شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"اليوم ابنتُنا وغداً فتاة أخرى"... دروس الحجاب التي تقتل الإيرانيات وتهزّ البلاد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

السبت 17 سبتمبر 202211:33 ص

جريمة جديدة من جرائم شرطة الحجاب في إيران تهزّ الشارع في البلاد، وتخلق حالة من الغضب والحزن لدى الشعب؛ قضيت نحبها الشابة مَهسا أميني (22 عاماً) بعد إلقاء القبض عليها في شوارع طهران بسبب الحجاب.

وتأتي الحكاية التي تداولتها وسائل إعلام محلية، أنه يوم الثلاثاء الماضي 13 أيلول/سبتمبر، ألقت دوريات شرطة الحجاب القبضَ على مهسا التي كانت تتمشى برفقة شقيقها في شوارع العاصمة طهران، فاصطُحبت إلى أحد مخافر الشرطة، وذلك لملء استمارات وتقديم التزامات كما هو الحال عندما يتمّ القبض على سيدة "سيئة الحجاب".

كانت مهسا قدمت من مدينة سَنَنْدَج، مركز محافظة كُردستان، غربي إيران، إلى طهران برفقة عائلتها، لكن شرطة الحجاب التي زادت من حملاتها ضد النساء اللاتي تطلق عليهن "سيئات الحجاب"، اعتقلتْها.

دخلتْ بسيارة الشرطة وخرجت بسيارة الإسعاف

يروي شقيق الفتاة، كِيارَش، الذي كان ينتظر خروج أخته من مخفر الشرطة: "برفقة العوائل التي كانت تنتظر بناتِها في شارع (وُزَراء)، فجأة سمعنا صراخاً متواصلاً، فاحتججنا على حراس المخفر، وتساءلنا: ماذا تفعلون؟ فجاء ردُّهم قاسياً مصحوباً برشّ رذاذ الفلفل، حتى رأينا دخول سيارة إسعاف إلى المخفر، وخروجها بعد فترة من الوقت".

ويكمل كِيارَش: "خرجت المحتجزات من المخفر، وسألتهن عما يجري هناك، فتحدثن عن نقل فتاة وهي في حالة خطرة، إلى المستشفى. حين أريتهن صورة مهسا، أكّدن لي أنها هي".

في نهاية المطاف خرج أحد الضباط ليخبر عائلة مهسا أميني بأنه عليهم أن يذهبوا إلى المستشفى بغية متابعة حالتة ابنتهم، ومنذ الثلاثاء الماضي حتى الجمعة كانت ترقد الفتاة بالمستشفى بسبب جلطة قلبية ودماغية معاً، قبل أن ترحل مساء أمس.

"هؤلاء لا يعرفون الإسلام ولا الإنسانية. كانت ژِينا (اسم مَهسا في المنزل)، في صحة تامة، وأسرتنا في كُردستان مشهورة بالالتزام بالثقافة الإسلامية، ولسنا بحاجة أن يعلمونا الحجاب؛ هؤلاء هم الذين لا بدّ أن يتربوا ويتأدبوا"... تصريحات من خالِ مَهسا

بعد تسليط الضوء على حادثة مهسا، وتسريب أنباء عن ضربها خلال الاعتقال، أصدرت الشرطة بياناً تنفي فيه أيّ إعتداء عليها، مؤكدة أن الضحية كانت في إحدى المخافر لتلقي التعليمات حول الحجاب الإلزامي فأغمي عليها في وسط الصالة بين سائر المحتجزات.

تعليم يتسبب بمقتل الفتيات

وأشعل هذا البيان الشارعَ بالغضب، ليتساءل حول كيفية جلسات تعليم الحجاب التي تتسبب بمقتل الفتيات؟ إذ حذر مسبقاً الكثير من خبراء علم الاجتماع وعلم النفس، إضافة إلى التنديد الشعبي المتواصل، حول تداعيات فرض الحجاب وسلوك دوريات الشرطة التي لا تراعي كرامة الفتيات في الشوارع.

كما أكدت ناشطات في مواقع التواصل الاجتماعي حسب تجربتهن مع شرطة الحجاب، أن احتجاز فتاة غريبة في طهران، وجلبها بسيارات الشرطة إلى المخافر وكأنها سارقة، ثم معاملتها السيئة المرفقة بالإهانة والتحطيم النفسي، واعتبارها كما لو أنها ارتكبت جريمة أخلاقية كبرى، ومن ثم تشكيل ملف أخلاقي لها، وإجبارها على توقيعه، يتسبب بحد ذاته بالصدمة والذّعر يصلان حدّ الجلطة أو الموت.

وعبّرت شريحة واسعة من المجتمع عن غضبها إزاء ما جرى لمهسا، بما فيهم حسن الخميني، حفيد روح الله الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية، وبعض رجال السياسة من التيار الإصلاحي، إضافة إلى نجوم الفن والرياضة والأكاديميين والمؤسسات الحقوقية والمدنية، وذلك تحت هاشتاغ #مهسا_أميني، كما طالب البعض بحقّ الفتاة وإلغاء دوريات الحجاب التي تستهدف الحقوق الفردية للمواطنات.

كتبت الممثلة الإيرانية تَرانه عليدوسْتي على حسابها في إنستغرام: "اللعنة على هذا الأسْر!"، كما كتب المخرج أصغر فَرهادي ناشراً صورةً لمهسا على حسابه في إنستغرام أيضاً: "أنا مضطرب منذ أن قرأتُ خبرَكِ أمس... نحن نتظاهر بالنوم أمام هذا الظلم اللامتناهي. نحن شركاء هذه الجريمة".

"هؤلاء هم الذين لا بد أن يتربوا ويتأدبوا"

وفي لقاء صحافي صرح خال القتيلة: "قلت لأحد قادة الشرطة الذي جاء إلى المستشفى ووعدَنا بمتابعة القضية، اليوم كانت ابنتنا ضحية، وغداً سيأتي دور فتاة أخرى"، في إشارة إلى السلوك غير المتحضر والمغاير للأخلاق لشرطة الحجاب.

وأكمل حديثه: "عندما يتم احتجاز الفتيات بمثل هذا الرعب والذعر، واضح ما سيحدث لهن؛ هؤلاء لا يعرفون الإسلام ولا الإنسانية. كانت ژِينا (اسم مَهسا في المنزل)، في صحة تامة، وأسرتنا في كُردستان مشهورة بالالتزام بالثقافة الإسلامية، ولسنا بحاجة أن يعلمونا الحجاب؛ هؤلاء هم الذين لا بدّ أن يتربوا ويتأدبوا".

 "لقد أحدثوا هذه المصيبة لفتاتنا. هذا لم يحدث لحفيدتي فحسب، بل الأمر سيطال جميع الفتيات"... جدّة مَهسا

وعن الضحية يشرح خالها أنها دخلت الجامعة للتوّ، ولها أخ واحد. بعد وصولهما إلى طهران ذهبت معه إلى مدينة كَرَج بالقرب من العاصمة، لزيارة عمّتها، وقد تم احتجازها عند عودتهما من هناك.

أما جدة مَهسا فنقلت لوسائل إعلام محلية: "لقد أحدثوا هذه المصيبة لفتاتنا. هذا لم يحدث لحفيدتي فحسب، بل الأمر سيطال جميع الفتيات".

أرادته الشرطة مبرراً لكنه أصبح وثيقة على سلوكها

بعد ازدياد الغضب الشعبي، نشر إعلام الشرطة مقطعاً متقطعاً من تسجيلات كاميرات المخفر دون صوت، يوثق لحظة دخول مهسا إلى مخفر الشرطة برفقة سائر المحتجزات، ثم لحظة انتظارهن في صالة الاجتماعات. وفي لقطة أخرى تذهب فيها الضحية نحو إحدى الضابطات، وبعد الحديث معها، والذي يبدو حول كيفية ملابسها، رصدت الكاميرات أن الضابطة تشير بغضب إلى ملابس الفتاة، وفي تلك اللحظة يغمى عليها.


وبين من طالب بنشر الفيديو الكامل للحادث ليتضح الكثير من الجوانب الأخرى وبين من شكّك في صحة المقطع، أرادت الشرطة من خلال نشرها الفيديو، إثباتَ براءتِها في عدم الضرب كما أشيع، ولكن المقطع تحول إلى وثيقة ضد سلوك الشرطة وتعاملها السيء، خاصة وأن مَهسا تظهر وهي مرتدية الحجاب الكامل والمتعارف عليه في البلاد.

ولامتصاص غضب الإيرانيين أصدرت كلٌّ من السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بتشكيل لجانِ تحقيق منفصلة تعكس للشارع حقيقة ما جرى لمَهسا أميني.

وبعيداً عن ما تذهب إليه الدولة في إلقاء اللوم على أحد كوادر شرطة الحجاب ومحاكمته وتقديم الاعتذار، يبدو أن القضية أكبر وأوسع من ذلك لدى الشعب الإيراني، حيث بات يطالب معظم الإيرانيين بعدم المساس بكرامة المواطنات والمواطنين من خلال إعمال مؤذية تتكرر في الشوارع ضد النساء.

في سياسة مزدوجة يسمح النظام الاسلامي بمظاهرات لأنصاره مؤكدين خلالها على الالتزام بالحجاب الإسلامي مهما كلّف الثمن، ويمانع من أي مظاهرات شعبية تندّد بفرض الحجاب، وتلصق بأي حركة إعلامية محلية أو نشاط على التواصل الاجتماعي وصمة "المعارضة"

وبعد وصول إبراهيم رئيسي المحسوب على اليمين المتطرف إلى سدة الحكم، كثف المتشددون معاركهم اليومية ضد النساء الإيرانيات خلال الصيف الحالي، وذلك بعد إصدار أوامر من خطباء صلاة الجمعة ‏وهيئة الأمر بالمعروف، ولم يأت تنفيذ القرار على أيدي شرطة الحجاب فحسب، بل يتدخل أنصار الحكومة لتضييق الخناق على "سيئات ‏الحجاب"، وهو التعبير الذي ‏يُطلق على اللواتي يغطين نصف الرأس بالشال، ويرتدين ‏"المانتو" المفتوح من الأمام.

ولم يتوقف مسلسل المواجهات العنيفة بين شرطة الحجاب والمتشددين من جهة، والفتيات ‏واليافعات اللواتي كبرن على ثقافة عدم الالتزام بالحجاب الإسلامي في ظلّ نظام الجمهورية الإسلامية، على الرغم من التنديد الجماهيري الواسع في الشارع الإيراني ‏خلال موسم الصيف الجاري.

وفي سياسة مزدوجة يسمح النظام الاسلامي بمظاهرات لأنصاره مؤكدين خلالها على الالتزام بالحجاب الإسلامي مهما كلّف الثمن، ويمانع من أي مظاهرات شعبية تندّد بفرض الحجاب، وتلصق بأي حركة إعلامية محلية أو نشاط على التواصل الاجتماعي وصمة "المعارضة"، وتعتبرها تواطأ ضدّ أمن البلاد، يستوجب السجن والحرمان من حقوق المواطنة.

مع ذلك كشف بعض الناشطين الاجتماعيين عن تقديم طلب رسمي لحاكم طهران، للسماح بمظاهرات سلمية وفق المادة 27 من الدستور، وذلك في الاثنين المقبل لمخالفة دوريات الحجاب، وسلوكها غير الشرعي وغير الأخلاقي والمخالف للدستور الإيراني، حسب قولهم.

يُذكر أن جثمان مَهسا ووري الثرى صباح اليوم السبت في مدينة سقِّز الواقعة في محافظة كُردستان إيران، وسط حشود كبيرة من المواطنين وفي ظلّ أجواء أمنية من قبل الحكومة. كما تجمعت الليلة الماضية حشودٌ أمام مستشفى "كسرى" الذي لفظت مهسا أنفاسَها الأخيرة فيه، قابلتها الشرطة بردود عنيفة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

خُلقنا لنعيش أحراراً

هل تحوّلت حياتنا من مساحةٍ نعيش فيها براحتنا، بعيداً عن أعين المتطفلين والمُنَصّبين أوصياء علينا، إلى قالبٍ اجتماعي يزجّ بنا في مسرحية العيش المُفبرك؟

يبدو أنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى انقلاب عاطفي وفكري في مجتمعنا! حان الوقت ليعيش الناس بحريّةٍ أكبر، فكيف يمكننا مساعدتهم في رصيف22، في استكشاف طرائق جديدة للحياة تعكس حقيقتهم من دون قيود المجتمع؟

Website by WhiteBeard