شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
فاتن أمل حربي.. أسئلة مشروعة عن الشرع والقانون لكن بلا إجابات

فاتن أمل حربي.. أسئلة مشروعة عن الشرع والقانون لكن بلا إجابات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 26 أبريل 202211:38 ص

ربما للمرة الأولى، يطالع المشاهدون في رمضان عملاً يتحدث بالكامل عن الطلاق ومشاكله وتبعاته، وكذلك يطرح أسئلة مشروعة عن حِكمة القوانين التي تحكم الطلاق، ومدى ملاءمتها للواقع المعيش.

يغطّي مسلسل "فاتن أمل حربي"، والذي كتبه الباحث إبراهيم عيسى، التفاصيل المؤلمة لحياة فاتن بعد الطلاق، فنجد أن زوجها يطردها من منزل الزوجية، ويسرق الأثاث، ثم يطالب بإسقاط الحضانة عنها لأنها لا توفر المسكن الآمن للأطفال.

ويدفع المشاهد إلى التفكير في سؤال بديهي: هل يجب على الأم توفير المنزل الآمن كي تحصل على الحضانة؟ أم ذلك هو واجب الزوج ابتداءً؟ أو بمعنى آخر، هل البيضة أولًا أم الدجاجة؟

وهكذا، يعرض المسلسل لمعاناة متكررة أصبح لا يمكن إنكارها أو غض الطرف عنها، كما يسلط الضوء على ما يراه صناعه كثغرات موجودة في المكوّنين الأساسيين لقوانين الأحوال الشخصية: الدين والقانون.

بسبب موضوعه الشائك، وقع المسلسل في مرمى نيران الجميع تقريباً، بلا استثناء. فبعض الرجال انتقد تسليط الضوء على مشاكل النساء فقط، كما اعتبره البعض "خلطاً للأوراق ودساً للسم في العسل"، واتهمه آخرون بأنه وضع الدين/الفقه في موقف الضعيف والعاجز، كما لم يسلم من نقد بعض النسويات اللواتي اعتبرنه محاولة من الحكومة لتجميل صورتها والقفز على مكتسبات النضال النسوي.

لكن بالرغم من ذلك، لمس المسلسل وتراً حساساً وفتح ملف معاناة المطلقات، وهو الشيء الذي طال انتظاره، ومن ثم حظي العمل بنسبة مشاهدة عالية حيث ظل بين أول خمس مسلسلات يتابعها المصريون على منصة شاهد.

هل المشكلة في القانون؟

نعيش مع فاتن قصتها، أو حربها داخل أروقة محكمة الأسرة. نرى بوضوح بطء التقاضي، وانعدام المنطق في أمور مثل مناقشة كل قضية بمعزل عن باقي القضايا، بمعنى أن الحضانة تُناقَش بمعزل عن النفقة مثلاً، وفي جلسات مختلفة وينظرها قضاة مختلفون، وتُجمع القضايا فقط في حالات التسوية.

تقول ندى نشأت، مسؤولة الحشد والتأييد في مؤسسة قضايا المرأة المصرية لرصيف22 إن ما جاء في المسلسل صحيح، لذا كان من أهم مطالب حملة #قانون_أسرة_عادل، أن يتم تخصيص ملف لكل أسرة، يحوي جميع القضايا.

وحملة #قانون_أسرة_عادل هي حملة أطلقتها مؤسسة قضايا المرأة المصرية ومؤسسة المرأة والذاكرة، في آذار/ مارس 2022، للمطالبة بتعديل قوانين الأحوال الشخصية، لتكون أكثر إنصافاً للرجل والمرأة.

تشرح الأستاذ المساعدة في قسم الحضارات العربية والإسلامية، في الجامعة الأمريكية في القاهرة هدى السعدي لرصيف22 أن تراث القانون الإسلامي لم يظهر ويتطور في فراغ، ولكنه نشأ داخل سياق محكوم بزمان ومكان محددين، وأن أعراف الزواج الإسلامية تشكلت على مر التاريخ، ولم تأتِ نتيجة لكتابات الفقهاء المسلمين فحسب، بل كانت أيضاً نتاجاً للعلاقات بين النساء والرجال في الواقع المعيش.

وتضرب السعدي مِثالاً على تكييف الأحكام الفقهية مع الأعراف وتأثرها بالسياق، بأن الممارسات المحلية في مصر تعارضت مع أعراف الصداق في المدينة المنورة. فقد رفض الفقهاء المالكيون في مصر وعلى رأسهم الليث ابن سعد أعراف المدينة المنورة، معارضين في ذلك الإمام مالك، ومؤكدين على فكرة تقسيم الصداق إلى مقدم ومؤخر. وكان ذلك بمثابة محاولة منهم لتكييف أحكام المذهب المالكي مع الأعراف المصرية المحلية، إذ كان تأخير جزء من الصداق تقليداً شائعاً في المجتمع المصري على مر الأعوام.

"على الرغم من طرح مسلسل ‘فاتن أمل حربي’ لموضوع هام وحيوي، إلا أن عرضه جاء بشكل مغرق في المباشرة وفي معالجة أقرب إلى الوعظ منها إلى الدراما"

وتُعقب بأن "التحليل السابق يمكننا من خلخلة الأفكار التي ترى أن القانون الإسلامي قانون ثابت لا يتغير. على العكس، فإننا نشهد تراثاً قانونياً متحركاً تتشكل فيه أعراف الزواج مراراً وتكراراً، بينما تتغير التفسيرات والأحكام ليس فقط من مكان إلى مكان ومن عصر إلى عصر ولكن كذلك من فقيه إلى فقيه خلال العصر ذاته". ولهذا، برأيها، "لا ينبغي أن نساوي بين القانون الإسلامي والفقه، إذ إن الأول أوسع من الثاني إذ يضم مجمل القوانين التي أصدرها العلماء والحكام بالإضافة إلى بعض الأعراف المحلية التي دُمجت في المنظومة القانونية".

وعلى الرغم من طرح المسلسل لموضوع هام وحيوي، إلا أن عرضه جاء بشكل مغرق في المباشرة وفي معالجة أقرب إلى الوعظ منها إلى الدراما.

فمثلاً، نجد البطلة وقد طفح بها الكيل، ترفع قضية على قانون الأحوال الشخصية بأكمله، وهو خط درامي لم يكتمل حتى كتابة هذه السطور، ليس فقط لرفض المحكمة الدستورية للقضية، ولكن لأن الفكرة ساذجة في حد ذاتها، فالكل يعرف عوار قوانين الأحوال الشخصية وثغراتها، وأولهم القضاة.

هذا، ويعاني الرجال أيضاً في ظل قوانين الأحوال الشخصية الحالية بسبب أحكام الرؤية والحضانة، وهو ما أخفق المسلسل في إبرازه، وجعل المعاناة من نصيب النساء فقط، مع أن الكل يعاني بمَن فيهم الأطفال بسبب نفس القوانين، التي ترجح كفة النقل على العقل، وتتعمد ترك الاجتهاد.

هل المشكلة في الشرع؟

ربما أكثر ما دار حوله الجدل في المسلسل، وأثار حفيظة بعض المتابعين كانت النقاشات الدينية الدائرة على لسان أبطال العمل، والتي شعر البعض أنها امتلأت برسائل تحض على نبذ السنّة والفقه بالكلية.

فالمسلسل يصوّر أن الفقه يحرم الأم من الحضانة، وهي مغالطة واضحة، لأن هناك مذاهب فقهية لها رأي آخر، وهو ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي على أنها تصريحات شيخ الأزهر في ما بعد.

يتبع ذلك ظهور الشيخ المستنير، "الشيخ يحيى"، والذي يوحي وجوده للوهلة الأولى بالتغيير المنشود.

"رجال الدين هم رجال بالنهاية، وهو ما يجعل منظور المرأة غائباً بالكلية (عن فتاويهم)، تماماً كفقيه يريد أن يفتي في أمر طبي، مغيّباً الطبيب عن المشهد"

لكن للأسف، الفرحة لم تكتمل، إذ لم يخبرنا المسلسل بالأسس التي تقوم عليها تنويرية الشيخ يحيى، فكل ما نسمعه منه مجرد عبارات رنانة غير متماسكة عن كيف ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة، عبارات شديدة الشبه بعبارة الشيوخ التقليديين الشهيرة "الإسلام كرّم المرأة"، دون شرح لتفاصيل هذا التكريم. كنت أتمنى وجود خط واضح أو رؤية محددة لإنصاف المرأة كدعم فكرة الاجتهاد مثلاً، أو الاستناد إلى مقاصد الشريعة الإسلامية في تغيير القوانين.

يقدم المسلسل الشيخ يحيى على أنه الإجابة على السؤال والحل للمعضلة، لكن للأسف، لم يكن الحل أبداً بهذه البساطة!

فالحقيقة التي لمستها بنفسي عند الحديث مع عدة شيوخ ومفتين هي أنهم واعون جداً لوجود الاجتهاد، وكذلك للفَرق بين الشريعة والفقه. الشريعة هي كلام الله المنزل، بينما الفقه هو الاجتهاد البشري لفهم هذا الكلام، وهو فارق مهم جداً يجب أن يعيه المسلم في تعاملاته مع النصوص الدينية وتأويلاتها، لكنها حقيقة لا تغيب عن المفتين.

أين المشكلة إذاً؟

المشكلة أن بعضاً من الشيوخ والمفتين يرى أننا بحاجة للاجتهاد في الأمور المستحدثة فقط، والتي لم يكن لها وجود، مثل بحوث الفضاء مثلاً، أما قوانين الأحوال الشخصية فهي "حلوة وزيّ الفل"!

أما البعض الآخر فيعتقد بضرورة الاجتهاد، لكنه يتعلل بعدم وجود الشخصيات المؤهلة للاجتهاد في هذا العصر، وهو منطق غريب، يقضي بأن قبول الظلم أفضل من الاجتهاد الذي قد يخطئ. ولو فكر الفقهاء الأوائل بذات الطريقة، لرفض الجميع الاجتهاد قولاً واحداً.

بالإضافة إلى ذلك، فإن رجال الدين هم رجال بالنهاية، وهو ما يجعل منظور المرأة غائباً بالكلية، تماماً كفقيه يريد أن يفتي في أمر طبي، مغيّباً الطبيب عن المشهد.

هنا، لا يتم استبعاد النساء فحسب، بل في الكثير من الأحيان، يشعر رجال الدين بأنهم الوحيدون المسموح لهم بالحديث في هذا الموضوع، بل ويستنكرون أسئلة الناس المنطقية، ونراهم يتشبثون بأن "الدين كده وإذا كان عاجبكم".

منذ عدة أيام، صدر تصريح لشيخ الأزهر يرفض فيه إطلاق لفظ "أهل الذمة" على المواطنين المسيحيين، لأنهم مواطنون مساوون للمسلمين في الحقوق والواجبات، فهل تطمع النساء في تصريح مماثل؟

طريق النجاة

لا أعرف لماذا أغفل المسلسل دور مؤسسات المجتمع المدني، وهل تم ذلك عن جهل أم عن عمد، فعمل هذه المؤسسات واضح ومؤثر في مجال توعية النساء بحقوقهن، وتقديم الدعم القانوني لهنّ، وتقديم مشاريع قوانين أكثر إنصافاً، بالإضافة إلى برامج تدريب القيادات الدينية والمجتمعية.

ربما لو ذُكرت هذه المؤسسات، لكان ذلك سيثري محتوى المسلسل، ويلفت إلى أدوات التغيير الحقيقي التي يمتد تأثيرها إلى أكثر بكثير من فيديوهات السوشال ميديا، والتي مهما عظم تأثيرها، سيظل مؤقتاً وغير مستدام.

حتى اللحظة، لا نعلم كيف ستنتهي رحلة فاتن مع محكمة الأسرة، وإذا ما كان سينصفها الشيخ أو القاضي.

لكن ما أعلمه علم اليقين أن اللحظة الفارقة في نضال النساء، هي عندما يقررن بشكل واعي، القيام بدور الفاعل وليس المفعول به، فهي الطريقة الأكيدة للنجاة، وإنْ احتاجت إلى طول النفس.

أو كما تقول الفنانة أنغام في تتر المسلسل، "أنا الإرادة". نعم، هي الإرادة، إرادة النساء اللواتي ضغطن بقوة حتى اعترف القانون بمعاناتهن، فصدر قانون للتحرش، وأصبح للنساء الحق في الولاية التعليمية، وغيرها من المكتسبات التي لم تكن لتتحقق لولا عمل النساء الدؤوب. فالمرأة وحدها هي التي ستأتي لنفسها بالمزيد.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard