شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
التبضّع عبر الإنترنت: مقاسات غير عنصرية وظروف عمل غير إنسانية

التبضّع عبر الإنترنت: مقاسات غير عنصرية وظروف عمل غير إنسانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 18 يوليو 202206:33 م

ثمة تغيير كبير في كلاسيكيات التسوّق أحدثته مواقع الشراء عبر الإنترنت، هذه المواقع اكتسبت ثقة الجمهور بعد جهد كبير، إذ إن فكرة الشراء عبر الإنترنت كانت لفترة طويلة أشبه بمغامرة غير معروفة النتائج، لكن تجارب الزبائن الإيجابية أولاً، وتوفير الوقت الضائع في التسوق من المحال التجارية مقابل الوقت المستثمر في تصفّح أسواق العالم ثانياً، وأخيراً ظروف الحجر العالمي في كورونا، كل هذا وضعنا جميعاً أمام مقارنة لا بد منها بين التبضع التقليدي والشراء عبر الإنترنت.

العالم بين يديك

جاءت تجربتي في الشراء عبر الإنترنت متأخرة بالمقارنة مع الكثيرين حولي، إذ بقيت وقتاً في حالة التردد من إنفاق أموالي في أماكن غير موثوق بها بالنسبة لي، بعد سنوات طويلة من الدخول في غرف القياس الضيّقة، واختبار ملابس تحمل رائحة زبائن جربوّها قبلي، والخروج بخفي حنين بسبب عدم الحصول على القطعة التي أرغب بها.

تعمّقت حاجتي للعثور على بديل عن الأسواق التقليدية حين أنجبت طفلتي في فترة كورونا والحجر الصحي، احتجت ثياباً جديدة لها كل شهر، مما جعل شراء الملابس عبر الإنترنت حلاً مثالياً.

أسواق أزياء تركية، وأخرى صينية، أو فيتنامية تنشر تصاميمها للشراء عبر الإنترنت، وتتنافس بصورة واضحة على تخفيض الأسعار مقابل جودة القطع، إضافة إلى سرعة التوصيل وإمكانية الإرجاع أو الاستبدال. مؤخراً صار نادراً أن تلتقي فتاة لا تعرف أسماء ثلاثة مواقع إلكترونية خاصة بالأزياء على الأقل.

في بداية انتشار ظاهرة تسوّق الملابس على الإنترنت كانت ظروف الشراء العادية متاحة وسهلة، مما صعّب نمو هذه التجارة وفرض سيطرتها على الزبائن، إلا أن دخول جائحة كورونا، وما تبعه من إغلاقات عامة للكثير من المنشآت التجارية جعل التسوق عبر الإنترنت ضرورة عند الحاجة لملابس جديدة.

سوق ملابس الانترنت توسع ولم يزل، فقد سجلت دول الخليج  أرباحاً تقدر بـ20 مليار دولار من الشراء عبر الإنترنت في 2020، مقارنة بخمسة مليارات دولار في 2015، بينما تتربع آسيا على سوق الإيرادات الأعلى في العالم من قطاع البيع بالتجزئة عبر الانترنت.

تعمّقت حاجتي للعثور على بديل عن الأسواق التقليدية حين أنجبت طفلتي في فترة كورونا والحجر الصحي، احتجت ملابس جديدة لها كل شهر، مما جعل الشراء عبر الإنترنت حلاً مثالياً

أسواق "غير عنصرية"


ميزة تصفّح مواقع الأزياء عبر الإنترنت تكمن في أن أغلبها قد وصل إلى الفئات التي عانت طويلاً من الأسواق التقليدية، فهذه المواقع لا تستهدف المرأة الطويلة، والنحيفة حصراً أو كمثال وحيد على الأناقة، ولا تفترض شكلاً معيناً لجسم المرأة، ولا تقرر أن نوعاً معيناً من الملابس حكر على نوع محدد من الأجسام.

القاسم المشترك بين هذه المواقع هو أنها "غير عنصرية" في التعامل مع أشكال الأجساد المتنوعة بتنوع الجينات والأعراق، وأنها تقدم عدداً هائلاً من خيارات الملابس لأصحاب الوزن الزائد من الرجال والنساء
لا يوجد نوع قماش يحاك بقياسات محددة لا تصلح إلا للأوزان الخفيفة، ولا فستان يباع حصراً للنحيلات، يبرهن ذلك الاطلاع على القسم الخاص بالوزن الزائد في عدد كبير من هذه المواقع، فحلم العثور على تصاميم عديدة للجينز والتنانير والفساتين، وملابس السباحة، وملابس النوم، وغيرها قد تحقق لكل الأجساد.

يضاف إلى ما ذكر، الاهتمام الواضح بالمحجبات، فبعد أن اقتصرت الأسواق العربية على الجلباب باعتباره الزي الوحيد –المحتشم- قدمت المواقع التركية نموذجاً جديداً لهذه الفئة من النساء، وهذا في الواقع شكّل نقلة نوعية في أناقة المحجبات.

فقد زادت الخيارات في أنواع الملابس وتصاميمها، وتطور مفهوم اللباس الإسلامي، مما جعل الأزياء الإسلامية العصرية رائجة في المجتمعات العربية وفي العالم، وقللّ من وجود الجلباب التقليدي الذي اعتدناه قديماً، واستبدل بملابس أكثر عملية وجمالاً مع الكثير من الألوان والتنوع.

بالنسبة لي عانيت طويلاً من الجدال العقيم مع البائعين في محلات الأحذية، فسؤال البائع لي عن نمرة قدمي كان يتبعه استهجان وإحراج مغلّف بنظرة: "يعني كيف نمرة رجلك 41" وكان البحث عن حذاء مناسب ومريح لقدميَّ يحتاج ساعات طويلة من المشي بين المحلات، وتجربة أحذية بـ"قوالب واسعة" حسب رأي البائع، ثم شراء حذاء لا يشبه توقعاتي، لكنه يناسب نمرة قدمي الكبيرة، التي خرجت لسبب ما عن القياسات العالمية لأحذية النساء.

كانت أوروبا رائدة طويلاً في مجال الأحذية والألبسة للمقاسات الكبيرة، وقد كنت ككثير من المتسوقين أنتقي الأحذية المناسبة والأنيقة من محلات التصفية الأوروبية المنتشرة في العالم العربي، لكن هذا لم يقلل مرة من رغبتي في اقتناء حذاء جديد على الموضة، ولم تتحقق هذه الرغبة إلا بفضل مواقع الأزياء الإلكترونية، والأهم أنني عرفت أن قدمي ليست أكبر قدم لامرأة في العالم، فهذه المواقع تقدم أحذية للنساء حتى نمرة 44. 

استهدفت ماركات الأزياء العالمية الفئة الغنية من الناس سابقاً، لذا كان من الصعب على أصحاب الدخل المحدود أن يتسوقوا منها، لكن مواقع الشراء الإلكترونية أتاحت للطبقة المتوسطة شراء قطع ملابس جميلة وأنيقة، بخامات جيدة جداً وأسعار منافسة.

بعض المواقع قامت بنسخ التصاميم العالمية وباعتها بربع السعر، مما قلل هوس الشراء من الماركات العالمية وقزّم فكرة الأناقة المرتبطة بسعر القطعة واسم المصمم

لقد عملت هذه المواقع على اكتساب ثقة الزبون بصورة تراكمية، فبعد ظهورها بفترة قصيرة صارت المشتريات تصل في وقت أقل. كذلك صارت تصل للزبائن تنبيهات بوجود تخفيضات "حقيقية" تبلغ نسبتها 70%، كما طورّت خيارات البحث فيها، وأضافت ميزة وضع التعليقات على القطع بعد شرائها، مما قلل من خوف الزبائن من عدم ملاءمة ما يشترونه لتوقعاتهم، إذ يوجد تحت كل قطعة تقييم سابق ممن ابتاعوها متبوعاً بنوعية القماش المستخدمة في التصنيع، وطريقة الغسل والتخزين.

المعضلة الأخلاقية

كيف تباع الملابس الجيدة بأسعار رخيصة؟ يمكن أن يكون هذا السؤال صعباً للغاية، أو بالأحرى قد لا نرغب بمعرفة الجواب، خاصة أن الإجابة عليه تفرض نقاشاً طويلاً وبحثاً حول أخلاقيّة الشراء من هذه المواقع، إذ إن غالبية الملابس التي تُباع اليوم عبر الإنترنت تحمل علامة "صنع في الصين" لكن بحثاً بسيطاً في هذه الجملة يقودنا لحقيقة أن هذه الملابس تصنّع في بنغلادش وكمبوديا والهند وسيرلانكا، في ظروف عمالة غامضة بعض الشيء.

لا يمكن التأكد من عدم حدوث انتهاكات عمّالية إنسانية في ظل عدم وجود شفافية، خاصة تجاه النساء، كأجور العمل المتدنية جداً والتي بالكاد تصل في بنغلادش مثلاً لـ15 سنتاً في الساعة، ولا يمكننا التأكد أن القطعة التي نشتريها ليست نتاج عمالة الأطفال سيما مع كثرة التقارير الدولية التي تشير إلى وجودها في هذه البلدان. 

كذلك يشكل التساؤل حول عدم معرفة المصادر الحقيقة للقماش المستخدم في التصنيع عبئاً أخلاقياً آخر. الأمنية ألا تعد هذه الأسئلة غير ذات أهمية للمشترين الذين يبحثون عن قطع ملابس جيدة بأسعار رخيصة، وأن ينتشر الحديث والفضول حول حقوق الإنسان وكرامته في العمل بقدر انتشار سوق التبضع من الانترنت ولا يبقى حبيس تقارير المنظمات العمالية.

غالبية الملابس التي تُباع اليوم عبر الإنترنت تحمل علامة "صنع في الصين" لكن بحثاً بسيطاً في هذه الجملة يقود لحقيقة أن هذه الملابس تصنّع في بنغلادش وكمبوديا والهند وسيرلانكا، في ظروف عمالة غامضة
أما التساؤل الأخير -والذي قد لا يهم المشتري بنفس القدر- فهو عن أثر هذا السوق الجديد على سوق الملابس التقليدي الذي بدأ بالتقلص فعلياً مع مطالبات التجار من الحكومات أن تضع مزيداً من القيود على التبضع عبر الانترنت، والمقصود هنا المحلات التي كانت تتوجه لذوي الدخل المحدود والمتوسط وليس الماركات العالمية.

المفاضلة بين شراء ملابس بكلفة معقولة لأطفالنا وإغماض العين عن كيف وصلتنا هذه الملابس هي ليست مفاضلة سهلة للكثيرين وإن بدت كذلك، لا سيما لمن هم من الطبقة الوسطى أو دونها، وبالأخص في مواسم معينة كالأعياد وأول العام الدراسي وبداية فصل الشتاء.



إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard