شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل

هل "سيّدة المترو" وغيرها من المحجّبات اللواتي يقمن بأفعال عنيفة مخطئات أم ضحايا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 28 أبريل 202212:23 م

للمرة الأولى منذ أن بدأت مهنة الكتابة، أشعر بأنّ الكلمات تعصي قلمي، فلا أستطيع التعبير عمّا بداخلي بها بسبب الحيرة والبلبلة الشديدتين اللتين تُشتتان عقلي. انتابتني هذه الحالة حين شاهدت فيديو انتشر قبل أيام قليلة لـ "سيدة المترو"، كما أطلقت عليها وسائل الإعلام. تلك السيدة التي سبّت وضربت ثلاث فتيات في مترو الأنفاق لأنهن غير محجبات أو غير محتشمات.

أعرف سيدات مجبرات على العديد من الأمور، سواء من قبل أهاليهن أو أزواجهن، مثل المكوث في المنازل دون عمل، أو ارتداء زي معين بدافع أنه شرعي. ورغم أنهن غير مقتنعات أو سعيدات بما يفعلن فهن مجبرات على الخضوع والموافقة والاستسلام

بدأت الواقعة باتهام السيدة للفتيات بأنهن غير محتشمات، قائلة: "غطي دراعتك يا بت منك لها إنتوا سايبين جسمكوا للرجالة تنهش فيه، إنتوا تتمسكوا آداب أحسن". وتطور الأمر فخلعت السيدة حذاءها وألقت به عليهن.

رغم غرابة الواقعة، ليست الأولى من نوعها، بل سبقتها وقائع أخرى من تعدي سيدات على أخريات بسبب عدم التزامهن ارتداء الحجاب. وهو ما حدث مع صيدلانية تعمل بالوحدة الصحية في قرية كفر عطا الله في مصر، حين اعتدت بعض الموظفات بالوحدة عليها لفظاً لكونها غير محجبة. ثم ضربنها ضرباً أصابها بجروح بالغة في الوجه، وهذا ما جعلها تفتح محضراً ضدهن لدى الجهة المختصة.

قبل عدة أعوام، تعرضت صحافية مصرية بعربة مترو لواقعة مؤسفة، إذ أخرجت سيدة ثلاثينية محجبة آلة حادة من حقيبتها، وحاولت قص شعر الصحافية دون أي سبب واضح، سوى أنها لا تلتزم ارتداء الحجاب، قائلة لها: "علشان تبقي تفرحي بشعرك أكتر".

بل إنّ الكارثة امتدت لتصل إلى المدارس أيضاً، وهو ما يتضح من خلال تعرض العديد من الطالبات للعنف من قبل معلماتهن لعدم ارتدائهن الحجاب. هذا ما رصدته جمعية التنمية والنهوض بالمرأة في مصر، إذ أصدرت تقريراً عن عدد من وقائع العنف التي تتعرض لها غير المحجبات، أبرزها حرمان معلمة بمدرسة أبي بكر الإعدادية طالبة من التصوير والتكريم رغم حصولها على المركز الأول في الكاراتيه على مستوى إدارة منطقة العامرية بالإسكندرية. وذلك لكونها غير محجبة.

ويبقى السؤال: ما الدافع خلف كل هذه الممارسات العنيفة والشرسة وغير المبررة بين النساء؟ وما السر خلف كل هذه العدائية؟

ويبقى السؤال: ما الدافع خلف كل هذه الممارسات العنيفة والشرسة وغير المبررة بين النساء؟ وما السر خلف كل هذه العدائية؟ الأمر لا يتلخص في كونهن يدافعن عن الإسلام والشريعة ولا يتلخص أيضاً في شعور أولئك النساء بأنهن مفوضات من الله لتنفيذ أحكامه على الأرض. وهنا تذكرت مقولة شهيرة لعالم النفس، سيغموند فرويد: "عوامل الكبت تخلق في الإنسان روح التمرد والانفعال والثورة على ناموس الحياة مما يؤدي به إلى الانهيار التام فالانتحار".

إذّا أدركت أن مفتاح اللغز هو الكبت، أو بالأحرى الكبت المجتمعي الذي ما زالت تعانيه الكثير من السيدات غير القادرات على اتخاذ قرارات بإرادتهنّ، وما زلن يعانين الضغوط المجتمعية في عدة أمور. ويا للأسف، تلك الضغوط توضع دائماً تحت مسمّى "العيب" و"الحرام" أو "الجنة" و"النار". أعرف سيدات مجبرات على العديد من الأمور، سواء من قبل أهاليهن أو أزواجهن، مثل المكوث في المنازل دون عمل، أو ارتداء زي معين بدافع أنه شرعي. ورغم أنهن غير مقتنعات أو سعيدات بما يفعلن فهن مجبرات على الخضوع والموافقة والاستسلام.

كذلك أجد هؤلاء السيدات الدائمات الانتقاد لكل شيء تم حرمانهن منه، إذ ينتقدن السيدات العاملات، ويحكمنَ عليهن بأنهنّ فاشلات في حياتهنّ الاجتماعية. كما يحكمنَ على غير المحجبات بأنهن غير محتشمات، وأقل قدراً عند الله من المحجبات.

دائماً كنت أسمع من المحجبة جملة: "أنا أفضل من فلانة". ويا للأسف، أعلم جيداً أنّ الكبت الاجتماعي وراء مثل هذا الحكم. الكبت الذي ما زال مفروضاً على المرأة، والذي يضعها تحت ضغط الانقسام الفكري بين ما تتمنى أو تريد أن تفعله وبين ما هو مُحرم عليها فعله

دائماً كنت أسمع من المحجبة جملة: "أنا أفضل من فلانة". ويا للأسف، أعلم جيداً أنّ الكبت الاجتماعي وراء مثل هذا الحكم. الكبت الذي ما زال مفروضاً على المرأة، والذي يضعها تحت ضغط الانقسام الفكري بين ما تتمنى أو تريد أن تفعله وبين ما هو مُحرم عليها فعله. وهذا يجعلها تتعامل بحدة وشراسة مع أي امرأة أخرى تمارس حريتها بشكل طبيعي، ثم تبدأ بتبرير كبتها بأنها الأقرب إلى الله وأنها مقبولة مجتمعياً أكثر.

وتبدأ بعض المحجبات بترويج أفكارهن، وانتقاد أي امرأة تخالفهن، حاملات كراهية وعدائية لأي سيدة ترفض الانخراط في الضغط المجتمعي. أعتقد أنّ هذا هو التفسير الأقرب لتلك الممارسات التي تتسم بالعنف والغرابة.

هل هؤلاء السيدات اللواتي يقمن بتلك الأفعال الحادة مخطئات أم ضحايا مجتمع لم يزل يضع المرأة في قوالب مقيتة وبالية؟ أطرح هذا السؤال وأنا في حيرة من أمري كما ذكرت في بداية المقال. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard