شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
أكتوبر 2022 الأكثر

أكتوبر 2022 الأكثر "عطشاً" منذ 1960... خريف تونسي حار ينذر بمضاعفة الأزمة الغذائية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 10 نوفمبر 202201:31 م

اختزلت مشاهد جفاف بعض السدود والبحيرات في تونس، ما تعانيه البلاد من شح في الثروة المائية التي باتت تهدد الملايين بالعطش وسط مخاوف من تواصل انحباس الأمطار.

تراود صور الفقر والجوع والهجرة الجماعية الآلاف من التونسيين الذين يرون أن ظاهرة الجفاف أخذت في الارتفاع في ظل الأرقام والتوقعات التي يقدّمها الخبراء في مجال المياه، والتي يقابلها صمت كبير من الدولة التي لم تفلح في وضع إستراتيجية لترشيد استهلاك الماء وحسن استعماله.

تقبع تونس تحت خط الفقر المائي، بمعدل 420 متراً مكعباً للفرد سنوياً، ومن المتوقع أن تنخفض تلك النسبة إلى حدود 370 متراً مكعباً في عام 2050، حسب بعض الخبراء، في حين أن المعدل العالمي للشح المائي هو 500 متر مكعب للفرد، بينما يبلغ المعدل الطبيعي المائي للفرد عالمياً، 1000 متر مكعب.

شهر العطش

تعاني تونس هذه الأيام من اضطراب في توزيع المياه، مع تزايد ارتفاع درجات الحرارة وانحباس الأمطار التي من المتوقع أن تتواصل لأيام أخرى، حسب توقعات المرصد التونسي للأحوال الجوية.

يقول المهندس في معهد الرصد الجوي في تونس، محرز الغنوشي، إن معدلات الحرارة في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، سجلت ارتفاعاً بنسبة 2.6 درجات مئوية مقارنةً بالمعدلات السابقة التي بلغت 26.5 درجات. وبات شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي في المركز الخامس من حيث الأشهر الأشد حرارةً في تاريخ تونس، مقارنةً بالشهر نفسه في الأعوام السابقة.

بحسب إحصاءات المعهد الوطني للرصد الجوي، فإن كميات الأمطار المسجلة في هذا الشهر، لا تتعدى 4 مليمترات، فيما تشير نسبة النقص في محطة تونس قرطاج المائية، إلى 93 في المئة، مما قد يجعل من تشرين الأول/ أكتوبر الشهر الأكثر عطشاً.

يؤكد المهندس في الرصد الجوي، أن انحباس الأمطار متواصل، في وقت تتصاعد فيه الاحتجاجات نتيجة الانقطاع المتكرر للمياه الصالحة للشرب، وتراجع جودة الخدمات.

أرقام مخيفة

قدّر المرصد التونسي للفلاحة، نسبة امتلاء السدود خلال الفترة الممتدة بين 1 و22 أيلول/ سبتمبر 2022، بنحو 32.8 وهي أرقام ضعيفة ومهددة بالانخفاض أكثر.

وقاربت مخزونات السدود 761 مليون متر مكعب بحلول يوم 23 أيلول/ سبتمبر 2022، لكنها تُعدّ أقل بنحو 288.8 ملايين متر مكعب مقارنةً مع معدل السنوات الثلاث الماضية.

وتقدّر الإمكانات المائية المتاحة في تونس بنحو 4،865 مليار متر مكعب سنوياً، وتتوزع بين المياه السطحية والجوفية والتساقطات المطرية.

يقول الأستاذ في علم المناخ في جامعة تونس، زهير الحلاوي، لرصيف22، إن تونس تقبع تحت خط الشح المائي، بمعدل 420 متراً مكعباً للفرد سنوياً، وهي أرقام قابلة للانخفاض في حال عدم وضع إستراتيجية من الدولة لحماية الثروة المائية التي يتم استنزافها عبثاً.

زادت الأرقام المتعلقة بمنسوب المياه في السدود وارتفاع درجات الحرارة من مخاوف المواطنين من عدم قدرة الدولة على تأمين حاجياتها من الماء، وهو ما يفسر ارتفاع نسب الاحتجاجات

وتشير توقعات أوردها المرصد الوطني للفلاحة، إلى أن سدَّي ملاق شمال البلاد، الذي دخل الخدمة قبل 50 عاماً، وسدّ الرمل الأقل خدمةً سيدخلان مرحلة الطمي الكامل بحلول سنة 2035، في حين ستطال هذه الظاهرة سد سليانة (شمال غرب البلاد)، الأحدث من حيث الإنجاز بحلول عام 2047.

وربطت هذه التوقعات تعرّض السدود الثلاثة للطمي بشكل كلي، باستمرار الظروف المناخية الحالية وعدم التدخل لإزالة الرواسب والأتربة. وبلغت نسبة الرواسب والطمي في السدود التونسيّة، البالغ عددها 36 سداً، عتبة الـ23 في المئة.

نزاعات بسبب الماء؟

زادت هذه الأرقام من مخاوف المواطنين من عدم قدرة الدولة على تأمين حاجياتها من الماء، وهو ما يفسر ارتفاع نسب الاحتجاجات.

وتشير إحصائيات المرصد التونسي للمياه، إلى تنفيذ 32 تحركاً احتجاجياً خلال شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، بالإضافة إلى تلقّيها 187 تبليغاً من مواطنين عن مشكلات تتعلق بالحق في الماء، إذ تصدرت محافظة قابس (جنوب شرق) خريطة العطش بـ27 تبليغاً، تليها محافظة بن عروس المتاخمة للعاصمة بـ23 تبليغاً، ثم محافظتا قفصة ومدنين بـ15 تبليغاً.

أهمية الماء وحاجة الإنسان إليه، تدفعه للقتال من أجل الحصول على حصته، وهو ما يرشح اندلاع بعض النزاعات في السنوات القادمة.

هناك استنزافاً للمائدة المائية من الجانب الجزائري المحاذي لمحافظتي قبلي وتوزر جنوب غرب البلاد، حيث يمكن ملاحظة ذلك من خلال المناطق الخضراء الموجودة من الجانب الجزائري والصحراء القاحلة من الجانب التونسي

يؤكد الخبير زهير الحلاوي، أن أزمة المياه تهدد "بنشوب صراعات بين الجهات (محافظات ذات مخزون مياه كبير وأخرى لا تتوفر على احتياطيات)، ونزاعات بين القطاعات (الفلاحة والصناعة)".

ويرى منسق المرصد التونسي للمياه علاء المرزوقي، أن هناك احتمالاً لاندلاع صراعات، قائلاً: "من المتوقع أن تشهد البلاد نزوحاً من بعض المناطق بسبب عدم توفر مصادر المياه، بالإضافة إلى بروز صراعات".

"المشكلة الجزائرية"

أضاف المتحدث أن هناك إشكاليات أخرى "مخفيّة" بين تونس والجزائر، بسبب عدم التنسيق حول مصادر المياه مثل الأودية المشتركة كوادي مجردة و"ملاق"، مبيّناً أن الجزائر أقدمت في السنوات الأخيرة على تدشين سدّين في تبسة وسيدي بوبكر من الجانب الحدودي الجزائري، وسط صمت كبير للحكومات المتعاقبة على تونس، وهذا ما من شأنه أن يؤثر على مصادر المياه في تونس، علماً أن الأودية المشتركة تخضع لاتفاقيات دولية ولا يمكن أن يتم التعامل معها اعتباطياً.

كما أكد المرزوقي، أن هناك استنزافاً للمائدة المائية من الجانب الجزائري المحاذي لمحافظتي قبلي وتوزر جنوب غرب البلاد، حيث يمكن ملاحظة ذلك من خلال المناطق الخضراء الموجودة من الجانب الجزائري والصحراء القاحلة من الجانب التونسي، كل هذه الملاحظات قد تخلق إشكاليات وصراعات في السنوات القادمة.

كما يرى المرزوقي، أن ندرة المياه تخلق ظواهر اجتماعيةً عديدةً في هذه المناطق المتضررة، منها الانقطاع المدرسي إذ أغلقت مدارس أبوابها بسبب عدم توفر الماء، بالإضافة إلى بروز ظاهرة التحرش في بعض المناطق في محافظة القيروان وسط البلاد لأن النساء والأطفال هم من يتكفلون عادةً بسقي الماء.

وتُعدّ تونس من بين البلدان الأكثر هشاشةً وعرضةً للانعكاسات السلبية للتغيّرات المناخية، نتيجة موقعها الجغرافي وانتمائها إلى مجموعة الدول التي لا تمتلك إمكانيات كبرى للتصدي لهذه الظاهرة.

أمن غذائي مهدد

علاء المرزوقي، منسّق في المرصد التونسي للمياه، يقول إن تأثر البلاد بالجفاف في السنوات الأخيرة واضح جداً من خلال تراجع منسوب المياه في جميع السدود، بالإضافة إلى قلة التساقطات، كما برزت ظواهر أخرى كالفيضانات في المناطق الصحراوية وقلة نزول الأمطار في جهات الشمال المعروفة بكثرة التساقطات، وهذا ما يبرز التغير المناخي الذي وصلت إليه البلاد.

يسيطر القلق هذه الأيام على المزارعين بعد دخول البلاد عامها الثالث من الجفاف، ما أصبح يهدّد الأمن الغذائي في البلاد، مع تصاعد الحاجة إلى توريد الحبوب وتفكّك منظومات زراعية أساسية

يضيف المرزوقي، أن نسبة تعبئة المياه في تونس بلغت 95 في المئة، وهو الحد الأقصى للتعبئة حالياً، مقابل ارتفاع نسب استهلاك المياه نتيجة ارتفاع حاجيات السكان بسبب الرفاهية التي أصبح يعيشها المواطن التونسي، إذ يتم هدر المياه في غسل السيارات يومياً وسقاية العشب وتعبئة حمامات السباحة، ناهيك عن غياب خريطة فلاحية للمحافظة على المياه في تونس، حيث تنشط بقوة بعض الزراعات التي تحتاج إلى الكثير من المياه في مناطق تعاني من العطش والعوز المائي، وهو ما سيزيد من معاناة تلك الشعوب.

ويسيطر القلق هذه الأيام على المزارعين بعد دخول البلاد عامها الثالث من الجفاف، ما أصبح يهدّد الأمن الغذائي في البلاد، مع تصاعد الحاجة إلى توريد الحبوب وتفكّك منظومات زراعية أساسية، منها اللحوم والألبان وتربية المواشي.

أحجم الفلاحون هذا العام، عن حرث أراضيهم وزراعتها بسبب قلة الأمطار، والاضطراب الكبير في توزيع مياه الريّ ما سيؤثر بصفة مباشرة على الإنتاج، وسيؤدي إلى ارتفاع أسعار الخضروات والمواد الغذائية بصفة عامة.

ويقول الخبير في مجال المياه ياسر السويلمي، لرصيف22، إن السلم الاجتماعي في تونس بات مهدداً والسبب في انهياره سيكون الأمن الغذائي، مطالباً الحكومة بالإسراع في إيجاد حلول لهذه الأزمة.

حلول أولية

يرى الخبير في مجال المياه، زهير الحلاوي، أن هناك اختلالاً بين الموارد والطلبات، مضيفاً أن "الحل الأوّل يكمن في العودة إلى الطرق القديمة في تجميع المياه على غرار 'الفسقيات' (نظام تخزين)، من خلال فرض إنشائها عند تشييد العمارات والبنايات المخصصة للسكن".

كما يجب أن تكون هناك إرادة سياسية جريئة للبحث عن حلول وتنظيم جميع القطاعات التي تستنزف الموارد المائية، وتجريم استنزاف المياه من خلال سنّ قوانين صارمة، وترشيد الاستهلاك، والحد من التسربات التي وصلت إلى حدود 32 في المئة، والاعتماد على الخريطة الجديدة للتغيرات المناخية لأن الشمال الغربي لم يعد الخزّان الرئيسي للمياه في تونس، لذلك يجب إنشاء سدود باطنيّة وبحيرات جبليّة والاستثمار في طرق تجميع المياه بالطرق التقليدية، مثل إنشاء 'الفسقيات'، كما كان يفعل أجدادنا، كما يجب إدخال ثقافة المياه كمنهج في التعليم، حتى يعي المواطن أهمية الماء في الحياة.

من جهته، يطالب الخبير ياسر السويلمي، بإعادة تدوير وتصفية مياه الصرف الصحي، وإعادة استعمالها سواء في الزراعة أو حتى في الشرب، بالرغم من أنها لا يمكن أن تفي بحاجيات نسبة كبيرة من السكان.

وتقول الأمم المتحدة في تقرير لها، إن الجفاف أحد أكثر الكوارث الطبيعية تدميراً من حيث الخسائر في الأرواح، وتداعياته مثل فشل المحاصيل على نطاق واسع، وحرائق الغابات، والإجهاد المائي. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard