شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
قصة ليبيا و

قصة ليبيا و"الطليان" الثلاثة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 2 نوفمبر 202202:47 م

من إيتيلو بالبو، مروراً بسيلفيو بيرلسكوني، وصولاً إلى جورجي لولي وإيطاليين آخرين، كانت وما زالت ليبيا الحديثة والقديمة أيضاً متصّلةً اتصالاً وثيقاً بالجارة المقابلة على الجانب الآخر من المتوسط، إيطاليا، حفيدة الإمبراطوريّة الرومانيّة، والتي كان الليبيّون وكل سكان المتوسط في زمانها يحملون اسمها، إذ لطالما كان الليبيون روماناً.

ليبيا اليوم تحمل في ذاكرتها أسماء هؤلاء الرجال الثلاثة. كلٌّ يعكس مرحلةً من مراحلها التاريخية وصولاً إلى وقتنا الحاضر؛ الأول يتمنى البعض عودته، والثاني يريد البعض الانتقام منه، أما الأخير فيتمنى البعض الآخر اليوم أن يكونوا مثله.

قصّة ليبيا الحديثة تبدأ مع إيطاليا نفسها، عندما صدر مرسوم ملكي إيطالي بتوحيد مستعمرتَي طرابلس الغرب وبرقة في مستعمرة موحدة

قصّة ليبيا الحديثة تبدأ مع إيطاليا نفسها، وتحديداً في يوم 3 كانون الأول/ ديسمبر 1934، عندما صدر مرسوم ملكي تشريعي إيطالي بتوحيد مستعمرتَي طرابلس الغرب وبرقة في مستعمرة موحدة، وتسمية المنطقة الجغرافية بين مصر شرقاً والجزائر وتونس غرباً، والبحر المتوسط شمالاً ومستعمرات فرنسا، النيجر وتشاد ومالي، جنوباً، باسم ليبيا، الاسم الذي ذُكر للمرة الأولى ضمن قائمة الأسماء على الصرح الثاني من معبد أبيدوس للملك رمسيس الثاني من الأسرة التاسعة عشر (1920 ق.م.)، قبل أن يعاد استخدامه بواسطة الجغرافي الإيطالي فيديريكو مينوتيلي، سنة 1903.

وهنا تبدأ قصة إيتيلو بالبو، أو كما يسميه البعض، باني ليبيا الحديثة، بعد أن حكمها لسبع سنوات، ولا يزال معماره يشكل هيئة المدينة الوحيد، والتي تبدأ بنفي بينيتو موسوليني إياه إلى الشاطئ الرابع حينها، بعد أن علا نجمه بعد النجاح العالمي الذي حققه في عبور المحيط الأطلسي من خلال الطيران عام 1933، حيث قام بإعمار طرابلس، وبنغازي، والزاوية، ومصراتة، وزيّنها حال جل المدن الليبية الكبرى الأخرى، بالحدائق، والفنادق، والعمارات الضخمة، والمسارح، والتي لا تزال إلى يومنا هذا المعالم الأكثر وضوحاً لمفهوم المدينة في كل ليبيا. كما أنجز الطريق الساحلي على امتداد ساحل ليبيا الأطول في جنوب المتوسط، أو ما عُرف بطريق بالبو. وازداد شغفه بليبيا إلى أن أنشأ فيها معرضاً دولياً، ومطاراً دولياً (المستخدَم حالياً كمطار وحيد للعاصمة بعد تدمير المطار الدولي الأحدث)، وحلبة سباق للسيارات، بل أنشأ مدارس إسلاميةً، ليسمّيه الليبييون حينها: "حامي الإسلام"، ويصل به الأمر إلى إرسال رسالة إلى روما، يطالبها فيها ببناء مسجد في روما عاصمة الكاثوليك، وقد رفض الفاتيكان هذا الطلب.

مات بالبو، في 28 حزيران/ يونيو 1940، بواسطة نيران مدفعية إيطالية أصابت طائرته في مطار طبرق، وربما تكون لموسوليني يد في مقتله، إذ إنه في العام نفسه، التقى في غدامس، قائد القوات الفرنسية في شمال إفريقيا حينها، شارل نوجيه، وقال له إنه غير راضٍ عن التحالف الألماني الإيطالي والسياسات الفاشية التوسعيّة، وربما كانت هذه المعارضة للتحالف سبباً يجعل موسوليني يتخلص منه مادياً، بعد أن فشل في ذلك معنوياً عبر نفيه إلى طرابلس.

واليوم، يعود إيتيلو بالبو، إلى واجهة ساحة الحوار في ليبيا، عبر الحديث عن فشل الحكومات التي أتت بعده في إعمار ليبيا منذ الاستقلال إلى ما بعد سقوط جماهيرية القذافي، والتي كان لإيطالي آخر دور كبير في سقوطها، وهو سيلفيو بيرلسكوني، صاحب الصوت الأعلى وقت إعلان حلف الناتو الحرب على العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، ولتكون لإيطاليا مرةً أخرى مساحة في ذاكرة الليبيين، والتي حاول بيرلسكوني نفسه تحسينها عبر الاعتذار التاريخي لليبيا عن فترة الاحتلال الفاشي لها سنة 2008، في حضور ابن عمر المختار، عن جرائم الفاشية التي من أشهرها ما يُعرف بالهولوكوست الليبية المنسية "معتقل العقيلة"، واستقبال القذافي نفسه في روما سنة 2010، وليكون بيرلسكوني، مفتاح الباب الذي حاول عبره القذافي دخول العالم الغربي بعد قطيعة امتدت لنحو نصف قرن، أو كما وصفتها جريدة "دير شبيغل" الألمانية، بصداقة بدوافع خفية في شباط/ فبراير 2011، قبل أن يشارك في حملة دوليّة لإسقاط القذافي، بسبب تضارب في المصالح في الدرجة الأولى بعد شراكة لم تدم طويلاً، اعتقدها القذافي حقيقيّةً إلى درجة أنه أرسل له رسالةً نشرتها مجلة "باريس ماتش" الفرنسية، في أيار/ مايو من السنة ذاتها، يطلب منه فيها الضغط لإيقاف هجوم الناتو على ليبيا، ويقول فيه: "... أعتقد أنه لا تزال لديك فرصة للالتفاف، لذلك أطلب منكم التدخل مع حلفائكم الغربيين لوقف القصف الذي يقتل إخواننا الليبيين وأطفالنا"، وكان القذافي وقتها معتمداً على اتفاقية صداقة أُبرمت سنة 2008، تهدف إلى تعزيز العلاقات بين البلدين، وتحظر استخدام الأراضي الإيطالية لشن هجمات على ليبيا.

وهكذا يكون الإيطاليون حاضرين مرةً أخرى في الحوار المجتمعي الليبي اليوم، بعد أن استحضرت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، وقبلها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، تدخل فرنسا وإيطاليا في ليبيا بوصفه "خطأً تاريخياً، وجريمةً في حق ليبيا وإفريقيا نفسها، وهو أمر يؤكده الكثير من الليبيين اليوم بعد فشل ثورة شباط/ فبراير، في إنشاء شبه دولة حتى، وليبقى بيرلسكوني جزءاً من سبب الانهيار التام للدولة، وهو ما أثبته إيطالي آخر، هو جورجي لولي، الذي استفاد من حالة الفوضى الليبية ليفرّ إلى ليبيا ويصبح من بارونات الحرب فيها.

إيتيلو بالبو باني ليبيا الحديثة، الذي حكمها لسبع سنوات، ولا يزال معماره يشكل هيئة المدينة الوحيد

فبعد أن كان بالبو، يعكس مرحلة بناء الدولة، وبيرلسكوني، مرحلة فساد الدولة وانهيارها، كانت قصة حضور جورجي لولي، في ليبيا، تعكس مرحلة الفوضى والانتهازية، ما بعد الدولة، فالأخير لم يكن سوى رجل عصابات أكثر احترافيّةً من تلك التي تعج بها ليبيا تحت مسميّات الميليشيات المختلفة. حكمت محكمة الجنايات الأولى في روما على رجل الأعمال السابق جوليو لولي، وتقول الروايات شبه الرسمية إنه وصل إلى ليبيا عبر قارب محمَّل بالمخدرات، بعد أن أدار عمليات احتيال في إيطاليا تسببت في انهيار شركة "ريميني يخت"، لليخوت سنة 2010، ليصبح مطلوباً للعدالة بمذكرة اعتقال دولية، ويتم اعتقاله سنة 2011، قبل أن يفر من السجن في السنة ذاتها.

بعدها نظّم جماعة "شورى ثوار بنغازي"، وأصبح مسؤولاً عن تهريب الأسلحة إليها، ليصل به المطاف إلى أن يكون ضابطاً في قوات خفر سواحل حكومة الوفاق في طرابلس، قبل أن يتم اعتقاله وتسليمه في 2019، من قبل الحكومة نفسها، والحكم عليه بالسجن 9 سنوات، إذ اتهمه المدّعي العام الإيطالي، بارتكاب أعمال إجرامية تهدف إلى الإرهاب وتهريب الأسلحة الدولية بالإضافة إلى تهم الاحتيال والنصب السابقة.

كان وجود جوليو لولي، في ليبيا، استمراراً لقصة العلاقة المتشابكة بين ليبيا وإيطاليا على امتداد تاريخ البلدين، فلطالما كان الليبييون روماناً، ولطالما كانت إيطاليا تمد أصابعها جنوباً نحو ساحل مليء بالمشكلات، وهكذا تكون إيطاليا جزءاً من تاريخ ليبيا الحديث، كما كانت جزءاً من تاريخها القديم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard