شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
مسلسل

مسلسل "وش وضهر"... احتفاء تلفزيوني نادر بـ"الخطيئة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 5 أغسطس 202210:50 ص

على اقتباس واقعي للنقد الذي وجّهه اللص شريف المرجوشي (شعبان عبد الرحيم)، إلى الرواية التي كتبها المواطن سليم سيف الدين (خالد أبو النجا)، ضمن أحداث فيلم داود عبد السيد "مواطن ومخبر وحرامي"(2001)، معترضاً فيه على مصائر شخصيات الرواية التي لم تقدّم للقارئ أي "درس أو موعظة"، ومستنكراً أن صفية "اللي خانت جوزها الواد مرسي مع صاحبه"، لم يصِبها العمى ولا الشلل ولم تشعل النار في نفسها، ارتكز معظم "النقد الشعبي" الذي حفلت به مواقع التواصل الاجتماعي إزاء مسلسل "وش وضهر" للمخرجة مريم أبو عوف، مضافةً إليه تهمة "دس السم في العسل" التي انصبّت من قبل على أعمال تلفزيونية شابة سابقة، أبرزها مسلسل "سابع جار" (للمخرجات آيتن أمين ونادين خان وهبة يسري، 2017).

ربما كان "العسل" هنا هو إسناد بطولة "وش وضهر" إلى وجوه تلفزيونية محبوبة، تكاد تكون ذات سمت بريء.

ربما كان "العسل" هنا هو إسناد بطولة "وش وضهر" إلى وجوه تلفزيونية محبوبة، تكاد تكون ذات سمت بريء، مثل إياد نصار (في دور الطبيب المزيف جلال/ جمال)، وريهام عبد الغفور (الممرضة المزيفة ضحى)، وثراء جبيل (هبة)، وإسلام إبراهيم (المتألق في دور عبده وردة). وربما صبّت أجواء المسلسل المزيد من العسل عبر تصوير خارجي بارع وحميمي في أحد أبرز المزارات الدينية لدى المصريين (مسجد وضريح القطب الصوفي السيد البدوي في طنطا)، وربما أضافت القصة نفسها (سيناريو وحوار أحمد بدوي وشادي عبد الله/ ورشة سرد لمريم نعوم)، "عسلها" الخاص عبر مداعبة الخيال الأثير لدى كل الناس: حلم البدء من جديد في مكان لا يعرفنا فيه أحد، متفلتين من كل قيودنا والتزاماتنا، وبصحبتنا مبلغ مالي كبير يسمح لنا بتحقيق ما حلمنا به طوال حياتنا، باستثناء عقبة واحدة كبيرة، صنعت حبكة المسلسل وعقدته، وشكّلت مصير بطله الأساسي.

وعلى الرغم من أن الغضب الذي أبداه مشاهدون عديدون قد طال الكثير من عناصر قصة المسلسل، ليس انطلاقاً من مصير البطل الذي لم يكن بالقسوة المناسبة لأخطائه، ومروراً بالجدل الديني والاعتراضات السلفية على التبرك بأضرحة "الأولياء الصالحين"، فلا شك أن الغضب الأكبر قد توجه نحو علاقة عازف الأورغ و"دي جي" الأفراح "عبده وردة" بحبيبته الراقصة "هبة"، إذ لم يكتفِ المسلسل بعدم إظهار أي إدانة -أو حتى تبرير ميلودرامي- لظاهرة تحوّل "هبة" من عاملة بسيطة إلى راقصة شرقية (بل شاركتها البطلة ضحى الرقص في بعض الأوقات)، بل إن هبة قد وجدت الحب أيضاً، ولم تجد الحب فحسب، بل إنها لاقت نهايةً سعيدةً بالرغم من علاقتها "غير الشرعية"، وبالرغم من حملها وإجهاضها خارج إطار الزواج.

على الرغم من أن الغضب الذي أبداه مشاهدون عديدون قد طال الكثير من عناصر قصة المسلسل، فلا شك أن الغضب الأكبر قد توجه نحو علاقة عازف الأورغ و"دي جي" الأفراح "عبده وردة" بحبيبته الراقصة "هبة"

وعلى الرغم من أن "هبة"، كأي فتاة شرقية تسكن حياً شعبياً، ظلت تطالب حبيبها "عبده وردة" بالزواج، وبالرغم من أنه كان يتهرب منها، إلا أن السيناريو لم يجعل لهذا التهرب أسباباً "أخلاقيةً"، بل أسباباً مهنيةً تتعلق بطموح "عبده وردة"، الذي يمنح "هبة" -بعد كل شيء- نهايةً شديدة الرومانسية، والأهم من كل ذلك، أنه كان يحبها بصدق، بالرغم من مهنتها كراقصة، وهي المهنة التي قادها هو نفسه إلى ممارستها، وهكذا، وفقاً لنظر المجتمع، يظهر "السم" في تصرفات "عبده وردة" مرتين؛ مرةً لأنه لم يتخلَّ عن فتاته بعد أن عاشرها، ومرةً أخرى لأنه تزوجها وهي "الرقاصة". في المرتين يتصرف على عكس المنتظر منه كذكر شرقي كلاسيكي ينبغي أن يمارس "رجولته" من خلال "النذالة"، في سبيل خلق العقاب القدري المناسب للفتاة الجانحة.

كانت الأجواء الإخراجية، والإضاءة، والموسيقى التصويرية العذبة التي وضعها ساري هاني، وإعادة التوزيع الموفقة لبعض ألحان أغنيات وردة، وقدرة مريم أبو عوف على خلق الحميمية بين صخب بعض أفراح الشارع بل وحشيتها، هي ما منح قصة "الحب الخاطئ" بين عبده وهبة أجواءها الرومانسية

غير أن وقائع السيناريو ليست إلا الوجه المباشر لذلك التعاطف الدرامي التلفزيوني النادر مع "الخطيئة"، فثمة وجه آخر غير مباشر، وجه خاطب اللا شعور، مما ساهم -ربما- في خلق رد الفعل الغاضب. فبعيداً عن الأحداث والوقائع، كانت الأجواء الإخراجية، والإضاءة، والموسيقى التصويرية العذبة التي وضعها ساري هاني، وإعادة التوزيع الموفقة لبعض ألحان أغنيات وردة، وقدرة مريم أبو عوف على خلق الحميمية بين صخب بعض أفراح الشارع بل وحشيتها، هي ما منح قصة "الحب الخاطئ" بين عبده وهبة أجواءها الرومانسية. لقد وجد المشاهد التقليدي نفسه يقع بالتدريج في حب هذين المخطئين، ومن هنا انتفض غضباً، متخيلاً أنه أحس على طرف لسانه بالسّم مدسوساً في العسل.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard