شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هل الكوميديا المصرية في أزمة؟

هل الكوميديا المصرية في أزمة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 24 أغسطس 202203:45 م

على مدار السنوات العشر الأخيرة، أو ربما أكثر من ذلك بكثير، افتقدت صناعة السينما في مصر، التجديد، وزيادةً على ذلك لجأ البعض إلى النحت من الخارج، أو الاكتفاء والقناعة بعمل شديد التواضع يُعتمد فيه على أسماء لامعة تضمن الربح، أو وضع أحد عناصر جذب الجمهور والتي يبرع فيها إنتاج السبكي ببراعة. ولكن إذا فكرت تحديداً في صناعة الكوميديا، فستجد أنها انحدرت بشكل مريع أكثر من أي لون آخر، ولا أظن أن في الإمكان ذكر أي عمل فني في العقدين الأخيرين كأيقونة أو حتى كعمل ترغب في مشاهدته أكثر من مرة. وإنك لترى بسهولة، حين تهلّ الأعياد، كيف تكتسح أفلام القرن الماضي ومسرحياته قنوات التلفاز من دون أي حضور ملموس للسينما الحالية، باستثناء مطلع الألفية، ومن هنا تساءلت: أين تكمن الأزمة؟

الوعي العام بالكوميديا

في ظل تراجع الوعي الجمعي بالكثير من الأمور الفنية، أصبح الجمهور السينمائي أو المسرحي يبحث عن الضحك أياً كان شكله، وشكّلت موجة العروض المسرحية التجارية، على سبيل المثال، نمطاً يسود فيه الاعتقاد بأن الضحك الكثير يعني النجاح، فتلك التسلية تبعث الضحك بأي شكل ممكن مع إدراج بعض الأغنيات والحركات التي لا تتعدى كونها هزلاً خالصاً.

أصبح الجمهور السينمائي أو المسرحي يبحث عن الضحك أياً كان شكله، وشكّلت موجة العروض المسرحية التجارية، على سبيل المثال، نمطاً يسود فيه الاعتقاد بأن الضحك الكثير يعني النجاح

وإننا نجد هذا بوضوح على "مسرح" مصر في التجربة التي قام بها أشرف عبد الباقي مع بعض الشباب المغمورين وقتها، قبل سنوات عدة، وهي تجربة لا يمكن أن نعدّها مسرحاً، إذ لا بناء للشخصيات ولا فكرة واضحة، مع حوار بين بطلين لا يحفظان الحوار حيث لا حوار بالطبع، وينبع الضحك من "التريقة" على وجه الفنان ووزن الفنانة مع "إفيه" يستهدف واحداً من الجمهور ورقصة شعبية وما شابه ذلك.

ومع ذلك، حققت تلك الموجة نجاحاً لا يمكن إنكاره، أربطه بغياب الوعي العام بالكوميديا التي تختلف مدارسها، ولكنها تشترك في مفهوم التعقيد وكيفية حلّه في صراع بين طرفين، أو صراع مع الحياة. وإذا ما عدت إلى القرن الماضي، فستجد البنية الأصيلة للموقف وانتقاداً واضحاً للبنية الاجتماعية أو نزاعاً مع النفس البشرية، كما في مسرحية "عفرتو" أو "شاهد ما شافش حاجة". كان هناك احترام لعقل المشاهد حتى لو كانت الكوميديا تنبع من المأساة.

فقد هؤلاء النجوم بوصلتهم الكوميدية، وأصبحت نجاحاتهم السابقة تطاردهم كلما أصدروا فيلماً رديئاً.

استسهال أو قلة موهبة

بالانتقال من المسرح إلى السينما، لا يقل الوضع سوءاً، فبعد الموجة الشبابية الكوميدية في مطلع الألفية، والتي قادها نجوم شباب كعلاء ولي الدين رحمه الله، ومحمد هنيدي، وأحمد حلمي، ومحمد سعد، وهاني رمزي، وحققوا جميعهم نجاحاً ساحقاً، بدأ ذلك التوهج بالانطفاء.

لا شك في موهبة هؤلاء النجوم، وبراعة كل واحد فيهم بأسلوبه الخاص، مع وجود "ورق" قوي يسمح لهم بالإبداع، وهنا تدرك الأزمة الأولى إذ لا وجود لاسم لامع على الساحة في كتابة السيناريو، وتبدلت أحوال سيناريستات الألفية، فمنهم من لم يجد تيمةً جديدةً ملائمةً للعصر، ومنهم من ابتعد عن الصناعة لأسباب عدة.

لا يمكن وصم الجيل الحالي كله بانعدام الموهبة في الكتابة. صحيح أن بعضهم لا يملك أساسيات الحرفة، وبعضهم يصبح دخيلاً عليها، بالإضافة إلى أن نجوم الجيل الحالي إذا ما عددناهم كوميديانات، لا يقتربون من جودة جيل الألفية.

ويعكس هذا النتاج ضعفاً واضحاً على مستوى الكتابة التي يغلب عليها الاستسهال في خلق المشهد وحواره أو في شكل الشخصية، إذ يكفي أن تزرع للشخصية ذقناً أو تجعلها أسيرةً لطبع أو نمط من دون حبكة واضحة، مع أداء متواضع لنجم العمل. ويزداد الأمر سوءاً لو فشل المخرج في تطويع أدواته، فوقتها يكون المنتَج كوميديا رخيصةً وما أكثرها.

محاولة استنساخ الماضي

تلك الحالة العبثية التي صبّت لعنتها في مسارات الصناعة المختلفة، لم تخلُ من تيه أبطالها السابقين، لذا تجد أن أحمد حلمي يرنو إلى تصوير فيلم "كده رضا" (الجزء الثاني)، كما أقبل محمد هنيدي على فكرة إنتاج جزء ثانٍ من "صعيدي في الجامعة الأمريكية"، وغيرهما من الأفلام، إذ فقد هؤلاء النجوم بوصلتهم الكوميدية، وأصبحت نجاحاتهم السابقة تطاردهم كلما أصدروا فيلماً رديئاً. إذاً، فلنعد إلى الوراء، حيث النجاح مضمون لشغف الجمهور باستعادة النوستالجيا، ولرغبةٍ في معرفة القصة الجديدة.

تلك الحالة التجارية التي سيطرت على العالم كله، خصوصاً مع صعود المنصّات الرقمية، جعلت صنّاع العمل في ورطة، وأصبح الإقدام على أي فكرة جديدة أشبه بوضع رأسك في حبل المشقنة، لذا اكتفى الجميع بالأمان، حتى لو كلّفهم ذلك الاستنساخ من الماضي أو النحت من الخارج، وهو ما جعل تلك الأعمال على كثرتها في هوة أمام المشاهد الذي يتغير بشكل أسرع من المعتاد.

يمكننا أن نرى بوضوح النجاح الذي تحققه المحتويات الرقمية بأضعف الإمكانات، وكان أبرزها في الأشهر الأخيرة حلقات "نسر السين"، إذ قدّم أصحابه كوميديا حقيقةً تمس الجيل الحالي بمشكلاته وتطوره، وما زالت جُمل أبطاله مادةً للميمز والضحك 

وفّرت منصات التواصل الاجتماعي كوميديا بديلةً أكثر نجاحاً من أفلام تصنَّف على أنها كوميدية، وهو ما أدى إلى الاستعانة بهؤلاء الشباب، ومنهم محمود السيسي الذي شارك في مسلسل أكرم حسني "مكتوب عليا" في رمضان. ويمكننا أن نرى بوضوح النجاح الذي تحققه المحتويات الرقمية بأضعف الإمكانات، وكان أبرزها في الأشهر الأخيرة حلقات "نسر السين"، إذ قدّم أصحابه كوميديا حقيقةً تمس الجيل الحالي بمشكلاته وتطوره، وما زالت جُمل أبطاله مادةً للميمز والضحك إلى الآن.

لا بد أن يعترف الجميع بوجود أزمة، وبأن تلك المرحلة الانتقالية في تاريخ السينما والمسرح والتلفزيون، ما هي إلا كبوة جواد وستنزاح قريباً أو هكذا آمل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard