شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
دليل الكتّاب الهواة إلى نقد مسلسل لم يشاهدوه...

دليل الكتّاب الهواة إلى نقد مسلسل لم يشاهدوه... "الاختيار3" نموذجاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 21 أبريل 202205:35 م

أشفق على النقاد، ولست منهم. في أغلب الأحوال، ينتظر الأدباء والفنانون إشادة النقاد، الإشادة وحدها، ويسوؤهم الانتقاد ويضيقون بأصحابه. ولحسن الحظ أنني لا أمتلك مهارات النقد، فماذا أفعل وأنا أريد انتقاد المسلسل المصري "الاختيار 3"؟

صرت أخاف؛ فالأجواء ليست على ما يرام، كئيبة وخانقة لا تمنح هواء إلا ما يكفي التنفس الطبيعي. ولست جسوراً إلى حدّ انتقاد المسلسل. ولا أقترب من نقد الدراما عموماً، ولا أعترض على من يجرؤون على نقد مسلسل طوله ثلاثون حلقة بعد مشاهدة بضع حلقات. وسأحاول تقديم وصفة، اقتراحاً، دليلاً للنقاد الهواة إلى نقد مسلسل لم يشاهدوه، ولن يلومهم أحد، فما أيسر التبرؤ من هذا "النقد".

قبل عامين، كتبت مقالاً عنوانه "خطاب مصر السياسي: أدعو على الإرهاب وأكره من يقول (آمين)"، في صحيفة العرب اللندنية في 19 أيار/مايو 2020، على هامش مسلسل "الاختيار 1". شاهدت المسلسل باهتمام، وانتقدت ما اعتبرته حُسن نية. ولم أشاهد الجزء الثاني. أما الجزء الثالث، الذي يذاع منذ بداية رمضان الجاري (نيسان/أبريل 2022)، فيلاحقني بمقاطع ينشرها متحمسون للمسلسل ورسالته، كما يتداولها كارهون للمسلسل وصناعه.

المحب والكاره كلاهما أتخمني بمواد تصلح مشاهدتها، في نسيج المسلسل من وجهة نظر صناعه، ختاماً لكل حلقة

المحب والكاره كلاهما أتخمني بمواد تصلح مشاهدتها، في نسيج المسلسل من وجهة نظر صناعه، ختاماً لكل حلقة. كما يمكن مشاهدتها معزولة عن المسلسل، مع تخيُّـل سياقات أخرى مسكوت عنها. وفي حدود متابعتي، لم ينشر عن "الاختيار 3" نقد.

كنت قد انتقدت رسالة "الاختيار 1". أوضحت أنه يحاكي، بل يتنافس أحياناً، الخطاب الذي يسعى إلى دحضه. ومن غير الحكمة إلقاء النفس في التهلكة، إذا ما قررتُ انتقاد رسالة "الاختيار 3". كيف أنتقد محتوى لم أتابعه؟ هذا مَخرَج معقول. وفي حدود متابعتي، لم أجد مقالاً ينتقد المسلسل، كأداة فنية تمزج دراما تعبوية موجهة بمادة وثائقية، منتقاة، لأداء مهمة محددة لا علاقة لها بما يشغل نقاد الفنون، وإن كانت ستشغل حيزاً في النقد الثقافي، فضلاً عن الجدل العمومي في قضايا لا تزال ساخنة، قريبة قرباً يعمي الأبصار عن رؤية واضحة، ولا يحجب الموضوعية عن ذوي البصائر. فليكن الهروب إلى فن الأداء.

في مَشاهد صادفتني، أزعجني أداء الممثل ياسر جلال لشخصية اللواء عبد الفتاح السيسي عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد ثورة 25 يناير 2011، والذي عينه الرئيس الإخواني محمد مرسي، في آب/أغسطس 2012، وزيراً للدفاع، ومنحه رتبة "فريق أول".

هناك حقيقة ترتبط بأداء الشخصيات العامة، بأداء الإنسان عموماً خارج حياته الطبيعية. ما هو أبعد من الحياة الطبيعية يرتبط إلى حد ما بفنون الأداء. في حفل الزفاف يحدد "المخرج" للعروسين موعد الصعود إلى "الكوشة"، ومتى ينزلان لتحية الحضور، وكيف يتوسطان الأصدقاء في فقرة راقصة. ينفذان الأداء التمثيلي باعتباره دوراً. وكذلك يفعل المرشد السياحي، والخطيب في المسجد، ومذيع النشرة، والمتحدث في اجتماع عام.

فات الممثل والمخرج أن السيسي الإنسان في حياته العادية يختلف، بالضرورة، عنه كمسؤول في مناصبه المختلفة

لهؤلاء حياة طبيعية مع ذويهم وأصدقائهم. وليس من الصواب، درامياً، الخلط بينها وبين أداء تمثيلي تقتضيه طبائع وظائفهم. ممثلو الكوميديا مثلاً ليسوا آلات لا تتوقف عن الإضحاك. لعل البعض منهم، خارج التمثيل، يعاني اكتئاباً كان ضحيته روبن ويليامز عام 2014. وأغلبهم جاد جداً في حياته العادية، والبعض لا تطاق عشرته.

ربما لهذا السبب فشل المسلسل التلفزيوني "أبو ضحكة جنان" (2009)؛ لأنه استعار الأداء التمثيلي التقليدي لإسماعيل يس، ونقله إلى حياته بعيداً عن الكاميرا. من الغفلة أن يتصور مؤلف أو مخرج أن يكون إسماعيل يس يكلم جيرانه وزملاءه والبائعين وسائقي التاكسي بتلك الطريقة الكاريكاتيرية التي أعجبت الجمهور، وأراحت المخرجين، واستثمرها المنتجون.

أم كلثوم وقعت في هذا الالتباس. رأت نجيب الريحاني مصادفة في الإسكندرية، فما كان منها إلا استحضار شخصياته، وما يستتبع هذا الاستدعاء من ضحك استسلمت له، فأغضبت الرجل، واعتبر سلوكها سخرية منه. كلاهما كان في وادٍ. هي تنظر إلى الرجل ولا تراه، وتتخيل الممثل المُضحك. وهو لا يحتمل ما ظنه إهانة شخصية، وليس تأثيراً لصدق أدائه. لم يتعارفا، وضاعت فرصة ربما أثمرت فيلماً مشتركاً. كما شاهدتُ حواراً تلفزيونياً عميقاً للممثل الكوميدي المصري الضيف أحمد لا علاقة له بأدواره، لكنه يثبت تأثير دراسته للفسلفة وعلم النفس في خياراته الكوميدية. وللممثل محيي إسماعيل حوار مع صلاح جاهين لا علاقة له بتمثيل الجنون.

طالت الإيضاحات والمراوغات، ولا مفرّ من الكلام «في» مسلسل «الاختيار 3». أفضّل أن أقول «في» وليس «عن»؛ فما أكثر الكتابات الحماسية والكارهة التي تحوم حول العمل، "عن" روعته وصدقه وعبقريته وفقا للمادحين، أو "عن" انحيازه وآنيته تبعاً للرافضين.

هناك حقيقة ترتبط بأداء الشخصيات العامة، بأداء الإنسان عموماً خارج حياته الطبيعية. ما هو أبعد من الحياة الطبيعية يرتبط إلى حد ما بفنون الأداء

وأنا لم أشاهد إلا ما يلقيه البعض في الفيسبوك، ورأيت ياسر جلال، اجتهاداً وبموافقة المخرج بيتر ميمي، يلتزم بالأداء العام للسيسي في خطبه، واجتماعاته، ولقاءاته المتلفزة. الممثل لجأ إلى المحاكاة. وفات الممثل والمخرج أن السيسي الإنسان في حياته العادية يختلف، بالضرورة، عنه كمسؤول في مناصبه المختلفة. أحياناً، في لقاءات تذاع مباشرة، يخرج السيسي عن "نص" أدائيّ محكوم بالموقع، وينخرط في ضحك تلقائي.

التفرقة بين أداء في مكتب وأداء رسمي جماهيري يوضحها تسجيل صوتي للسيسي، في المسلسل نفسه. في هذا الفيديو يظهر مرسي وخيرت الشاطر، وكلام السيسي يقول إن سعد الكتاتني حاضر أيضاً. كان يكلم ثلاثة من قادة جماعة الإخوان، تقريباً قبل ترشّح مرسي للرئاسة. قال السيسي: "لازم المعادلة الموجودة دلوقتي للرأي العام تتغير... أنا رجل بنظّر سياسة"، وشدد على ضرورة اتخاذ موقف مسؤول "إذا كانت البلد بتقع منّنا".

أداء السيسي حادّ وغير خطابي، ويختلف عن سمات المرحلة اللاحقة، وذلك من طبائع الأمور. في تلك التسجيلات المكتبية، كان الأداء الصوتي لمرسي ولغة الجسد لا تنبئ بما أبداه، منذ خطاب القسم في ميدان التحرير.

والآن أرجو أن أكون نجحت في تقديم نموذج لنقد ليس نقداً، لعله يفيد الذين تستهويهم الكتابة قبل الاكتمال؛ اكتمال أدواتهم، واكتمال المسلسل.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard