شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
أسرار عائلية وعلاقات حميمة... معركة التسريبات الصوتية تستعر في تونس

أسرار عائلية وعلاقات حميمة... معركة التسريبات الصوتية تستعر في تونس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 9 أغسطس 202202:10 م

تسريباتٌ صوتيةٌ منسوبةٌ إلى مديرة الديوان الرئاسي السابقة نادية عكاشة، تداولها روّاد موقع فيسبوك في تونس، تطرقت فيها إلى الوضع الصحي للرئيس قيس سعيّد، وإلى أسرار في حياته الشخصية والأسرية، بعد أن كانت عكاشة تُعدّ "اليد اليمنى لسعيّد" منذ دخولها قصر قرطاج سنة 2019.

معركةٌ التسريبات لا تنتهي في تونس وقد تجاوزت كل الحدود ودخلت إلى الغرف المظلمة لحياة شخصيات سياسية وإعلامية وفنية معروفة وشعارها الغاية تبرر الوسيلة، وقد عدّها البعض طريقةً من طرق الكشف عن الفساد، فيما عدّها آخرون سلاحاً غير أخلاقي لدحر الخصوم والتخلص منهم.

من "بيت الرئيس"...

أعلنت عكاشة في تدوينة لها على فيسبوك، في 24 كانون الثاني/ يناير 2022، استقالتها "بسبب وجود خلافات جوهرية متعلقة بالمصلحة العليا للوطن"، وقد نفت ذلك المستشارة السابقة المكلفة بالإعلام والاتصال في رئاسة الجمهورية رشيدة النيفر، وأكدت أن سعيّد هو من أقال عكاشة التي تقيم حالياً في فرنسا.

وأوضحت النيفر، في تصريحات صحافية، أن الرئيس التونسي قرر إقالة عكاشة "بسبب اتخاذها قراراً بطرد أحد الأعوان المكلفين بتوزيع القهوة بعد رفضه طلبها بث الفتنة بين الأعوان والتجسس"، وفق تصريحها.

بنبرة تهكمية ساخرة، تطرقت التسريبات المنسوبة إلى عكاشة، إلى أسرار الحياة الشخصية للرئيس التونسي، فسخرت في أحدها من خطابات قيس سعيّد، وقالت إنه "يخشى نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو ما جعله يسارع إلى تقبيل كتفه خلال أول لقاء جمعهما في العاصمة باريس".

معركةٌ التسريبات لا تنتهي في تونس وقد تجاوزت كل الحدود ودخلت إلى الغرف المظلمة لحياة شخصيات سياسية وإعلامية وفنية معروفة وشعارها الغاية تبرر الوسيلة

عكاشة واصلت في تسريب آخر كشف تفاصيل غاية في الخطورة عن حياة قيس سعيّد، وتحدثت فيه عن "مرضه وعن حاجته إلى طبيب نفسي وعن رفضه الاعتراف بمرضه"، فيما تطرقت في تسريب صوتي ثالث إلى "توتر العلاقة بين سعيّد وزوجته القاضية إشراف شبيل، وإلى رغبته السابقة في الزواج من شقيقتها المحامية عاتكة شبيل، غير أن أهلها رفضوا واقترحوا عليه الزواج بزوجته الحالية، فقبل".

في هذا التسجيل، واصلت نادية عكاشة نبش أسرار حياة الرئيس الشديدة الخصوصية، وأضافت أن سعيّد "خصص غرفةً خاصةً لشقيقة زوجته في قصر قرطاج، وأن عاتكة لها تأثير كبير على الرئيس، وأن شقيقه نوفل سعيّد كشف هذا الأمر لصديقه في حركة النهضة محمد القوماني".

نبش الأسرار

ثم تنتقل التسريبات من عالم السياسة إلى دنيا الإعلام في تونس، مع الإعلامي المعروف سمير الوافي الذي كان تارةً ضحيةً لتسريبات صوتية، وطوراً متهماً وطرفاً فيها.

ففي كانون الثاني/ يناير 2021، تداول روّاد موقع فيسبوك مكالمةً هاتفيةً مسرَّبةً للإعلاميّيْن سمير الوافي وعلاء الشابي تتمحور حول الممثلة التونسية مريم بن مامي، إذ طلب الوافي من الشابي "مهاجمتها وفضح بعض الملفات عنها"، كما تضمّن التسجيل المسرّب ألفاظاً خادشةً للحياء ضد بن مامي.

وكان القضاء التونسي قد قضى يوم 7 حزيران/ يونيو 2022، بسجن الوافي والشابي 6 أشهر في قضية رفعتها ضدّهما مريم بن مامي، بتهمة الإساءة إلى الغير عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

من متّهم إلى ضحية

وكشف تسريبٌ صوتيٌ جديدٌ نشره المدوّن التونسي أسامة بن عرفة، أسراراً شديدة الخصوصية في حياة الإعلامي سمير الوافي من بينها "تفاصيل عملية مراودة فتاة ومحاولة استدعائها إلى شقّته وفشله في ذلك بعد اتهامها بمحاولة نصب فخ له بالإضافة إلى حديثه عن تعاطيه مادة الكوكايين بصورة غير مباشرة، بقوله "لقد تناولت منه سطريْن"، وفق التسريب المنسوب إلى الوافي.

الوافي سارع إلى الرد على هذه التسريبات، وأكد عبر صفحته على فيسبوك وجود شخص (لم يسمِّه)، "يقوم بتجنيد أعوانه لمحاولة تشويه سمعته لأن الوافي هاجمه في كتاباته ولم يكن من الفريق الإعلامي الذي يلمّع صورته".

ويُعدّ القانون التونسي واضحاً في هذه المسألة، إذ ينص الفصل 86 من مجلة الاتصالات على أنه "يعاقَب بالسجن لمدة تتراوح بين سنة واحدة وسنتين اثنتين بخطية مالية من 100 دينار (33 دولاراً)، إلى 1،000 دينار (333 دولاراً) كل من يتعمد الإساءة إلى الغير أو إزعاج راحتهم عبر الشبكات العمومية للاتصالات".

كشف تسريبٌ صوتيٌ جديدٌ نشره المدوّن التونسي أسامة بن عرفة، أسراراً شديدة الخصوصية في حياة الإعلامي سمير الوافي

كما ينص الفصل 222 من المجلة الجزائية (القانون الجنائي)، على "عقوبة تتراوح بين 6 أشهر و5 أعوام سجناً على كل من يتعمد تهديد غيره في العالم المادي أو الافتراضي"، بينما ينص كرّاس الشروط المنظم لشركات الاتصالات في تونس على "أن عمليات تسجيل المكالمات الهاتفية لا تتم إلا بإذن من الجهات القضائية ولفترة زمنية محددة".

أما في حالة قضية تسريبات مديرة الديوان الرئاسي السابقة نادية عكاشة، التي تعهدت بها الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب والجريمة الماسّة بسلامة التراب الوطني، فيواجه المتهمون في هذه القضية تهمة "التآمر على أمن الدولة"، طبقاً لأحكام الفصل 72 من المجلة الجزائية والتي تصل فيها العقوبة إلى الإعدام.

السرّ في التكنولوجيا؟

"لم تصل ظاهرة التسريبات في تونس إلى مستوى الحرب، ولا تنطبق عليها هذه التسمية، لأن الحرب تتطلب الفعل وردة الفعل، وفي تونس تغيب ردة الفعل في غالب الأحيان"، يقول الباحث في علم الاجتماع بشير النوري، لرصيف22.

ويرى أن التطور التكنولوجي وانتشار الإنترنت ساهما بشكل كبير في انتشار هذه الظاهرة بالإضافة إلى "طبع الناس الذي يميل نحو الرغبة في نشر الفضائح".

كما تحدث النوري عن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي سهلت عملية نشر التسريبات، "فتتحول العملية إلى فساد بكل سهولة وكل طرف يريد النشر والفضح والكتابة والتعليق".

من جانبه، يقدّم رئيس التحرير السابق للأخبار في التلفزيون التونسي الصحافي فطين حفصية، مفهومَين مختلفَين للتسريبات، الأول في الحالة الصحافية إذ ظلت فيها التسريبات مفهوماً فضفاضاً ومطاطياً يقترب أحياناً من الشائعة أو الأخبار المضللة أو الموجهة، "وفي المهنة هناك ضوابط وأخلاقيات ومعايير من المهم اعتمادها لوقف هذا التيار غير المهني"، يقول لرصيف22.

أما في الحالة غير الصحافية، فلا بد من ألا تمسّ التسريبات بأعراض أو هوية أو جنس أو لغة أو عرق الأشخاص، أو تتعدى على حرماتهم الجسدية وذواتهم العائلية أو تضعهم في موضع التهديد أو التصفية أو الانتقام أو الابتزاز، "وهنا لا بد ألاّ يغفل المشرّع عن كل ذلك بحكم تطور الأدوات التكنولوجية والاتصالية التي سهلت أكثر هذا المنحى"، يضيف .

خطورة هذه الممارسات تكمن في التعرض للحياة الشخصية للمسؤولين أو هتك أعراض بعض الشخصيات وهو "أمر غير أخلاقي الغرض منه تحطيم معنويات الخصوم والتشهير بهم"

أما الباحثة في الاتصال السياسي سمية بالرجب، فترى أن تسريب المعلومات السرية أو الرسمية يمكن أن يكون الغرض منه التشهير بالأشخاص أو فضح بعض الملفات لتصفية حسابات شخصية، لكنه أيضاً يُعدّ من بين الآليات التي يمكن أن تفضح الفساد وتؤدي إلى اكتشاف عيوب كثيرة في أداء المسؤولين والمؤسسات.

وتوضح بالرجب لرصيف22، أن خطورة هذه الممارسات تكمن في التعرض للحياة الشخصية للمسؤولين أو هتك أعراض بعض الشخصيات وهو "أمر غير أخلاقي الغرض منه تحطيم معنويات الخصوم والتشهير بهم".

وبين من يصنّف التسريبات في خانة الإبلاغ عن الفساد، أو في خانة الانتقام، يرى حفصية "بوجود خيط رفيع بين التسريبات التي هدفها الإبلاغ عن فساد أو فضح ممارسات غير قانونية أو لا إنسانية، وبين التسريبات التي تحمل بعداً غير أخلاقي أو انتقامي أو ما يوصف بتسريبات كسر العظام وتصفية الحسابات".

إطار سياسوي ضيق

برأي حفصية، فإن ما تعيشه تونس منذ سنوات يدخل في هاتين الخانتين، لكنه كان في معظمه "في إطار سياسوي ضيق لا مصلحة فيه نظرياً للشعب التونسي، وكل ما ورد في أغلب التسريبات فتحت فيه النيابة العمومية أبحاثاً ظلت سراباً، ومن بينها مضمون التسريبات المتعلقة بمديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة، وأحد أبرز أفراد الظل لرئيس الجمهورية قيس سعيّد طوال عامين" .

يضيف الصحافي لرصيف22، أن هذا الخيط الرفيع ظل في تونس رهين السياق السياسي أو الشخصي العام، "وتالياً عشنا ما يمكن تسميته بفوضى التسريبات التي ترتدي ثوب الحرية والحال أن المشرّع، أو النص القانوني، واضحٌ وموجودٌ" .

وحتى لا تتعدى ظاهرة التسريبات على حريات الآخرين وخصوصياتهم، يؤكد فطين حفصية، أن التسريبات هي سلاح يتوجب تعهده، "فإن كانت الغاية منها المصلحة العامة، فلا بد من تتبّع خيوطها وإدراك نتائجها عبر القنوات المهنية الصحافية مثلاً أو القضائية".

ويتابع: "وأما إن كانت أخلاقويةً شخصيةً، فلا بد من الضرب على يد من يقف وراءها، لأنها في النهاية لا تمس أحياناً شخصاً فقط وذاته المعنوية بل عائلته الضيقة والموسعة أو أحياناً منطقته المحلية والجهوية، وهذا عشناه أيضاً في تونس" .

بدورها، تقول الباحثة في الاتصال السياسي سمية بالرجب، إنه لا بد من "ألا تكون التسريبات معلومات مغرضةً ومضللةً وألا تتعرض للأمور الحميمة والأعراض بغرض الفتنة أو التشهير وأن تكون معلومات مؤيدةً بالوثائق والأدلة".

وتؤكد أن هذه المعلومات "يمكن أن تؤدي إلى انتحار بعض الأشخاص، أو موت بعضهم كمداً كما أنها يمكن أن تتسبب في جنون البعض ومرض البعض الآخر، خاصةً إذا كانت مسيئةً إلى سمعتهم وأعراضهم وحياتهم الشخصية، وإلى إفلاس أشخاص ودخول البعض إلى السجن أو مثول كثيرين بين يدي القضاء".

وترى بالرجب، أن استخدام هذه المعلومات في الحروب السياسية والشخصية ازداد كثيراً في السنوات الأخيرة في تونس، "وهو ما يعطينا فكرةً شاملةً عن التدهور الأخلاقي الذي وصلنا إليه مؤخراً، وهذه الظاهرة في استفحال متواصل للأسف"، تؤكد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard