شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
لماذا فقدت حبي لحسين الجسمي؟

لماذا فقدت حبي لحسين الجسمي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 13 سبتمبر 202210:48 ص

"وبحبك وحشتيني، بحبك وإنت نور عيني. ده وإنت مطلعة عيني بحبك موت. لفيت قد أيه لفيت ما لقيت غير في حضنك بيت"، هذا جزء من أغنية "بحبك وحشتيني" للمطرب الإماراتي حسين الجسمي التي كانت رمزاً لصفحة جميلة من أعمارنا. ولكن، سرعان ما طويت.  

تقدّر الشعوب من يغني لها لا من يغني عليها.

كان الجسمي مطربي المفضل لزمن طويل قبل أن تنهار ثوابت كثيرة وتتبدل قناعات وقيم شتى بفعل تحولات غير مسبوقة في الفضاء العام أصبح معها المتمسك بقيمه وأفكاره تماماً كالقابض على الجمر. وفي ظل كل هذه التحولات، هجرت الجسمي إلى غير رجعة، إذ أصبح بالنسبة لي مجرد مطرب بنكهة سياسية زاعقة.
"الفضفضة أحياناً تكون غلطة فلا تكثر منها"، قدم لنا الجسمي هذه النصحية على حسابه في "انستغرام". ورغم ذلك، أعترف أنني أدمنت في فترة سابقة سماع أغانيه، ومن بينها: "بحبك وحتشتيني" التى غناها بالعامية المصرية، ونجح في أن يعبر عن حب ابن البلد الأصيل لتراب وطنه الذي يبقى متعلقاً به وإن باعدت بينهما المسافات. لكن، لا شيء يبقى على حاله، وحتى الجسمي نفسه حلق بعيداً عنا وكانت تلك القطيعة بيننا وبينه.
كان الجسمي صريحاً في بداياته، إذ اعترف في مقابلة صحافية أنه أراد أن تكون هذه الأغنية بوابة عبور إلى الجمهور المصري. وهذا بالطبع حلم مشروع، وقد كان له ما أراد. نحن شعب عاطفي بطبعة تكفي كلمة واحدة كى ترفعنا إلى السماء السابعة أو تهبط بنا إلى أسفل السافلين.

كان الجسمي مطربي المفضل لزمن طويل قبل أن تنهار ثوابت كثيرة وتتبدل قناعات وقيم شتى بفعل تحولات غير مسبوقة في الفضاء العام أصبح معها المتمسك بقيمه وأفكاره تماماً كالقابض على الجمر

من مقاعد المطربين لركاب الساسة

انطلق الجسمي بعد ذلك بسرعة الصاروخ في وصلات غزل غنائية لمصر والمصريين لم تقف عند حد معين. وهو بالطبع ليس أول ولن يكون آخر مطرب عربي يغني بالعامية المصرية. لكن، الجسمي تحول شيئاً فشيئاً من الغناء لوطن كبير يجري في دمائنا جميعاً إلى أداة للدعاية والتسويق السياسي غادر معها مقاعد المطربين إلى ركاب الساسة. 
هل كان الجسمي يريد حقيقة أن يكسب رضا جمهوره عندما غنى "رسمنالك" لمشروع صاحبه؟ كان هناك جدل كبير منذ إطلاقه تلك الأغنية. لماذا لم يفكر في أن شيئاً من الغياب يمكن أن يحفظ للفنان بريقه؟ 

لكن، الجسمي تحول شيئاً فشيئاً من الغناء لوطن كبير يجري في دمائنا جميعاً إلى أداة للدعاية والتسويق السياسي غادر معها مقاعد المطربين إلى ركاب الساسة

أغانٍ دعائية

الجسمي يتمتع بموهبة فنية لا غبار عليها، لكنه خلق جداراً كبيراً من العزلة بينه وبين قطاعات أحسبها واسعة من جمهوره بفعل غوصه غير المبرر في مستنقع السياسة عبر أغنيات دعائية سريعاً ما يغطيها التراب وتصبح نسياً منسياً.
الجسمي يبدو أنه لم يقرأ التاريخ جيداً، ولم يتعلم دروسه كحال الكثيرين منا نحن العرب. هل يتذكر أحد منا اليوم أغنية واحدة لأي من المطربين الراحلين عن زعيم أو ملك أو رئيس؟ لا يبقى من الفن إلا ما كان خالصاً منه. وأما الزبد فيذهب هباء. هذه حقيقة لا تتغير وسنة لا تتبدل.
كان للجسمي حرية أن يغني للأوطان الباقية وأن يرفض مهما كانت المغريات والضغوط أن يتحول إلى مجرد أداة في يد سلطة سياسية ما في أي زمان ومكان لأنها مهما امتد بها المقام، ستزول ويبقى التاريخ حكماً على الجميع.

يفقد الفنان استقلاله كلما كان أكثر اقتراباً من السلطة السياسية.

لم يدرك الجسمي حقيقة أن الاقتراب يكون في بعض الأوقات احتراقاً، وأن المطرب المخلص لفنه يجب أن يعض على استقلاله بالنواجز وأن يبقى على مسافة بعيدة من السلطة.

يغني علينا لا لنا

يفقد الفنان استقلاله كلما كان أكثر اقتراباً من السلطة السياسية، إذ يصبح مجرد وسيلة في يدها لتحقيق أهدافها في بسط النفوذ والسيطرة. وهذه أكبر خطيئة يمكن أن يرتكبها في حق نفسه، إذ يتحمل جزءاً من أوزار القوم دون أن يكون مضطراً لذلك.
الجسمي في الحقيقة يثير بيننا نحن المصريين قدراً كبيراً من الدهشة خاصة أنه أقدم على ما لم يفعله مطربون كبار من أمثال عمرو دياب وعلي الحجار ومحمد منير الذين لم يتورطوا في الدعاية الغنائية الفجة كما فعل، رغم أنهم يعيشون على تراب هذا البلد ويحملون جنسيته في وثائق الهوية الخاصة بهم.

 بوسع الجسمي إذا أراد اليوم أن يغادر مقاعد الساسة ويعتلي خشبة المسرح ليغني من جديد للحب والحياة ويجعل الجمهور وحده نصب عينيه

تقدّر الشعوب من يغني لها لا من يغني عليها. هذه قاعدة يجب أن يدركها كل فنان وهو يسعى بكل قوته من أجل النجومية. كما أن التربع في قلوب الجماهير ليس أبدياً، بل هو مقرون بما يقدم لها من عطاء فني أولاً وتقدير واحترام ثانياً.
لا أدري إذا كان الوقت قد فات أم أن هناك متسعاً. لكن بوسع الجسمي إذا أراد اليوم أن يغادر مقاعد الساسة ويعتلي خشبة المسرح ليغني من جديد للحب والحياة ويجعل الجمهور وحده نصب عينيه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard