شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
هل فعلاً هناك تمييز ضد المحجبات في مصر؟

هل فعلاً هناك تمييز ضد المحجبات في مصر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء نحن والحريات الشخصية

الثلاثاء 6 سبتمبر 202210:20 ص

انتشر قبل أيام تقرير لـ "بي بي سي" بعنوان "تسجيلات سرية تكشف تمييزاً ضد محجبات في مصر". تظهر في التقرير المصور فتاة تقول إنها أصبحت تخشى الخروج من المنزل والذهاب للمطاعم حتى لا تتعرض للمنع من الدخول. الأمر الذي يشعر المشاهد أن هناك اضطهاداً للمحجبات في مصر. والحقيقة أنه قد تُمنع المحجبات من دخول بعض الأماكن في مصر بنسبة لا تتعدى الــ 1% لكن لأسباب طبقية، لا علاقة لها بالحجاب ذاته، كزي ديني. والقول إن المحجبات يتعرضن للتمييز في مصر هو أمر يجانبه الصواب تماماً. فكيف يمكن أن يكون هناك تمييز ضد الأغلبية؟ وإن كان ذلك تمييزاً، فماذا نسمي إجبار الفتيات على ارتداء الحجاب في المدارس، أو حوادث قص شعرهن في المترو؟ 

الحقيقة إنه يمكن القول إن الحجاب في مصر إجباري، بضغط مجتمعي، وديني.

الضغط المجتمعي والمحاسبة تمتدان إلى شبكات التواصل الاجتماعي.  فمثلاً على تطبيق تيك توك، ظهرت فتاة تدعى "لي لي" تقول إنها تأسف لخلعها الحجاب. وتؤكد أن الحجاب فرض، لكنها ارتدته وهي طفلة. وتسأل المتابعين الدعاء. أما صانعة المحتوى على التطبيق ذاته ريما رهونجي، التي خلعت الحجاب قبل عامين، فتعرضت أيضاً للهجوم. وهو ما حدث لشقيقتها التوأم رشا، التي لحقتها مؤخراً في خلع الحجاب. ونالت نصيبها من هجوم المتابعين، الذين أخبروها أنها قدوة للفتيات، ولا يحق لها أن تخلع الحجاب. فيما اعتبر البعض أن خلعها للحجاب علامة على اقتراب الساعة.

الحقيقة إنه يمكن القول إن الحجاب في مصر إجباري، بضغط مجتمعي، وديني. وقد تتعرض من تخلعه للعنف والاعتداء، مثل الفتاة العشرينية المصرية رانيا رشوان، التي تعرضت للضرب والاعتداء من أهل قريتها بسبب خلعها للحجاب، "واتهموها" أيضاً بأنها قد تنصرت.

القول إن المحجبات يتعرضن للتمييز في مصر هو أمر يجانبه الصواب تماماً. فكيف يمكن أن يكون هناك تمييز ضد الأغلبية؟ وإن كان ذلك تمييزاً، فماذا نسمي إجبار الفتيات على ارتداء الحجاب في المدارس، أو حوادث قص شعرهن في المترو؟

تذكرني رشوان بطفولتي. كنت قد ولدت في قرية مثلها، في إحدى محافظات الدلتا. جميع فتيات المدرسة والقرية كن يرتدين الحجاب. فقد كان الحجاب جزءاً من الزي الرسمي للمدرسة. لذا، كان من الطبيعي أن أرتديه منذ التحاقي بالمدرسة الإعدادية.

لم أمتلك شجاعة رشوان برفضي للحجاب في صغري، فقد كانوا يخيفوننا بأن المرأة سوف تعلق من شعرهن في النار يوم القيامة.

في الحقيقة لم تكن الفكرة واردة من الأساس. كان الأمر أشبه باقتلاع عيني، أو أذني. كان الحجاب جزءاً من شكلي. لم أفكر أنني يمكن أن أخرج دونه أبداً.

كان الحجاب جزءاً من شكلي. لم أفكر أنني يمكن أن أخرج دونه أبداً.

ثم جاءت ثورة يناير/ كانون الثاني بنسائم الحرية، وأحدثت خلخلة لأفكارنا القديمة، لنعيد التفكير في المسلّمات، وفي ذواتنا. خلعت الحجاب، كان عمري وقتذاك 25 عاماً. وقد تركت القرية التي عشت بها 21 عاماً. وانتقلت لإحدى المحافظات. وكان خلعي الحجاب أشبه بقتل شخصيتي القديمة. أحسست حينها أنني أشبه شخصيتي الحقيقية. ربما كان ذلك أول قرار أتخذه بإرادة حرة. تمردت الكثير من الفتيات على الحجاب بعد الثورة، ربما يعد ذلك من أبرز التغيرات الاجتماعية التي أحدثتها "ثورة يناير". وانتشرت أيضاً حملات ضد الحجاب الإجباري في المدارس، مثل الحملة التي أطلقتها الحقوقية لمياء لطفي بسبب إجبار المدرسة ابنتيها ريم وندى على ارتداء الحجاب.

بالنسبة لأسرتي، فلم تمانع خلعي للحجاب. نظر إليّ أبي صامتاً، ولم تعلق أمي. إحدى جاراتي هي من تطوعت بسؤال: "لماذا خلعت الحجاب؟" أما زملاء الدراسة الجامعية فقاموا جميعاً بحذفي على فيسبوك، فيما أخبرني أحدهم بأنني مريضة. بالطبع، ليست مأساة أن يحذفني أحد على فيسبوك، وأعي جيداً امتياز أنني لم أتعرض للعنف أو الضرب أو الحبس وأحياناً للختان لأنني خلعت الحجاب، مثلما يحدث لكثيرات. ومع ذلك، ما زلت أشعر بأن سنوات عمري ضاعت في لا شيء.

لم أمتلك شجاعة رشوان برفضي للحجاب في صغري، فقد كانوا يخيفوننا بأن المرأة سوف تعلق من شعرهن في النار يوم القيامة

وكفتاة غير محجبة تعيش في الأقاليم لا تمتلك سيارة خاصة، لا يخلو الأمر من منغصات، بدءاً من النظرات الملاحقة لي، منذ نزولي من البيت، إذ تجعلني أحياناً أرتاب في نفسي، وأتفحص ملابسي. ربما أكون قد نسيت قطعة مهمة، هي ما تجعل الناس تتفحصني بهذا الشكل، وأحياناً ما أضطر للتشاجر مع سائق ميكروباص لأنه يبدي اعتراضاً على ما أرتديه مثلما حدث قبل ثلاثة أعوام عندما سألني أحد السائقين: "ايه اللي انتي عاملاه في نفسك ده؟" 

لا أعرف ما الذي فعلته في نفسي فأنا أرتدي ملابس طبيعية. وبعد مشادة كلامية بيني وبينه، هددته باستدعاء الشرطة، كان مصراً على أن "يضربني قلمين" اعتراضاً على شكلي، ثم تدخل الناس لفض الخلاف. وقاموا "بتخليصه" وطلبوا مني الرحيل. أحياناً، كل ما أريده هو ارتداء فستان فأضطر إلى السفر مدة تسع ساعات إلى سيناء، كي أرتدي فستاناً دون أن أثير اعتراض المارة في الشارع.

لا أعرف ما الذي فعلته في نفسي فأنا أرتدي ملابس طبيعية. وبعد مشادة كلامية بيني وبينه، هددته باستدعاء الشرطة، كان مصراً على أن "يضربني قلمين" اعتراضاً على شكلي، ثم تدخل الناس لفض الخلاف

 لم تنته السجالات حول الحجاب. وكل أبطالها من الذكور الذين يشغلهم الموضوع كثيراً غالباً ما تضعهم النساء فوق رؤوسهن. منذ أن كنت طفلة، أتذكر أنه كان جميع الشيوخ لا يتحدثون سوى عن الحجاب. وتفرد القنوات الدينية ساعات لمناقشة فريضة الحجاب، وتستضيف قناة "اقرأ" فنانات معتزلات يبكين طوال الوقت. في إحدى المرات، استضافت المذيعة المصرية بسمة وهبة مجموعة من الفنانات المعتزلات، والشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم كان يقول إن ليس له شأن بعلاقتهن بالله، لكنه يتحدث عن انتشار الحجاب كظاهرة عامة. ويقول: "بصراحة شميت ريحة جاية من الخليج" لكن لسخرية القدر أن ما حدث هو أن معظم هؤلاء الفنانات بالإضافة للمذيعة خلعن الحجاب فيما بعد. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard