شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
الإعدام الميداني فعل يومي في درعا... ما الذي تريده إيران من تفريغ المحافظة؟

الإعدام الميداني فعل يومي في درعا... ما الذي تريده إيران من تفريغ المحافظة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 17 أكتوبر 202204:58 م

لم يستطع الحج أبو حيان، البقاء مع أسرته في بيته القريب من حاجز يتبع للمخابرات الجوية في الريف الشرقي لدرعا، بسبب خوفه من عناصر الحاجز الذين لا يتورعون عن اعتقال أو تصفية أي شخص بمجرد الشك فيه.

يسرد أبو حيان (الذي طلب عدم ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية)، في حديثه إلى رصيف22، تفاصيل تلك الليلة قبل عام ونصف، بعد ارتفاع أصوات العناصر عند الحاجز وسماع صراخ قوي، ثم صوت إطلاق رصاص، ليتضح عند الصباح أن الرصاص الذي سُمع ليلاً استقرّ في جسد شاب أعدم ميدانيّاً. يقول: "لقد اعتقله عناصر الحاجز قبل ساعات من تصفيته خلال مروره من أمام حاجزهم، بحجة أنه ينتمي إلى تنظيم داعش، ثم قتلوه ورموه بين الحقول القريبة".

يكمل الرجل الخمسيني، الذي يعيش مع أسرته المؤلفة من ستة أفراد، أكبرهم في المرحلة الثانوية، قائلاً: "ما دعاني إلى ترك منزلي هي حالة الرعب التي عاشها أفراد أسرتي بعد هذه الحادثة، بالإضافة إلى تعرض منزلي لاستهداف برصاص عشوائي خلال هجوم مسلحين بدراجات نارية على الحاجز وقتلهم عنصرين فيه، إذ شنّت بعدها قوات النظام حملةً على محيط الحاجز وبدأت باعتقال عشوائي كان ضحيته ابني الأكبر الذي لم أستطع إخراجه من قبضة السلطات الأمنية إلا بعد دفع مبلغ ألفي دولار".

يقول: "بدأت الكوابيس تطاردني ليلاً، خاصةً أننا أسرة باتت تعيش في دائرة الاستهداف، وبت أخاف على زوجتي وأولادي بمجرد خروجهم إلى المدرسة ومرورهم من أمام هذا الحاجز، وبالرغم من تعلّقي بمنزلي إلا أنني آثرت حماية أولادي وبناتي من العناصر الذين لا يتوانون عن تعاطي المخدرات من جهة، والاعتقال الكيفي بهدف إرهاب المدنيين من جهة أخرى".

وثّق "مكتب توثيق الشهداء في درعا"، في أيلول/ سبتمبر الفائت، مقتل 36 شخصاً و12 عملية إعدام ميداني 

الإعدام الميداني

ارتفعت مؤخراً عمليات الإعدام الميداني التي تقوم بها أجهزة الاستخبارات الأمنية والميليشيات المدعومة من إيران، بعد اعتقال مطلوبين على الحواجز والنقاط الأمنية في عموم محافظة درعا، إذ اعتمدت قوات النظام على جواسيس لها، تراقب حركة الضحايا وتنقلاتهم ثم تصطادهم خلال مرورهم من النقاط الأمنية، أو من خلال خطفهم من الطرقات ومداخل البلدات والقرى، ثم رميهم على قوارع الطرقات، بعد إعدامهم بطريقة شنيعة، وسط غياب قوة فاعلة أو مجموعات تواجه خطر مرتكبي هذه الجرائم.

ووثّق "مكتب توثيق الشهداء في درعا" (مؤسسة حقوقية توثيقية)، في أيلول/ سبتمبر الفائت، مقتل 36 شخصاً، 30 من المدنيين والأطفال ومن مقاتلي فصائل المعارضة الذين انضموا إلى اتفاقية التسوية في عام 2018، و6 قتلى من المسلحين ومقاتلي قوات النظام، فيما سجلت عمليات الإعدام الميداني 12 عمليةً، في ارتفاع كبير جداً مقارنةً بالأشهر السابقة.

تصفية بدم بارد

تتم عملية الإعدام الميداني بطريقة بشعة ومرعبة، ومع تكرار هذه الحوادث على الحواجز في أوقات متقاربة، يتضح أن عمليات القتل ممنهجة، وليست حدثاً عرضيّاً أو خطأً فردياً، خاصةً مع تعمّد تفويت الاعتقال والمحاكمة من جهة، وصمت حكومة دمشق عن هذه الجرائم المتواصلة من جهة أخرى، ما يعطي الضوء الأخضر لمزيد من الانتهاكات لحقوق المدنيين والعزّل، ليبقى السؤال الأهم: لماذا يتم تنفيذ هذه الإعدامات الميدانية، ضد مدنيين وعزّل من دون اعتقالهم أو محاولة إخفائهم والتفاوض مع ذويهم مقابل مبالغ مالية؟

يروي المتحدث باسم تجمع أحرار حوران، أيمن أبو نقطة، لرصيف22، عن رصد عمليات تصفية بحق مدنيين غير منخرطين في العمل العسكري، بالإضافة إلى عناصر سابقة عاملة في المعارضة، مرّوا على حواجز تتبع للمخابرات الجوية والعسكرية، مضيفاً أن القتل الميداني كان يتم على الحواجز بعد استجواب سريع، ما يعني أن هناك نيةً مبيّتةً للتصفية.

ويحمّل أبو نقطة، وهو صحافي متحدر من محافظة درعا، قوات النظام والميليشيات المدعومة من إيران المسؤولية المباشرة عن هذه الإعدامات الممنهجة كون العمليات تتم على حواجزهم ونقاطهم الأمنية، ثم تعمّد أجهزة الأمن بعد عملية التصفية إلى إلقاء الجثة على قارعة الطريق، من دون أي مبالاة.

هذا الواقع ولّد احتقاناً عند المدنيين، لكن من دون أي ردّ فعل عملي على الأرض، ما يدل على أن إيران والنظام تُحكمان سيطرتهما على المحافظة شيئاً فشيئاً، وسط تنامي المخاوف في أوساط المجتمع من بطش هذه الأطراف، وتراجع الدور الثوري الرادع على الأرض، بحسب أبو نقطة.

دوافع التوحش

تهدف الميليشيات المدعومة من إيران والأجهزة الأمنية من هذه الإعدامات المتوحشة إلى تحقيق أمور عدة، منها التخلص من أكبر عدد ممكن من المعارضين، وتهجير الشباب، وتفخيخ العلاقة بين أفراد المجتمع وزرع الأحقاد والثارات المناطقية عبر الاستعانة بجواسيس متعاونين من أبناء المنطقة، وتعميم الفوضى التي تساعد على تململ المدنيين وإذعانهم، والتسليم الكامل منهم للميليشيات.

ترغب إيران في إفراغ درعا وفتح أبواب التهريب من المحافظة بغرض الاستفادة المالية، إذ تشكّل مورداً مالياً مهماً لها ولأجهزة الأمن المشرفة على عمليات التهريب

ويقول ناشطون من درعا إن إيران ترغب في إفراغ المنطقة وفتح أبواب التهريب من المحافظة بغرض الاستفادة المالية، إذ تشكّل مورداً مالياً مهماً لها ولأجهزة الأمن المشرفة على عمليات التهريب، أو القبض على المعارضين خلال محاولة اجتيازهم حواجز النظام للخروج من المحافظة.

يقول العقيد المنشق أبو محمد (الذي اكتفى بذكر اسمه الأول)، والذي عمل ضمن فصائل المعارضة المسلحة (جبهة ثوار سوريا)، لرصيف22، إن "ردّ الجانب الثوري المعارض لهذه التصفيات الوحشية، يكون عبر اتخاذ إجراءات حيطة وحذر ومتابعة للخلايا التي تنتشر سرّاً، كما أن ردع تلك التجاوزات يتم عبر إلقاء القبض على بعضها، والكشف عن بقية أعضاء الخلية من خلال التحقيقات وهو ما ساعد في التخفيف من هذه العمليات، بالإضافة إلى جملة من الاحترازات الإضافية للحماية عبر تسيير دوريات ليلاً ونهاراً، والتقليل من تحركات القياديين والعناصر والاجتماعات والتجمعات، ومراقبة المشتبه بهم".

ويلفت أبو محمد المقيم في ريف درعا الغربي، إلى أنه بعد كشف أمر الكثير من الشبكات المحلية المكلفة باغتيال المطلوبين في المحافظة، وتعرّض أفرادها للتصفية، باتت عمليات الإعدام هذه تقوم بها قوات النظام والمليشيات الإيرانية في محافظة درعا بشكل مباشر وعلني.

التحول الدموي العلني

لا تخفى حالة التذمر الكبيرة التي يبديها الأهالي من الإعدامات الميدانية، ومحدودية خياراتهم في ظلّ التفكك المجتمعي

يؤكد الباحث في الشؤون الإيرانية مصطفى النعيمي، أن هناك تحولاً واضحاً في إجرام النظام والميليشيات الإيرانية في درعا من حيث القتل، وانتقال المرحلة من الاغتيالات إلى الإعدامات الميدانية، إذ ترتكز الإستراتيجية الإيرانية على بث الرعب في المناطق التي ترفض مشروعها التوسعي، لذا لجأت -حسب قوله- إلى استخدام الوسائل الخشنة والمتمثلة في التغلغل في مؤسسات النظام السوري المدنية والعسكرية لتصفية خصومها وإعدامهم ميدانياً بذرائع مختلفة أو حتى من خلال اقتحام منازلهم والتي تؤدي إلى قتل المستهدف في النتيجة النهائية وكذلك الاشتباكات التي تجري في الأحياء والمدن والبلدات.

ويضيف: "الميليشيات الإيرانية تجاوزت النظام السوري، فلم يعد في مقدوره كبح جماحها، لذا عندما تقدم ميليشيات إيران على ممارسة جريمة قتل ما، لا يجرؤ نظام الأسد على التحقيق فيها، وفي ظل تهالك الجهاز القضائي السوري ستمضي إيران قدماً في ممارسة أقصى معدلات فرض الجريمة المنظمة".

برأيه، فإن "الهدف الرئيسي من تلك الإعدامات هو إخماد أي حالة امتعاض يبديها المواطن في الجنوب السوري، فما يجري من إعدامات وتصفيات كلها تصبّ في تنامي نجاح فرص المشروع الإيراني"، واستدرك النعيمي حديثه بأن "إيران ستكون هي الخاسر الأكبر على المدى البعيد، نظراً إلى أن من تقوم بتجييشهم وتحريكهم ضد أهاليهم في النتيجة النهائية سترفع عنهم الغطاء عاجلاً أم آجلاً".

النظام يترقب

لا تخفى حالة التذمر الكبيرة التي يبديها الأهالي من الإعدامات الميدانية، ومحدودية خياراتهم في ظلّ التفكك المجتمعي وما جلبته عليهم تجارة المخدرات التي تحترف صناعتها ميليشيات إيران والنظام، من آفات وانقسامات وارتفاع في معدل الجريمة، إلا أن النعيمي يعوّل على عقلاء الجنوب الذين من الممكن أن يكونوا سداً منيعاً ضد تغول المشروع الإيراني في الجنوب السوري عموماً.

بعد كشف أمر الكثير من الشبكات المحلية المكلفة باغتيال المطلوبين، باتت عمليات الإعدام هذه تقوم بها قوات النظام والمليشيات الإيرانية في درعا بشكل مباشر وعلني

يعتقد النعيمي أن إيران لن تستمر بالزخم الذي لديها في سوريا في ظل ما يحصل في داخلها، وتالياً "النظام يترقب هذا الضعف ليعيد تمركزه بشكل أكبر، والبدء بمسلسل الاعتقالات تحت بنود مختلفة، من أبرزها -والرائج اليوم- الانتماء إلى تنظيم داعش والذي بموجبه يتيح اعتقال الكثير من أبناء درعا وزجّهم في المعارك وإضعاف المناطق التي يتحدرون منها".

ويُعدّ الإعدام الميداني من دون محاكمة "جريمة حرب" بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1994، إذ يجرّم القرار 163-44 الصادر في 15 يناير/كانون الثاني 1989، عن "الجمعية العامة للأمم المتحدة" الاعتداء والقتل من دون محاكمة، ولا يجوز التذرع بالحالات الاستثنائية بما في ذلك حالة الحرب أو التهديد بالحرب أو عدم الاستقرار السياسي الداخلي أو أي حالة طوارئ عامة أخرى لتبرير عمليات الإعدام حتى في حالة نزاع مسلح، وحالات استخدام القوة بصورة مفرطة أو مخالفة القانون من جانب موظف حكومي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية.

كما يصرّح مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء أو الإعدام من دون محاكمة أو الإعدام التعسفي، بأن "الدعاوى المفضية إلى توقيع عقوبة الإعدام يجب أن تستوفي أعلى معايير الاستقلالية والكفاءة والموضوعية والنزاهة المطلوبة في القضاة والمحلفين كما هي محددة في الصكوك القانونية الدولية ذات الصلة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard