شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
كيف يقتل جنون الموضة نعمة الاختلاف؟

كيف يقتل جنون الموضة نعمة الاختلاف؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 8 نوفمبر 202203:00 م

كان من الصعب على بعض متابعي الفنانة السورية أصالة نصري تقبّل شكلها الجديد الذي بدا مختلفاً في آخر إطلالة لها، بحيث تراوحت تعليقات المتابعين/ات على صورها الأخيرة بين الانبهار والإعجاب والتهكّم والسخرية.

بدت أصالة، بعد التعديلات التجميلية التي أجرتها على وجهها، أصغر بعشرين سنة ومختلفة تماماً عن بداياتها، حتّى أن بعض روّاد مواقع التواصل الاجتماعي تساءل مازحاً: "أين هي أصالة من الأصالة"، وعلّق آخر: "أصالة لم تعد أصيلة".

وفي استنكار لردود الفعل حول صورها الحديثة، غرّدت الفنانة على التويتر، منتقدة التعليقات، واعتبرتها جارحة وزادت عن حدّها، قائلة: "شو ما كنت عاجبتكم قبل العملات اللي عملتها ؟ كأنّه هالشّي بيجرح ولّا أنا أوڤر؟".

وفي الحقيقة، فإن تساؤل أصالة نصري يبدو فلسفياً إلى حدّ ما، بحيث يجعلنا نفكّر إلى أي مدى تطوّرت ذائقة الجمال لدينا وكيف تغيّرت معاييرنا بين الماضي والحاضر؟

فقدنا الطبيعية في الجمال وحسّ الاختلاف

إذا كان عنوان الجمال في السنوات الماضية هو الإثارة والإبهار، فإن ما يبدو أنه عنوان الجمال في الفترة الحالية هو الشباب الدائم، كما صرّحت أخصائية التجميل سهير ناجح، لرصيف 22.

واعتبرت سهير أن هاجس العمر بات يسيطر على الجميع، إذ إن الأغلبية تريد أن تبدو أصغر في العمر: "أنا في 42 من عمري ولا أرغب في أن تظهر علامات السنّ على وجهي".

وتحدّثت سهير ناجح عن خضوعها لحقن البوتوكس والفيلر، واصفة إياها بالتدخّلات الطفيفة، لكنها أكدت رفضها الخضوع لعمليات تجميلية خوفاً من تغيّر شكلها.

إذا كان عنوان الجمال في السنوات الماضية هو الإثارة والإبهار، فإن ما يبدو أنه عنوان الجمال في الفترة الحالية هو الشباب الدائم

كخبيرة موضة، ترى سهير أن الجمال في التسعينيات كان طبيعياً أكثر: "رغم استعمال ألوان مكياج فاقعة، فإن الوجه كان يحافظ على خصوصيته وشكله الذي يميّزه عن غيره، والشعر كان طبيعياً مئة بالمئة دون ترطيب أو مواد تغيّره"، كاشفة أنه كان هناك رضا من الناس عن شكلهم، في حين أن اليوم، وبفعل الميديا والمؤثرّين/ات، أصبح الجميع يتبع الموضة التي يحدّدها بعض الأشخاص سلفاً، وبتنا نحكم على درجة الجمال من زاوية واحدة.

في السياق نفسه، اعتبر الدكتور في علم الاتصال، أمين سليم، أن شركات الإنتاج تدرس نفسيات الناس وحاجاتهم لتأخذهم تارة يميناً وتارة يساراً: "حتى الأخلاق والقيم وكل شيء تقريباً أصبح سلعة قابلة للتسويق، والإنسان كذلك سلعة قابلة للإقناع بما يسوّق عن طريق استلاب العقول، من خلال نماذج جاهزة للاتباع، فلا تتاح فرصة للشخص لكي يسأل أو يفكّر، فقط يتلقّى الرسالة و يتأثر ويقتنع ويستهلك دون أن يشعر"، على حدّ قوله.

بمعنى آخر، فإن التوجيه والتماثل والتماهي مع الآخر وعقد النقص واحتياجات الإنسان والعصرنة والجمال والمكانة الاجتماعية وإثبات الذات، كلها جوانب يتم التركيز عليها وتسويق الأفكار من خلالها لتنميط الذوق وإشباع الرغبات والاحتياجات.

وقد خلق التسويق الجذاب والمكثف حالات متماهية مع الرقيّ والتطور والجمال ومواكبة العصر، وكلها أشياء وهمية، لكونها مجرّد احتياجات نفسية تتمظهر في سلوكيات معينة: مواكبة الموضة، ملائمة مقاييس الجمال وتحقيق الذات من خلال المظهر والسلع.

كيف تغير معايير الموضة والجمال من الثمانينيات إلى اليوم؟

تميّز عصر الثمانينيّات بالمظهر الحيويّ الطبيعي، من خلال حجم الشعر الكثيف والمموج والمكياج المشرق.

في التسعينيات، نال الجسم النحيف شعبيّة كبيرة بسبب بروز عارضات الأزياء في تلك الفترة بمقاسات صغيرة، وأصبحت مواصفات المرأة الجماليّة تشترط النحافة، بالاضافة إلى الجمال الطبيعي الخالي من اعتماد المكياج.

مع دخولنا الألفية الثالثة، تغيّرت المعايير، إذ لم تعد النحافة تمثل المعيار الرئيسي للجمال، بل بات التركيز على تضاريس الصدر والأرداف، حيث عمدت العديد من النساء بشكل متزايد إلى إجراء تعديلات وعمليات تجميل لاتباع هذا النموذج.

الهوس بالجمال الخارجي

يفسر علي صبري، وهو مخرج سينمائي تونسي، حاصل على الماجستير في الفنون الجميلة، ظاهرة تنميط الذوق العام بكونه نتيجة لغياب الاختلاف الذي يأتي من تنّوع الفكر.

مقابل التنوّع الفكري نجد التسطيح، وهو الأسلوب السائد اليوم من قبل معظم شركات الإنتاج، رغم أنه من المفروض أن يكون لكلّ شخص ثقافة مميّزة.

واعتبر صبري أن الضعف الفكري يكون بسبب غياب المثقفين/ات وهجرتهم/نّ وسيطرة حثالة الناس les racailles على الساحة الفكرية والثقافية، شارحاً أن قوة ثقافة أي بلد مصدرها الشعب: "اليابان ورغم تطورّها التكنولوجي والتقني، حافظت على خصوصيتها الثقافية من خلال اللباس والأسلوب"، وأضاف لرصيف22: "فقط البلدان النامية يتبع سكّانها الموضة بشكل مفرط، ويتبنّى ما تنتجه الشركات بطريقة لاواعية".

"حتى الأخلاق والقيم وكل شيء تقريباً أصبح سلعة قابلة للتسويق، والإنسان كذلك سلعة قابلة للإقناع بما يسوّق عن طريق استلاب العقول، من خلال نماذج جاهزة للاتباع، فلا تتاح فرصة للشخص لكي يسأل أو يفكّر، فقط يتلقّى الرسالة و يتأثر ويقتنع ويستهلك دون أن يشعر"

وتابع بالقول: "كشخص دارس للفنون الجميلة وزائر لـ 96 دولة حول العالم، يمكنني أن أقول إنه في العالم العربي، الهوس بالجمال الخارجي أكبر، لذلك فإنّ العلاقات العاطفية التي تتكوّن تكون أغلبها قائمة على الإعجاب الجسدي، في حين يكون الاهتمام في الثقافة الغربية أكثر بالروح والانسجام الروحي والجسدي… نحن في العالم العربي لدينا عقدة الجسد والشكل والمظهر، لذلك ينتشر لدينا الهوس بعمليّات التجميل".

واعتبر أنّ السينما الحقيقية تتحدّث عن غير المألوف، واختياره كمخرج للممثلين/ات يكون عبر هذا المعيار.

هذا وشدّد صبري على أنّ من ليس لديه إدراك وتمسّك بثقافته يصبح من السهل توجيهه والتحكّم فيه: "ما يجعلنا نتبع الموضة المصدّرة من البلدان الأكثر تقدّماً بشكل جنوني، لذلك تغيب هويتنا في اللباس الذي نرتديه". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard