شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
هل كان أحمد شوقي

هل كان أحمد شوقي "رضي الله عنه" أم سكيراً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحريات الشخصية نحن والتطرف

الأربعاء 7 ديسمبر 202209:00 ص

من العادات المتأصّلة في الثقافة العربية هو عدم تقبل "بشرية" المبدعين والشعراء والشخصيات العامة إجمالاً، فهؤلاء المبدعون لا يُقبل منهم أن تكون حياتهم وصفاتهم كالبشر الآخرين، أي أن تكون لهم حياتهم الخاصة وهفواتهم وأخطاؤهم، بل يفترض أن يكونوا منزّهين عن تلك النقائص والهفوات والأخطاء، حتى ولو تم اختراع حياة متخيلة لهم بعيدة عن تلك النقائص لتكتمل الصورة المثالية.

فأم كلثوم، على سبيل المثال، ظهرت في المسلسل الشهير الذي أنتج عنها كأكمل ما تكون، خلقاً وأدباً وعلماً ومعرفة وسلوكاً، بما يقترب من صفات الكمال، وطه حسين، رغم المعارك التي خاضها والنزق المعروف عنه وانخراطه في عالم السياسة بدهاليزها وخلافاتها، بدا في الأعمال الفنية التي أعدت عنه بما يقترب من صفات الكمال. ولعمري تلك العادة عربية أو شرقية بحتة عموماً، إذ إن معالجة الغربيين لإعلام الفكر والإبداع والسياسة لديهم يفصل بين الجانب الشخصي أو الإنساني، وبين إبداع ونتاج هؤلاء، فيظهرون كبشر بما لهم وما عليهم.

ولم يكن أحمد شوقي، وهو من هو في عالم الشعر، ببعيد عن ذلك، فمحبوه ومناصروه لا يكتفون بالحديث عن أهميته كشاعر ومبدع، نال ما نال من الشهرة والتبجيل حتى صار أميراً للشعراء، بل كان لا بد لهم من اصطناع مواقف وأحداث تبرّأه مما ينسب إليه من سلوكيات يرونها لا تستقيم مع أهميته وعظمته.

أكثر ما يحرج المتديّنين والمشايخ هو أنه كيف لشوقي أن يكون على ذاك السلوك غير الملتزم بالطقوس الإسلامية، وهو من نظم أروع القصائد في مدح الرسول الكريم

 من المعروف والمسلم به أن شوقي لم يكن من الملتزمين دينياً، من حيث ممارسة العبادات وحضور دروس الدين والتزام طرقه ورجاله، بل أكثر من ذلك، إذ كان متهاوناً بموضوع شرب الخمر، معروفاً بارتياد جلسات الأنس والطرب، دون أن يعني ذلك خلوّ وجدانه من الإيمان ومعرفة الخالق وحسن الخلق ومساعدة المحتاجين واللين في المعاملة.

ولقد بيّنت وثيقة هامة، هي مذكرات سكرتيره، أحمد عبد الوهاب أبو العز، وعنوانها "12 عشر سنة مع أمير الشعراء" الحالتين المذكورتين في سلوكيات وأخلاقيات شوقي، وأهمية تلك المذكرات أن صاحبها عايش الحياة اليومية لشوقي، وكتب مذكراته مباشرة بعد وفاة شوقي، ما يزيد من أهميتها لحضور الحدث في ذهن الكاتب، لعدم انقضاء وقت طويل، إضافة إلى أنها كُتبت في وقت مازال فيه أفراد أسرة شوقي وأصدقاؤه المقرّبون حاضرين، ما يعطي للمذكرات تلك مصداقية وموثوقية.

ولقد عبّر الموسيقار محمد عبد الوهاب ذات مرّة (وهو جليس شوقي وملازمه لسنوات طوال) بذكائه المعروف حين سُئل: هل كان شوقي متديناً؟ فكان جوابه أنه مؤمن وجداني. ولقد كان أكثر ما يحرج المتديّنين والمشايخ هو أنه كيف لشوقي أن يكون على ذاك السلوك غير الملتزم بالطقوس الإسلامية، وهو من نظم أروع القصائد في مدح الرسول الكريم والإشادة بالإسلام ومبادئه والزود عن الأمة الإسلامية والدعوة لرفعتها وإصلاح شأنها. من هنا كان لابد من حل هذه الإشكالية لتستقيم عظمة تلك الشخصية دون نواقص ومسالب، جرياً على المفهوم الشرقي الذي أشرنا إليه.

كانت أولى تلك المواقف المفترضة، وفق ما أظن، لعدم وجود مصدر أو مرجع موثوق لها، هي بموضوع قصيدة شوقي الشهيرة التي مطلعها: رمضان ولى هاته يا ساقي/ مشتاقة تسعى إلى مشتاق.

لقد وقع المتديّنون، وربما المؤسسة الدينية، في حرج من هذا البوح الصريح، فكان الحل بذلك الموقف الذي بطله الشيخ متولي الشعراوي. تقول القصة إن الشيخ الشعراوي ذهب إلى شوقي بصحبة أزهريين آخرين، وكان اللقاء معه في كازينو "عش البلبل" حيث اعتاد شوقي ارتياده، وبعد السلام وإبداء الإعجاب بشعر شوقي، وخاصة ما يتعلق منه بمدح الرسول، سأله الشعراوي معاتباً: وكيف بعد ذلك تنشد قائلاً... رمضان ولى هاته يا ساقي؟ فكان جواب شوقي أن التفسير موجود بآخر سورة الشعراء، ويقصد بذلك وصف القرآن الكريم للشعراء أنهم يقولون ما لا يفعلون، فكان تعليق الشعراوي، وفق الرواية: "إذن هي تقوّلات شعراء"، بما يفهم منه أن شوقي قال ولم يفعل فهو من ذلك براء.

وبتحليل تلك الواقعة نستدل أنها، بافتراض حصولها، فقد حصلت والشيخ الشعراوي في أول العشرينيات من العمر، إذا كان وقت حصولها سنة وفاة شوقي عام 1932، ثم أن تتبع الرواية يدلنا أنها لم تظهر إلا بعد سنوات طوال من رحيل شوقي، وكان الشعراوي في أوج شهرته وحضوره.

وقع المتدينون، وربما المؤسسة الدينية، في حرج من قصيدة شوقي التي مطلعها: رمضان ولّى هاته يا ساقي/ مشتاقة تسعى إلى مشتاق، فأنشئت قصص تبرّئ شوقي من الزندقة

أما القصة الثانية، وبطلها هذه المرة شيخ الأزهر محمد الأحمدي الظواهري، وإن كانت قد نُقلت بعدها على لسان الشيخ الشعراوي كما يقول ناقلو تلك الواقعة. والقصة تقول إنه في أيام مرض شوقي الأخير، جاء خادمه ليخبره أن الشيخ الظواهري في الباب لزيارته، فهب شوقي مستقبلاً ومرحباً ومستفسراً عن سبب الزيارة الكريمة، فقال الشيخ الظواهري: "جئتُ مبشّراً، إذ جاءني الرسول الكريم في المنام وأمرني أن أخبرك أنه بانتظارك بشوق"، فتعجب شوقي من تلك الرؤيا، ثم كانت وفاته خلال أيام.

ويكمل ناقلو تلك الواقعة عن الشيخ الشعراوي أنه كان يضيف: "لا تقولوا شوقي رحمه الله، بل قولوا شوقي رضي الله عنه، ويكفيه أنه جمع أهم ما في تعاليم الإسلام ببيت شعر واحد حين قال :والدين يسر والخلافة بيعة/ والأمر شورى والحقوق قضاء".

على أنه بالعودة للوثيقة الهامة التي أشرنا إليها، وهي مذكرات سكرتير شوقي، ولغيرها مما كتب في حينه بعد وفاة شوقي وهو كثير، لم يرد ذكر هذه القصة، وكان حري بصاحب المذكرات التوقف عندها طويلاً، بل كان حري بأسرة شوقي أن تذكر الواقعة وتلحّ عليها بعد وفاته لما لها من دلالة وأهمية، لكن تتبع تلك القصة سيقودنا أيضاً إلى أنها لم تظهر إلا بعد وفاة شوقي بسنوات.

وبغض النظر عن حيثيات هاتين الواقعتين، إلا أنهما يعبران بجلاء عن تلك النظرة الشرقية بضرورة أن يكون المبدعون والشعراء والشخصيات العامة ليسوا فقط مهمين في نتاجهم الإبداعي، بل أصحاب شخصيات مترفعة عن كل خطأ وزلة، ولا يعيشون حياتهم بكل أبعادها ككل البشر، فجاءت هاتان الواقعتان لتنفيا عن شوقي بعض السلوكيات التي لا تتوافق مع اتجاهات المؤسسة الدينية التقليدية التي تريد شوقي واحداً من منتسبيها الخلّص، بما نظمه في قصائده ذات البعد الإسلامي المتوافق مع اتجاهات تلك المؤسسة وأفكارها، لكن بعد أن يتم إزالة ما قد يكون قد علق بها من مسالب وزلّات، كانت تلك الواقعتان كفيلتين بإزالتهما .

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard