شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
تركيا والانضمام إلى

تركيا والانضمام إلى "بريكس"... طريق غير معبّدة لمحاولة النهوض بالاقتصاد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 17 أغسطس 202203:11 م

عانى الاقتصاد التركي من أزمات عدة، خلال السنوات الماضية، في ضوء صراعات إقليمية ودولية، دار جزء كبير منها على حدودها البرّية (في الشمال السوري)، أو على ما تراه أنقرة حدودها البحرية (ضمن ما يُعرف بالوطن الأزرق)، حيث وقعت اتفاقية ترسيم حدود بحرية مع ليبيا في عام 2019، ودعت القاهرة مراراً إلى توقيع اتفاقية مشابهة، لكن الأخيرة رفضت العرض التركي.

أدرك حزب العدالة والتنمية الحاكم، منذ وصوله إلى سدة الحكم في عام 2002، أن الاقتصاد محرّك أساسي ومهم للغاية للشارع التركي، الذي عانى بدوره من أزمات سياسية واقتصادية متلاحقة لأسباب عدة، منها الانقلابات العسكرية والاضطرابات في البلاد، لذا عمل منذ وصوله على دفع عجلة الاقتصاد، واعداً بجعله ضمن أقوى 10 اقتصادات في العالم، بالتوازي مع سياسة "صفر مشكلات"، التي اعتمدها الحزب كوسيلة لجذب الاستثمارات الخارجية وزيادة التأثير.

مع اندلاع ثورات الربيع العربي، وجدت أنقرة نفسها، بشكل ما، مضطرةً إلى الانخراط في الصراع الدائر على حدودها، وما تراه مناطق نفوذها أو تأثيرها، وهو ما أدى بشكل مباشر، ومع مرور السنوات، إلى تراجع ملحوظ لأداء الاقتصاد والليرة التركية.

منذ العام الماضي 2021، بدأت أنقرة بالعمل بشكل مختلف، وعادت إلى سياستها "صفر مشكلات" التي كان يتمسّك بها وزير الخارجية السابق داوود أوغلو

لكن، ومنذ العام الماضي 2021، بدأت أنقرة بالعمل بشكل مختلف، وعادت إلى سياستها "صفر مشكلات" التي كان يتمسّك بها وزير الخارجية السابق داوود أوغلو، الذي انفصل عن "العدالة والتنمية"، وأسس حزب "المستقبل"، وأعلنت كل من تركيا والإمارات (الخصم الإقليمي الأكبر إلى جانب السعودية)، الصلح، وتبادل زعماء البلدين الزيارات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الرياض، ولو بزخم أقل من أبو ظبي.

بوادر الانضمام

أحد أسباب الحراك التركي مؤخراً نحو تهدئة الأجواء، هي محاولة تحسين الاقتصاد قبل الانتخابات التركية الحاسمة صيف العام المقبل 2023، وهي الانتخابات التي تأتي في ذكرى مئوية الجمهورية التركية، وبحكم أن حزب العدالة والتنمية يدرك أهمية الاقتصاد في تحقيق هدفه والبقاء في سدة الحكم في تركيا والحفاظ على مكتسباته، فإنه يدرس كافة الخيارات ضمن عملية التحسين، بما في ذلك ربما الانضمام إلى مجموعة البريكس، وهو ما ألمحت إليه رئيسة المنتدى الدولي لدول المجموعة، بورنيما أناندا، في تصريحات صحافية في تموز/ يوليو الماضي.

وقالت أناندا، حينها، إن كلاً من الصين وروسيا والهند "ناقشت موضوع انضمام تركيا ومصر والسعودية إلى قوام المجموعة، وإن هذه الدول أبدت اهتمامها بالانضمام وتستعد لتقديم طلب العضوية".

وتأسست مجموعة بريكس الاقتصادية في روسيا عام 2009، وضمت البرازيل وروسيا والهند والصين وكانت تُسمى "بريك" قبل أن تنضم إليها جنوب إفريقيا في عام 2010، ليصبح اسمها "بريكس" نسبة إلى الأحرف الأولى للدول المنضوية فيها، معلنةً آنذاك عن تأسيس عالم ثنائي القطبية، لحصول الاقتصادات الناشئة على تمثيل أكبر عالمياً. ويتجاوز الناتج الإجمالي لدول البريكس، ناتج مجموعة السبعة الكبار، وفي العام الجاري راجت اقتراحات من قبل المنظمة بضم دول جديدة، منها تركيا والسعودية والأرجنتين والإمارات ونيجيريا ومصر.

وهذه ليست المرة الأولى التي تتحدث "البريكس" عن انضمام تركي محتمل، إذ نقلت وكالة "الأناضول" التركية، في عام 2018، عن سفير جنوب إفريقيا في تركيا حينها، باول إسحاق، قوله إن "الاقتصاد التركي أحد الاقتصاديات الناشئة التي تتمتع بإمكانات استثنائية، لذا نعتقد بإمكانيتها تحسين وضع مجموعة بريكس".

طريق غير معبّدة

لم تعد علاقات تركيا مع الغرب كما كانت طوال سنواتٍ خلت، بل تراجعت نتيجة خلافات عدة في ملفات تعدّها أنقرة تمس بأمنها القومي، سواء لجهة دعم الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية لتنظيمات تضعها أنقرة على لوائح الإرهاب، أم لوقوف القوى الغربية إلى جانب اليونان في الخلاف الحدودي المائي بين تركيا واليونان، وصولاً إلى إخراج تركيا من برنامج تصنيع طائرات أف-35، بعد شرائها منظومة صواريخ أس-400 الروسية الخاصة بالدفاع الجوي.

العلاقة المتأرجحة مع الغرب، دفعت تركيا إلى البحث عن توازن أكبر مع روسيا تحديداً، لكن الشريك الاقتصادي الأكبر لها هو الاتحاد الأوروبي، في حين يُعدّ الميزان التجاري مع الصين وروسيا خاسراً، وكلا الدولتين عضوتان في "بريكس"

هذه الملفات وغيرها، دفعت أنقرة إلى علاقات أكثر توازناً مع روسيا تحديداً، خاصةً مع اشتباك الطرفين في الملف السوري والليبي وفي أذربيجان وحربها مع أرمينيا، عدا عن دور تركيا في الوساطة بين موسكو وكييف، ونجاحها في جمع وزيري خارجية البلدين على طاولة واحدة، خلال مؤتمر أنطاليا الدبلوماسي، والمساهمة المباشرة في ملف سفن الحبوب الأوكرانية.

ويرى الصحافي التركي، مصطفى كمال أرديمول، في حديثه إلى رصيف22، أنه "في السنوات الأخيرة، أصبح من المتداول في الدوائر السياسية التركية ضرورة العضوية الكاملة في مجموعة بريكس، وبدأت تكتسب أهميةً أكبر نتيجة تطبيع العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية أيضاً مع روسيا".

ويضيف: "كانت العلاقات التركية-الروسية متوترة للغاية، وتحديداً بعد أزمة إسقاط تركيا للطائرة العسكرية الروسية في عام 2015، لكن أيضاً كان هناك توتر كبير بين تركيا والاتحاد الأوروبي منذ عام 2013".

ربما تندفع أنقرة وفق مراقبين للدخول ضمن مجموعة "بريكس" وذلك لسببين، الأول هو منفعة اقتصادية قد تحصل عليها أنقرة، والثاني هو الاقتراب أكثر من تحالف روسيا وإيران.

في المقابل، يرى الدكتور في الاقتصاد والمالية، مخلص الناظر، في حديث إلى رصيف22، أن دخول تركيا إلى مجموعة "بريكس"، يشكل خسارةً للاقتصاد التركي، إذ إن الشريك الاقتصادي الأكبر لتركيا هو الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية، في حين يُعدّ الميزان التجاري مع الصين وروسيا خاسراً، وكلا الدولتين عضوتان في "بريكس".

ويضيف: "حتى لو كان ضمن بريكس اتفاق تبادل بالعملات المحلية لتجنّب تأثير الدولار، ستستفيد روسيا والصين لا تركيا، لأنهما مصدّرتان أكثر من كونهما مستوردتين للبضائع التركية".

وسبق لوكالة "الأناضول" شبه الرسمية، أن ذكرت في تقرير في عام 2020، أن حجم التبادل التجاري بين تركيا والصين فاق الـ126 مليار دولار بين 2015 و2019، مشيرةً إلى أن الصادرات التركية إلى الصين بلغت 13 ملياراً و179 مليون دولار، ووارداتها 112 ملياراً و903 ملايين دولار أمريكي.

لكن في المقابل، ولأن لا شيء سلبياً بالمطلق، فإن الناظر يشير إلى أن الفائدة التي قد تجنيها تركيا هي إمكانية حصولها على حسومات خاصة بنفط الأورال والغاز الروسي، أو على القمح، كما هي حالة الهند التي تحصل على خصومات 25% على برميل النفط الروسي الواحد.

الصادرات التركية إلى الصين بلغت 13 ملياراً و179 مليون دولار، ووارداتها 112 ملياراً و903 ملايين دولار أمريكي

خطورة الـ"بريكس"

لكل فعل رد فعل، وستكون بالتأكيد هناك ردات فعل على خطوة تركية في اتجاه الانضمام إلى مجموعة "بريكس". وفي حين لا يتوقع الصحافي التركي، مصطفى كمال أرديمول، أن تسير بلاده في هذا الاتجاه، بالرغم من أنه يؤيد خطوةً كهذه بعدّ أنها تأتي بعكس سياسة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، يرى الناظر أن عملية الانضمام "خطوة مدمرة"، ولن تمشي تركيا في هذا الاتجاه.

ويبني الناظر رأيه على عاملين، الأول هو أن مجموعة "بريكس"، "تُعدّ تحالفاً مضاداً للقوى الغربية، وتالياً سيكون انضمام تركيا إليها أشبه بإحراق السفن، لذا لا أتوقع اتخاذ أنقرة خطوة قرار كهذا، على الأقل في الوقت الحالي. أما العامل الثاني، فهو أن الاقتصاد التركي "اقتصاد رأسمالي بحت قائم على الاقتصاد الكينزي، وتالياً الدولار الأمريكي له دور مباشر هنا، كما أن تركيا تعتمد بشكل كبير على الاستثمارات الأجنبية والأموال الساخنة".

ويعتمد اقتصاد كينيزي، الذي يُنسَب إلى الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز، على الاقتصاد المختلط للدول، أي تُمنح مساحات كبيرة للقطاع الخاص مع تدخل الدولة في بعض المجالات.

وفي هذا السياق، يقول النظار: "نرى حجم انكشاف البنوك التركية أمام نظيراتها الأوروبية، إذ إن الأولى عليها ديون بالمليارات للأخيرة، لذا فإن خطوةً كهذه ستزيد من مصاعب البنوك التركية، لأنه من الممكن للدول الغربية فرض عقوبات اقتصادية على تركيا، لأن من سيدخل في تكتّل كهذا يعني أنه سيكون طرفاً في فكّ العقوبات عن روسيا".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard