شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
إلى النواب الجُدد: المواجهة تبدأ بإصلاح مجلس النواب

إلى النواب الجُدد: المواجهة تبدأ بإصلاح مجلس النواب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 20 مايو 202204:14 م

انتهت الانتخابات النيابية بأقل الخسائر الممكنة وبعض المكاسب الممكنة، التي وإنْ كانت كبيرة، فقد كان الممكن أن تكون أوسع لو جرت إدارة معركة القوى التغييرية بذكاء انتخابي أعلى وواقعية سياسية عند جميع القوى والمجموعات، وليس عند جزء منها.

الخلاصات الإيجابية متعددة، وقد استفاض كثيرون في شرحها عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو في مقالات. الاحتفالات واجبة ومبررة، من جنوب لبنان إلى شماله. حق لنا، نحن المدنيون الذين راكمنا تجارب سياسية ــ معظمها فاشل ــ وراكمنا مع قهر وقمع وشهداء وجرحى ومهجّرين من البلد، حق لنا أن نحتفل بفراس حمدان، وميشال الدويهي، وإبراهيم منيمنة، ومارك ضو، وبقية الفائزين الذين تلاقت أكتافنا معهم في جولات التظاهرات من عام 2011 مرورا بـ2015 ثم 2019 أو عملنا وإياهم انتخابياً في 2016 و2018.

الاحتفال حق، لكنه يجب أن يترافق مع إيصال فكرة واضحة للنواب المنتخَبين التغييريين: سيكون النقد والمحاسبة لكم قاسياً جداً، بل سيكون أقصى من نقدنا لأحزاب السلطة، لأنكم تمثلون حلماً بالتغيير، حلماً تجرأ عدد من اللبنانيين على ترجمته في صناديق الاقتراع، وامتنع كثيرون منهم من التوجه إلى الصناديق بسبب عدم اقتناعهم بالطروحات الانتخابية.

تحديات كثيرة

تم تحقيق الكثير، لكن هذا الكثير ليس كافياً، والأهم أنه في خطر محدق لو لم يقدّم نموذجاً استثنائياً في العمل البرلماني والسياسي.

برلمانياً، التحدي كبير، ولكنه ممكن. يفترض أن الفائزين وبعض ممَّن لم يوفقهم الحظ بدأوا نقاشاً حقيقياً حول شكل الكتلة وطريقة إدارة عملها. هل ستكون كتلة مشابهة للكتل التقليدية؟ أم ستؤسس لفريق عمل نيابي مؤلف من مجموعة من المختصين القادرين على تحضير عشرات مشاريع القوانين لتكون جاهزة للنقاش فور بدء ولاية المجلس المنتخب؟ وهذا أمر ممكن، فهناك الكثير من منظمات المجتمع الأهلي والخبراء الذي عملوا بشكل معمّق حول مختلف القضايا الاجتماعية والقانونية والاقتصادية. بعبارة أخرى: هل ستُقدّم هذه المجموعة تجربة سياسية وبرلمانية جديدة، أم ستكرر التجارب التقليدية؟ هل ستتمكن من تحديد أولويات واضحة تبني تقاطعاتها مع القوى المختلفة على أساسها، أم تقع في فخ الصراع الهوياتي؟

الملفات في هذا السياق كثيرة ومتشعّبة، فالبلد مهترئ وقوانينه عفا عنها الزمن، لكن هناك أولويات أساسية، سأعدد بعضا منها:

ـ إدارة المجلس النيابي: لا يمكن لإدارة المجلس أن تستمر على حالها. التصويت الإلكتروني في الجمعية العامة بات ضرورة لا يمكن التخلي عنها. من حق اللبنانيين معرفة كيف يصوّت نوابهم. وهذا يقتضي تطوير موقع المجلس النيابي، ليتولى البث المباشر لجميع الجلسات العامة (إلا إذا كانت هناك ضرورات أمن قومي وهذا الاستثناء وليس القاعدة)، ونشر جدول الأعمال قبل الجلسات، والأهم نشر مشاريع القوانين المقترحة والنسخ المتعددة بعد إدخال تعديلات عليها، إنْ في اللجان أو الجمعية العامة. من حق اللبنانيين مراقبة عمل نوابهم. النقل المباشر ونشر جداول الأعمال وجدول حضور النواب، لا يجب حصره في الجمعية العامة، بل يجب أن يطال جميع مداولات اللجان، إلا في حالة ضرورات الأمن القومي. الشفافية والعلنية هي القاعدة ولا يجب أن تبقى الاستثناء. هذا يتطلب تعديلات أساسية على النظام الداخلي لمجلس النواب، والأهم على موظفي المجلس ومكتبه (التي يجب أن تكون مفتوحة للعامة).

"الاحتفال (بالنواب التغييريين) حق، لكنه يجب أن يترافق مع إيصال فكرة واضحة لهم: سيكون النقد والمحاسبة لكم قاسياً جداً، بل سيكون أقصى من نقدنا لأحزاب السلطة، لأنكم تمثلون حلماً بالتغيير، حلماً تجرأ عدد من اللبنانيين على ترجمته في صناديق الاقتراع"

ـ إصلاح النظام القضائي: استقلالية القضاء هي أهم أركان النظام الديمقراطي، وهنالك حاجة إلى إقرر قانون يضمنها، إنْ لجهة آلية عمل المحاكم أو انتخاب مجلس القضاء الأعلى أو إدارة نظام السجون، وهناك مشروع قانون مهم بهذا الخصوص عالق في أدراج المجلس. ومن بين القوانين التي يتطلع إليها متظاهرو 17 تشرين كف يد المحكمة العسكرية عن مقاضاة المدنيين وإصلاحها في بقية المجالات، وحماية القاضي طارق البيطار والتحقيق في ملف مجزرة تفجير مرفأ بيروت. هذه القوانين ضرورية لخوض معركة مواجهة الفساد والفاسدين واستعادة الأموال المهرّبة أو المسروقة وأموال الرشاوي التي تراكمت وحققت ثروات لكثيرين.

ـ الإدارة العامة: هناك حاجة ضرورة لحزمة قوانين ترفع مستويات الرقابة والجودة في كافة إدارات الدولة، من التعليم الرسمي إلى إدارة المناقصات وغيرها.

ـ المالية العامة والاقتصاد: هذا الملف هو من الأصعب، وخصوصاً طريقة التعامل مع خسائر النظام المصرفي التي يقول المنطق بأن يدفع ثمنها مَن فشل في إدارة هذا النظام وعلى رأسهم حاكم مصرف لبنان والحكومات المتعاقبة ووزراء المال وأصحاب المصارف وكبار المودعين الذين استفادوا مما كان يجري. لكن هذا لا يعني رفض عبارة مثل "استعادة الثقة بالنظام المصرفي". لا يُمكن بناء اقتصاد من دون نظام مصرفي، ولا يمكن استعادة الثقة من دون محاسبة المصرفيين الذين فشلوا في إدارة أموال الناس وحوّلوا النظام المصرفي إلى قطاع لا يساهم في بناء وتطوير القطاعات الإنتاجية في البلد. وعطفاً على هذا النقاش، هناك مواجهة طرح الصندوق السيادي الهادف إلى بيع أصول الدولة ومشاعاتها وموضوع التحويلات المالية إلى الخارج في السنوات الأخيرة. ومن الأولويات في هذا السياق أيضاً نقاش الموازنة العامة بشكل تفصيلي واستراتيجي لجهة أي خيارات اقتصادية واجتماعية يتبناها البلد (الصحة، الشؤون الاجتماعية، الزراعة...)، والصناديق "السوداء" (كصندوقي الجنوب والمهجرين)، وإقرار حزمة قوانين تمهّد لتطوير القطاعات الإنتاجية وتسمح للبنان بالمنافسة في قطاع التكنولوجيا وخدماتها. ومن الأولويات أيضاً القوانين المتعلقة بإدارة قطاع الكهرباء والنفط والمياه والجمارك وضبط الحدود. الشفافية يجب أن تُفرض فرضاً.

ـ الأمن: يعيش اللبنانيون منذ سنين تحديات أمنية كثيرة. أمنهم الشخصي بخطر. ثقتهم بجهاز الشرطة تتراجع. المخدرات تنتشر مثلها من الخوات والسرقات. إصلاح قوى الأمن الداخلي أولوية قصوى.

الحاجة إلى البناء على تقاطعات

هذه أولويات طارئة، ولكنها لا تختصر جميع الحاجات. هذه أولويات يجب أن يدخل نواب 17 تشرين إلى المجلس حاملين مشاريع لمعالجتها، أي أن العمل عليها يجب أن يسبق بدء ولاية المجلس عبر المنتخبين ولجنة العمل البرلمانية. لا يجب السماح لأحزاب السلطة بمصادرة هذا الأمر بصراعات سياسية لا أفق لها سوى تكريس الانقسام التقليدي، واستهلاك قوى التغيير بهذه النقاشات. وهذا يفتح الباب أمام التحديات السياسية التي تواجهها هذه القوى. السؤال الأبرز هنا سيكون: هل هي قادرة على إدارة تقاطعات على عناوين محددة، أم أنها ستنقل خطاب "كلن يعني كلن" ــ الذي كان ضرورياً في لحظة 17 تشرين ــ إلى مجلس النواب؟ وإذا نُقل هذا الخطاب، كيف سيُمكن تحقيق إقرار قوانين لتنفيذ أجندة الذين انتَخبوا هذه القوى؟

"تواجه كتلة النواب التغييريين تحديات سياسية كثيرة، والسؤال الأبرز هنا سيكون: هل هي قادرة على إدارة تقاطعات على عناوين محددة، أم أنها ستنقل خطاب ‘كلن يعني كلن’ ــ الذي كان ضرورياً في لحظة 17 تشرين ــ إلى مجلس النواب؟"

الإسراع في تشكيل الكتلة وفريق عملها النيابي يهدف إلى فتح المجال لحوار سياسي مع القوى التي يمكن التقاطع معها، لتحقيق جملة من الأهداف. في البداية، الأولوية ستكون التواجد في مختلف اللجان وترؤس بعضها، استناداً إلى أولويات هذه الكتلة، ومن ثم تأمين الأكثرية لإقرار هذه القوانين وغيرها من القوانين الضرورية، مثل قانون مدني للأحوال الشخصية وقانون جديد للانتخابات البلدية (هيئة الإشراف المستقلة أكثر من ضرورة).

إن دخول هذه الكتلة إلى مجلس النواب بعقلية رفض التقاطعات خطير، لأن هذا سيكون مانعاً لتحقيق إنجازات برلمانية تساهم بتحقيق أهداف انتفاضة اللبنانيين وهي محاربة الفساد وبناء اقتصاد مختلف وتأمين العدالة الاجتماعية ووقف سلسلة التهرّب من العقاب واستعادة سيادة الدولة المسروقة من الميليشيا والمافيا.

التحديات أمام الفائزين والفائزات كثيرة. الناس لن ترحم. لكن نواب التغيير المنتخبين ليسوا وحدهم. معهم كثيرون من المختصين والخبراء القادرين على المساعدة، والأهم عشرات آلاف الناس الذين انتخبوهم وعشرات آلاف آخرون مستعدون لحماية تجربتهم لو تمت إدارتها بشكل صحيح. لا تخذلوا الناس، لأن الأمل بكم كبير. لا مجال للفشل أيها الأصدقاء.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard