شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية... قضاء على الشائعات أم على حرية التعبير في تونس؟

قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية... قضاء على الشائعات أم على حرية التعبير في تونس؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 21 سبتمبر 202202:18 م

تتواصل سلسلة التضييق على حرية التعبير والنشر في تونس، بما ينذر بالتراجع عن حرية الصحافة والإعلام. بعد اعتقال الصحافيين بتهم الإرهاب، ونسف حقوق النفاذ إلى المعلومة، صدر في الجريدة الرسمية التونسية مرسوم رئاسي متعلق بمكافحة الجرائم المتّصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، يثير مخاوف الإعلاميين.

هذا المرسوم كان يُعدّ مطلباً شعبياً لطالما طالب به المجتمع المدني، إذ إن الغرض الأصلي منه هو مكافحة الجرائم الإلكترونية وضمان حقوق ضحايا الاختلاس والتجسس والابتزاز وغيرها من الجرائم السيبرانية، لكن بعض فصوله عُدّت تكميماً للأفواه ونسفاً لحرية التعبير، بحسب كثيرين.

قانون "عقابي"

نص المرسوم الرئاسي على عقوبات سجنية وغرامات مالية تسلَّط على جرائم إعداد أخبار زائفة. وجاء في الفصل 24 أنه "يعاقَب بالسجن مدة خمسة أعوام وبغرامة قدرها خمسون ألف دينار، كل من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات أو شائعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذباً إلى الغير، بهدف الاعتداء على حقوق الغير، أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان، ويعاقَب بالعقوبات نفسها المقررة في الفقرة الأولى كل من يتعمّد استعمال أنظمة معلومات لنشر أو إشاعة أخبار أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو بيانات تتضمن معطيات شخصيةً أو نسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير أو تشويه سمعته أو الإضرار به مادياً أو معنوياً أو التحريض على الاعتداء عليه أو الحث على خطاب الكراهية وتضاعَف العقوبات المقررة إذا كان الشخص المستهدف موظفاً عمومياً أو شبهه". 

يرى إعلاميون وسياسيون أن الفصل المذكور من شأنه التعدّي على حرية الصحافة وقمع حرية التعبير، فيما سارعت نقابة الصحافيين التونسيين إلى دعوة رئيس الجمهورية إلى سحب المرسوم عدد 54.

عدّت نقابة الصحافيين في بيان لها، أن المرسوم الرئاسي "نصّ على عقوبات زجرية مبالغ فيها في قضايا نشر، ويهدف إلى مزيد من التضييقات على حرية التعبير والصحافة بتعلّة مكافحة الشائعات وجرائم المعلومات"، مبيّنةً أن "القانون تضمّن عدداً من العقوبات الزجرية التي تفتقد التناسب بين الفعل والعقوبة لأن جرائم النشر لا يمكن أن تكون عقوبتها السجن لخمس أو عشر سنوات".

ترى نقابة الصحافيين، أن المرسوم يتعارض مع الفصل (المادة) 55 من الدستور الذي ينص على عدم ممارسة الرقابة المسبقة وذلك من خلال تقنين إجراءات التنصّت العشوائي على المواطنات والمواطنين، محذرةً من تهديد المرسوم لضمانات حرية التعبير بحكم تدخّله في اختصاصات المرسوم 115 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر، ويعطي السلطة ذريعةً للتهرب من المراسيم المنظمة للقطاع ويتعمد متابعة الصحافيين وفق قوانين جديدة تعسفية لا علاقة لها بالمهنة، وفق البيان.

الغرض الأصلي من قانون الجرائم الإلكترونية هو مكافحة الجريمة وضمان حقوق ضحايا الاختلاس والتجسس والابتزاز وغيرها من الجرائم السيبرانية، لكن بعض فصوله عُدّت تكميماً للأفواه ونسفاً لحرية التعبير

يرى عضو نقابة الصحافيين عبد الرؤوف بالي، أن المرسوم يُفترض أن يحلّ أزمةً تعيشها البلاد منذ سنوات، وهي صناعة الشائعات وترويجها والكشف عن المستفيدين منها مادياً أو سياسياً، مشيراً إلى أن أعضاء البرلمان قدّموا سنة 2018، مبادرةً تشريعيةً للحد من تأثير الشائعات، خاصةً على وسائل التواصل الاجتماعي التي تُعدّ الفضاء الأساسي لصنع الشائعة وترويجها لكن لم يتم تمريرها والمصادقة عليها، وبقيت الظاهرة متفشيةً ورائجةً، خاصةً في محطات كبيرة مثل الانتخابات.

وشدد محدث رصيف22، على أن الشائعات لا تروج في وسائل الإعلام وإنما في وسائل التواصل الاجتماعي التي تكون نسبة الجديّة فيها ضعيفةً جداً، لكن في المقابل أصبح المواطن يعوّل عليها وتالياً أصبحت المغالطات خطيرةً وتُستعمل من قبل لوبيات كبيرة تتحكم في مواقع التواصل. 

يقول المتحدث: "فاجأنا رئيس الجمهورية، فالمرسوم يُفترض أن يحدّ من ظاهرة الشائعة وخاصةً استغلالها في الحياة السياسية، لكنه توجه نحو التضييق على الحريات وتقييدها سواء حرية الصحافة أو غيرها، وكنا أكدنا في النقابة على خطورة هذا المنشور خاصةً أنه يتضمن مفردات فضفاضةً، كالأمن العام وغيرها، وتالياً دعونا الرئيس سعيّد إلى سحب المنشور وإلى مشاورات جدية تشارك فيها مختلف الأطراف المعنية بحرية التعبير من أجل وضع قانون يتحكم جدياً في الشائعة ولا يضيّق في الوقت نفسه على الحريات وتكون الجهة المستهدفة من خلال المشروع واضحةً".

يرى عضو نقابة الصحافيين، أن المرسوم يحتوي على جملة من المخاطر تكمن في الفصول التي تشكل تهديداً للحقوق والحريات أكثر من غيرها، وهي الفصل 24 الذي يتحدث عن الشائعة، والفصول التي تهم التنصّت على المكالمات الهاتفية أو على التعاملات الإلكترونية للمواطن التونسي، والتي لم تعد تحت إشراف قضائي، إنما أصبحت مفتوحةً لعدد من الصفات في السلطة التنفيذية، أي تتبّعاً وتنصّتاً من دون إذن قضائي، مشدداً على ضرورة مراجعة المرسوم في اتجاه وضع ضمانات حقيقية لاحترام حرية التعبير، وإلاّ يتحول المرسوم إلى عصا في يد السلطة تضرب بها المعارضين والمختلفين معها في الرأي.

تعليقاً على العقوبات المشددة، يرى بالي، أن مدة العقوبات ليست مهمةً في القانون، لأن الشغل اليومي للصحافي هو كتابة الأخبار، و"إذا لم تنَل رضا السلطة سيحاكَم بالمرسوم عدد 54، ويمكن أن يتابَع وفق هذا القانون بعد كل خبر يكتبه، وتالياً بالإمكان أن تسلَّط عليه عشر عقوبات يومياً. الإشكال لا يكمن في مدة العقوبة، بل في غياب ضمانات حقيقية للصحافيين".

"فاجأنا رئيس الجمهورية، فالمرسوم يُفترض أن يحدّ من ظاهرة الشائعة وخاصةً استغلالها في الحياة السياسية، لكنه توجه نحو التضييق على الحريات وتقييدها سواء حرية الصحافة أو غيرها"

يضيف المتحدث: "انطلاقاً من تجربتنا، من الصعب أن تسحب رئاسة الجمهورية المرسوم لأنها لا تستمع إلى المجتمع المدني ولا إلى غيره، على الرغم من الخطورة الجدية للقانون الجديد. نحن سندافع عن حرية التعبير وعن احترام قانون الصحافة في كل الجرائم التي تتعلق بالصحافة، وأكدنا رفضنا تطبيق هذا المرسوم على كل ما يهمّ قطاع الصحافة وحرية النشر والتعبير ولدينا شركاؤنا من المجتمع المدني وسنحاول التحرك من أجل سحب المرسوم ومراجعته كونه مرسوماً ضرورياً للساحة التونسية، لكن في الوقت نفسه يجب أن يحمل ضمانات حقيقةً للقضاء على الشائعة وليس على حرية التعبير".

انتقادات لاذعة

يُلزم المرسوم عدد 54، مزوّدي خدمات الاتصال بحفظ وتخزين المعطيات المتعلقة بزبائنهم لمدة سنتين على الأقل، كما يتيح عمليات التنصت واعتراض اتصالات ذوي الشبهة. وقد استهجن حقوقيون إتاحة التسجيل الفوري للاتصالات والاطّلاع على فحواها عادّين أنه اعتداء صارخ على حقوق الإنسان.

انتقد المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان إصدار مرسوم يتيح  لأجهزة الأمن انتهاك الخصوصيات الرقمية للتونسيين ويفتح الباب أمام تقييد عمل وسائل الإعلام وتجريم الممارسات المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والنشر.

وعدّ المرصد في بيان له، أن المرسوم المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال يمثّل اعتداءً خطيراً وغير مسبوق على الحريات في البلاد لأنه يرتكز على نصوص فضفاضة، كما أشار إلى أن المرسوم الجديد يُشرْعِن اختراق ومراقبة اتصالات وبيانات الأفراد ويُجرّدهم من حقّهم في الحفاظ على سرية البيانات المتعلقة بهويتهم أو سلوكهم في أثناء استخدام أجهزة ووسائط الاتصال والتواصل، ويمكّن السلطات من الوصول إلى جميع البيانات الخاصة.

المرسوم في مجمله نص زجري لا علاقة له بالحريات وحقوق الإنسان، ويكرّس منهج الاستبداد بضرب حرية الرأي والتعبير

ولفت الكاتب العام لمرصد الحقوق والحريات مالك بن عمر، إلى أن الفصل 128 من المجلة الجزائية  (القانون الجنائي) يعاقب بالسجن عامين كل من ينسب أموراً غير صحيحة إلى موظف عمومي من دون إثباتها، وهي تقريباً الأفعال نفسها التي جاءت في الفصل 24 في صيغتها المشددة عندما تتعلق الشائعات بموظف عمومي. أي أن المرسوم الجديد شدد في عقوبة أفعال الفصل 128 من القانون الجنائي وضاعفها خمس مرات من عامين إلى عشر سنوات.

كما لفت بن عمر في حديثه إلى رصيف22، إلى "أن الفصل 54 من المرسوم عدد 115، يجرّم نشر الأخبار الزائفة ويعاقب على الفعل بغرامة، في حين أن الفصل 24 من المرسوم يلغي العقوبة ويستبدلها بالسجن خمس سنوات، مما يجعل حرية الصحافة في خطر، خاصةً أن بعض الأخبار يصعب إثباتها إذا ما كانت بالغة السرية وحصل عليها الصحافي بطرق استقصائية خاصة".

ختم المتحدث بالتأكيد على أن المرسوم في مجمله نص زجري لا علاقة له بالحريات وحقوق الإنسان، ويكرّس منهج الاستبداد بضرب حرية الرأي والتعبير.

وإن جوبه المرسوم عدد 54، برفض واسع من طرف الصحافيين، فقد حظي بترحيب العديد من الجهات التي تطالب بمكافحة الشائعة التي أضرّت بالعديد من المواطنين. وقد عدّ الناشط السياسي والنائب السابق يوسف الجويني، أن المرسوم جاء في وقته ليضع حداً للشائعات وهتك الأعراض والحد من ظاهرة الحقد والاحتقان بسبب تفاقم نشر الشائعات وعدّها "حرية تعبير".

أضاف السياسي في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية في فيسبوك، أن الفصل 24 قانوني قد يكون زجرياً ورادعاً لكل من اعتدى بالإفك والبهتان على كل شخص مظلوم.

من جانبها، رأت وزارة تكنولوجيات الاتصال أن هذا المرسوم من شأنه تحقيق النجاعة الكافية عند التعامل مع الجرائم الإلكترونية لضمان حقوق ضحايا الاحتيال، والاختلاس، والتدليس، والتجسس، والابتزاز وغيرها من الاعتداءات على البيانات والمنظومات والمصنفات المحمية الرقمية، كما أنه يدعم اعتماد الأدلة الرقمية (جمع، حفظ، تحليل)، وتعزيز إجراءات التحقيق الرقمي في الجرائم المتعلقة بأنظمة المعلومات والاتصال، وفق الوزارة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard