شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"مضت على حربكم سنوات طويلة. أنا غادرت بلادي منذ شهرين فقط"... حوار لأوكراني وسوري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والمشرّدون

الجمعة 1 يوليو 202204:46 م
Read in English:

It’s been years since your war… A Syrian Ukrainian conversation

"تشييرززز… Fuck the War"

"تشيرز.. Fuck the War" 

الأول بملامح عربية، فُسحة جبينه مع اللكنة الساحلية التي طعّمت إنجليزيته ترجحان أنه من الساحل السوري. 

الثاني،  تفاصيله أوكرانية لا يُشق لها غبار، مع سوار بألوان علم بلاده وكلمة "كييف" التي كتبت بالأوكرانية عليه. 

ليس الحس الصحافي هو ما دفعني للتنصت عليهما إنما فضول ينتاب أي عابر يعلم أنه لن يعاصر كل يوم مثل هذا الجلسة

فهو ليس أجنبياً اصطف بجانب الأوكرانيين، إنما ابن تلك الطينة.

أي مجلس هذا؟ ابنا حرب اجتمعا ليشربا نخب لعن قذارتها.

ليس الحس الصحافي هو ما دفعني للتنصت عليهما إنما فضول ينتاب أي عابر يعلم أنه لن يعاصر كل يوم مثل هذا الجلسة.

كثيراً ما اجتمع سوريون بأوكرانيين، لكن للقاء اليوم خصوصيةً يشهدُ عليها النصف الحاضر من عقل أخوي الحرب هذين، بينما غاب النصف الآخر في سُكريَن من خمرٍ وضيمْ.

طوبى للنزوح 

على ضفاف بحيرة البالاتون في المجر، قِبلة الاصطياف الكبرى للمقيمين في هنغاريا، يدعو السوري نظيره في اللجوء، الأوكراني لشرب الكأس الأخيرة وختام الـ "سكرة".

أجلس بجانبهما متلصصاً دون إقحام نفسي في المجلس والتعرف إليهما، خشية على نقاوة ثمالتهما، وحرصاً على إطلاق العنان لبوحهما دون عناء كسر الجليد مع جليس جديد والتأكد من أهليته لخوض مجريات السكرة.

لذلك اكتفيت بالمطاردة السمعية وتدوين مجريات الجلسة.

يسأل الأوكراني باسطاً ناظريه على سطح ماء البحيرة: "بعد شهر يصادف عيد ميلاد ابني. هل سنقضيه هنا أم سنحتفل به في كييف؟".

السوري: "المهم أنكم بخير، ستحتفلون في كييف إن شاء الله، ما دام هذا ما تتمناه".

"أن تتمنى نهاية الحرب في بلدك، هذا بديهي، لكن العودة.. فكر بها أكثر". يقول السوري للأوكراني

الأوكراني: "بالتأكيد هذا ما أتمناه! وهل يجب أن أتمنى البقاء لاجئاً؟".

السوري: "أن تتمنى نهاية الحرب في بلدك، هذا بديهي، لكن العودة.. فكر بها أكثر".

يُستفز الأوكراني ملتقطاً سيجارته من فمه وملتفتاً إلى جليسه ويقول: "هل من لاجئ على هذه الأرض لا يحلم بالعودة إلى دياره؟".

السوري: "نعم، عندما تعلم أنك عائد ولن تجد تلك الديار، من الأفضل ألّا تعود. وأنا لا أعني الجدران والسقوف. أعني الوطن والبيت والملجأ".

استغرقت تلك العبارة حوالي دقيقة من السكون بالنسبة للأوكراني، ملامح وجهه تدل على أنه لم يفهمها جيداً. لكنه تلمس فيها حقيقة أن مشقة ما بعد العودة ليست فقط ترميم أحجار ونوافذ مهشمة،  ثمة أشياء تحتاج عقوداً لِتُرمم، وربما لن يفلح ترميمها أبداً. 

"هل من لاجئ على هذه الأرض لا يحلم بالعودة إلى دياره؟ ". يقول الأوكراني للسوري

يستأنف الحديث بين الشابين العشرينيين.

"نحن السوريون استيقظنا من حلم العودة، وعندما يراودنا خلال قيلولة عابرة، نصحو هرعين، فالعودة إلى سورية أصبحت مأساة".

يجيب الأوكراني: "لأنكم ما زلتم تحت الاحتلال الروسي! ونحن لن نعود كما كنا إلا عندما نُخرج الروس من أوكرانيا!".

يقاطعه السوري بحزم: "الروسي ليس محتلاً في بلادي، جاء بدعوة من الدولة، وحارب معنا ضد داعش".

صمت مع ضحكة صفراء يطلقها الأوكراني. 

يمضي السوري  في حديثه: "برو، أنا لست غبياً، أعلم أن الروس لديهم مصالح في سورية. لكنهم وقفوا معنا في الحرب التي شنها علينا العالم".

يجيب الأوكراني وقد ضاق ذرعاً: "بقي أن تقول لي أن بوتين دخل أوكرانيا مدافعاً عن نفسه أيضاً!".

تعثرت كلمة أجل على شفتي السوري مرتطمة برشفة "فودكا" فقرر دحرجتها إلى جوفة برشفة ثانية تفادياً لصدام مع خليل السهرة.

"تشييرززز… Fuck the War"

"تشيرز.. Fuck the War"

بهذه الدبلوماسية الثملة ينتهي فصل الإشكالية الروسية لتخترق رتابة السهرة راقصةٌ في طريقها إلى وصلتِها وتبدو ملامحها أوكرانية. 

"أوكرانية صحيح!؟" يسأل السوري.

"نعم" يجيب الأوكراني، ويتابع بحزن: "يشغلونهن في الدعارة في السويد!".

يغيّب الكحول سوداوية المشهد.

 يتابع السوري: "دعك من المزاح الآن، ارحل إلى أوروبا الغربية وابدأ حياةً جديدة ومستقبلاً جديداً، البلاد الخارجة من حرب تحتاج دهراً كي تستقيم، ستهدر سنوات شبابك".

يجيب الأوكراني بإصرار: "المسألة ليست بهذه البساطة، مضى على حربكم سنوات طويلة. أما أنا فغادرت بلادي قبل شهرين فقط، لا أستوعب حتى الآن ما جرى!".

يقترح السوري على رفيقه زيارة أوكرانيا لفترة قصيرة ليتأكد من صحة كلامه ويرى مآل البلاد، ومن ثم سيحجم غالباً عن رغبته في الاستقرار داخل أوكرانيا المنكوبة.

حماقة الوطنية

يتابع السوري وهو يبدو منغمساً في ذاكرته: "يذكرني هذا الشاطئ بمدينتي طرطوس، رغم ذلك لا أحنّ إليها، لأنني أعلم كيف أصبحت شواطئها الآن، لا بل لن أجد وقتاً ولا مزاجاً لجلسة تأمل على ساحلها إن عدت، لأن شقاء المعيشة في سورية لا يترك مكاناً لهذه الخلوات الجميلة. ربما يتملكني حنين إلى ذلك الشاطئ في مرحلة طفولتي قبل الحرب، لتلك الحقبة أحنّ نعم . لكنها لن تعود".

يجيب الأوكراني: "لا يمكن أن تعود إذا رحلتم جميعاً".

بنبرة هجومية وصوت رخيم: "كفى خطابات وطنية، من حق الناس أن تبحث عن مستقبل أفضل. ولذلك سأبتعد قدر المستطاع عن هذه البقعة الجغرافية الملعونة. سأذهب إلى أستراليا، حتى هذه البلاد - أوروبا- اجتاحها العرب وابتليت بالحروب. سأعيش هناك بعيداً عن كل هذا الصخب!".

يجيب الأوكراني: "أما أنا فسأبقى هنا مجاوراً أرضي مُغيثاً لأبنائها القادمين. قُل عني إنني شاعري أو درامي، لكنني سأبقى هنا أشمُّ رائحة أوكرانيا وأتنفس هواءً قادماً منها، وسأعود إليها قريباً، كيفما كانت".

"كفى خطابات وطنية، من حق الناس أن تبحث عن مستقبل أفضل. ولذلك سأبتعد قدر المستطاع عن هذه البقعة الجغرافية الملعونة". يقول السوري للأوكراني

يقرر السوري إخراسه بهذه الطريقة: "تشييرززز… Fuck the War and fuck you also"

الأوكراني ضاحكاً: "أوقظتُ وطنيتك. صحيح؟".

 يجيب السوري ضاحكاً: "لم توقظ شيئاً! ذكرتني بحماقتي في بداية الحرب، عندما تعففت عن الرحيل، لو لم أكن أحمق مثلك الآن. لكنت الآن سويدياً أو ألمانياً". 

ينفجر الأوكراني ضاحكاً: "بصحة حماقتي".

السوري: "وبصحة وقاحتي".

تشييرز.

المشهد الأخير

نجلا حرب لم يتفقا إلا على لعنتها، وعلى المغالاة في التعبير، فمخضرمُ الحرب ذاك على شفير الامتنان لها على فرصة اللجوء التي منحته إياها، والثاني لا تُغتفر شاعريّته لأنه مجرد مستجدّ حرب.

يأتي النادل ومعه فاتورة الطاولة مسدلاً ستارة العرض الذي لن أنساه ما حييت، وأمضي وأنا أقول: "شكراً للقدر على جعلي أتعثر بتلك الجلسة، وتباً للحرب، ليس من أجل هؤلاء فقط، هؤلاء نجوا، إنما من أجل أولئك الذين يُجلدون كلّ ساعة تحت أوزارها حتى الآن، من أوكرانيين وسوريين".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard