شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"شعور الانتماء إلى لبنان صعبٌ على بعضنا"... قرنٌ من التمييز ضد اللبنانيين الأكراد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!
Read in English:

"The sense of belonging to Lebanon is hard" … A century of discrimination against Kurds

"عامَلَتنا الدولة اللبنانية كمواطنين من الدرجة الثانية، حتى بدا الشعور بالانتماء إلى لبنان صعباً على بعضنا. عانينا من التهميش، وواجهنا صعوبات في الحصول على أدنى مقومات الحياة، وفي مرحلة لاحقة صار يُنظر إلينا كأداة انتخابية حصراً، ففَقَد أولادنا الشعور بالانتماء وبعضهم سافر إلى مناطق قتالية وحمل سلاحاً للدفاع عن موطنهم الأصلي كردستان واستشهدوا هناك".

بهذه الكلمات تصف غزالة سعدو، وهي امرأة لبنانية كردية تبلغ من العمر 65 عاماً، حال أترابها من اللبنانيين الأكراد.

وُلدت غزالة في منطقة القامشلي في سوريا، بعدما قرر والداها اللذان يحملان الجنسية اللبنانية العودة إلى مسقط رأسهم. ولكن قبل أن تتم سنتها الأولى هناك، عادت أسرتها مجدداً إلى لبنان. تروي لرصيف22 أن جديها كانا يسكنان في منطقة برج حمود في لبنان في وقت سابق على ذلك: "كان جدي يملك عقاراً في منطقة كورنيش النهر، باعها وعاد إلى سوريا".

تحكي أن جدتها "شَعَرت بعدم الارتياح بسبب البعد عن أهلها وقتها"، فعادت كل الأسرة إلى سوريا، لكن لم تمر سبعة أشهر حتى غيّر الجميع رأيهم وعادوا إلى لبنان "هرباً من الفقر، واستقروا هنا منذ ذلك الوقت".

فوقية وتنميط

تصنّف غزالة نفسها من بين الذين "تأقلموا مع الحياة هنا (في بيروت)". تزوّجت ابن خالتها، وهو كردي أيضاً، وأنجبت منه ثلاثة أطفال: صبيين وفتاة. "أدى الشابان الخدمة العسكرية في الجيش اللبناني، شأنهما شأن أي شاب في تلك الفترة".

على الرغم من اعتقادها بأن كثيرين من الأكراد يشعرون بعدم الانتماء إلى لبنان إلا أنها نفسها لم يراودها نفس الشعور: "لم أشعر يوماً بعدم الانتماء إلى لبنان. منذ طفولتي كانت حياتنا سهلة، لا سيما أنّ أهلي هم من أوائل الحاصلين على الجنسية اللبنانية، وأنا حصلت عليها تلقائياً بعد ولادتي".

لكن شعورها بالانتماء لم يعنِ تخليها عن انتمائها القومي، بل إضافة عليه. تقول: "أصرّيت على أن أحافظ على عاداتي وتقاليدي، وعلّمت أولادي اللغة الكردية، وعادات الشعب الكردي، ومؤخراً انتسبتُ إلى جمعية نوروز منذ تأسيسها عام 2014 وشاركت في جميع نشاطاتها".

عن الحياة في فضاء غالبيته من اللبنانيين غير الأكراد، تشير إلى عدم مواجهتها هي وأسرتها مشاكل في علاقاتهم "مع جيراننا البيارتة"، "عموماً"، وتستدرك: "إلا أن الأمر لا يخلو بالطبع من بعض التنمر هنا والعزل الاجتماعي هناك ذلك أن بعض البيارتة يرفضون الزواج من الأكراد بسبب وصمات وتنميطات اجتماعية مثل أن أهل الفتاة الكردية يطلبون أموالاً طائلة للزواج من ابنتهم، على شكل مقدّم ومؤخر". لا تنفي وجود أساس لهذه الأفكار لكنها تضع هذه العادة في سياقاتها: "بالطبع كانت سائدة لدى كبار السن هكذا تصرفات بسبب عدم الإحساس بالأمان والانتماء والخوف الدائم من المجهول، وكان الأهل يرون في المهر المرتفع وسيلة لضمان حياة كريمة لبناتهم".

لبنانيون أكراد يرقصون في احتفال النوروز، في بلدة الدامور الساحلية.

في هذا السياق تشارك نائبة رئيس "رابطة نوروز الثقافية"، وهي جمعية معنية بالاهتمام بشؤون الأكراد في لبنان، حنان عثمان، بعض العبارات الأكثر تناقلاً والتي تحمل تمييزاً ضد الأكراد، مثل "لا تتناقش معه، عقله كردي"، وتشير إلى أن هذه الجملة انتشرت على ألسنة شعوب المنطقة، بما فيها الشعب اللبناني، لسنوات طويلة، والقصد منها الإشارة إلى انغلاق الكردي على نفسه وقلة انفتاحه.

أيضاً، تتابع، يُقال في بيروت "عم تستكردني" والمقصود أن شخصاً يستغل الآخر، ويُقصد منها أيضاً "هل تعتبرني غبياً؟"، وهي بطبيعة الحال "جملة فيها الكثير من التنمر على الأكراد".

حنان هي امرأة كردية من عائلة "فقيرة غير مدعومة"، بحسب وصفها، وابنة لوالدين نزحا إلى لبنان من منطقة ماردين الواقعة في القسم الكردي من تركيا، منذ أكثر من 50 عاماً، ووُلدت ودرست وعاشت في لبنان وتزوّجت من رجل كردي أيضاً.

منذ صغرها، اهتمّت بالشأن السياسي وتحديداً مسألة حقوق الأكراد في لبنان، وشاركت عام 2014 في تأسيس "رابطة نوروز الثقافية" بهدف الحفاظ على التراث الكردي، وتعليم اللغة الكردية للأجيال الجديدة، وعملت على تطوير إمكانات ومهارات المرأة الكردية، كما ترشّحت للانتخابات النيابية منطلقة من رغبتها في "تمثيل الأكراد وتحسين أوضاعهم ومساعدتهم لينالوا الحقوق التي يستحقونها"، ولكنها لم تحصد إلا عدداً قليلاً من الأصوات.

التنميط الذي طال الأكراد في لبنان "انعكس سلباً على تعامل الآخرين معهم تجارياً وثقافياً واجتماعياً"، تشرح عثمان لرصيف22، "فمن ناحية الزواج، تبتعد بعض العائلات البيروتية عن تزويج أولادها من كردي أو كردية، كما تفضّل الابتعاد عنهم في التعاملات التجارية".

"اختبرتُ العنصرية وعرفت معاناة التفرقة بين المواطنين الأصليين والـ‘مواطنين فئة ثانية’ منذ صغري... كتار بيقولولي إنتِ كردية يعني عقلك صعب حتى بيضربو المثل فينا ببعض المناطق وبيقولو ‘هيك الكردي وهيك الحيط’"

هذه ليست أموراً من الماضي. تلفت إلى أن "النظرة الدونية تجاه الأكراد لا تزال سائدة حتى الآن خصوصاً تجاه عديمي الجنسية الذين أصبحوا شأنهم شأن اللاجئين منذ سنوات". ويُضطرّ أبناء الفئة الأخيرة إلى "العمل في وظائف وأعمال قليلة، محدودة الدخل، وبالطبع يُستبعدون تماماً من وظائف الإدارات العامة".

بالرغم من أن معظم الأكراد حصلوا على الجنسية اللبنانية خلال مراحل عدة إلا أن شريحة واسعة منهم لا يزالون عديمي الجنسية، ولا يتمتعون بحقوق المواطن العادية.

تاريخ قديم وآخر حديث

"يتواجد الأكراد في لبنان منذ مئات السنوات. كانت مناطقهم دائماً تُعَدّ مناطق غير مستقرة، وكانوا يهربون من البطش الذي يطالهم إلى الجبال بحثاً عن الأمان والاستقرار، حتى سمّوا بشعوب الجبال"، بحسب عضو مجلس بلدية بيروت عدنان عميرات.

عميرات هو أول لبناني كردي يدخل مجلس بلدية بيروت، وهو أمر غريب في تمثيل فئة يقدّر البعض أنها تضم 25 ألف ناخب في العاصمة اللبنانية. يشير إلى أن النزوح الكردي إلى لبنان حصل على موجتين رئيسيتين: الأولى شملت إقطاعيين وأمراء وعشائر، كانوا يعيشون على تخوم الإمبراطوريات القديمة الحاكمة، اليونانية والفارسية والمصرية، ونزحوا بسبب النزاعات الدائمة في مناطقهم الأصلية، أو بهدف "الدفاع عن التخوم البحرية ومحاربة الممالك الصليبية"، و"استقروا في مناطق عدة من بينها تلك التي شكّلت لاحقاً لبنان الكبير". من هذه العائلات على سبيل المثال، "المراعبة والأمراء الأيوبيون والأمراء الجنبلاطيون وعشائر كبيرة كبني علم الدين وبني حمية"، و"هذه العائلات انصهرت وأصبحت عائلات لبنانية بحتة، لا تتكلّم اللغة الكردية، ولا صلة لأفرادها بأكراد سوريا والعراق إلا من خلال اتصالات وزيارات قيادية للتهنئة بأعياد قومية، كما يفعل آل جنبلاط".

أما موجة النزوح الثانية، يتابع عميرات، فهي حديثة، و"حصلت إثر الحرب العالمية الأولى وبعد انهيار الإمبراطورية العثمانية وتحوّلها إلى دولة علمانية باسم جمهورية تركيا الحديثة"، حين نزح أكراد كثيرون إلى سوريا ولبنان، تحديداً بعض المدن الاستراتيجية مثل بيروت وطرابلس، هرباً من الاضطرابات وبحثاً عن فرص حياة أفضل.

"تاريخ الأكراد غير المستقر ونزوحهم الدائم في الجبال الوعرة أثّر على طريقة حياتهم"، يضيف عميرات لرصيف22، فقد "كانوا يعتاشون من الزراعة بأساليب بدائية، وهو ما انعكس على نوع الأعمال التي مارسوها في لبنان، وهي أعمال لا تتطلب مهارات وكفاءات عالية وتحقّق مردوداً بسيطاً، كما عملوا في المصانع التي تحتاج إلى يد عاملة رخيصة، إضافة إلى التجارة المحدودة الانتشار".

معظم الأكراد القادمين إلى بيروت سكنوا في البداية "في أكواخ داخل أحياء متاخمة للمعامل هي عبارة عن أحزمة بؤس مثل حي الشرشبوك وغيره من أحياء منطقة الكرنتينا في شمال شرق بيروت، وكما باقي الأقليات آنذاك، وقعوا ضحية الرأسمالية وإهمال الدولة اللبنانية وتهميشها لهم، قبل أن ينتقلوا إلى مناطق أخرى".

أكراد وماردليين

أول الأكراد الذين وصلوا إلى لبنان بعيد الحرب العالمية الأولى أتوا بشكل أساسي من تركيا، هاربين من بطش الجنود الأتراك في بلد كان قد شهد تصاعد موجة قومية تركية متطرفة بعد انهيار السلطنة العثمانية. هؤلاء عُرفوا بـ"الكورمانج" نسبة إلى وصف يحيل إلى منطقة تواجدهم ضمن كردستان وإلى اللهجة التي يتحدثون بها.

وبجانب "الكورمانج"، هنالك "الماردليين"، وهي تسمية منسوبة إلى ماردين، المحافظة ذات الغالبية الكردية التي أتوا منها والواقعة جنوب شرق تركيا، على الحدود مع سوريا، والتسمية هي تحريف لوصفهم بالتركية بـ"ماردينلي".

لبنانيون أكراد يرقصون في احتفال النوروز، على شاطئ الروشة، في بيروت.

وتضم قرى محافظة ماردين أكراداً وقوميات أخرى. الأكراد هم من الكورمانج ويتحدّثون اللغة الكردية، والماردليون لقب بقي لمَن يتحدّثون العربية، "إلا أن الجميع حصلوا على نفس التسمية من قبل اللبنانيين، وهي تسمية الأكراد، لما لهم من تاريخ وعادات وثقافة موحّدة"، بحسب عميرات.

وفي تفسير لتصنيف العامة للجميع أكراداً في لبنان، تقول رواية إن العرب الماردليين كانوا يدّعون أنهم أكراد ليحظوا بنفس المعاملة المميزة التي حظي بها الكورمانج من سلطة الانتداب الفرنسي. كما كان أوائل الماردليين العرب الذين جاءوا إلى لبنان "يتحدّثون الكردية تأثراً بجيرانهم في منطقة ماردين"، كما يوضح لرصيف22 مصطفى فخرو، رئيس "رابطة الفكر العملي"، وهي جمعية تهدف إلى تشجيع التكافل الاجتماعي في بيروت ولبنان.

درب التجنيس الطويل

عندما وصل الأكراد إلى لبنان، في موجة النزوح الثانية، مُنحوا إفادات سكن من مخاتير البلدات التي سكنوها، كانوا يتنقلون بمساعدتها. وفي حين أن الأرمن الذين قدموا إلى لبنان في نفس الفترة تقريباً حصلوا على الجنسية اللبنانية، استُثني الأكراد من ذلك، "لأسباب عدة، أهمها أنّ لبنان مبني على التوازن الطائفي، إلى جانب أن فرنسا كانت تعوّل على الأرمن كقوة سياسية يمكن استخدامها في البرامج السياسية اللاحقة، خلافاً للأكراد الذين لم يلقوا غطاء سياسياً ودولياً مباشراً"، بحسب عميرات.

بعد فترة من وصول الأكراد والماردليين إلى لبنان، وافقت سلطة الانتداب الفرنسي على منحهم وثيقة إقامة صالحة لمدة خمس سنوات، على أن يتجنّسوا عندما تنتهي صلاحيتها، وظل معمولاً بذلك حتى جلاء الفرنسيين عن لبنان، عام 1943، يشرح عميرات. قلّة من الأكراد حصلوا على الجنسية بموجب هذه الإجراءات، خاصةً أن وثيقة الإقامة كانت تُمنح "بمقابل مادي لا تستطيع الكثير من العائلات توفيره".

بعد استقلال لبنان، تحوّل الأكراد غير المجنسين إلى "مجهولي هوية"، لا يحملون جنسية ولا أية أوراق ثبوتية، يقول عميرات، و"صاروا غير قادرين على الدخول إلى المدارس ولا الانتساب إلى الوظائف الحكومية".

"عامَلَتنا الدولة اللبنانية كمواطنين من الدرجة الثانية، حتى بدا الشعور بالانتماء إلى لبنان صعباً على بعضنا. عانينا من التهميش، وواجهنا صعوبات في الحصول على أدنى مقومات الحياة"

في مرحلة لاحقة، "فتحت الدولة اللبنانية الباب أمام عديمي الجنسية ليسجّلوا أسماءهم من أجل دراسة أوضاعهم، غير أن بعضهم امتنع بسبب مخاوف من أن يكون هدف السلطة من ذلك ترحيلهم إلى مناطق أخرى". مَن تسجّلوا دخلوا في قيود الدولة تحت مسمى "القيد المجدّد".

عام 1948، حصلت نكبة فلسطين، ولجأ العديد من الفلسطينيين إلى لبنان، ولأن غالبيتهم من الطائفة السنية، زادت صعوبة ملف تجنيس الأكراد، في بلد نظامه طائفي قائم على توازنات دقيقة وهواجس طائفية دائمة من العدد. "كان الأكراد يُهمَّشون بسبب عِرقهم داخل الديانة الإسلامية وبسبب ديانتهم على الصعيد اللبناني"، بحسب تعبير عميرات.

في النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي، تجنّس عدد قليل من الأكراد لا يتجاوز العشرين شخصاً بعد تسجيلهم في السجلات كمسيحيين، ولكن الأمر أثار حفيظة رجال الدين السنّة، ما دفع برئيس الوزراء وقتها سامي الصلح، عام 1956، إلى التحرك لإصدار مرسوم تجنيس ضم عدداً كبيراً من العائلات الكردية، ليسجّل بتحركه اسمه في الذاكرة التاريخية للأكراد كـ"سامي بابا".

أما البقية، وهم أكثرية الأكراد، فقد ظلت مسألة تجنيسهم خاضعة للأهواء السياسية. وفي الستينيات، تفعّل تطبيق المادة الأولى من قانون الجنسية اللبناني التي تنص على منح الجنسية لـ"كل شخص مولود في أراضي لبنان الكبير ولم يثبت أنه اكتسب بالبنوة عند الوالدة تابعية أجنبية"، ولـ"كل شخص يولد في أراضي لبنان الكبير من والدين مجهولين أو والدين مجهولي التابعية"، فاستفادت من الأمر بعض الأسر، إلى أن أوقف العمل بهذا الإجراء الإداري بسبب الخلافات الطائفية.

آخر المحطات كانت عام 1994، عندما صدر مرسوم تجنيس عشرات آلاف الأشخاص، كان من بينهم نحو عشرة آلاف كردي. وتقدّر بعض الأرقام أن 40% من الأكراد المقيمين في لبنان حالياً لا يمتلكون الجنسية اللبنانية.

الأكراد والأحزاب السياسية

"تعكس النظرة التنميطية التي يعاني منها الأكراد اجتماعياً طريقة دونية واستغلالية لطالما عبّرت عنها الأحزاب التقليدية في لبنان عموماً وفي بيروت تحديداً تجاه هذا الشعب. استغّلتهم هذه الأحزاب على مدى سنوات للحصول على أصواتهم الانتخابية، خصوصاً أنهم ثقل انتخابي"، تقول حنان عثمان.

"الزيارات السياسية إلى الأكراد وسماع مطالبهم تحصل قبل الانتخابات بأيام فقط"، تروي عثمان وتضيف أنه "إذا كان الشاب يريد الحصول على وظيفة عليه أن ينتظر المواسم الانتخابية حتى يطلب من المرشحين فعندها فقط قد يحصل على الفرصة الذهبية ويأخذ من حصة الطائفة السنية بعض الوظائف، أما الوعود الكبيرة فتُرمى بعد ساعات على صدور نتائج الانتخابات".

لم يصل إلى البرلمان اللبناني أي نائب كردي حتى الآن، ولم يدخل إلى مجلس بلدية بيروت إلا عضو واحد هو عدنان عميرات، كان في لائحة شكّلها تيار المستقبل، فيما عدد المرشحين لا يزال قليلاً جداً نسبة إلى عدد الناخبين المقدّر بـ25 ألفاً.

عثمان نفسها خاضت تجربة الترشح في انتخابات 2018 النيابية. عن كيفية تلقي البيارتة ترشيحها، تقول: "البعض قال لي: مَن أنت كي تحصلي على مقعد في بيروت؟"، وتعلّق: "كل حزب يهتم بأهله ويعتبر الكرسي من حقهم ولن يترك هؤلاء الكرسي السني البيروتي يذهب إلى كردية".

مما يعرقل تمثيل الأكراد السياسي أنهم لم يؤسسوا أحزاباً سياسية وازنة، و"عدم الحصول على الجنسية يعيق حركة الانتساب وتأسيس جمعيات أو الانخراط في أي نشاط حزبي"، بحسب عميرات.

وشهد لبنان تأسيس عدة أحزاب كردية لكن أي منها لم ينجح في جمع أكثر من قلة من الأكراد حوله وبقيت الغالبية تتحرك في فضاء الأحزاب السنية الفاعلة على مستوى بيروت، بوصفها جزءاً من نسيج البيارتة، وعلى رأس هذه الأحزاب تيار المستقبل في العقود الثلاثة الماضية، قبل تراجعه في السنوات الأخيرة. وهنالك عدد وازن من الأكراد ينتمي إلى جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية وآخر إلى الجماعة الإسلامية، عدا جزء آخر مقرّب من حزب الله وحركة أمل الشيعيين.

مسألة أخرى تعيق تشكيل الأكراد لحزب يستقطب غالبيتهم هو انقسامهم بين كورمانج وماردليين، "فالكورمانج يؤمنون بوحدة الأكراد على اختلاف توزعهم على المناطق التي أتوا منها، فيما يتمسّك الماردليون بالقومية العربية"، بحسب عميرات.

يقول رئيس الجمعية اللبنانية الكردية للخدمات الاجتماعية لقمان محّو لرصيف22: "بعد سنوات من التضحيات وتقدمة الشهداء من أجل هذا الوطن، نريد التمثيل السياسي لنقل مطالبنا، فمن حقنا وحق مَن يسكن على هذه الأرض أن يشارك في صنع القرارات".


بين الأكراد والأرمن

تحضر بين أكراد لبنان كثيراً المقارنة بين واقع الأكراد وواقع الأرمن. فالأرمن حصلوا جميعهم على الجنسية اللبنانية ولم يعانوا ما عاناه الأكراد، كما أنهم بوصفهم طائفة دينية، بحسب النظام اللبناني، حصلوا على تمثيل في مجلس النواب، بعكس الأكراد الذين لا يلحظ النظام الطائفي خصويتهم القومية ويصنّفهم سنّة.

يقول رئيس "رابطة نوروز الثقافية" جمال حسن لرصيف22: "على الرغم من أن الأكراد والأرمن نزحوا لنفس الأسباب، وهي البطش العسكري التركي بحقهم، فإن التفرقة في التعامل مع كل منهم كرّسها الانتداب الفرنسي".

ويضيف أن "السلطات الفرنسية قامت ببناء مدارس خاصة تدرّس اللغة الأرمنية، وتمكن الأرمن من بناء مجتمعهم الخاص ضمن النسيج اللبناني، وحافظوا على لغتهم وعلى ثقافتهم كما تمكنّوا من التعلم والحصول على وظائف عليا في الدولة، إلى جانب تخصيص جزء من الوظائف الحكومية لهم، وهو ما لم يحصل للأكراد الذين دُمجوا مع حصص الطائفة السنّية".

من جهة أخرى، يلفت حسن إلى وجود فرق واسع بين إمكانيات الأرمن والأكراد عند قدومهم إلى لبنان، ذلك أن "الأرمن أتوا مسلّحين بأعمال حِرَفية عالية، ومستوى تعليمي جيد وثقافة اقتصادية مرتفعة، واستطاعوا بذلك بناء نموذج خاص بهم قادر على اختراق مرافق الدولة كافة، وهذا ما لم يكن موجوداً لدى الأكراد الذين هاجروا من الجبال بقدرات بدائية".

لبنانيون أكراد يتظاهرون في ساحة الشهداء، في بيروت، في 17 أيلول/ سبتمبر 2017، دعماً لاستفتاء أكراد العراق حول الاستقلال.

بين الانتماء واللاانتماء

في مسألة شعور الأكراد بالانتماء إلى لبنان، يميّز جمال حسن بين المجنسين وغير المجنسين. ويقول: "المجنسون اندمجوا بعد فترة طويلة في المجتمع البيروتي وخرجت منهم قيادات دينية وسياسية... أما غير المجنسين فقد حافظ بعضهم على التراث والتقاليد الكردية بشكل أكبر، وأصبحوا أكثر انغلاقاً على ذاتهم بسبب عدم احتضانهم، ويعيشون ضمن جماعات وتجمعات سكانية محدّدة، والبعض الآخر خاف من الاندماج على أمل العودة إلى وطنه الأم، وهو أقل اندماجاً حتى الآن من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والتجارية وغيرها".

"كنت أخاف من المشاركة في تحركات للمطالبة بحقوقي كي لا يُقال لي: ‘شو خصك إنتِ’"، تحكي الشابة العشرينية المولودة من أم كردية لبنانية وأب كردي سوري فرح درويش، والتي لا تمتلك الجنسية اللبنانية لأن المرأة اللبنانية محرومة من حقها في منح جنسيتها لأولادها.

فرح وُلدت في لبنان وأقامت فيه طيلة حياتها، وهي ناشطة مهتمة بحقوق الفئات المهمشة والأقليات أمثالها. في طفولتها، كان أهلها يأخذونها إلى نشاطات لتتعرف على قوميتها ولتحافظ على تراثها، لكنها عندما شبّت لم تعد تشارك في نشاطات كردية خاصة، واتجه اهتمامها إلى المطالبة بحقوق الأكراد وحقوق المهمشين أمثالهم.

عام 2015، عندما اندلعت احتجاجات عُرفت بـ"حراك طلعت ريحتكم"، احتجاجاً على تراكم النفايات في شوارع بيروت وعجز الدولة عن معالجة الأزمة، رغبت فرح بالنزول إلى الشارع، لكنها لم تتجرأ خوفاً من الاعتقال. تقول لرصيف22: "إذا اعتقلوني، شو رح يعملو فيي وأنا منّي لبنانية وبشرتي سمرا؟". والسبب الآخر كان الخوف من التنمر الذي قد تواجهه في الشارع: "ممكن حدا يقلي ليش شو خصك إنتِ باللي عم بيصير بلبنان؟ مَنِّك لبنانية".

لكن عندما اندلعت "انتفاضة 17 تشرين"، في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، تغلّبت فرح على هاجس الخوف، وفي اليوم الثاني، "اكتشفتُ أن التحركات ستكون كبيرة، وشعرت بأن لي الحق في النزول وكوّنت مجموعة من الأجوبة للرد على السائلين حول علاقتي بالتحركات في الشارع".

تقول: "صرت حسّ إنو متلي متلكم وإذا ما معي جنسية بس عايشة معكم هالشي ما بيسحب مِنّي حق المطالبة بحقوقي". وتتابع: "لما نزلت عالشارع انصدمت من كمية الناس اللي كانت تجي تعبطني أو تحكيني أو تقلي ‘ونحنا كمان هيك ما معنا جنسية مع إنو إمنا لبنانية وعايشين هون من زمان’". للمرة الأولى، وجدت فرح مجتمعاً يحتضنها، يتكوّن من أقليات ولاجئين يعانون من الأوضاع نفسها.

انضمت فرح إلى نشاطات طلابية ومن ثم شاركت في تأسيس النادي العلماني في الجامعة اللبنانية الدولية، حيث تدرس العلاقات العامة. تقول: "انتقلتُ من مرحلة الخوف من التنمر الذي رافقني خلال حياتي إلى مرحلة التأسيس بهدف التأثير في البلد الذي أسكن فيه، لأحارب بذلك نظرة المجتمع لي، خصوصاً أنني اختبرت العنصرية وعرفت معاناة التفرقة بين المواطنين الأصليين والـ‘مواطنين فئة ثانية’ منذ صغري". وتتابع: "كتار بيقولولي إنتِ كردية يعني عقلك صعب حتى بيضربو المثل فينا ببعض المناطق وبيقولو ‘هيك الكردي وهيك الحيط’ (أي تشبيه عقل الأكراد بالجدار) للدلالة على العقلية الصعبة والانغلاق".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

الإعلام بوق السلطة

تهدف وسائل الإعلام المُحتَكرة من قبل الأحزاب السّياسيّة والميليشيات إلى مصادرة الإرادة الشعبيّة، والتعتيم على الحقوق، والاعتداء على الحريات، ونشر الفتنة وبثّ خطاب الكراهيّة.

حتى لا يكون اللاجئون/ ات، وأصحاب الهمم، والأقليات الدينية، ومجتمع الميم-عين وغيرهم/ نّ من مهمّشي المجتمع كبش فداء، ساهم/ ي معنا في إنتاج صحافةٍ أكثر استقلاليةً.

Website by WhiteBeard