شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
من وقّع باسم باشاغا في

من وقّع باسم باشاغا في "التايمز" وأوقعه مع الروس؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 7 مايو 202203:39 م


مقالة بمنزلة النيران الصديقة، وشبيهة بإعلان الحرب في صف الغرب على موسكو، حليفة حلفائه، بعدما كانت في عداد أعدائه. ومضمونها يَعِد أوروبا بنفط ليبيا بديلاً من الروسي. أما صاحبها، فهو رئيس الحكومة الليبية المكلف من البرلمان فتحي باشاغا، كما تزعم صحيفة التايمز، وهو أيضاً ليس بكاتبها كما يدّعي هو نفسه، بل هي مكذوبة عليه حسب تغريدته. لكن أيهما على حق، وكيف بدأ كل هذا؟

حرب إعلامية

على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، اشتعلت حرب إعلامية بين باشاغا وصحيفة التايمز البريطانية التي أكدت على لسان الناطق باسمها في تصريح خاص لـ"إندبندنت عربية" المملوكة للمجموعة السعودية للأبحاث، التمسك بما نشرته الصحيفة فيما يخص المقال الموقع باسم فتحي باشاغا، مؤكدة أن "فريق فتحي باشاغا أكد لها دقته". وعنونت إندبندنت العربية تقريراً نشر في الرابع من مايو/ أيار الجاري: "التايمز لإندبندنت عربية: نتمسك بنشرنا مقال باشاغا ومكتبه أكد لنا”.

صحيفة التايمز البريطانية كانت قد نشرت مقالاً لرئيس الحكومة الليبية الجديدة فتحي باشاغا تحت عنوان: "ليبيا تريد الوقوف مع بريطانيا ضد العدوان الروسي"، في الثالث من الشهر الجاري، ليغرد فتحي باشاغا بعده بأقل من 24 ساعة عبر حسابه في تويتر بأنه فوجئ بمقال منسوب له منشور على صحيفة التايمز البريطانية، داعياً الصحيفة إلى "تحري الدقة لتفادي التورط في نشر مقالات مكذوبة"، على حد قوله، غير أن الصحيفة تمسكت بنشر المقال، موضحة أنها تلقت تأكيداً من موظفي فتحي باشاغا "يثبت دقة المقال"، وما يزال المقال موجوداً على موقع التايمز تحت توقيع باشاغا.

 الصحيفة البريطانية تمسكت بنشر المقال، موضحة أنها تلقت تأكيداً من موظفي فتحي باشاغا يثبت دقة المقال، وما يزال المقال موجوداً على موقع التايمز تحت توقيع باشاغا

شبه إعلان حرب

ورغم اعترافها اليتيم به منذ إعلان حكومته في فبراير/ شباط الماضي، كان حديث فتحي باشاغا عن روسيا في المقال المنسوب إليه بمنزلة شن حرب، حين قال عن مرتزقة الفاغنر إنهم قريبون من بوتين دون ذكر صفة الرئيس حتى، متهماً إياهم "بإحداث الدمار في ليبيا"، بل إن الأمر لم يتوقف عند الحديث عن الدور العسكري الذي تلعبه موسكو في ليبيا منذ سنوات، لكن باشاغا أكد للجانب البريطاني بحسب المقالة ذاتها أن ليبيا لديها أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في إفريقيا، وأنه كرئيس للوزراء "سيساعد في إبعاد العالم عن النفط الروسي"، وختم مقاله موجهاً حديثه للبريطانيين: "إذا كنتم تريدون أن يقاوم شريك في إفريقيا روسيا، فإن حكومتي مستعدة للعمل معكم إنها شريككم الوحيد القادر على ذلك".

"مثل أوكرانيا"

أبرز ما قاله باشاغا في مقالته: "لقد وعدت بإعادة فاغنر إلى وطنهم، لكني بحاجة إلى مساعدة بريطانيا، ستكون المملكة المتحدة حليفاً لا يقدر بثمن في حرب ليبيا ضد المرتزقة الأجانب"، مضيفاً: "أريد شراكة إستراتيجية مع بريطانيا قائمة على الأعمال والأمن والاستخبارات المشتركة. لا يريد الليبيون رؤية عقد آخر من الحرب الأهلية. كما أنهم لا يريدون أن يروا جنود مشاة فاغنر ينهبون مدنهم وقراهم، بعد كل هذه السنوات"، وذكر أيضاً أن الليبيين يريدون العيش في بلد طبيعي، "بلد بحكومة واحدة وبانتخابات حرة ونزيهة، بلد خالٍ من المرتزقة، مثل أوكرانيا".

 ولباشاغا تصريحات مشابهة، الشهر الماضي، لصحيفة بريطانية أيضاً، هي التيلغراف، إذ أكد لها أن ليبيا يمكن أن تساعد في تعويض النقص في إمدادات النفط الروسي إذا ساعدها الغرب على التعافي من سنوات الحرب.

إصرار فتحي باشاغا وفريقه من الإعلاميين والمستشارين على نفي صلته بالمقال المنشور في التايمز يؤكد صحة المعلومات التي تسربت إلينا بخصوص التواصل بين الجانب الروسي وباشاغا، اعتراضاً على تصريحات رئيس الحكومة الجديدة في ليبيا

هدف "عكسي" بالنيران الصديقة

قبل تغريدة باشاغا التي كذب من خلالها الصحيفة البريطانية ودعاها إلى تحري الدقة، شن عدد من الإعلاميين المقربين من البرلمان الليبي وقائد جيشه خليفة حفتر هجوماً على باشاغا. أحد هؤلاء، هو الإعلامي محمود المصراتي الذي خرج في بث مباشر وكان حديثه أشبه بالتوبيخ لرئيس الحكومة الجديدة قائلاً: "إن كلام فتحي باشاغا لم يكن لقاءً صحتفياً أو انطباعاً لأحد الصحافيين لكي ينفي علاقته به، بل هو رأي ومقال باسمه"، متهما إياه بالكذب على الصحيفة بعد أن تورط في تصريحات أغضبت موسكو الحليف الأهم في شرق ليبيا.

باشاغا خلال محاولته التسويق لنفسه للحصول على دعم دولي يمكنه من دخول العاصمة طرابلس واستلام مهامه كرئيس للوزراء بدل عبدالحميد الدبيبة، بدا كمن سجل هدفاً في مرماه، فمحاولة التسويق التي أقدم عليها فريقه الإعلامي في بريطانيا من خلال اختيارهم صحيفة بحجم وتأثير التايمز حققت نتائج عكسية تماماً، حين بدا المقال هجوماً لاذعاً وإدانة رسمية لروسيا، الحليف الأهم للبرلمان والقوات التي يقودها حفتر، المتحالفين بدورهما مع باشاغا ضد الدبيبة ومن حوله في طرابلس، وهو الجانب الذي أعلن إدانته الرسمية للغزو الروسي لأوكرانيا على لسان وزيرة خارجية الدبيبة نجلاء المنقوش التي أشارت بشكل صريح إلى رفضها أي وجود للفاغنر في ليبيا، بل إن الأمر وصل حد التصويت مع قرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة قبل شهر.

علاقة روسيا بتكذيب باشاغا 

يبدو أن التصريحات أغضبت الروس، مما دعا عدة شخصيات ممثلة أو داعمة للفاعلين من حلفاء موسكو في الشرق الليبي إلى انتقاد فتحي باشاغا، بل توبيخه، وهذا ما اضطره إلى نفي علاقته بالمقال المنشور في التايمز، وتكذيب الصحيفة ودعوتها إلى تحري الدقة، الأمر الذي استطعنا التحقق منه بسهولة من خلال مراسلة الصحيفة والتواصل مع مقربين من فريق باشاغا الإعلامي ومستشاريه السياسيين، غير أن المعلومات بشأن من كتب المقال ولماذا حمل كل هذا الهجوم على روسيا بقيت متضاربة إلى حد كبير.

إصرار فتحي باشاغا وفريقه من الإعلاميين والمستشارين على نفي صلته بالمقال المنشور في التايمز يؤكد صحة المعلومات التي تسربت إلينا بخصوص التواصل بين الجانب الروسي وباشاغا، اعتراضاً على تصريحات رئيس الحكومة الجديدة في ليبيا. معلومات أكدها لنا مصدر من وزارة الخارجية أوضح أن اتصالاً جرى بطريقة ما بين مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ميخائيل بوغدانوف ومكتب فتحي باشاغا، مما دعا الأخير إلى تكذيب الصحيفة البريطانية ونفي علاقته بما نشر باسمه قبل يوم واحد.

مقال صغير وتبعات كبيرة

 مكتب باشاغا حاول إقناع الصحيفة بحذف المقال لكن الأمر لم يحدث، وهذا ما دعا المكتب إلى شن حملة تبريرية ضخمة على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الفضائيات الموالية لباشاغا، في محاولة لإقناع الرأي العام، الأمر الذي حقق نتائج عكسية، على ما يبدو، وسبب تصدعاً في البيت الداخلي لفريق باشاغا الذي انقسم بين مؤيد ومعارض لمحاولة تكذيب التايمز والتنصل من مسؤولية التصريحات ضد روسيا، في حين أكدت لنا بعض المصادر المقربة من باشاغا أن المقال المكتوب حظي بموافقته شخصياً في وقت سابق، غير أن هذا الموقف في التوقيت الراهن كان أكبر من قدرته على تحمل تبعاته.

هل أحرق باشاغا غصن الزيتون الروسي؟

 في سياق ردود الفعل الدولية على السجال بين باشاغا والتايمز، اعتبر معهد أبحاث الشرق الأوسط الأميركي أن غصن الزيتون الذي قدمته موسكو لرئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب، لم يكن كافياً لجعله ينسى خلافه مع روسيا، معدداً تأثير التدخل العسكري في أوكرانيا على النفوذ الروسي في ليبيا.

وسلط المعهد المقرب من دوائر صناعة القرار الأميركي في واشنطن الضوء على تغريدة سابقة لفتحي باشاغا، اعتبر فيها التدخل الروسي "انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي وسيادة أوكرانيا الديمقراطية".

في هذا السياق، أشار المركز إلى تأثير الغزو الأوكراني على النفوذ الروسي في ليبيا، إذ بعد تأجيل الانتخابات الليبية في 24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي استعطفت روسيا باشاغا بهدف تعزيز نفوذها في ليبيا. حينها أشاد رئيس مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوزين، بباشاغا باعتباره السياسي الوحيد في الغرب الليبي الذي يمكنه كبح جماح الميليشيات حول طرابلس، ووصفه بأنه "وطني حقيقي". وذلك بعد أن أعربت وزارة الخارجية الروسية عن أملها في أن يكون قادراً على توحيد المجتمع الليبي وتوجيه ليبيا نحو الانتخابات الوطنية، رغم أن باشاغا نفسه حث الولايات المتحدة على مواجهة روسيا من خلال إنشاء قاعدة في ليبيا قبل عامين، عندما كان يشغل منصب وزير الداخلية، واتهم مجموعة "فاغنر" باستخدام أسلحة كيماوية لتتهمه حينذاك وسائل إعلام روسية بخطف الناشطين السياسيين مكسيم شغالي وسامر سيفان، اللذين أفرج عنهما في ديسمبر/ كانون الأول 2020. فيما اعتبرت وكالة الأنباء الفيدرالية باشاغا وقتذاك "زعيم الإرهابيين الليبيين".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard