شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
التدخين في إيران... ذكريات طيبة لدى العرب ومرآة لنفسيات المواطنين

التدخين في إيران... ذكريات طيبة لدى العرب ومرآة لنفسيات المواطنين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 3 يوليو 202202:23 م

‏"(بَهمَن) ليست سيجارة، إنها نمط حياة عليك أن تعيشها"؛ قالها مازحاً پويا ‏‏(40 عاماً)، عندما سألته عن عدد مرات التدخين لديه يومياً، وأضاف: "أدخن علبة ونصف يومياً، بدءاً من تناول قهوة ‏الصباح حتى آخر لحظات اليقظة في منتصف الليل". ‏

تتوفر في طهران أنواع السجائر الأجنبية، إضافة إلي المحلية، إلا أن ‏ماركة "بهْمَن" التي ظهرت في سبعينيات القرن الماضي برعاية ‏سويسرية، مازالت تعتبر نوستاليجية بالنسبة لمختلف الأجيال الإيرانية؛ هكذا ‏قال لنا پويا الذي جرب أنواع السجائر، غير أن دخان بهمن بات مختلفاً بالنسبة ‏له، بل جزءاً من روتين حياته التي اعتاد عليها بعد سنوات.‏

وبينما الظروف التي أفرزتها جائحة كورونا حفزت الكثير حول العالم في ‏الإقلاع عن التدخين، أعلنت إيران عن زيادة عدد المدخّنين في هذه الفترة ‏العصيبة التي اجتاحت العالم.‏

المدخنون 30% رجال و10% نساء‏

وفقاً لرئيس مركز الدراسات والحد من التدخين في جامعة شهيد بِهِشتي ‏للعلوم الطبية الدكتور غلام رضا حيدري، 30% من الرجال ‏الإيرانيين و10% من النساء الإيرانيات يدخنون السجائر بعدما ‏كانت هذه النسبة تقدر بـ25% للرجال و5% للنساء في فترة ما قبل ‏كورونا.‏


يعتبر مهدي (39 عاماً) التدخينَ متنفساً بين همومه في ظل الأزمة ‏الاقتصادية، إضافة إلى مرض طفلته المصابة بالباركنسون، فوجد الرجل ‏في السجائر راحة نفسية تنسيه المصاعب والمتاعب مهما كلفت من ثمن. ‏

أما الرياضيان حسين ومحمد فيختلف سرّ التدخين لديهما عن الآخرين، فهما ‏ورغم علمهما التام بأضرار السجائر إلا أنهما يستعملانها دائماً، والسبب ‏يكمن في الهوس والترفیه خاصة عند الاجتماع مع الأصدقاء، كما أنهما ‏لا يعتبران أنفسهما مدمنين باستخدام سيجارتين باليوم فقط.‏

30% من الرجال ‏الإيرانيين و10% من النساء الإيرانيات يدخنون السجائر بعدما ‏كانت هذه النسبة تقدر بـ25% للرجال و5% للنساء في فترة ما قبل ‏كورونا

أما عن استعمال الأرجيلة فجاءت الأرقام متساوية بين الجنسين بنسبة ‏‏30% في فترة ما بعد تفشي الجائحة، بعدما كانت تصل 20% قبل ‏أزمة كورونا. وتشير آخر الإحصائيات العالمية إلى أن الرجال يبدؤون التدخين دون سن ‏‏15 والنساء في سن 17، حسب قول حيدري.‏

‏"أدخن للتسلية ولكي أنسى هموم الحياة ونقصانها"؛ هذا تبرير ‏جليل (26 عاماً) لاستعماله الأرجيلة ساعة كل يوم، حاله كبقية رفاقه ‏الذين لم تفارقهم "الشيشة" أو "الغَرْشَة" كما يسمونها، فبات التدخين جزءاً ‏من هويتهم الشبابية التي لا معنى لها دون الأرجيلة، وفق قولهم.


‏"أنا مدمن على الأرجيلة، فعصاري لا تمضي إلا وأنا في مقهى الحي، ودون ‏علم زوجتي طبعاً"؛ يعترف محمد جواد (45 عاماً)، ويضيف: ‏‏"بما أنني موظف حكومي، فأفضل استعمال السجائر الإلكترونية صباحاً ‏كيلا أزعج أحداً بالدخان، وهذا شأن المساء في المنزل أيضاً". ‏

‏10 ملايين مدخن إيراني

لم تكن الجامعات الإيرانيات بمعزل عن هذه الأرقام فقد صرح مدير ‏مكتب الاستشارات وصحة الطلاب في وزاة العلوم والأبحاث ‏والتكنولوجيا الدكتور إبراهيم نعيمي، أن التدخين بين الجامعيين ‏تضاعف بعد الأزمة الصحية التي كانت مسيطرة على البلاد. كما أن ‏الميول نحو التدخين بين الطالبات الإيرانيات في تزايد مستمر.‏

وزارة الصحة بدورها كشفت عن أعداد المدخنين الإيرانيين الذي يتراوح ‏بين 8 إلي 10 ملايين شخص، يستعملون نحو 75 مليار سيجارة ‏سنوياً،  مطالبة الحكومة بتنفيذ قانون الحدّ من التدخين بصرامة أكثر، ‏وذلك من خلال زيادة الضرائب لجميع المدخنين، وليس لمنتجي التبغ ‏فحسب. ‏واتفقت جمعية مكافحة التدخين الوطنية مع وزارة الصحة على فرض ‏المزيد من الضرائب وأعلنت عن وفاة نحو 60 ألف إيراني سنوياً بسبب ‏التدخين.‏

مصانع التبغ في كورونا من 7 إلى 21 مصنعاً

ورغم تفشي الوباء الذي أخذ بالاقتصاد حتى حافة الهاوية، حيث تسبب ‏بإغلاق معظم المصانع الإيرانية، إلا أن صحفية "خُراسان" المحلية نشرت ‏تقريراً مفصلاً يكشف عن زيادة تدشين مصانع التبغ خلال فترة أزمة ‏كورونا من 7 مصانع إلي 21 مصنع.‏

أما الشرکات الأمريكية والیابانیة والبريطانية وكوريا الجنوبية، فما زالت ‏تستثمر في صناعة التبغ في إيران، على الرغم من أن البلد يعيش تحت ‏العقوبات الصارمة الأمريكية على أساس الملف النووي الذي لم يحسم ‏بعد. ‏

وعن أسباب زيادة التدخين وتدشين المصانع في البلاد خلال فترة الجائحة، حيث تقدر القيمة السوقية الإجمالية لمنتجات التبغ في البلاد بأكثر من ‏‏50 ألف مليار تومان، أي ما يعادل 2 مليار دولار، فيعيد ‏المعنيون والخبراء سببه إلى زيادة البطالة واتجاه جزء من شريحة العمال إلى ‏بيع السجائر والأرجيلة، ناهيك عن الضغوط النفسية المتزايدة التي تحثّ المواطنين على التدخين. ‏


الماركات الإيرانية وهدايا اللبنانيين

تتوزع زراعة التبغ على حوالي 18 ألف هكتار من الأراضي الزراعية ‏الإيرانية، معظمها تقع في شمال البلاد، حيث تنتج المصانع عدة ماركات ‏محلية مشهورة أبرزها سجائر "بهمن" و"تير" و"فَروَرْدين" و"57"، و تبغ ‏‏"رايحة" و"الحمرا"، ويباع كل ذلك داخل و خارج البلاد.‏

ولبلاد فارس تاريخ مديد مع التبغ منذ القرن الـ17 الميلادي من خلال ‏تواجد البرتغاليين في الخليج، ومجاورة الدولة العثمانية أيضاً، فقد انتشر ‏استعمال التبغ في أنحاء البلاد، حتى باتت إيران من أهم منتجي ومصدري ‏التبغ في المنطقة إلى بلدان مختلفة كالعراق وسوريا ولبنان وتركيا ومصر وغيرها.‏

في فترة الدولة القاجارية (1794 -1925) أصبح التبغ من أبرز السلع ‏التجارية الإيرانية، وكان يتم تصدير 80 بالمئة إلى الأسواق الهندية ‏والبريطانية والمصرية والتركية

فعلى مدى قرون وحتى اليوم مازال العرب يحتفظون بذكريات طيبة عن ‏التبغ الإيراني، وذلك بسبب جودته الناتجة عن وجود أراض خصبة ومياه ‏عذبة لزراعته في شمال إيران. ويذكر لنا المرشد السياحي محمد (48 ‏عاماً)، أنه مازال بعض السياح اللبنانيين يبتاعون التبغ كهدايا ‏لأقربائهم من إيران، نظراً لسمعته الجيدة هناك. ‏

علاقة رجال الدين بالتبغ

وفي فترة الدولة القاجارية (1794 -1925) أصبح التبغ من أبرز السلع ‏التجارية الإيرانية، وكان يتم تصدير 80 بالمئة إلى الأسواق الهندية ‏والبريطانية والمصرية والتركية، وتشير الإحصائيات في الكتب ‏التاريخية إلى وجود 200 ألف عامل في صناعة التبغ. ‏


ومع نمو الإنتاج وتدهور الوضع الاقتصادي في زمن فترة الملك ناصر ‏الدين شاه القاجاري، منح شاه إيران امتياز إنتاج وتصدير التبغ ‏للبريطانيين لفترة 50 عاماً، ولكن قرار الملك واجه انتقادات من قبل التجار ‏والمزارعين ورجال الدين، وبعد عدم إلغاء الاتفاقية أصدر المرجع الديني ‏ميرزا الشيرازي فتوى حرّمت استعمال التبغ، فتوقف الشعب من التدخين تلبية لفتواه، ‏مما اضطرّ الشاه للتراجع عن قراره وإلغاء الاتفاقية.‏

وعند الحكومة البهلوية في القرن الـ20 تبدلت صناعة التبغ من ‏تجارة حرة بيد القطاع الخاص إلي تجارة حكومية تخضع لقوانين الدولة، ‏ودشنت الدولة مصانع حديثة وأطلقت ماركتها للسجائر والتبغ، ‏فكانت بداية عصرنة التبغ في إيران. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard