبقى السرية العلامة الأبرز لأي محاولة للعيش حياة عاطفية هانئة عند مجتمع الميم العين المنحدر من أصول عربية، ومهما سعت أوروبا لتعبيد طرقاتهم وإنارتها وتزويدها بعواكس قوس قزحية، فسيبقى الوصول إلى نموذج مجتمعي يتقبل هذه العلاقة ويرى أصحابها دون أن تتغير ملامح وجهه، حالة مثالية صعبة المنال، خاصة عندما نتحدث عن مجتمع الميم عين العربي، حيث ينصهر معظمهم ضمن تكتلات ومجتمعات صغيرة تقوقعت حول نفسها بعد مواسم الهجرة الجماعية. فلا يبدو أن لكمات الكراهية والتعصب هنا أقل شراسة من تلك التي تتلقاها في الوطن! 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

المجاهرة العنيدة بأفكارنا

ظننا يوماً أنّ تشبثنا بآرائنا في وجه كلّ من ينبذنا، هو الطريق الأقوم لطرد شبح الخوف من الاختلاف.

لكن سرعان ما اتّضح لنا أنّ الصراخ بأعلى صوتٍ قد يبني حواجز بيننا وبين الآخرين، وبتنا نعي أنّ الظفر بالنجاح في أيّ نقاشٍ والسموّ في الحوار، لا يتحقّقان إلا بفهمٍ عميق للناس الذين ينفرون منّا، وملاقاتهم حيث هم الآن.

Website by WhiteBeard