شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
تدقيق حقائق… هل تبني الحكومة المصرية مشروعاً قومياً على أرض معبد سنوسرت الأول؟

تدقيق حقائق… هل تبني الحكومة المصرية مشروعاً قومياً على أرض معبد سنوسرت الأول؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 5 سبتمبر 202204:34 م

قبل يومين، نشر الكاتب والروائي المصري ميشيل حنا المهتم بالتراث المعماري والأثري، صورتين، إحداهما لخريطة توضح موقع معبد بناه الملك سنوسرت الأول في أون القديمة، ومكانه الآن ميدان المسلة في حي المطرية، شرق القاهرة، والثانية صورة مأخوذة من محرك غوغل إيرث لموقع المعبد نفسه وقد احتلته عمارات سكنية حديثة تابعة لمشروع أهالينا للإسكان الذي تبنيه القوات المسلحة لصالح الحكومة المصرية. 

الخريطة الأولى تعود للعام 1914 ومكتوب عليها بوضوح أن هذه المساحة مسجلة في أرشيف الحكومة المصرية باعتبارها Site of The Temple أو "موقع المعبد".

أثارت الصورتان حالة من الجدل بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فبعضهم يقول إنه لا ينبغي البناء فوق أطلال معبد أثري، وإن أزيلت جميع الآثار، وآخرون يبدون تعجبهم من المعترضين الذين تذكروا اليوم أن الموقع أثري، في حين أن حي المطرية وعين شمس المجاور له، عبارة عن أرض أثرية دفنت تحتها مدينة "أون" الفرعونية القديمة، واستخرج منها الكثير من القطع الأثرية، لكنها الآن حي شعبي ذو كثافة سكانية مرتفعة.

ورغم عدم صدور أي بيان رسمي، من أي جهة حكومية للرد على هذا الجدل، فإن نائب محافظ القاهرة للمنطقة الشرقية، الدكتور إبراهيم صابر، صرح لموقع مصراوي، بأن مثل هذا الكلام يؤدي إلى إثارة البلبلة بين المواطنين، مؤكداً عدم وجود أي أثار في منطقة البناء، وأنه تم التنسيق مع الجهات المعنية قبل بدء تنفيذ أي أعمال.

وزعم صابر أن أرض مزرعة الـ54 فداناً بمنطقة المسلة المقام عليها مشروع "أهالينا 4"، كانت ملكاً لوزارة الأوقاف، وتشرف عليها وزارة الآثار، التي تم التنسيق معها والحصول على موافقتها لدى بدء تنفيذ الأعمال، وجرى عمل جسات للتربة قبل البدء، مؤكداً "في حالة اكتشاف أي أثر لم يكن العمل ليبدأ من الأساس".

المشروع تتولى تنفيذه المنطقة المركزية العسكرية بتمويل من البنك الأهلي المصري وتبرعات من رجال أعمال ومستثمرين، ضمن مراحل مشروع أهالينا الذي أطلقته الدولة لنقل سكان العشوائيات والمناطق الخطرة

مشروع "أهالينا 4"

في نيسان/ أبريل 2021، سلمت لجنة من هيئة الأوقاف المصرية، أرض مزرعة الـ54 فداناً بمنطقة المسلة في حي المطرية التي كانت مملوكة لها، لمحافظة القاهرة، لبدء أعمال إقامة مشروع "أهالينا 4"، الذي تتولى تنفيذه المنطقة المركزية العسكرية بتمويل من البنك الأهلي المصري وتبرعات من رجال أعمال ومستثمرين، ضمن مراحل مشروع أهالينا الذي أطلقته الدولة لنقل سكان العشوائيات والمناطق الخطرة.

ويجري التخطيط لهذا المشروع منذ عام 2016، حين قررت لجنة استرداد أراضي الأوقاف وتعظيم استثماراتها، وتخطيط مساحة الـ54 فداناً، وتكليف هيئة المساحة بالرفع المساحي، بالتنسيق مع محافظة القاهرة وهيئة التخطيط العمراني، بالتوازي مع عمل اختبارات الآثار تمهيداً لتخصيصها للنفع العام لمحافظة القاهرة، مقابل الحصول على تعويض بأرض مماثلة في القيمة من أملاك المحافظة، أو سداد قيمة الأرض نقداً.

وبدأ تنفيذ أعمال المشروع في نهاية العام الماضي، ومن المقرر أن يستغرق نحو 18 شهراً، قبل تسليمه.

مسؤول في وزارة الآثار: المشروع لم يحصل على موافقة رسمية من الآثار، لأنه مشروع قومي مخطط بقرار من رئيس الجمهورية، والأرض الآن عبارة عن منطقة عسكرية يسري عليها ما يسري على المناطق العسكرية

وبحسب البيانات الرسمية لهيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان، يأتي مشروع "أهالينا 4" في إطار "تطوير" منطقة المسلة في حي المطرية، ويشمل إنشاء مجمع سكني متكامل يتكون من حوالي 39 عمارة، إضافة إلى تنفيذ محور "عدلي منصور" الذي يمر من أرض مزرعة الـ54 فداناً، ويربط محور الخصوص بمحور مسطرد، ضمن مخطط تطوير طرق شرق القاهرة وربطها بالعاصمة الإدارية الجديدة.

وماذا عن الآثار؟

وتواصل رصيف22 مع مدير منطقة آثار المطرية وعين شمس، خالد أبو العلا، الذي أوضح أن أي أرض يحتمل وجود آثار بها، تخضع فقط لإشراف وزارة الآثار، أما إذا تم اكتشاف الآثار بالفعل فيجري ضمها للأراضي الأثرية، مشيراً إلى أن أرض حي المطرية وعين شمس تخضع لإشراف الآثار، لأنها بقايا مدينة مصرية قديمة (فرعونية بالمعنى الدارج): "بمعنى إن مفيش فيها آثار ثابتة، وأغلب الآثار خرجت منها بقدر اجتهادنا".

وقال أبو العلا إنه وفقاً للمادة 20 من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، لا يجوز البناء على الأراضي الخاضعة لإشراف الآثار، إلا بعد موافقة الوزارة وإجراء الحفائر وإثبات أن الأرض تم إخلاؤها من الآثار.

وكشف أنه في حالة أرض الـ54 فداناً، فهي مملوكة لوزارة الأوقاف وتخضع لإشراف الآثار، لكن مشروع "أهالينا 4" لم يحصل على موافقة رسمية من الآثار، لأنه مشروع قومي مخطط بقرار من رئيس الجمهورية، بتخصيص أرض الأوقاف للقوات المسلحة التي تتولى التنفيذ، والأرض الآن عبارة عن منطقة عسكرية يسري عليها ما يسري على المناطق العسكرية: "مش بياخدوا موافقات أو تراخيص لإن هيتبني على الأرض مشروع قومي".

مدير منطقة آثار المطرية وعين شمس: المنطقة كلها تحت إشراف وزارة الآثار كونها أطلال مدينة مصرية قديمة، لكن المشروعات القومية لها وضع خاص

وعن تأكد وزارة الآثار من عدم وجود أي قطع أثرية تحت الموقع محل البناء، قال مدير منطقة آثار المطرية وعين شمس: "أنا ما أقولش فيها أو مفيش، اللي بيثبت الحفر، واحنا اشتغلنا على قدر ما سمح لنا بالعمل".

لكن أبو العلا تعجب من التركيز على أرض المسلة، في حين أن المنطقة كلها مدفونة تحتها مدينة "أون" الفرعونية والآن عليها مئات البيوت، كما أن هناك الكثير من المشروعات التي أقيمت بنفس الطريقة في أنحاء مختلفة من الجمهورية.

مدينة أون ومعبد سنوسرت الأول

وبحسب الموقع الرسمي لوزارة الآثار، فإن مدينة عين شمس والمطرية المجاورة لها، أقيمت على أطلال مدينة "أون" الفرعونية القديمة، أقدم عواصم العالم، وسميت "إيونو" أو "أون ذات العماد"، حيث كان بها عدد لافت من الأعمدة والمسلات الكبيرة. وأطلق اليونانيون على نفس المدينة اسم "هليوبوليس" أي مدينة الشمس أو مدينة النور، ذلك لأنها كانت تشتهر بعبادة الشمس نسبة إلى الإله رع، إله الشمس عند الفراعنة، ويقابله الرب هيليوس لدى اليونان.

والآن، لم يبق من المدينة الأثرية القديمة إلا نذر يسير من المعالم، وخلال الحقبة الإسلامية، استعان المصريون بحجارتها في بناء منازلهم ومنافعهم، وحتى اليوم تستمر أعمال البعثات الأثرية في المنطقة.

وكشف الموقع أن المنطقة بها مقابر تعود إلى الدولة القديمة، خاصة مقبرتي بانحسي وحنسو عنخ، ولا يُستبعد أن يكون معبد المدينة، الذي لم يعد قائماً اليوم، مماثلاً في ضخامته وأهميته لمعبد الكرنك في الأقصر.

واليوم يبلغ  إجمالي مساحة حي المطرية وعين شمس  30.4 كم، وتتخطى الكثافة السكانية بهما مليون و200 ألف نسمة، بحسب الموقع الرسمي لمحافظة القاهرة، وهما من أقدم الأحياء الشعبية في العاصمة.

وقبل حوالي 4000 سنة، كان سنوسرت الأول فرعون مصر وحاكم البلاد، وفي العام الثالث من حكمه، أقام معبده الكبير للإله رع في مدينة أون، مركز عبادة إله الشمس في مصر، وعندما أتم ثلاثين عاماً على العرش، أقام أمام معبده مسلتين، لكن يبدو أنه لم يتخيل أن الزمن سيجري أو يجور على معبده ومسلتيه، فلم يتبق اليوم سوى مسلة واحدة تقف في نفس المكان الذي أقيمت فيه قبل آلاف السنين، وخلفها أطلال المعبد، أما المسلة الثانية فنقلت لمدينة نيويورك لتزيين أحد ميادينها، وموقع المعبد عانى لسنوات من الإهمال، ومر عليه وقت كان فيه مقلب للقمامة وبجواره موقف للمكروباص، والآن اسمه مزرعة الـ54 فداناً، وشيد عليه مشروع "أهالينا 4".

وسنوسرت الأول هو أحد ملوك الأسرة الـ12 (1956-1911 ق.م)، وحكم مصر لمدة 44 عاماً، والمسلة المتبقية التي أقامها احتفالاً بيوبيله الملكي، مصنوعة من الغرانيت الوردي المجلوب من محاجر أسوان، ويبلغ ارتفاعها 21 متراً، ووزنها 121 طناً، وكانت قمتها الهرمية الشكل مغطاة بصفائح لامعة من سبيكة الذهب، وعندما تسقط عليها أشعة الشمس تجعلها متوهجة، حتى سار اعتقاداً بأن المسلة هي مسكن إله الشمس ومركزه المقدس.

وفي شباط/ فبراير2018، حولت وزارة الآثار موقع مسلة سنوسرت الأول، إلى متحف مفتوح يضم عدداً من القطع الأثرية من نتاج أعمال الحفائر بالمنطقة.



إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard