شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
موقع إلكتروني يخلّد ذكر وفكر سارة حجازي

موقع إلكتروني يخلّد ذكر وفكر سارة حجازي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والميم-عين

الثلاثاء 14 يونيو 202203:32 م

"اليوم، وفي الماضي، جسد النساء هو مثال للخزي والعار. وضعت الأسرة الشرقية شرفها وأخلاقها في جسد الأنثى. ذلك الجسد  المبهم! مش معروف مين بيمتلكه؟ الأنثى هي اللي بتمتلك جسدها أم الأسرة والأهل والمدرسة ورجال الدين والساسة والمجتمع؟
هل لازم أكون جميلة لجذب الذكور؟ ولا أكون جميلة لأني عايزة أكون جميلة؟ وماذا لو أنا قبيحة الوجه؟! هل لازم وقتها أخوض وأعيش الحياة في كوكب آخر غير الأرض؟!
الأسرة العربية اليوم مهتمتش بنسائها بقدر ما اهتمت بالحفاظ على ما بين ساقيها، وأصبح المرادف لكلمة ‘امرأة‘ هو ‘الجنس‘، وأصبحت المرأة هي الأداة الجنسية، المرأة هي ‘المفعول به‘ – هي الأضعف".

هذه السطور التي كتبتها الناشطة الحقوقية الكويرية الراحلة سارة حجازي في الثامن من أيار/ مايو عام 2017، في نص بعنوان "أجساد النساء ساحة للصراع المجتمعي"، يمكن الوصول إليه الآن بسهولة عبر موقع إلكتروني خاص بسارة أطلقه أصدقاؤها تخليداً لسيرتها وقصتها في الذكرى الثانية لرحيلها.

رفعت سارة علم قوس القزح في حفلٍ لفرقة مشروع ليلى في القاهرة، معلنةً مثليتها الجنسية، فاعتُقلت في تشرين الأول/ أكتوبر 2017. خلال ثلاثة أشهر من الاعتقال، تعرضت للتحرّش الجنسي والضرب من السجينات، وبعد خروجها من السجن ظلت تتعرض لضغوط مجتمعية أجبرتها على اللجوء إلى كندا حيث انتحرت في 13 حزيران/ يونيو 2020 لتضع نهاية لمعاناتها النفسية مع نوبات الهلع والاكتئاب واضطراب ما بعد صدمة ما تعرضت له في السجن.

قبيل ساعات، ومع حلول الذكرى الثانية لرحيلها، أعلن مصطفى فؤاد، الصديق المقرب من سارة، إطلاق موقع إلكتروني باسمها. وكتب: "في الذكرى الثانية لرحيل سارة عن عالمنا القاسي، نطلق اليوم موقعاً إلكترونياً باسم سارة حجازي ليكون مرجعاً لكل ما يخصها من صور ومدونات. كذلك سيُنشر تباعاً على الموقع مذكرات سارة ويومياتها في سجن القناطر، والتي لطالما حلمت بنشرها لتُخبرنا عن معاناتها والعنف الجسدي والنفسي الذي واجهته، من قمع وتعذيب واضطهاد". 

"ليكون مرجعاً لكل ما يخص سارة"... أصدقاء #سارة_حجازي يطلقون موقعاً إلكترونياً باسمها لإبقاء ذكرها خالداً وتسهيل الوصول إلى كتاباتها والتعرف على قصتها وأفكارها

وتابع فؤاد: "تعرفوا على سارة حجازي، وحياتها، ومعاناتها، كيف قتلوها وقالوا انتحرت…. نحن الشهود على كل ذلك، باقون هنا وسنرفع الصوت عالياً من أجل سارة، وسنحكي، وسنملأ العالم ضجيجاً، ونحتفي بنضالات سارة حجازي ونوثّق ذكراها".

لمحة معمّقة عن حياة سارة

ينقسم الموقع الذي يوفر تجربة القراءة باللغتين العربية والإنجليزية إلى أربعة أقسام: عن سارة، ومذكرات سارة في السجن، ومدونات سارة، وألبوم صور سارة، بما يساعد الزائر للموقع على أخذ لمحة معمّقة عن حياة سارة والتعرف على مختلف جوانب شخصيتها وأفكارها. 

في التعريف بسارة نقرأ هذه الكلمات: 

لم تكن سارة فقط ناشطة من أجل حقوق مجتمع الميم، كانت مناضلة تقاطعية حقاً. كانت اشتراكية صامدة ومدافعة عن حقوق النساء وعن فلسطين وعن حرية الشعب السوري وتضامنت مع الثوار في لبنان، ولها مواقف في المطالبة بوقف تنفيذ عقوبة الإعدام في مصر وأيضاً بالإفراج عن المعتقلين السياسيين. كما ساندت القضايا البيئية.

وفي القسم الثاني، نجد 25 خاطرة بمثابة مذكرات كتبتها سارة بين 2 و26 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، أثناء وجودها في السجن. يُلاحظ في هذه الكتابات كيف كانت سارة تتشبث بالأمل في بداية اعتقالها وكيف تسرّب اليأس إليها بعد ذلك حتى تمنت الموت واعتبرت القتل أهون مما هي فيه.

في أول خاطرة بعنوان: "الحب سينتصر والسلام سيعم"، كتبت سارة: 

جلست بجانب الجدار ولصقت به - كنت أرتعد - لم أبكِ - مر بجانبي عنكبوت لم أقتله! ولمَ أقتله يا رفيق؟!
لقد أصبح رفيق زنزانة كما أنت أصبحت رفيق تجربة قاسية ومؤلمة.
لا تنزعج من تشبيهي لك بالحشرة التي مرت بجانبي في زنزانة بسجن القناطر! فأنا أيضاً حشرة – وجميع من يشبهنا حشرات - وكل من هو مختلف عن القطيع حشرة! نحن في نظرهم حشرة يا رفيق.
الاختلاف جريمة يعاقب عليها القانون في أوطاننا!

في الخواطر التالية، لا تبدو سارة بنفس القوة. تحاول الصراخ عبر الكلمات بحدة تتصاعد في كل مرة مقارنةً بسابقتها. تبدأ بالحديث عن "الهروب عن طريق النوم من جحيم الواقع ولا إنسانيته"، ثم تحاول لملمة شتات نفسها بالتأكيد على أنها "لطالما آمنت بالحب والسلام كوسيلة قاسية وعنيفة أمام الرفض والكره والحرب" و"سجني لم يزدني سوي ثورة وتمرد".

وبعد أن تتمسك بأن "الحب هو الحياة"، تنفجر صرختها: "أريد العودة إلى أمي، أعيدوني إلى أمي"، وتعترف: "نعم، لقد أنهكوا روحي، وقلبي ملؤه الحزن، وعقلي صار مضطرباً، وعاد الاكتئاب ليهاجمني كحيوان مفترس وجد ضحيته وحيدة!". كما تقر "لم يكن يوماً سجننا بطولة! لا أرى نفسي بطلة!".

يوفر الموقع ألبوم صور دافئاً ومبهجاً لـ #سارة_حجازي في مختلف المواقف الحياتية، نراها فيها وهي تضحك وتدخن وتقرأ وتلعب وتلاعب الحيوانات الأليفة وتأكل وتتجول في المساحات الخضراء وتتضامن مع المعتقلين السياسيين في مختلف بقاع الأرض

على هذه الوتيرة تتقلب خواطر سارة في السجن، بين إظهار القوة وإفساح المجال للضعف الإنساني في أبهى تجلياته، وبعبارات تشبهها وحدها. تعبر عن الشوق لدراجتها تارة، ولسطوع الشمس وشوارع وسط البلد تارة أخرى، ولأمها وإخوتها مرات. تتحدث عن "التمسك بالحب كوسيلة للحياة"، ثم تعود وتصرخ: "قتلي أهون من أن يسجنوني".

بالانتقال إلى قسم المدونات، نجد 22 مدونة بقلم سارة كتبتها بين عامي 2016 و2020. تتحدث فيها عن المثلية الجنسية والثورة والحريات الجنسية وأدب العدم والاختلاف عن القطيع والحكم العسكري...

في القسم الثاني، نجد 25 خاطرة هي مذكرات سارة في السجن. يُلاحظ في هذه الكتابات كيف تشبثت سارة بالأمل في بداية اعتقالها قبل تسرّب اليأس إليها حتى تمنت الموت واعتبرته أهون مما هي فيه

في مدونة بعنوان "ما قبل الانتحار"، بتاريخ 2 آب/ أغسطس 2017، كتبت:

الانتحار ليس شجاعة كما يردد البعض، وليس جُبناً كما يردد الآخرون، كل ما في الأمر أنه عدم قدرة على التحمل، قلب ضعيف وروح تملكها الحزن وجسد منهك ضعيف، وعقل لا يتوقف عن التفكير.
الانتحار جريمة قتل قام بها إناسٌ لن يدانوا في يوم ما! مجتمع كامل شارك في الجريمة.
وذلك الحزن العميق كان يجب أن يُترجم إلى فعل... وذلك الفعل هو الأنسب.
وعلى كل حال، كان انسحابي من المشهد واجباً، فليس لي مكان وسط الرعاع الغوغائيين الجهلة المتدينين فاقدي الإنسانية.
تلك الأنا التي أتحدث بها الآن أدركت بأن لا مجال ولا مكان لي... فأتركها أنا للمغفلين أمثالكم.
وسلاماً لمن أحببتهم وأحبوني.

رسالة انتحار لا تقل "مثالية" و"براعة" كتلك التي كتبتها لدى انتحارها لاحقاً بعد نحو ثلاث سنوات.

بالعودة إلى موقعها الإلكتروني، تكون الخاتمة ألبوم صور دافئاً ومبهجاً لسارة في مختلف المواقف. نراها وهي تضحك وتدخن وتقرأ وتلعب وتلاعب الحيوانات الأليفة وتأكل وتتجول في المساحات الخضراء. نراها وحيدة، ومع أصدقاء والكثير من الأطفال. نراها ترفع علم الفخر، ونراها أيضاً ترفع لافتات التضامن مع المعتقلين السياسيين في مختلف بقاع الأرض. حياة رائعة فُقدت تلخصها عشرات الصور.

يمثل هذا الموقع فرصة ذهبية للاستئناس بكتابات سارة وإبقاء سيرتها على الألسن، وعدم تحقيق هدف من لاحقوها حتى انتحرت والمتمثل في اختفائها من الوجود.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

المجاهرة العنيدة بأفكارنا

ظننا يوماً أنّ تشبثنا بآرائنا في وجه كلّ من ينبذنا، هو الطريق الأقوم لطرد شبح الخوف من الاختلاف.

لكن سرعان ما اتّضح لنا أنّ الصراخ بأعلى صوتٍ قد يبني حواجز بيننا وبين الآخرين، وبتنا نعي أنّ الظفر بالنجاح في أيّ نقاشٍ والسموّ في الحوار، لا يتحقّقان إلا بفهمٍ عميق للناس الذين ينفرون منّا، وملاقاتهم حيث هم الآن.

Website by WhiteBeard