شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
كل ما يريده المثليون/ ات جنسياً أن تتركوهم/ نّ وشأنهم/ نّ

كل ما يريده المثليون/ ات جنسياً أن تتركوهم/ نّ وشأنهم/ نّ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والميم-عين

الخميس 28 يوليو 202202:28 م

"نحن الأصل، وكل ما دون الفطرة شاذ، نعلن رفضنا القاطع لكل الانحرافات البشرية، وإذا كان لهم حرية ممارسة الفعل، فنحن لدينا مطلق الحرية في رفض الفعل".

ما سبق، جزء من بيان لحملة "فطرة" التي انتشرت في الأسابيع الماضية على منصات التواصل الاجتماعي، واتخذت اللونين الزهري والأزرق التركوازي، شعاراً لها. يدّعي القائمون عليها، أنهم يدافعون عن الفطرة الإنسانية المتمثلة في العلاقة الوحيدة الطبيعية بين الذكر والأنثى. 

الآن، ضع تلك الفقرة، إلى جانب أخبار اضطهاد المثليين/ ات وأصحاب الميول الجنسية المختلفة. هنا تستطيع أن ترى أركان الجريمة كاملةً (التهديد والجريمة ومبرر الجريمة). 

بدايةً... سنعطيك خياراً واحداً

الفطرة، بشكل مجرّد، تعني الموجود من دون أن يتدخل فيه أحد، لكن بما أن القائمين على الحملة يرون أن الله حصرها وقولبها في إطار واحد، وهو العلاقة بين الرجل والمرأة، وانطلاقاً من المنطق نفسه، هل هذا يعني أن هناك إلهاً آخر هو الذي فطر أصحاب الميول الجنسية المختلفة، خاصةً أولئك الذين وُلدوا هكذا؟ وفقاً للعلم، الجينات مسؤولة عن نحو 25% منها.

الفطرة، بشكل مجرّد، تعني الموجود من دون أن يتدخل فيه أحد، لكن بما أن القائمين على الحملة يرون أن الله حصرها وقولبها في إطار واحد، وهو العلاقة بين الرجل والمرأة، وانطلاقاً من المنطق نفسه، هل هذا يعني أن هناك إلهاً آخر هو الذي فطر أصحاب الميول الجنسية المختلفة

وبما أن المختلف عن تلك الفطرة، وفقاً لتصورهم، هو شخص منحرف، يتوجب عليهم منعه، والمنع هنا قد يأخذ أشكالاً وطرقاً مختلفةً، كالقتل مباشرةً كما قتلوا الشاب الإيراني، علي رضا، ذبحاً بسبب مثليته، أو يدفعون المرء نحو الانتحار، جراء الاعتقال والإهانات والنبذ، كما فعلوا مع الراحلة سارة حجازي. 

وإذ يقولون لكم/ نّ، طالما من حقكم/ نّ، حرية ممارسة الفعل، فمن حقنا أيضاً أن نعترض، فإنهم يقولون بطريقة أخرى، ما نمارسه ضدكم/ نّ من انتهاكات هو حقنا الأساسي، وبما أن الميول المختلفة مُجرّمة دينياً، ومُجرّمة قانونياً بنص المادة رقم 10 لسنة 1961، فإن أصحاب تلك الحملة وأتباعهم، يعتقدون في مخيلتهم، أن فكرتهم الدنيئة، لديها مشروعيتها الدينية والقانونية.

بوقاحة يعكسون الآية

إن مبرر انطلاق الحملة كان غريباً، فقد جاء في نص البيان غير المتماسك: "إننا أصبحنا في زمن نتحرج فيه من إظهار مشاهد إنسانية تجسد العاطفة بين أبناء الجنس ذاته، وأصبحت النتيجة أن التلامس الإنساني من احتضان وإمساك بالأيدي بين الأصدقاء، فعل مشبوه". 

يا لها من معاناة. قد يقتلك لأنه بات يتحرج من مصافحة صديق أو عناقه "حتى لا يفهمهم الناس غلطاً".

الأمر أشبه بأن أضربك بورقة، ثم ترد لي الضربة بسكين. لكن المثليين/ ات وأصحاب الميول المختلفة، لم يضربوك حتى بورقة، ولم يدعوك حتى لأن تصبح مثلهم. كل ما يريدونه هو أن تتركهم وشأنهم، ومع ذلك، فإنك ما زلت تطاردهم، مدّعياً أنك الضحية. 

لا بأس ببضع كذبات 

يقولون لك انظر، العالم مع قضيتنا، والدليل أن فرقة الراب الأميركية City Girls، اختارت اللونين "البينك والتركواز"، لونين أساسيين في أغنيتهم الأخيرة، تضامناً مع الحملة، لكن بمراجعة الأمر، لن تجد أي تصريح يفيد بذلك، وستكتشف أن الأغنية أُعلن عنها قبل انطلاق الحملة بفترة، وباللونين المُشار إليهما. 

وحتى لو افترضنا أن الفرقة الموسيقية أعلنت تضامنها مع الحملة وفكرتها، فإنهم أو غيرهم في بلادهم لن يجرؤوا على منع المختلفين/ ات عنهم/ نّ، وسوف يتوقف الأمر عند إعلان عدم قبولهم بذلك، ولن يبادروا بـ"من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده"، إذ تطالهم العقوبات حتماً إن فعلوا، وحتى لو أرادوا تغيير ذلك أو منعه، بـ"لسانه، وذلك أضعف الإيمان"، فلن يستطيعوا لأنه يندرج تحت بند الاعتداء اللفظي.

وقد يقولون لك انظر، إحدى محطات المترو في اليابان أعلنت تضامنها مع الحملة، إذ اتخذت إحدى المحطات، لوني الحملة كشعار للافتاتها، ثم تكتشف أن الصورة قديمة، وأن لا علاقة لها بالحملة.

https://lh3.googleusercontent.com/Rk-GHYGwTbVh791HSTjVVxCKncF8rFr1SrgNNYcmmbi8WhCvxoyCejFN_MRcFCKLTQA7ZD_4sR9azoxj75Q4ZDcbWRWSgEt9Frvel-CqjNepaEuIjoaYomCbDB0U--BZxqCPgBf9_ZHeRWJGT84

ولا بأس أيضاً ببعض المغالطات، كأن يقولوا "كيف تريدنا أن نتقبل الميول الجنسية المختلفة؟ إذا أعطيتك كوبين من الماء، أحدهما من صنبور في الحمام، والآخر من صنبور في المطبخ، لماذا تقبل أن تشرب من الكوب الثاني وترفض الأول، بالرغم من أن الاثنين يحتويان على ماء".

هنا ينفجر المنطق ضاحكاً، فهذه مغالطة تُسمّى مغالطة "التكافؤ الكاذب"، أو "المقارنة الخطأ"، وهي أن أقوم بمقارنة بين شيئين أو حدثين توجد بينهما مماثلة جزئية أو تشابه سطحي يسمح بالمقارنة، في تبسيط مخل، متجاهلاً العوامل الإضافية. الأمر أشبه بأن أقول: "وجهك يا عمرو طويل، ووجه الكلب أيضاً طويل، إذاً فأنت يا عمرو كلب". 

وبالإضافة إلى ذلك، يمارسون التمييز. لاحظ أن كل الصور والرسومات التي تستخدمها الحملة، هي لفتيات محجبات أو منقّبات. هذا وإن دل على شيء، فإنما يدل على أن هناك تمييزاً ضمنياً ضد غير المحجبات

والواقع أن وجه عمرو الطويل لا علاقة له بوجه الكلب الطويل، وأيضاً الماء لا علاقة له بالحب بين أصحاب الميول المختلفة أو العلاقات المغايرة.

وكما ألهمتهم الذبابة التي تحوم حول الحلوى المكشوفة، بفكرة حتمية الحجاب ووجوب فرضه بالقوة، فإن "مقبس الكهرباء" يعطيهم دليلاً على أن العلاقة لا تجوز سوى بين الذكر والأنثى، أما العلاقة بين نفس الجنسين لا تجوز، بحسب رأيهم.

https://lh3.googleusercontent.com/ls7e3LvtWSk2YJEjkxrBJIXuNCevtfiVrmuNtE-8AwlXHS7kGdG_xEAhzXNAzn3ufTXAO684euXxW2Ur5OI_c8o88xsm97YHBZfYvyAJ0gs5noghi68t1wW3oiOvzbjYkX1XQzrxZZvb5Xi5fTw

 

وبالإضافة إلى ذلك، يمارسون التمييز. لاحظ أن كل الصور والرسومات التي تستخدمها الحملة، هي لفتيات محجبات أو منقّبات. هذا وإن دل على شيء، فإنما يدل على أن هناك تمييزاً ضمنياً ضد غير المحجبات.

https://lh4.googleusercontent.com/m7pkaLTyvQF6-195f3hzIVnpQIwLPydC2AfDDgoYVaNnNexu2pjSd0soK8XTZs_X13cXiJgCv1mbkq6PApx_ymMQ16GmO3ZWtEXXqR2WuX8HXRIdSVB4u-F4c5kZ2c6eaWVbA8VQ38JD0drWWvs

ثم يقولون: انظر فطرة أرعبتهم

بعض مواقع التواصل الاجتماعي تنبهت إلى أن محتوى الحملة تحريضي، ويدعو إلى العنف، فُحذفت صفحتهم الرئيسية على فيسبوك وإنستغرام، لكن هؤلاء مقتنعون بأن الناس في "وادي السيليكون" يرفضون الفطرة التي تتحدث عنها الحملة والتي فطر الله الناس عليها.

الأمر لا يتعلق بالفطرة أو بغيرها، الأمر يتعلق برفض المختلف عنهم، ومحاولتهم حماية حقهم في اضطهاد هؤلاء المختلفين/ ات، سواء كانوا مثليين/ ات أو أي إنسان مختلف عنهم

غريب أمر هؤلاء الذين هم في "وادي السيليكون"، وغريب منطقهم. بحسب أتباع حملة فطرة: "كيف لا يتركونهم يمارسون حقهم في التحريض والنبذ واضطهاد المختلفين عنهم؟"، و"كيف لا يعترفون بأن الله خلق نوعين فقط، ذكر وأنثى، وأن العلاقة بينهما، هي العلاقة الوحيدة السوية"؟ 

https://lh6.googleusercontent.com/LDE_NToPsZOhlxUrikdHERCPOTh3vyKbuW7miH21ckiG6_n3MkyVPkZQ_Q5JsNX6hkbra07toJ2KNhvE47Bts12TaH_ZOzOV5MsPvMCmH2o9nMrymzWe27TaWjfWniBpTxZr_-e_NISyWcXfCJk

في النهاية، يدّعي هؤلاء أنهم لا ينتمون إلى فصيل معيّن أو جهة ما أو كيان محدد، وأنهم مجموعة من الأشخاص الذين اختصهم الله بـ"الفطرة السوية"، ويؤلمهم ما يرونه من ميول وتوجهات جنسية مختلفة مخالفة لفطرة الله التي فطر الناس عليها، لكن حتى لو تماهيت معهم في كذبتهم، وقلت لهم: "نعم، أنتم على حق، وأنا عن نفسي مكتفٍ بعلاقتي مع صديقتي"، فلن تنتهي منهم، وسوف يظهرون لك على هيئة مجموعة من الوصايا الجديدة، التي إن خالفتها، طالك ما يطال أصحاب التوجهات الجنسية المختلفة. 

هؤلاء هم جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن ادّعوا غير ذلك. الأمر لا يتعلق بالفطرة أو بغيرها، الأمر يتعلق برفض المختلف عنهم، ومحاولتهم حماية حقهم في اضطهاد هؤلاء المختلفين/ ات، سواء كانوا مثليين/ ات أو أي إنسان مختلف عنهم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

المجاهرة العنيدة بأفكارنا

ظننا يوماً أنّ تشبثنا بآرائنا في وجه كلّ من ينبذنا، هو الطريق الأقوم لطرد شبح الخوف من الاختلاف.

لكن سرعان ما اتّضح لنا أنّ الصراخ بأعلى صوتٍ قد يبني حواجز بيننا وبين الآخرين، وبتنا نعي أنّ الظفر بالنجاح في أيّ نقاشٍ والسموّ في الحوار، لا يتحقّقان إلا بفهمٍ عميق للناس الذين ينفرون منّا، وملاقاتهم حيث هم الآن.

Website by WhiteBeard