شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"في رمضان، في رمضان؟!"... هل ينتهي القمع مع انتهاء الشهر الكريم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

السبت 30 أبريل 202201:04 م

"في رمضان، في رمضان؟!" ربما تعتبر هذه الجُملة هي الأكثر استخداماً هذا الشهر، وعلى الرغم من أن السخرية هي مُراد هذه الجملة، إلا أن ما ورائها أكثر بكثير من ذلك، فالجملة لم تنتشر في المقام الأول إلا لأنها تعبر عن فئة كبيرة، بمعنى آخر، بدل أن تقول رأيك في موقف معين، أو تُفكر في طريقة للنقد والاستهجان، تجد أن أمامك هذه الجملة جاهزة للاستخدام، ومحفورةً في الوعي الجماعي بالطريقة نفسها التي حُفِرت بها في رأسك، وبالتالي أصبحت الجملة نفسها لغة حوار، بسيطة ومفهومة، يعرف الجميع مدلولاتها، وحمولاتها؛ ولكن دعونا نتسأل معاً عن الأسباب التي جعلت الجملة تمتزج بلغتنا بهذه السهولة، وهل من الممكن أن نحذف كلمة "رمضان" ونضع كلمة أخرى؟

عمرو مصطفى بيتخانق مع الناقد طارق الشناوى ومؤلفة إمبراطورية مين.. أعمالكم تدمر مصر

قبل الترند بسبع سنوات

لفهم الترند والظروف التي انتجته، يجب أن نعود إلى نقطة البداية، إلى الانفجار العظيم.

كانت هذه النقطة عام 2014 على قناة دريم، في برنامج "العاشرة مساء" للإعلامي وائل الإبراشي. كان ضيوف البرنامج في إحدى حلقات شهر رمضان هما الناقد الكبير طارق الشناوي، والمُلحن عمرو مصطفى، لكن لم يكن حضور عمرو مصطفى في البرنامج بصفته مُلحناً بل بصفته مصرياً يعارض الأعمال الفنية التي تعرض في رمضان، لما فيها من "عُهرٍ وفساد"، كما وصفها مراراً وتكرارًا، في أحد أجزاء الحلقة.

هناك عشرات الرمضانات التي يبتدعها المجتمع كل يوم، وفي كل رمضان من هذه الرمضانات، ستجد أنك تُواجه بالقمع إذا أردت أن تخالف، أو أن تأخذ طريقاً آخر

غضب عمرو مصطفى غضباً شديداً، وهاج وماج، بسبب مشهد في مسلسل "امبراطورية مين؟"، وظل المُلحن يُرغي ويزبد بأن المسلسل مثله مثل مسلسلات رمضان، لا يجب أن تشاهدها العائلة المصرية، فهذه الأعمال، تُفسد الأسرة المصرية، وتُكسبها أخلاقاً غير أخلاقها، كما أن هذه الأعمال تُضر بالاقتصاد المصري والسياحة.

وكان عمرو مصطفى قد صدق نفسه، وسمع الكلمات التي يقولها أمام الكاميرا، فازداد الغضب والاندفاع، ولم يستطع أحد أن يتحدث أمامه، أو أن يُهدئه، وفي هذه اللحظات، سمعنا الجُملة الشهيرة "في رمضان، في رمضان؟!".

من هنا يمكن القول إن مغزى الجملة واضح، وهو رفض شكل معين من الفن، خاصةً وأننا في شهر رمضان، ولم يقتنع عمرو مصطفى حينها بكلام الناقد طارق الشناوي، ولا بكلام الكاتبة ومؤلفة المُسلسل غادة عبدالعال؛ لكن كل هذا كان الاستخدام الأساسي للجملة، فهل هذا ما نقصده الآن حينما نردد الجملة نفسها؟

المقصد من جملة "في رمضان؟"

الحقيقة أن المقصد الذي يريده الناس حينما يستخدمون جملة في رمضان، ليس بعيداً عن المقصد الذي أراده عمرو مصطفى، فالذي نريد الوصول إليه عند استخدام الجملة واضحٌ بيّن، نستعمل الجملة بهدف استنكار فعل معين في أيام رمضان، وذلك لأننا نتوقع أن يتصرف الناس وفقاً لأكواد أخلاقية واجتماعية معينة، وأي عدول عن هذه الأكواد التي نسير عليها بالقوّة، تبدأ المشكلة، ويبدأ ظهور جملة "في رمضان؟".

لا أجد مشكلة في أن يُذكّر المرء نفسه أنه في رمضان، لكن هذا التذكير يكون لنفسه بدون إلحاق الضرر بالآخرين، ففي النهاية ليس لدى الجميع رمضان

المشكلة أنه حتى في أوقات المُزاح والسخرية، لا تخلو الجملة من المدلولات نفسها، فنحن نستخدم الجملة حينما نريد استنكار فعل معين يقوم به شخص في شهر رمضان، ومن هنا نجد أن الفرد الواحد يُدخل نفسه بسهولة في حياة الآخر، هذا الدخول لا يتم إلا لأننا في رمضان، رمضان الذي يعتبره المجتمع رُخصةً يتدخلون بموجبها في شؤون بعضهم البعض، فإذا أردت أن تشرب أو تأكل ستجد نفسك أمام جملة عمرو مصطفى، وإذا كانت المرأة في أيام دورتها الشهرية، ستختبئ وتتصرف مثلما يتصرف الجميع حتى لا تواجه هذه الجملة، بل حتى وإن كنت مسيحياً، أو لا دينياً، ستواجه بالكلمة نفسها، الجميع يصمت ويسير وفق الأكواد الموضوعة، وإلا سينظر إليه كل من حوله مرددين عليه الكلمات التي رددناها جميعاً طوال الشهر.

صدى جملة في رمضان في الشارع

يقولون إن السخرية والأشياء المُضحكة تتولد من مأساة مرّ عليها زمن، وفي حالتنا هذه فإننا مازلنا نعيش في المأساة، لذلك أجد صعوبة في أن أضحك على جملةٍ مثل هذه الجملة التي نُفندها، ففي النهاية هذه الجملة هي التي أعيشها يومياً، وتطبيقات الجملة في هذه الحياة لا يُضحكني أبداً، فمنذ بضعة أيام كنت أستمع إلى كتاب "كُلهم على حق" للكاتب الإيطالي باولو سورنتينو، وتفاجئت بأن رجلاً كبيراً أوقفني في الشارع ليتأكد من أني لا أسمع أي أغنية أو موسيقى.

أجد أن هذا الموقف هو ما نريد قوله بالضبط من الترند الذي ضحكنا عليه كثيراً، ففي موقفي هذا كنتُ أقوم بأمر شديد الخصوصية، وإذا بأحدهم يستعمل الرخصة التي أعطاه المُجتمع له ليتأكد أن كل شيء يسير على ما يرام.

على كل حال الأمر ليس شخصياً من الأساس، ويمكن أن أُعدّد الجرائم والمشاكل التي حدثت طوال الشهر بسبب الفلسفة القائم عليها الترند الذي نتحدث عنه، فمعظم الجرائم التي حدثت، حدثت من أشخاص لا يستسيغون أن يقوم الآخر بفعل معين في شهر رمضان، لكن في هذه الحالات، لم نتوقف عند جملة في رمضان، بل وصلنا لتطبيق الجملة، وأصبحنا نرى أن بعض الأشخاص يغيرون بأيديهم ما يجدون أنه لا يناسب هذا الشهر، هكذا من أنفسهم، وحسب هواهم، وبالتأكيد كلنا نذكر الحوادث التي حدثت، بداية من طعن الكاهن أرسانيوس وديد على كورنيش الإسكندرية، ومروراً بحادثة كشري التحرير، ووصولاً إلى سيدة المترو التي رفضت أن ترى فتاة ترتدي ملابس معينة.

كم رمضان يمتلكه المُجتمع العربي؟

قد يقول أحدهم إن حادث سيدة المترو لا علاقة له برمضان من الأساس، فإن السيدة تتصرف وفقاً لأفكارها الشخصية، وكانت ستفعل الفعل نفسه سواء كنا في رمضان أم لا، وهذا ما نراه بالفعل في العديد من الجرائم المشابهة التي تتم لكن خارج رمضان، فلماذا أحمّل الأمر كل المشاكل التي تحدث؟

هذا الاستفهام هو مربط الفرس في هذا الموضوع، فالمشكلة ليست في الرخصة والامتياز الذي يأخذه المُجتمع بسبب رمضان، بل في الرُخص والامتيازات العديدة التي يأخذها بحُجج كثيرة أخرى، فكل جماعة في المجتمع لها أكواد أخلاقية معينة، والمجتمع بالكامل له بعض الأفكار التي يجد أن من واجبه أن يقوّم كل من يخالفها، وهنا نجد أنفسنا في رمضانات عدة، ففي أحد الأيام، نجد حادثة تحرش جماعي في الشارع والحُجة هي أن الفتاة لا ترتدي ملابس مناسبة، وفي أيام أخرى نجد مقتل فتاة لأن أهلها عرفوا أنها تريد أن تكون مع شخص غير الذي اختاروه، وفي أوقات أخرى نجد العنف الأسري، والإجبار على دراسة معينة وعلى تصرفات معينة، وعلى أعمال معينة، وهكذا دواليك.

متى ينتهي رمضان؟

بعد ساعات سينتهي الشهر الكريم رمضان، وسنتخلص من وطأة الترند الذي أجده ثقيلاً، لكن المشكلة أننا لن نتخلص من فلسفة الترند نفسه، وحتى مع حلول العيد المبارك، واستمرار الأيام بعده، سنلاحظ أن هناك عشرات الرمضانات التي يبتدعها المجتمع كل يوم، وفي كل رمضان من هذه الرمضانات، ستجد أنك تواجه بالجملة نفسها إذا أردت أن تخالف، أو أن تأخذ طريقاً آخر، والمشكلة أن كل شخص يجد أن من حقه أن يحكم على الآخر بهذه السهولة، وأن يهاجمه بهذه السهولة، والحقيقة لا أجد مشكلة في أن يُذكّر المرء نفسه أنه في رمضان، لكن هذا التذكير يكون لنفسه بدون إلحاق الضرر بالآخرين، ففي النهاية ليس لدى الجميع رمضان، ولا ينبغي أن يسمع جارك المسيحي جُملة تُحاصر أفعاله لأننا في رمضان، فلكل منا رمضانه الخاص، وأقصد هنا المعنى المباشر وهو شهر رمضان نفسه، والمعنى الأوسع والأشمل، وهو كل الرمضانات التي لدى المجتمع، ويحاول بالقوة أن يسير الجميع وفق قوانينها.

في النهاية أود أن أقول إن المقال ليس محاولة لتحميل الترند أكثر مما يحتمل، بل هي قراءتي المباشرة والمبكرة له من أولِ رمضان، ففي المرة الأولى التي رد عليَّ أحد الأصدقاء بهذا المقطع الذي يستمر لثانية أوثانيتين، فهمت ما يريد قوله، لكني لم أضحك، وذلك لأني، وكما قلت، أعرف أننا نعيش في المأساة التي لم يمر عليها ثانية واحدة، لذا فهي لم تصبح مادة مُضحكة بعد، كما أني أرى أن الاستخدام الأول للجملة حينما عارض به عمرو مصطفى الفن بشكلٍ غير موضوعي، بل معارضة عاطفية وانفعالية، هو نفسه طريقة تناول الترند، سواء بالكلام أو بالأفعال والجرائم التي تحدث في الشارع، وفي النهاية أتمنى في نهاية هذا الشهر أن ننتهي من الدخول في صفحة الآخرين بهذه السهولة، وأن نقف فقط في صفحاتنا نحنُ، وعند عتبة ذواتنا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard