شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
اليوميات أو دفاتر الحساب والموت II

اليوميات أو دفاتر الحساب والموت II

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 15 مايو 202203:19 م

يقول الناقد الفرنسي جورج ماي في كتابه السيرة الذاتية: "ما أكثر[السير الذاتية] التي تبدو كأنها محاولات يائسة للانتصار على الزمان والموت" أما ظاهرة تسجيل اليوميات، بوجهيها الكلاسيكي والمعاصر فلا يمكن النظر فيها إلا من حيث هي مقاومة للموت ورعب من فناء العمر إن كان الذي يتهددها خطرا بشريا أو قدر التقدم في العمر أو سقم، فكاتب اليوميات يسجل تآكل عمره يوما بيوم ومن هذه الزاوية فهو في قلب الحساب والمعادلات. أما متن اليوميات والذي يميل فيه البعض إلى اعترافات ضمنية بالخطايا اليومية فهو بدوره تفكير ما بيوم الحساب لكن بإقامة قيامة يومية للنفس.

اليوميات والموت والانتحار

ربما الخوف من النفاد والنهاية والتقدم في العمر والموت هي التي دفعت بآن فرانك أن تكتب يوم 10 أكتوبر 1942 بجانب صورتها "هذه هي صورتي، وأريد أن أبقى في هذا الشكل" وهي الفكرة ذاتها التي ظلت تدفع ببعض كتاب اليوميات إلى وضع حد لحيواتهم، على النحو الذي دفع بالشاعرة الأمريكية سلفيا بلاث أو الشاعر والروائي الإيطالي تشيزاري بافيزي صاحب كتاب مهنة العيش إلى الانتحار.

ظلت سلفيا بلاث تسجل آلامها في يومياتها وتشبه حياتها بالموت فتكتب يوم السبت 2 أوت: "عندي شعور طاغ بالمرض، أنا مريضة بكل معنى الكلمة. حياة دون القيام بشيء هو موت. حياتنا هي على نحو سخيف مرتدة للداخل، حياة جلوسية".

ظاهرة تسجيل اليوميات، بوجهيها الكلاسيكي والمعاصر لا يمكن النظر فيها إلا من حيث هي مقاومة للموت ورعب من فناء العمر

أما حالة بافيزي فتبدو أكثر دلالة في علاقة اليوميات بالموت فقد انتحر الكاتب بعد أيام قليلة من قراره التوقف عن كتابة يومياته. فبدت ممارسة اليوميات معه تأجيلا لموت قديم شعر به يطرق بابه مع أول تدوينة سجل فيها احتضاره الأدبي. فالفترة التي تغطيها اليوميات ما بين تاريخين اثنين؛ 6 أكتوبر عام 1935 و18 أوت 1950 كانت فترة مقاومة الموت وعبر اليوميات ذاتها. حاول بافيزي الهروب من الانتحار منذ بداية تسجيله ليومياته وكان يعترف كل مرة أنه يقاومه حتى انهزم أمامه سنة 1950.

وكثيرا ما توقف بافيزي يتأمل في ظاهرة الانتحار ومحللا إياها ومنظّرا، تلك الظاهرة التي رأى أنها نتيجة صفة أصيلة في الإنسان، أي انسان فسجل يوم 23 مارس 1938: "لا أحد يفتقر إلى سبب معقول للانتحار" غير أن المقدم على الانتحار، بالنسبة إليه، عليه أن يتمتع بكفاءات تمكنه من الانتحار بنجاح فيكتب يوم 24 أفريل:

ربما الخوف من النفاد والنهاية والتقدم في العمر  هي التي دفعت بآن فرانك أن تكتب يوم 10 أكتوبر 1942 بجانب صورتها "هذه هي صورتي، وأريد أن أبقى في هذا الشكل"

"[...] يبدو الانتحار أشبه بواحدة من تلك الأفعال الأسطورية للبطولة، تلك التوكيدات، في الخرافات، عن كرامة "انسان" في وجه "القدر"، والتي تنتج أوضاعا مثيرة للاهتمام لكنها لا تمت إلينا بصلة. المدمر لذاته نوع مختلف، أكثر يأسا إنما عملي أكثر، مضطر لاكتشاف كل عيب، كل جبن في طبيعته ذاتها؛ ثم يشاهد هذه الميول على نحو لين بحيث تصبح مدرد لا شيء، هو يبحث عن الأكثر، يستمتع به، يجده مسكرا. هو واثق من نفسه أكثر من أي فاتح في الماضي، وهو يعرف أن الخيط الذي يربطه بالغد، باحتمالات الحياة، بمستقبل رائع، هو سلك أقوى، عندما يكون محكم الشدّ، من أي إيمان أو نزاهة. والمدمّر لذاته هو، قبل كل شيء، شخص فكه جدا وسيد نفسه. لا يفوّت أبدا فرصة الإصغاء إلى نفسه وإثباته نفسه. هو متفائل، يتمنى كل شيء من الحياة. المدمر لذاته لا يطيق العزلة. لكنه يعيش في خطر دائم من أنه ذات يوم سيتفاجأ بنوبة من إبداع شيء ما أو وضع كل شيء في نظام ملائم، حينذاك سيعاني على نحو لا ينقطع وحتى يمكن أن يقتل نفسه".

ظل بافيزي يعود كل مرة إلى الحديث عن الموت والانتحار حتى فعلها وعن وعي تام عندما ختم يومياته بتاريخ 18 أوت 1950 كتب: "الشيء الذي يخافه المرء في السر، يحدث دائما.

أكتب: آه يا أنت، ارحمنا، وماذا بعد؟

قليل من الشجاعة يكفي.

كلما أصبح الألم بيّنا ومحدّدا، كلما فرضت غريزة البقاء نفسها، وتقلّص التفكير في الانتحار.

يبدو سهلا حين التفكير فيه. امرأة ضعيفة أقدمت عليه. إنه يتطلّب ضعة لا كبرياء.

كل هذا مقيت.

لا كلمات. حركة. لن أكتب بعد الآن".

كتب ذلك بعد أن يئس من السياسة ومن جسده الخاص ومن النساء ومن الكتابة.

إن هذا القرار والاحجام عن الكتابة هو نفسه اعلان انتحار ما قبلي جسّده فعليا بعد تسعة أيام مما يؤكد الرأي بأن وجود كاتب اليوميات يصبح رهين استمرار اليوميات نفسها وتوقفها يحيل وجوده إلى شاهدة على قبر ما تحتلها التواريخ والأرقام تحت اسمه مشيرة إلى تاريخ ميلاده وتاريخ وفاته وكأن الحياة كلها عند كتاب اليوميات تردد عبارة تشارلز بوكوفسكي "لا تحاول" التي كتبت على شاهدة قبره بعد ذلك. بوكوفسكي كان بدوره واحدا من الكتاب الذين اهتموا باليوميات مخضعها لمزاجه الخاص ورؤيته الخاصة للأدب فكتب "يوميات عجوز قذر" و"ملاحظات يومية لرجل عجوز".

اليوميات العربية والموت

يؤكد الفكرة، في المدونة العربية، الروائي الفلسطيني غسان كنفاني الذي هرع إلى فن اليوميات نتيجة ذلك الإحساس بأن الموت بكل ألوانه يحاصره؛ الاغتيال السياسي ومرض السكري، لذلك كان يلاحق ذلك العمر القصير عبر كتابة اليوميات والكتابة القصصية والروائية وربما هذا ما يفسر بقاء أعماله غير مكتملة. كانت الرغبة في أن يكتب أكثر ما يمكن أكبر من الرغبة في انهاء عمل بعينه. ألا يذكرنا هذا بكافكا ومخطوطاته غير المكتملة؟ كان أيضا، تحت فوبيا الموت القادم. ولأن كاتب اليوميات عموما كائن استشرافي لأنه ملتحم بحاضره وماضيه ولأنه ينطلق في الكتابة في غالب الأحيان من إحساسه بالخطر الذي يتهدد حياته.

يكتب كنفاني يوم" 1/1/1960

غسان كنفاني: وهأنذا أكتب من جديد... يوميات كريهة، لحياة كريهة تنتهي بموت كريه، مستشعرًا كم أنا مجبر على أن أكتب، كم أنا مجبر على أن أعيش، كم أنا مجبر على أن أموت

.. ليلة أمس قررت أن أبدأ من جديد..

هذه اليوميات عمل كريه، ولكنه ضروري كالحياة نفسها..

أتى القرار بسرعة وببساطة، كانت الساعة تمام الثانية عشرة، أي أننا كنا ننتقل من عام قديم إلى عام جديد.. كانت الغرفة صامتة، تعبق برائحة وحدة لا حد لها.. عميقة حتى العظم، موحشة كأنها العدم ذاته.. وبدا كل شيء تافهًا لا قيمة له، فقررت أن أكتب شيئًا.. لكنني فضلت، لحظتذاك، أن أبكي.. ومن الغريب أنني فعلت ذلك ببساطة، ودون حرج، وحين مسحت دمعة، أو دمعتين، كنت كمن يهيل التراب على جزء آخر من جسد ميت سلفًا ندعوه حياتنا..

وهأنذا أكتب من جديد... يوميات كريهة، لحياة كريهة تنتهي بموت كريه، مستشعرًا كم أنا مجبر على أن أكتب، كم أنا مجبر على أن أعيش، كم أنا مجبر على أن أموت.."

إن كلمة "هرع"، التي اخترناها أعلاه عمدا، يؤكدها غسان كنفاني عندما يتحدث في اليومية نفسها عن الإجبار فالكتابة ليست اختيارا بل شيء كريه يجب أن يقوم به ليستمر في العيش أو يؤجل الموت. وهو الشيء الذي تدعمه اليومية الثالثة بتاريخ 4/1/1960 التي يتحدث فيها غسان كنفاني عن مرضه بداء السكري:" إنني مريض، نصف حي يكافح من أجل أن يتمتع بهذا النصف، كما يتمتع كل إنسان بحياته كاملة.. وكل المحاولات التي افتعلتها لكي أنسى هذه البديهية تقودني من جديد لكي أواجهها.. وبصورة أمر."

ثم يفصل كنفاني هذا الاعتراف في آخر اليومية عندما يعتبر أن الألم هو الثمن الذي يقدمه من أجل أن يستمر في العيش فيقول:" دفعني لأكتب هذا الكلام.. جرح سببته الحقنة اليومية هذا الصباح.. وأعتقد أنه مازال ينزف إلى الآن.. لو قلت لإنسان ما إنني أتألم منه لأعتبره شيئًا يشبه النكتة الطريفة.. ويرددها على هذا الأساس، متسائلًا: "كيف يستطيع إنسان أن يجرح نفسه؟ لا شك أنها تجربة طريفة!!" أو أنه على أحسن الاحتمالات سوف يقول: "إنه يتألم!" ويغير الموضوع.. أما بالنسبة لي فهي تعني، وسوف تبقى تعني كل يوم، أنني أريق جزءًا من احتمالي، وإنسانيتي، وسعادتي من أجل أن أعيش... وإنه لثمن باهظ حتمًا.. أن يشتري الإنسان حياته اليومية بالألم.. والقرف.. والنكتة.. إنه ثمن باهظ بلا شك.. أن يشتري حياته اليومية بموت يومي".

وذات الأمر يمكن رصده في يوميات الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي فقد شكل تشاؤمه من حال التونسيين وخمولهم ومرض وقسوته وفشله العاطفي أسُسَ حضور الموت في يومياته الذي كان امتدادا لحضوره في شعره ونثره الإبداعي. ولعل فاجعة موت حبيبته وموت أبيه وانتظاره لموته الخاص كانت أهم مظاهر ذلك الحضور.

أبو القاسم الشابي: "لقد أصبحت يائسا من المشاريع التونسية، ناقما على التونسيين، لأنني أراهم يقولون كثيرا ولا يعملون إلا قليلا"

وإن بدايته تسجيل يومياته بمناجاة الموتى يجعل من الموت نفسه دافعا لهذا الاحتفاظ باليوميات فأول يومية بتاريخ 1 جانفي 1930 يفتتحها بقوله :

في سكون الليل، ها أنا جالس وحدي، في هاته الغرفة الصامتة إلى مكتبي الحزين، أفكر بأيامي الماضية التي كفّنتها الدموع والأحزان... وأستعرض رسوم الحياة الخالية التي تناثرت من شريط ليلي وأيامي ، و\هبت بها صروف الوجود إلى أودية النسيان البعيدة النائية.

أنا جالس وحدي في سكون الليل، أستعرض رسوم الحياة، وأفتكر بأيّامي الجميلة الضائعة، وأستثير أرواح الموتى من رموس الدهور".

ويكتب يوم 13 جانفي 1930 متحدّثا عن استحضار موت والده واحتضاره بالتفصيل:

"... أراه وقد اشتدت عليه وطأة الداء، وأصبح يعالج ألم الموت ونزاع الحياة، والطبيب يحقنه بأدوية كثيرة. ثم يخرج يائسا مخفيا يأسه عنّي أنا المسكين الصغير...

وأراه وقد شمله الموت براحته، فأصبح ساكن الطائر، متّزن النفس، تخاله في حلم النائم المطمئن، والنساء يبكين في قلب الليل ويملأن فجاج الأفق برنّات النياحة، وأنا كالطائر الذبيح أكاد أجنّ من الحزن والنحيب، طورا أقف عند رأسه، وأخرى عند رجليه، وأخرى أجلس على يمينه، وأخرى عن شماله، وبيميني هاته أجرّعه من حين لآخر جُرعا من الماء يكاد يمازجها دمعي المنهلّ، وتكاد تريقها هزّات تسبيحي. ثم رأيته التفت إليّ وأوقف مقلتيه، فحسبته يرنو إليّ فاقتربت منه قائلا: أبي! أبي! ماذا تريد؟ لكن آه يا قلبي لقد كانت تلك نظرة الموت، حسبتها نظرة الحياة تدعوني. ثم لوى عنقه وشخص ببصره وارتجفت شفتاه بالشهادة لم لم يفتر عن تردادها، ولفظ النفس الأخير.

لقد مات أبي أيها القلب. فماذا لم بعد في هذا العالم. مات أبي وظللت أنتحب وأنوح وأبكي بكاء النساء، ثم طبعت على جبينه البارد قبلة كانت آخر عهدي به. فسلام عليه يوم ولد، ويوم مات، ويوم يبعث حيا، رحم الله روحه الطاهرة الكريمة...".

كان الشابي منذورا للموت ومنتظرا له في كل حين ومحاصرا به ببعديه الحرفي والرمزي حتى في نقله للحياة الأدبية والثقافية في عصره حيث تنهار المؤسسات وتموت وهي أجنّة حتى وصل إلى قولته الشهيرة "لقد أصبحت يائسا من المشاريع التونسية، ناقما على التونسيين، لأنني أراهم يقولون كثيرا ولا يعملون إلا قليلا".

إن النظر في انتحار بعض كتاب اليوميات يكشف الاحتفاء بالموت والحرص على إتقناه، هكذا فعلت سيلفيا بلاث عندما حشرت رأسها في الفرن وأحكمت غلق الفجوات تحت الباب بالمناشف حتى لا يتسرب الغاز خارج المطبخ ويصل أطفالها في الغرفة الأخرى

مسرحة الانتحار عند كتاب اليوميات

إن النظر في انتحار بعض كتاب اليوميات يكشف ذلك الاحتفاء بالموت والحرص على إتقناه، فكان المقدمون عليه، يحكمون مسرحته في مشهدية مثيرة ويعملون على نجاحه التام خاصة إذا تكرر فشلهم. هكذا فعلت سيلفيا بلاث عندما حشرت رأسها في الفرن وأحكمت غلق الفجوات تحت الباب بالمناشف حتى لا يتسرب الغاز خارج المطبخ ويصل أطفالها في الغرفة الأخرى. وكذلك حرصت فرجينيا وولف على اثقال جيوبها بالحجارة لكي لا تطفو وتغرق بنجاح ولعل قصة الكاتب المصري وجيه غالي مع الانتحار تمثل نموذجا واضحا على مسرحة الانتحار والتحكم في الفضاء الفرجوي عندما خطط لذلك وهو يكتب آخر يومياته ويوصي عشيقته الكاتبة الإنجليزية ديانا آتهيل بتحريرها ونشرها وتسديد ديونه ثم اقدامه على التهام علبة كاملة من الأدوية ووضع ورقة على الباب يحذر فيها صديقته من دخول البيت، الذي هو بيتها، ويطلب منها استدعاء الشرطة" ديانا لا تدخلي، اتصلي بالشرطة فورا" ليترك بجانبه ورقة يقول فيها " أظن أن الانتحار هو الشيء الوحيد الأصيل الذي فعلته في حياتي". أما التونسي محمد العريبي والذي كتب مذكراته ومازالت ضائعة إلى اليوم، وجرب كتابة القصص على شكل اليوميات مؤكدا وعيه وتعلقه بهذا النوع من الكتابة فقد مسرح انتحاره بطريقة خاصة جدا عندما ربطه بحفلة عيد الميلاد حين خرج مع عشيقته فالنتين للاحتفال وبعد سهرة طويلة عابثة عاد إلى بيته بباريس وانتحر بغاز الاصطباح في 25 ديسمبر 1946.

ولعل مسرحة الانتحار واعطائه صبغة قصصية تضفي عليه دهشة أمر اشترك فيه كتاب "الكتابة عن الذات" كلهم من همنجوي إلى ميشيما وستيفين زفايغ وغيرهم مؤكدين بذلك أن مواجهة الذات أصعب من مواجهة أي عدو وترصد الذات أفظع من المشاركة في الحروب.

إن هذا الانهمام بموضوعة الموت يمكن أن نلمسه في جل التجارب المنجزة في أدب الذات عموما وفن اليوميات خصوصا، شرقية كانت أم غربية وفي كل الأزمنة، فهي ثابتة في يوميات سرير الموت للمغربي محمد خير الدين التي خصصها لمعاناته من مرض السرطان طيلة شهر أوت 1955 بالمستشفى العسكري بالرباط وهي قائمة في في قبضة الكابوس اليوميات التي نقل عبرها السوري جان دوست تجربته مع فيروس كورونا والحجر الصحي بألمانيا سنة 2020 وهي مؤكده في يوميات الحداد1977- 1979 التي التي خصصها رولان بارت لأثر موت أمه عليه وهي أحد المواضيع المركزية في يوميات برلين1940-1945 للأميرة الروسية مارى ڤاسيلتكيكوڤ التي سجلت فيها آثار قصف برلين ومحاولة اغتيال أدولف هتلر وكان الموت بطلا في امرأة في برلين للصحفية الألمانية مارتا هيلرس والتي نقلت فيها ثمانية أسابيع تحت الاحتلال الروسي سنة 1945 وبلا شك كان الموت معلنا في يوميات فتاة شابة لآن فرانك التي نقلت فيها رعب الاضطهاد النازي لليهود أثناء احتلال هتلر لهولندا 1942 أين كانت مختبئة هي وعائلتها قبل أن يتم القبض عليهم.

ومن ثم فلا يمكن لليوميات، عادة، أن تنجو من فكرة الموت وتدبّره لأنها نشأت في الفاجعة وترعرعت في هذا الإحساس الجنائزي؛ "حميمية" كانت هذه اليوميات مغرقة في ذاتيتها أو "خاصة" منفتحة على العالم والآخر. فزحمة الأرقام والتواريخ والحسابات في مواجهة الذات في عرائها التام واليومي تعجّل بدخول تلك الذات في سوداوية قد تفتك بها. يقول رولان بارت في يوميات الحداد بتاريخ 30 أكتوبر "إن كون هذا الموت لم يدمرني تماما، يعني بالتأكيد أني أريد الحياة بشدة، إلى درجة الجنون، ومن ثم فإن الخوف من موتي أنا شخصيا مازال موجودا، ولم يتزحزح قيد أنملة".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard