شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
زار العالم السفلي وتلقى الوحي من رجل غريب... نبي الشمال سويدنبرغ والتصوّف الإسلامي

زار العالم السفلي وتلقى الوحي من رجل غريب... نبي الشمال سويدنبرغ والتصوّف الإسلامي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 9 يونيو 202211:15 ص

يندرج المقال في ملف عن السحر أعدته وأشرفت عليه أحلام الطاهر

في التاسع عشر من تموز/يوليو عام 1759، اندلع حريق مدمّر في ستوكهولم بالسويد. الحادثة الموثقة بشكل جيد تشير إلى سرعة انتشار النار وتدمير ما يقارب الثلاثمئة منزل في طريقها.

على بعد حوالي 400 كيلومتر من ستوكهولم، في جوتنبرج، كان رجل يتناول العشاء مع أصدقائه. عند السادسة صباحاً، أصبح قلقاً بشكل واضح واعترف لأصدقائه بنشوب حريق في ستوكهولم ما هدّد بإحراق منزله. بعدها بساعتين، شعر بالارتياح قائلاً إن النار توقفت على بعد ثلاثة أبواب فقط من الدار.

وصلت ادعاءات الرجُل الغريبة إلى حاكم المقاطعة الذي استدعاه في الليلة ذاتها ليروي قصته بالتفصيل. وبعد ثلاثة أيام، وصل السعاة من ستوكهولم إلى جوتنبرج بأخبار الحريق، ما أكّد صحة القصة بتفاصيلها، بالمواقيت الدقيقة التي بدأ فيها الحريق ثم توقّف. هذا الرجل المتنبئ لم يكن سوى إيمانويل سويدنبرغ (1772-1688)، العالم والفيلسوف السويدي، الملقّب بليوناردو دافنشي الشمال وأرسطو السويد، الذي تنقّل بين الهندسة والطب والفلسفة، وصولاً إلى السحر وعالم الروحانيات والأدب، والذي افتتن به الشعراء والأدباء والسينمائيون، أمثال بودلير وبالزاك ووليم بلايك وتاركوفسكي وبورخيس الذي وصفه في إحدى قصائده:

ذاك الرجلُ البعيدُ، الرهيف 
كان يمضي بين الناس، وينادي الملائكة 
كان يعرف أن اللهَ وهاديس 
وأساطيرَهما كلَّها تقبع في روحك

ذاك الرجلُ البعيدُ، الرهيف 

كان يمضي بين الناس، وينادي الملائكة 

نداءً واهِناً، لافِظاً 

أسماءَها السريّة. ما لَمْ ترَهُ عيونُ الأرضين 

رأتْهُ عيناه: الهندسات المشتعلة، 

متاهة الله البلورية، 

الزوبعة الفاسدة من لذّاتِ الجحيم. 

كان يعرف أن اللهَ وهاديس 

وأساطيرَهما كلَّها تقبع في روحك؛ 

كان يعرفُ - مثل الإغريق - أنَّ 

اللحظة مرآةُ الأبدية. 

وفي لغةٍ لاتينية بسيطة صنّف 

أشياء مطلقة لا "متى" لها ولا "لماذا".

Une image contenant texte, livre  Description générée automatiquement

محاولات لفهم سبب الخَلق

ولد إيمانويل سويدنبرغ في 29 كانون الثاني/يناير ١٦٨٨ في ستوكهولم، وهو الابن الثاني لجيسبر سويدنبرغ، أسقف سكارا وأحد أبرز رجال الكنيسة في تاريخ السويد. بعد تخرجه من جامعة أوبسالا سافر، ونظراً لأن لندن كانت موقعاً مركزياً للعلوم في ذلك الوقت، فقد طور الشاب الطموح اهتماماً بالفيزياء والميكانيكا، إلى جانب اهتمامه بالفلسفة والشعر.

في سن السادسة والعشرين، وفي رسالة إلى عمه بنزيليوس، رئيس أساقفة أوبسالا المستقبلي، يعدد الشاب ايمانويل قائمة بأربعة عشر من الاختراعات العلمية التي سجّلها باسمه حتى الآن. نجد في القائمة محركاً بخارياً، وآلة طيران (جهاز ذو أجنحة ثابتة مدفوعة بواسطة مروحة، أول تصميم من نوعه)، وغواصة، وبندقية تعمل بالهواء المضغوط (قادرة على إطلاق سبعين رصاصة دون إعادة تحميلها)، وآلة موسيقية جديدة، ومضخة زئبق، وموقد احتراق بطيئ، وبندولاً مائياً يمثل حركة الكواكب، وغيرها.

Une image contenant texte  Description générée automatiquement

اسكتش لآلة طيران من دفتر ملاحظات سويدنبرغ

نظراً لسمعته كعالم، عُرض على إيمانويل كرسي الرياضيات في جامعة أوبسالا في عمر مبكّر، وهو ما رفضه، قائلاً إن اهتماماته الرئيسية تنصبّ على الهندسة والكيمياء والمعادن، متذرعاً بأنه لا يمتلك "ملَكة الكلام البليغ" التي يحتاجها الأستاذ أو المتحدث العمومي بسبب تلعثمه، إلا أنه عوّض عن ذلك بأن خطّ ما يزيد عن 14000 صفحة من الكتابة العلمية بيده. لم يتأخر سويدنبرغ ليبدأ دراساته في علم وظائف الأعضاء وعلم التشريح، بعد أن طوّر أفكاراً مهمة لم تكن بعيدة عن الاكتشافات العلمية الحديثة حول الجهاز العصبي، والخلايا العصبية، والقشرة الدماغية، ووظيفة الغدة النخامية، وغيرها. في هذا الوقت تقريباً بدأ في دراسة العلاقة بين الروح والمادة بعمق، وطوّر طريقته الفلسفية الخاصة التي تمزج الخبرة والهندسة وقوة العقل في محاولته لفهم نظام وسبب الخلق.

مكّنه الله من زيارة الجنة والجحيم ورؤية الملائكة والشياطين، وتلقى الوحي من رجل غريب زاره في النزل أثناء العشاء وبلّغه مشيئة الرب باختياره لكتابة العقيدة السماوية التي من خلالها سيصلح المسيحية

يقظة الروح ورؤية الملائكة

في عام 1743، وضع إيمانويل سويدنبرغ خططاً للسفر إلى الخارج من أجل استكمال بحثه حول الروح والمادة الذي يحمل عنوان  "مملكة الحيوان" (1843)، حيث أراد شرح تشريح الروح فيما لا يقل عن سبعة عشر مجلداً. بعدها بعام، كان في هولندا، حين بدأ يرى منامات مثيرة للاهتمام دوّنها في دفتر خاص للأحلام، نُشر بعد أكثر من قرن، بعد اكتشافه في المكتبة الملكية في خمسينيات القرن التاسع عشر. استمرت هذه الأحلام المميزة لنحو ستة أشهر وتبعته إلى لندن التي سافر إليها بعد مغادرة هولندا، حيث دخل في تجربة يقظة روحية خلال عطلة عيد الفصح، عندما ادعى أن الله مكّنه من زيارة الجنة والجحيم ورؤية الملائكة والشياطين وأنه تلقى الوحي من رجل غريب زاره في النزل أثناء العشاء، وبلّغه مشيئة الرب باختياره لكتابة العقيدة السماوية التي من خلالها سيصلح المسيحية. من خبراته الصوفية المتعددة، سيكتب سويدنبرغ عملاً جديداً ضخماً بعنوان أسرار السماوات Arcana Coelestia (1968) في اثني عشر مجلداً .

Une image contenant texte, livre  Description générée automatiquement

زخرفة من كتاب Arcana Coelestia تصوّر ملاكين قريبين من الشمس. وتعتبر الملائكة مركزية في لاهوت سويدنبرغ

مدرسة السحر

أصبحت تعاليم سويدنبرغ شائعة بين المتحمسين لإحياء السحر في القرن التاسع عشر. بالنسبة للعرّافين عُدّ الرجُل رؤيوياً، إذ كانت عقيدة التواصل مع العالَم الآخر متوافقة تماماً مع التقليد الثيوصوفي للخيميائي باراسيلسوس أو الصوفي جاكوب بوهم، وفي سيره على خطى جون دي، الفيلسوف الغامض والمنجّم الذي كان قبلَه يتواصل مع الملائكة وينقل إيمانه إلى الناس على أساس تجاربه الشخصية مع عالم الأرواح.

على الرغم من أن سويدنبرغ لم يؤسس أبداً لكنيسة أو طائفة أو فرقة دينية، فقد أثرت تعاليمه -التي لم يُخف فيلسوف مثل عمانويل كانت إعجابه بها- وعلمُه اللاهوتي على العديد ممن اجتمعوا بعد وفاته في مجموعات دراسية صغيرة لقراءة أعماله ومناقشتها. كان مذهبه السماوي جذاباً بشكل خاص لأولئك الذين شعروا أن المسيحية في ذلك الوقت كانت بحاجة إلى الإصلاح من خلال رؤية أكثر تفاؤلاً وشمولية. أصبحت شهرة سويدنبرغ كرؤيوي، وتجربته الروحية والصوفية، وأحلامه التي يتصل فيها بالملائكة، وإيمانه بجنّة الحب الإلهي التي تأوي الصالحين، هي الإيمان الأساسي لكنيسة أورشليم الجديدة التي تأسست بعيد وفاته بقليل في إنجلترا.

كان الشاعر والرسام الإنجليزي ويليام بليك من أوائل المعجبين بسويدنبرغ، ولا سيما بالاستيتيقا الفردوسية في عمله الملهم حول الجنة والجحيم، ومن المعروف أنه حضر مع زوجته المؤتمر الأول للكنيسة الجديدة التي كانت لا تزال في طورها الجنيني. انجذب بليك الرومانسي إلى رؤية سويدنبرغ للحب الإلهي، لكنه ما لبث أن نفر من عقيدة الكنيسة السويدنبرغية، إذ اكتشف بليك الهوة الشاسعة التي تفصل رؤية ملهمه في القدرة على التواصل مع عالم الأرواح (والتي تُمنح كهدية من الله) وتلك الممارسات الساعية إلى تأطير هذه الأفكار لتحويلها إلى مهارات قابلة للتطوير.

Une image contenant extérieur, bâtiment gouvernemental, vieux, immeuble résidentiel  Description générée automatiquement

المقر الرئيسي لجمعية سويدنبرغ في لندن

هل قرأ سويدنبرغ روزبهان البقلي الشيرازي؟

يشير المستشرق هنري كوربان في كتابه "الإمام الثاني عشر" إلى اقتباس محتمل لسويدنبرغ عن المتصوف روزبهان البقلي الشيرازي (1128-1209) الذي دوّن، بناء على طلب صديق، "صحيفة روحية" تبدو كوثيقة لا تقدّر في جملة الأدبيات الروحانية لكل الأزمان. كانت صحيفة رؤاه ومناماته منذ الخامسة عشر من عمره، ويظهر فيها روزبهان كمن كان منذ طفولته محبواً بقدرة استثنائية للرؤيا. ترك منزله في الخامسة عشر. فقد كشفت له رؤيا رتبته السرية في المراتب الروحانية، ثم تعاقبت الرؤى الرائعة للملائكة والكائنات الجمالية، وقد وفرت صحيفة روزبهان القاعدة المخبرية، بحسب كوربان، لاستبيان المراحل والأحوال التي عبرها تقود جدلية العشق، عبر التجليات الإلهية، إلى التوحيد الباطني.

تقسيم ثلاثي للعالم الروحاني

العالم الروحي عند سويدنبرغ هو عبارة عن كلٍّ هائل، أكثر واقعية من الكون المرئي أو المادي، يقع في أعلى التسلسل الهرمي للكائنات. هذا العالم مقسم إلى أجزاء ثلاثة: عالم الأرواح السفلي (هاديس) والجنة (السماء) والجحيم، في تقسيم لا يمكن أن نفهمه بالاعتماد على المعالم الأساسية للعالم المحسوس، بل هو أشبه ببلاد "رؤى التجلي المقدس" أو "الإقليم الثامن" لدى السهروردي: إنه عالم الملكوت الموازي للعالم المحسوس له مكانه الخاص وعلم إحداثياته الخاص: إن محل هذه الرؤى والتقسيمات هو المحل الروحي، كما أن زمانها هو "ما بين الأزمان"، بحيث تحرر الإنسان من قوانين الزمان والمكان حيث يجري التاريخ بالمعنى المتداول، ولا يختلط العالمان بأكثر مما تمثل الصورة في المرآة، أو الطريقة التي يلازم بها اللون الأسود الغابة السوداء. كيف قسّم سويدنبرغ إذن عالمه الروحاني؟

العالم السفلي

العالم السفلي هو أقرب ما يكون إلى الدهليز، محطة ترانزيت يصل الجميع إليها، ويبقون فيها لمدة تطول أو تقصر قبل الذهاب بشكل نهائي إلى الجنة أو الجحيم. إنه مكان وسيط يتوافق بالشكل مع مطهر الكنيسة الرومانية أو عالم البرزخ عند المسلمين. هنا يتفق سويدنبرغ في رؤيته مع بعض المرويات الإسلامية حول عذاب ونعيم القبر التي لا تجد لها سنداً قوياً في القرآن وكتب الحديث، إذ تؤجّل الأديان التوحيدية، ولا سيما المسيحية والإسلام، القيامة إلى يوم الدينونة أو يوم النفخ في الصور. الموت عند "النبي السويدي" ليس سوى مرحلة قصيرة تليه القيامة في عالم الروح، قيامة ليست مجرّدة من الجسد، ولكن بجسد روحي، أشبه بقميص أكبر وأرحب مفهوماً من الجسد المادي وهو ما يقربه أيضاً من بعض التصورات الصوفية الإسلامية حول الروح.

نقطة أساسية لفهم العالم السفلي عند سويدنبرغ تتمثل في فهم أهمية الحياة الأولى أو المرحلة السابقة للوصول إلى هاديس، فاللحظة هي مرآة الأبدية: من ناحية، أولئك الذين اختاروا الباطل والشر لن يتم إصلاحهم في العالم الآخر، إذ إنّ هذا التغيير ممكن فقط في العالم الأول. وهكذا، عندما يُعرض المرء في الحياة الأولى عن الفيض الإلهي، وعندما يفضّل عن عمد التمتع بالأنانية على الواجب والمحبة، فإنه لا يتحول أو يتطهّر في العالم الآخر؛ على العكس من ذلك، يتوقف المذنب في العالم السفلي فقط بانتظار دخوله إلى الجحيم المستحق. من ناحية أخرى، عندما يستمع المرء إلى كلمة الرب، فإن روحه تبدأ بالتجدد انطلاقاً من هذه الحياة الأولى، والعالم السفلي لا يكون سوى محطة ترانزيت للعبور نحو الجنة في السماوات العُلى.

جنة الملائكة

يسود الاعتقاد في الرؤية التوحيدية بأن الجنة تحتوي على فئتين من السكان: الملائكة والبشر وتزخر النصوص والمرويات بأن الملائكة كائنات روحية تماماً، لها أجنحة ولكن ليس لها جسد مادي، كائنات نورانية معصومة عن الخطأ، تشكّل سلالة أعلى من جنسنا، أقرب للّاهوت منها إلى الناسوت. وفقاً لهذه العقيدة التوحيدية، سيبقى البشر والملائكة متميزين إلى الأبد. عند سويدنبرغ، الملائكة هم بشر بُعثوا برتبة أعلى، بشر أصبحوا سماويين ويمكنهم الاستمرار حتى في ممارسة أعمالهم السابقة. البشر عنده يمكن أن ينذروا للملائكية إذ أعطاهم الربّ كل ما يحتاجونه ليصبحوا كذلك. وعلى كل واحد منا أن يتسلق إلى حد ما سلم الكائنات، إذ إن الرب يدعونا جميعاً وينادينا إلى أعلى وأقرب مكان، وهنا أيضاً يقترب السويدي من الأفكار الصوفية الإسلامية، ولا سيما عند الحلاج والبسطامي، وبخاصة حول الحلولية، وإن كان موجهة إلى حلول البشر في الملائكة أكثر منها في الذات الإلهية.

أما عن التقسيم الهندسي للسماء أو الجنة، فإننا هنا سنعثر مجدداً على تقاطعات مذهلة مع التراث الإسلامي، وبخاصة ما نجده عند الثعالبي أو الأدبيات الباطنية، إذ تنقسم السماء عند سويدنبرغ إلى ثلاث سماوات؛ تسكن السماء الأولى ملائكة أدنى رتبة، يشبهون ما نحن عليه على الأرض، وبالتالي هم أقل نقاءً وأقل تقدماً.

وتسكن السماء الثانية ملائكة أعلى رتبة يغلب الذكاء فيهم على القلب. أما السماء الثالثة، الأكثر كمالاً على الإطلاق، فتسكنها الملائكة السماوية المتفوقة التي يسود فيها القلب أو الإرادة على الذكاء. هؤلاء الملائكة هم الأقرب إلى الله، ويؤلفون، إذا جاز التعبير ، مجلس وزرائه: من هذا التقسيم للسماوات انطلق سويدنبرغ في تأويل باطني للكلمة الإلهية هو أقرب لما نجده عند المذاهب الباطنية الإسلامية (الإسماعيلية) كما يشير كوربان بوضوح إلى تقاطع أو اقتباس محتمل.

كما أنه توجد ثلاث سماوات في العالم الروحاني: سماء دنيا وسماء وسطى وسماء عليا، توجد على التوالي، مطابقاً لهذه الممالك، ثلاثة معانٍ في الكلمة الإلهية: في الخارج معنى طبيعي أو حرفي هو الذي يغلفه المحتوى، والدعامة لمعنى داخلي هو المعنى الروحي، وهذا المعنى يحتوي بداخله على معنى أكثر سمواً هو المعنى السماوي (وهو ما يشير إليه الأدب الإسلامي بباطن الباطن).

كما أن تقسيم السماء ومراتب الملائكة قد ورد في "عرائس المجالس" للثعالبي مع فارق العدد (سبع سماوات) حيث نقرأ أن في السماء الدنيا واسمها برقيعا ملائكة خلقوا من نار وريح وعليهم ملك يقال له الرعد وهو موكل بالسحاب والمطر، وفي السماء الثانية واسمها قيدوم ملائكة على ألوان شتى عليهم ملك اسمه حبيب، نصفه من ثلج ونصفه من نار، وفي السماء الثالثة واسمها الماعون ملائكة مرصوصة أجنحتها كالبنيان المرصوص، وفي السماء الرابعة واسمها فيلون ملائكة قيام وركوع وسجود، وفي الخامسة واسمها اللاحقون ملائكة لا ترفع أبصارها من العبادة إلى يوم القيامة، وفي السادسة واسمها ملائكة كروبيون (مقرّبون) يبعثهم الله في أموره إلى أهل الدنيا، وفي السابعة واسمها الرقيع وفي مكان يدعى برهوتا حملة العرش، لو أن الملك منهم نشر جناحه لطبق الدنيا بريشة منه.

الجحيم

مثل الجنة، يتألف الجحيم من ثلاث مناطق متميزة. سكانها، الذين يُطلق عليهم اسم الأبالسة أو الشياطين، هم بشر أساؤوا استخدام إرادتهم الحرة سابقاً ونذروا أنفسهم طواعية للشر. الشيطان الذي يتحدث عنه الكتاب المقدس ليس عند سويدنبرغ شخصاً بذاته، أو نوعاً من الإله المتمرد، بل هو تجسيد للجحيم. الملعونون في هذا الجحيم لا يعانون من الندم الذي لا يعرفونه إذ لا ضمير لديهم، بل يعانون من أنانيتهم ​​ومن رغباتهم غير المشبعة وأهوائهم التي تقضي عليهم.
في كثير من الأحيان يتم تصويرهم كسالى، يجبرون على العمل بسبب النقص في الطعام وشظف العيش، إنه إرغام قسري على ممارسة السياسة بين بشر ممتلئين بالحسد والقسوة، وساعين لإيذاء بعضهم البعض، في نوع من سلطة العالم السفلي بقذاراته ومواخيره ومستنقعاته. ولمنع هؤلاء الخطاة من التدمير والأذى لا بدّ من استخدام عقوبات صارمة، فيمارسون نوعاً من العقاب على ذواتهم، خاضعين لحكومة الرب العليا الصارمة التي تسعى جاهدة لجعل مصير هؤلاء الأشخاص التعساء مقبولاً قدر الإمكان.

لقد تصور إيمانويل الجحيم بطريقة جديدة تماماً: لم يجردها من رعبها، ولكن من العديد من الظروف المشددة التي يمكن أن تخل بعدالة الرب أو رحمته: على الرغم من المعاناة الكبيرة ، فإن الملعونين في نظره أقل تعاسة في أماكن إقامتهم المظلمة والبشعة مما لو كانوا في أي مكان آخر، فحتى إذا حاولوا الدخول إلى الجنة ، شعروا بالاختناق بسبب الجو النقي والمبهج الذي لم يألفوه، وتحمّلوا آلاماً لا تطاق عند عجزهم عن فهم حوارات الملائكة وكلام أهل الجنة، فأسرعوا للخروج منها واندفعوا طوعاً إلى الجحيم، وهو ما يتقارب مع المقابلة القرآنية بين الجنة والنار وإن لم ينقطع الحوار بين أهليهما كما في سورة الأعراف: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِين).

قصيدة خ.ل. بورخيس ترجمة الشاعر السوري جولان حاجي

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard