شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
عن الجوائز والعزلة و

عن الجوائز والعزلة و"أدب المؤثرين"... إبراهيم عبدالمجيد: الاغتراب إقامة دائمة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن وحرية التعبير

الجمعة 5 أغسطس 202211:00 ص


"للكتابة قداستها وضرورة أن تظل في المعبد وحدك مع ما تكتبه حتى يُنشر"، كلمات عبر بها الكاتب المصري إبراهيم عبد المجيد عن طقوسه الخاصة في الكتابة، ليخرج منها حاملاً بين يديه قطعة فنية تمزج في نسيجها التاريخ، الفلسفة، الفن، والسينما، يجول بك خلالها بين الأماكن والأزمنة. ففي بيت الياسمين تسمع صوت العمال والطلبة في مظاهرات الإسكندرية في فترة السبعينيات، وفي الهروب من الذاكرة تعيش مع "لُبنى وسمير" على حساباتهما الشخصية على فيسبوك مغامرتهما في الصحراء الغربية بما تحويه من نباتات وحيوانات وطيور.

محطات كثيرة مر بها مشوار الروائي المصري، بين تعليم فني وآخر جامعي، ونشأة في الإسكندرية ونُضج أدبي في القاهرة، إضافة لتطورات في الكتابة تواكب العصر. فالكاتب السبعيني، كان الأول من بين مجايليه في اختبار التعاطي مع مفردات العالم الجديد في إبداعه، وما حملته مواقع التواصل الاجتماعي من إمكانيات وتهديدات كذلك انخذت طريقها إلى كتاباته. وكانت أحدث المحطات حصوله على جائزة النيل في الآداب عن مجمل أعماله.

عنها يقول الكاتب: "سعادة غامرة شملتني، لأنه اعتراف من بلدي بقيمة ما أنجزت، مالياً هي نفحة عابرة فالحياة في مصر لا تكفيها أيّ جوائز، لكن الأهم منها هو فرحة الناس من حولي بها، فرحة القراء الذين لا أعرفهم وهم حشود السعادة الحقيقية، فرحة أصدقائي من الكتّاب من كل الأجيال، لقد تجلت هذه الفرحة على الميديا بشكل عظيم، وكان فوزي في الآداب وفوز المخرج العظيم داوود عبد السيد في الفنون أحد أسباب التحية للجائزة نفسها من الجميع".

جعلت الليل دائماً للإبداع. فهو روح. والنهار للمقالات فهي عقل، في فترة الكورونا تشابه عليّ الليل والنهار، فضلاً عما أصابني من عدم القدرة على الحركة فصرت رهين محبسين

ويواصل: "ستندهشين حين أقول لك إن أول جائزة حصلت عليها وكنت في الثالثة والعشرين من عمري هي التي كانت أكبر دفعة في حياتي للثقة بنفسي والتقدم في الكتابة، كانت الجائزة الأولى على مستوى الجمهورية في مسابقة لنادي القصة في الإسكندرية، وكانت قيمتها ثلاثة جنيهات عام 1969 لكنها نُشرت علي صفحة كاملة في جريدة أخبار اليوم مع مقدمة لمحمود تيمور عنوانها ‘هذا قصاص موهوب’، بعدها كانت جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية عام 1996 في دورتها الأولى، أهميتها أني لم أتقدم لها لكن لجنة الجائزة هي التي اختارت روايتي (البلدة الأخرى) للفوز واقترانها بإسم نجيب محفوظ".

"كل الجوائز التي حصلت عليها بعد ذلك كانت الفائدة في قيمتها المالية لأبنائي، لكن للأسف أصابني المرض بعد آخر جائزتين كبيرتين، كتارا والشيخ زايد، أصابني لسنوات ولا زلت في فترة نقاهة بعد ثلاث عمليات جراحية صعبة في ظهري، الجائزة الأخيرة لها فرحة كبيرة لأنها أعلى جائزة مصرية وكل ما أتمناه أن تمر الأيام على خير".

 كثيرا ما تُثار الشكوك حول نزاهة الجوائز العربية فهل يؤثر ذلك على استقبالك للجائزة؟

كل الجوائز عليها ملاحظات، لكن الجوائز ليست اختباراً علمياً، هي تقدير نقدي وفني من لجنة التحكيم التي من الطبيعي أن يختلف أعضاؤها في تقييم العمل نفسه، جائزة النيل ليست عن عمل واحد لكنها عن مسيرة أدبية لذلك اعتبرتها تقديراً طبيعياً واعتبرها الجميع كذلك.

ذكرت في حديث سابق أن أدب نجيب محفوظ كان جاذباً للغرب للمجيء إلى مصر، فهل ترى أن ذلك من أدوار الأدب؟

 كثيرون زاروا مصر بعد أن كانت جائزة نوبل سبباً في ترجمة أدب نجيب محفوظ بشكل واسع، قرأوه مترجماً فعرفوا مصر بعيداً عن السياسة والإرهاب. لدينا حركة أدبية عظيمة، لكن ينقص مصر مشروع لترجمة الأدب العربي إلى لغات أخرى، الجامعة الأمريكية تترجم العمل الفائز بجائزة نجيب محفوظ كل سنة، جائزة ساويرس في الرواية قررت ترجمة العمل الفائز إلى لغة أجنبية، لدينا أعمال عظيمة تستحق الترجمة. لذلك من المهم جداً أن تخصص وزارة الثقافة أو الدولة ميزانية تكفي لترجمة عشرين كتاباً مثلاً للغات الأجنبية، هذا سيساعد كثيراً على معرفة كل أنحاء مصر ريفاً ومدناً.

مع انتشار ظاهرة البيست سيلر، وانجذاب المؤثرين Influencers لكتابة الرواية والشعر، هل ترى أن الحركة الأدبية تأثرت؟

للأسف إلى حد ما، لا أعرف ما هو الإغراء في كتابة الرواية ليدخلها كل شخص، كثيرون لا يعرفون شيئاً عن تاريخ الرواية والمدارس الأدبية والعلاقة بين شكل الرواية وموضوعها ويتصورون أنها حكايات، فضلاً عن ظواهر غريبة. فهناك تسليع للأدب على صفحات الفيسبوك بإنشاء صفحات مدفوعة الثمن لجمع اللايكات ويتصورون أن هكذا صارت رواياتهم مهمة، مناخ مُضحك.

غير السياسة، ما الأشياء التي يجب على الأديب أن يتحرر منها؟

الأدب تصوير فني، الأيديولوجيا يمكن أن تلح على الكاتب أن يقول آراء مباشرة، فيتحول العمل الفني إلى مقال، هذا هو معنى "ويل للأدب من سطوة الأيديولوجيا". الفن صورة تعبر عن الرأي أكثر من الرأي نفسه، الكاتب يجب أن يتحرر من أي تابوهات، لكن المهم كيف يكتبها فنياً.

تركت العمل السياسي وذكرت أنك كنت تُمزق ما تكتب في هذه الفترة. فكيف ترى كتابتك "في قطط العام الفائت، الهروب من الذاكرة، نفحات من العزلة" وغيرها؟ وما رأيك في الإبداع في الظرف السياسي الراهن؟

حين كنت مندمجاً في حزب شيوعي سري في السبعينيات، كنت أرى قصصي تتسرب إليها الآراء وليس التصوير الفني، فابتعدت عن السياسة إلى الخيال. تركت الحزب الذي كانت مناقشاته ضاغطة على روحي، هذا لا يعني أن القضايا السياسية بعيدة عن أعمالي، لكن المهم طريقة التعبير الفني عن ذلك.

هذه كلها روايات، باستثناء نفحات من العزلة لأنها تأملات كلها بها قضايا سياسية عن ثورة يناير وما جرى بعدها. لكن المهم طريقة الكتابة الفنية. الرواية للفن الروائي وليست خطباً ودعوات مباشرة.

لا توجد أزمة في دعم الأدب في العالم العربي، ولكن هناك أزمة في دعم الأدب المصري

"نفحات من العزلة" ضم اقتباسات نُشرت في رواياتك فيما اعتمدت على اختيارك لهذه الاقتباسات. ترى هل هذه الاقتباسات تلخص رسالة العمل؟

هي شذرات من التأمل كتبتها على فيسبوك وتويتر قبل الروايات الأخيرة وأثناء الكتابة، تسلل القليل جداً منها إلى رواياتي. هي لا تُلخص العمل، هي تُلخص مشاعر بعض الشخصيات فيما حولها من مواقف وأحداث، هم الذين يستدعونها في العمل الروائي. وباعتبارها تلخص مشاعر يمكن الإحساس بها أو لا. الصدق الفني في العمل هو الذي يجعل لها تأثيراً على القارئ وهو الذي يستدعيها، لكن في الكتاب المستقل الذي يحمل عنوانها، تلخص شعوري بهذا العالم.

وبالمناسبة لم أزل أنشر الجديد منها على الميديا (يعني السوشال ميديا)، ولا أعرف هل سيتسلل بعضها لروايات قادمة أم لا.

قرأت مئات المسرحيات، وكان مسرح العبث في قلب ما قرأت وهو أيضاً أحد تجليات الوجودية فلا أمل نهائي

بدت حالة الاغتراب عاملاً مشتركاً بين كثير من أبطالك: نادر من "الإسكندرية في غيمة"، مجدي في "الهروب من الذاكرة"، علي في "المسافات" وغيرهم. فلماذا تشعر بالاغتراب؟

حياتي في طفولتي كانت مليئة بالغرباء حولي، وكثير منهم كان يبحث عن أمل في الحياة. ثم جاءت دراستي للفلسفة فوجدت فلاسفة لا يقين لهم في هذا العالم، مثل اللا أدريين في الفلسفة اليونانية ومثل زينون الإيلي الذي لا يري مكاناً ولا زماناً ولا حركة في هذا العالم، وغيرهم كثير في تاريخ الفلسفة. من بين إنتاجات الفلسفة الحديثة توقفت عند الوجودية التي رأت الاغتراب هو الحياة، نحن نأتي إليها بلا إرادة ونتركها بلا إرادة، وبين الحياة والموت حياتنا يرسمها الآخرون أكثر منا، فالآخرون هم الجحيم، رغم أني قرأت فلسفات أخرى ترى التطور في العالم بالإرادة، لكني همت بفكرة الاغتراب وساعد عليها الغرباء من حولي.

هل دراستك للفلسفة كانت سبباً لظهور الرمزية في بعض أعمالك، مثل المظاهرة الضاحكة في "الهروب من الذاكرة" والاجتماع الصامت في مسلسل "بين شطين وميه"؟

 ليست رمزية، لكنها نوع من العبث الذي أحبه. لقد قرأت مئات المسرحيات، وكان مسرح العبث في قلب ما قرأت وهو أيضاً أحد تجليات الوجودية فلا أمل نهائي، لذلك جاءت هذه المشاهد وغيرها كثير، المهم أنها كانت متسقة مع الشخصية ومكانها وزمانها وليست مقحمة في النص، الصدق الفني هو المعيار.

في"استراحة بين الكتب" قدمت دليلاً لتقنية كتابة الرواية. هل رأيت أن ذلك أكثر فائدة من النقد؟

"استراحة بين الكتب" كتاب جمعت فيه بعض مقالاتي صنفتها بحيث يكون كل فصل لمقالات عن موضوع مختلف. مؤكد ما كتبته عن تقنية الرواية مفيد، لكنه لا يغني عن قراءة كتب النقد والنقاد، هناك كتب رائعة عن تاريخ المذاهب الأدبية أتمنى أن يقرأها كل من يدخل حقل الكتابة ليعرف أين يضع قدمه.

كانت وسائل التواصل الاجتماعي محوراً رئيساً في روايتك "في كل أسبوع يوم جمعة"، فكيف ترى تأثيرها على الأدب؟

مواقع التواصل صارت رافداً كبيراً في الحياة ومن ثم لا يمكن إغفالها. المهم أن يكون العمل الأدبي عملاً فنياً وليس مجرد نقل مباشر للمواقع. زمان كنا نعرف أدب الرسائل المرسلة في خطابات، يمكن جداً الآن أن تكون إيميلات مثلاً، رواية "في كل أسبوع يوم جمعة" كانت إجابة على سؤال سألته لنفسي وهو أني كتبت عن مدن وبلاد وصحارى والآن هناك مدن افتراضية في الفضاء. فلماذا لا أكتب عنها. من هنا جاءت الرواية.

جعلت الكتابة روتيناً يومياً كيف تعاملت مع ذلك في فترة كورونا وأثناء أزمتك الصحية؟

جعلت الليل دائماً للإبداع. فهو روح. والنهار للمقالات فهي عقل، في فترة الكورونا تشابه عليّ الليل والنهار، فضلاً عما أصابني من عدم القدرة على الحركة فصرت رهين محبسين: الكورونا والمرض، ومحبس ثالث مؤقت هو عدم وجود شبكات للإنترنت جيدة حيث أعيش، فجعلت الكتابة ملاذي حتى أني انتهيت من ثلاثية "الهروب من الذاكرة" في عام ونصف، ولولا الحبسة كانت استغرقت ثلاث سنوات مثلاً. جعلت الكتابة كالعادة عالمي الحقيقي. لكن هذه المرة لوقت أطول. فلم تعد الكتابة ساعات قليلة بالليل، بل شملت ساعات من النهار أيضاً.

كيف كانت علاقتك بالوسط الأدبي حينها؟

لم تكن أكثر من مكالمات تليفونية مع الأصدقاء، لم أستطع الخروج إلى المقاهي ولا حضور أيّ فاعليات، استفدت بالوقت في القراءة أيضاً وكتابة المقالات عن كثير من الكتب التي قرأتها.

ذكرت سابقاً أنك تشعر بالرضا عن النفس مع الكتابة. ماذا غيرت العُزلة الإجبارية في نظرتك؟ وبمَ تتسم كتاباتك في هذه الفترة؟

الكتابة كما أقول دائماً هي عالمي الحقيقي. ودائماً مع الكتابة أكون في حالة رضا مع النفس، فلم تغير فيّ العزلة شيئاً إلا أني كثيراً ما كنت اشتاق للرحيل عن الحياة. أما ما تتسم به كتاباتي فهو أمر متروك للنقاد والقراء وليس لي.

هل يفتقد الأدباء العرب الدعم؟ كيف يتحقق التسويق العالمي؟ وما المشروع الذي تأمل أن يتحقق؟

الأدب العربي لا يفتقد الدعم، دول عربية كثيرة تدعم الأدب بالجوائز ومشاريع الترجمة. الذي يفتقد للدعم هو الأدب المصري الذي يحتاج، كما قلت، إلى تبني مشروع من الدولة لترجمته إلى لغات أجنبية. الترجمة هي التسويق العالمي.

ماذا تركت فيك الإسكندرية؟ ومَن الصوت السكندري الذي يستقر في قلبك؟

تركت في ما كتبته، أما الصوت الإسكندري الذي يستقر في قلبي، فمن الحياة صوت المطر في الشتاء وصوت موج البحر الهادر الذي للأسف تم حجبه الآن بعد أن تم إخفاء الشواطئ خلف الكافتريات والجراجات والأسوار، أما من الفن فصوت سيد درويش ومن الشعر صوت قسطنطين كفافيس.

ما أكبر مخاوفك؟ وهل هنالك أحلام لم تُحققها بعد؟

أضحكتني، في هذا العمر، وبعد رحلة المرض الطويلة، لا أتمني إلا حسن الختام.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ذرّ الرماد في عيون الحقيقة

ليس نبأً جديداً أنّ معظم الأخبار التي تصلنا من كلّ حدبٍ وصوبٍ في عالمنا العربي، تشوبها نفحةٌ مُسيّسة، هدفها أن تعمينا عن الحقيقة المُجرّدة من المصالح. وهذا لأنّ مختلف وكالات الأنباء في منطقتنا، هي الذراع الأقوى في تضليلنا نحن الشعوب المنكوبة، ومصادرة إرادتنا وقرارنا في التغيير.

Website by WhiteBeard