شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
رسالة إلى أصدقائي في سجون النظام السوري

رسالة إلى أصدقائي في سجون النظام السوري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن وحرية التعبير

الثلاثاء 16 أغسطس 202212:12 م

إلى صديقي عبد الهادي،

ها أنت تقف على أعتاب عامك الحادي عشر من العدم، واللاوجود. ربما تساءلت، مثل كل السوريين، بأي حقٍ تدخل كتيبة كلاب مسعورة بيتاً من بيوتنا، أو محلاً من محالنا، أو مدرسة من مدارسنا، لتخطف ابناً، أو أخاً، أو صديقاً، أو جاراً، أو قريباً، وتمحو ذكره وأثره إلى الأبد، وكأنه لم يكن؟ بأي قانون؟ بأي دين؟ بأي عرف؟ هذا إذا كان لدى تلك الكلاب أي فكرة عن القانون أو الدين أو الأعراف. 

عندما بلغنا الخبر في بداية عام 2012، لم نصدق ولم نستوعب. نعم، ارتبكت الحارة بالتأكيد، بل مُلئت بصدى خبر اعتقالك رعباً، فالدور قادم على باقي أصحابك. أصحابك الذين تراوح أعمارهم بين 15 و18. حينذاك، تساءلت: ماذا يقول ذلك المساعد أول لعناصره قبل المداهمة؟ استعدوا جيداً، سنعتقل طفلاً؟ هل الأطفال كما تبين لك بعد كل هذه السنين أكبرُ خطر على أمن الدولة؟ 

تساءلت: ماذا يقول ذلك المساعد أول لعناصره قبل المداهمة؟ استعدوا جيداً، سنعتقل طفلاً؟ هل الأطفال كما تبين لك بعد كل هذه السنين أكبرُ خطر على أمن الدولة؟

كنتَ مؤمناً بالثورة أكثر من كل الثوار. كنتَ تحبها كثيراً، كنت الثورة، ولا تزال. كان الحي لا يخلو من مظاهرة تقودها حنجرتك، يا لجبروتك! أتذكر عندما كنتَ تقول: "يا عرب خذلتونا، سكابا يا دموع العين سكابا، خالدية حنّا معاكي للموت؟" تلك ألحاننا الحزينة، أما زلت قادراً على الغناء؟

على فكرة، ريال مدريد فاز بدوري أبطال أوروبا خمس مرات في غيابك الطويل.

أتكلم معك، وكأنك معي، هنا، في منافي الله الواسعة، أو على سطح بيتك في الشيخ ابراهيم (حي شعبي على سفح جبل قاسيون)، نسرق الماء من خزان ذلك الجار، "أبو صوت بشع، عامل حالو منشد ديني، وهو أجهل الناس بهذا النوع". الجار الذي ثقب لنا كرتنا الجديدة، عرفته؟ نسرق ماءه، ونملأه في خزانات الناس كلها، بالعدل، ثم نفرغ (نبنشر) إطارات سيارته (الريو) البيضاء من الهواء. لكن، مهما انتقمنا، الكرة الجديدة، وتأمينها، همُّنا الكبير، مثلما كان همنا أيضاً، أنت وأنا تحديداً دون الكل، من ستنجح معه تسريحة لاعب الكرة الشهير كريستيانو رونالدو. أقرّ لك بالهزيمة، كنت أبدو كلاعب الكرة الإسباني ديفيد فيا، وكان رأسك ممتازاً لتسريحة رونالدو، وطولك أفضل بكثير. 

 أتذكر عندما كنتَ تقول: "يا عرب خذلتونا، سكابا يا دموع العين سكابا، خالدية حنّا معاكي للموت؟" تلك ألحاننا الحزينة، أما زلت قادراً على الغناء؟

على فكرة، ريال مدريد فاز بدوري أبطال أوروبا خمس مرات في غيابك الطويل. لا أريد من العالم شيئاً سوى أن تعيش فرحة العاشرة في 2014، كنت ستفرح وكأنك المدريدي الوحيد في المجرة. رونالدو ضاع جداً، رحل من مدريد إلى تورينو، أقصد اليوفي، وعاد إلى مانشستر. لقد اجتاز الخامسة والثلاثين، أنت كم عمرك؟ 

ماذا أخبرك عن الثورة؟ لقد صارت نسياً منسياً، مثلك، هزمت، وطعنت من الخلف كثيراً، لا الغوطة غوطة، ولا برزة برزة، ولا الهامة هامة، ولا جيش حر ولا معارضة ولا "بطيخ مبسمر. كلو راح، كلو ضاع، بدي احكيلك، بس الورقة ما عاد وسعت".

كنت أتأمل رؤيتك مع الذين خرجوا في عيد الفطر هذه السنة. لكن، للأسف، لا أنت خرجت، ولا غيرك خرج، ولا هم يحزنون. لقد ضربوا علينا الذلة. ربما كانوا أهلك ينتظرونك تحت جسر الرئيس، مع آلاف المنتظرين والمنتظرات وقتذاك. ربما تخيلوا لحظة لقائك. ربما سرحت والدتك بمأكولاتك المفضلة التي ستعدها لك حين تُرد إليها. وربما، وربما، لكن، لا تقلق، أنت ستعود، من يخبرني دائماً ذلك عندما أراه في نومي؟ 

ربما كانوا أهلك ينتظرونك تحت جسر الرئيس، مع آلاف المنتظرين والمنتظرات وقتذاك. ربما تخيلوا لحظة لقائك. ربما سرحت والدتك بمأكولاتك المفضلة التي ستعدها لك حين تُرد إليها

أنت حي، أنا متأكد، حتى لو قالوا إنك ميت، مثل بقية أصحابنا.

إذا رأيت أخاك أُبي، بفرع ما، أبلغه أني سأعطيه ثمن علبة "الجيتان" التي له عليّ، في ذمتي، فلا يحزن ولا يبتئس.

إذا رأيت قصي، أخبره أن فريق أي سي ميلان عاد. لقد فاز بالدوري الإيطالي هذه السنة، وسيعزف نشيد الشامبيونز في مسرحه المفضل (السان سييرو) مرة أخرى. 

إذا رأيت ابن المختار، أبلغه أن رغد تزوجت ولديها ابنتان، هو سيعرف من تكون رغد؟ "معلش".

إذا رأيت ابن المختار، أبلغه أن رغد تزوجت ولديها ابنتان، هو سيعرف من تكون رغد؟ "معلش"

إذا رأيت أبا فهد، وأخاه يوسف، قل لهما إن علبة الحمراء القديمة (تبغ وطني سوري عريق) أصبحت بألفي ليرة، أو أكثر، على ما أظن.

عناق وشوق كبير 

ودعوات بالحرية أكبر...

محمد

القاهرة 

آب/ أغسطس 2022


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

معيارنا الوحيد: الحقيقة

الاحتكام إلى المنطق الرجعيّ أو "الآمن"، هو جلّ ما تُريده وسائل الإعلام التقليدية. فمصلحتها تكمن في "لململة الفضيحة"، لتحصين قوى الأمر الواقع. هذا يُنافي الهدف الجوهريّ للصحافة والإعلام في تزويد الناس بالحقائق لاتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة.

وهنا يأتي دورنا في أن نولّد أفكاراً خلّاقةً ونقديّةً ووجهات نظرٍ متباينةً، تُمهّد لبناء مجتمعٍ تكون فيه الحقيقة المعيار الوحيد.

Website by WhiteBeard