شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"أسمعها منذ الصغر ولم أعد أكترث"... عبارات ونكات تمييزية متداولة في الأردن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 21 أبريل 202212:58 م

ربما سيمتعض بعض الأردنيين الذين سيقرؤون هذا التقرير، ومن الوارد كثيراً أن يتهموه بأنه تقرير لا يعكس الواقع، على سبيل أنه "منذ متى كان للنكتة علاقة بالواقع؟". صحيح أن النكتة والدعابة لا تمثّلان الواقع في الغالب، لكن عندما تتعلق الفكاهة بالانتقاص من شخص الإنسان، تصبح انتهاكاً وليس نكاتاً.

وللإيضاح أكثر، نستعرض هنا أمثلةً قد تسمعها وأنت في أي شارع أو سوبر ماركت، أو في أي مكان عام في الأردن، بشكل أصبح "عادياً" بالنسبة إلى الأذن. "شايفني مصري؟"، و"شايف على جبيني نقطة حمرا؟"، و"قالولك عني ناقص رجل؟"، و"اطّلع منيح يا أحول"، وغيرها من عبارات تخرج "على الطاير" لغايات السخرية، ناهيك عن نكات وحزازير متداولة تحمل نَفَساً عنصرياً وتمييزياً، عبرت جميع الأجيال، وأصبح لها اليوم مواقع إلكترونية وصفحات على مواقع التواصل.

ولا توجد مؤسسات حقوقية في الأردن مختصة بمحاربة خطاب الكراهية، سواء في الإعلام أو مواقع التواصل أو في الحياة العامة، لكن الأمر يبرز بين حين وآخر في دعوات ناشطين ومؤسسات حقوقية لنبذ هذا الخطاب ومحاربته، ويأخذ حيزاً أوسع من النقاش العام في مناسبات محددة مثل اليوم العالمي لحرية الصحافة، مع تكثيف حملات إلكترونية تدعو للانتباه إلى ممارسة هذا النوع من الخطاب، وإن بصورة غير واعية.

ما كان يزيد من امتعاضي، أنني كنت الطفل "الطفيلي" الوحيد في الصف. كنت أسمع النكات وأسكت.

"الطفايلة" هدف النكات الأول

"ليش الطفايلة ما بيلعبوا تركس برمضان؟ لأنه شيخ الكبة طالع عمرة!". سؤال يُعدّ "نكتةً"، والمقصودون بالطفايلة هم الأردنيون من محافظة الطفيلة جنوب البلاد، وهم مثل أهل مدينة حمص السورية، والخليل الفلسطينية، والصعيد في مصر، ضحية اعتبارهم أساس النكتة الأردنية. ولا يوجد موقف أو حدث محدد جعلهم مستهدفين بهذه النكات، لكن من المعروف عنهم أنهم مرحون ويحبون المزاح، ويتقبلون النقد حتى أنهم يتداولون النكات التي تتعلق بهم.

"مرة واحد طفيلي قالتله مرته: أنت شهم، أنت بطل، أنت ذكي، رد عليها وقال: أنا كمان شهيد في معركة الكرامة"؛ نكتة قالها الشاب مراد الرواجفة، وهو من الطفيلة، كجواب عن سؤال رصيف22 له حول رأيه بالنكات التي تستهدف أهل محافظته. وفي نهاية النكتة ضحك مضيفاً: "أنا استسلمت إذ لا مفر من عتق أهل الطفيلة من التنكيت عليهم".

مراد عمره 32 عاماً، ويسرد أنه عندما كان طفلاً كان يتضايق عندما يسمع زملاءه في المدرسة في عمّان ينكتون بين بعضهم عن أهل الطفيلة، على مسمعه. ويضيف: "ما كان يزيد من امتعاضي، أنني كنت الطفل الطفيلي الوحيد في الصف. كنت أسمع النكات والضحك وأسكت".

يتابع الشاب حديثه: "ذات مرة شعرت بالاستياء الشديد، وكان عمري وقتها 13 عاماً، إذ سرد زميلي في الصف نكتةً عن الطفايلة. غضبت وقمت من مقعدي باتجاهه بنية ضربه، ما جعل المعلمة تتدخل وتبعدني عنه، وعندما طلبت منها أن تضع له حداً بسبب النكات عن الطفايلة، هل تعلمين بماذا أجابت؟ ‘أي والله إنكم بتضحكوا!’".

لطالما ظهر الطفيلي في نكات الأردنيين كما يقول مراد على أنه الشخص الغبي، ويفسر هو ذلك بأن "الطيبين في العالم العربي أغبياء، ويتحولون إلى أبطال النكات والسخرية". لكنه يشير إلى أنه بات غير مكترث بالأمر، ويختم بقوله بالعامية: "كثرة الكفوف بتعلم التمسحة (أي عدم الاكتراث)".

تحدثت روان عن خطاب الكراهية الذي يستهدف النساء وذوي الإعاقة، وسردت أمثلةً عن ذلك: "عندما تصطدمين بشخص قد تسمعين كلمة: شو انعميت؟ أو عمى يعميك، أو إذا كان صوتك عالياً قد يُقال لك: شو مفكرتيني أطرش؟"

الأساس في التربية

في حديثها إلى رصيف22، تؤكد الناشطة الحقوقية نداء طوقان، تداول كل تلك النكات والعبارات التمييزية في المجتمع الأردني. وتشرح: "منذ صغري وأنا أسمع إخوتي الشباب عندما يتمازحون مع بعضهم أو حتى يتشاجرون، ويستخدمون عبارة ‘شايفني مصري’ أو’ شايف في نقطة حمرا على جبيني؟’، حتى أنني في فترة من الفترات كنت أستخدم بعض هذه العبارات على سبيل التهكم، وكأن تكرار الاستماع إلى مفردات سيئة يسهّل أن تعلق في الذاكرة، تماماً مثل الطفل الذي يعتاد على سماع الشتائم".

تضيف طوقان (28 عاماً): "عندما كبرت، وانخرطت أكثر في العمل العام والحقوقي، أدركت أننا في مجتمع ينشأ على خطاب الكراهية في منزله، وأن حجة انتشار هذا الخطاب فقط بسبب مواقع التواصل، ما هي إلا كذبة. كلنا نشأنا في بيوت تنظر إلى الشخص ‘الأقل’ على أنه ‘نكتة’".

وتوضح أن عبارة "شايفني مصري؟"، مثلاً نشأت مع دخول العمّال المصريين الوافدين إلى الأردن، وأغلبهم يعملون في حراسة العمارات والأبنية والشركات، وتالياً فإن حارس العمارة مثل عاملة المنزل وسائق التاكسي وعامل النظافة الذي يقال عنه "زبّال"، هم بالنسبة إلى الآخرين أشخاص لا حول لهم ولا قوة، ولا بأس من السخرية منهم وجعلهم عنواناً للنكات.

وتختم نداء: "التربية قبل التعليم، فبيوتنا بحاجة إلى تأهيلها حتى تستطيع أن تربّي أجيالاً مجردةً من الخطابات التمييزية والعنصرية، وأنصح كل من يمارس ذلك النوع من التمييز على سبيل النكات، بأن يدرك أن الدنيا دوارة، ويتخيل أن ينقلب فيه الحال، ويصبح نكتةً على ألسنة آخرين".

"لي اسم وكيان"

أبو أحمد، عامل مصري يعمل في حراسة أحد الأبنية السكنية في العاصمة عمّان، سألناه إذا سبق وصادف عبارات تمييزيةً بحقه أو بحق العمالة المصرية في الأردن. وبعد تردد طويل، وطلب عدم ذكر اسمه الحقيقي، قال: "أحياناً بحس إنو كلمة مصري صارت شتيمة!".

وأوضح: "بقالي 7 سنين عايش في الأردن، وكل الأردنيين أهل عز وشهامة، بس أحياناً بسمع كلام مش كويس عن المصريين خصوصاً من الأولاد الصغار، وبصادف الكلام ده وأنا بجيب حاجات في السوبر ماركت أو وأنا بمشي في الشارع".

أنا عارف إن نيتهم صافية بس لما أسمع عبارة "يا مصري" بتدايقني لأني إنسان ولي اسم وكيان.

"يا مصري"؛ هكذا ينادي بعض الأشخاص الغرباء "أبو أحمد"، ويضيف: "كل ما أسمع حد بناديني بهذه العبارة أقوله أنا اسمي: كذا، أنا عارف إن نيتهم صافية بس لما أسمعها بتدايقني لأني إنسان ولي اسم وكيان".

ومن الجدير ذكره أن العمالة المصرية تشكل الجزء الأكبر من العمالة الوافدة في الأردن، تليها السورية، وبالرغم من عدم مصادقة الأردن على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمالة المهاجرة وأفراد أسرهم الصادرة في العام 1990، فإن التشريعات ذات العلاقة بأوضاع العمالة المهاجرة تتضمن حماية حقوق العمال المهاجرين، مثل قانون العمل الأردني.

"الله يهديهم"

"بسمعها بذاني وبسكت وبقول الله يهديهم يا عمي"؛ قالها عامل النظافة أو كما يحب أردنيون أن يطلقون على هذه المهنة "عامل وطن"، "أبو مهدي" (59 عاماً)، وهو يسرد تجاربه المتكررة في سماع كلمة "زبّال" من بعض المارة، ويضيف لرصيف22: "هذا اسمه جهل يا عمي، زمان كنت أزعل لما أسمع شخص بنادي عليّ بكلمة زبّال، بس اليوم بطلت أزعل لأنه الشخص الي بيطّلع بفوقية على عامل بنظف شوارع بلده وهو شبعان وراضي فهو شخص جاهل".

وقال أبو مهدي وهو يقف على باب سوبر ماركت في شارع سكني: "إن خليت بليت عمي"، قاصداً بذلك وجود كثير من الأردنيين الذين يقدّرون مهنة عامل النظافة. "في اليوم يمكن أسمع كلمة زبّال مرة واحدة، لكن بسمع كلمات طيبة أكثر"، نهى كلامه بابتسامة وهو ينظر إلى شاب خرج من السوبر ماركت، وقال له: "يعطيك العافية عمو".

موروثات خطأ

روان بركات، وهي ناشطة في العمل الحقوقي النسوي والدفاع عن الأشخاص ذوي الإعاقة، تحدثت إلى رصيف22، عن خطاب الكراهية الذي يستهدف النساء وذوي الإعاقة، وسردت أمثلةً عن ذلك: "عندما تصطدمين بشخص قد تسمعين كلمة: شو انعميت؟ أو عمى يعميك، أو إذا كان صوتك عالياً قد يُقال لك: شو مفكرتيني أطرش؟".

وبالنسبة إلى العبارات التمييزية بحق المرأة، تستعرض روان أمثلةً: "لا تبكي مثل النسوان، أو قيادتك للسيارة مثل قيادة النسوان"، عادّةً أن تلك الأمثلة "موجودة في مجتمعنا بكثرة، ومع الوقت لا تبقى مجرد خطاب تمييزي، بل تتحول إلى صورة نمطية".

منذ صغري وأنا أسمع إخوتي الشباب عندما يتمازحون مع بعضهم أو حتى يتشاجرون، ويستخدمون عبارة ‘شايفني مصري’ أو’ شايف في نقطة حمرا على جبيني؟’، حتى أنني في فترة من الفترات كنت أستخدم بعض هذه العبارات، وكأن تكرار الاستماع إلى مفردات سيئة يسهّل أن تعلق في الذاكرة

بدورها تقول الأخصائية بعلم الاجتماع، الدكتورة فاديا الإبراهيمي: "نمارس كل يوم بقصد أو من غير قصد العديد من السلوكيات أو الألفاظ أو حتى المشاعر، التي لها علاقة بالكراهية التمييزية تجاه شخص أو مجموعة من الأشخاص، بناءً على خبرات وتجارب إنسانية سابقة وموروثة في الغالب، وأسباب هذه السلوكيات الاجتماعية راجعة إلى حب الجماعات الإنسانية للتميز والتفرد".

وتوضح في حديثها إلى رصيف22: "ترى تلك الجماعات نفسها بأنها الأفضل، ومن دونها أقل، وتعتقد بعض الجماعات بأن من لا يوافقها في السلوك والطباع والعادات والتقاليد والدين وغيرها، هي جماعات ضالة مخطئة لا تستحق أي احترام، فترى في كل موقف فرصةً لإظهار الكراهية والتمييز".

وتكمل الإبراهيمي: "نحن مجتمعات تحب العيش في الماضي، ففي الغالب لا نسامح ولا نغفر خلافات الماضي، وننقل الكراهية إلى أبنائنا ونعطيهم انطباعاً سلبياً مسبقاً عن بعض الجماعات والأفراد، فنورثهم صورةً نمطيةً مؤذيةً ومشحونةً بالكراهية، كذلك غياب ثقافة قبول الآخر وقبول التنوع داخل المجتمعات سبب من أسباب انتشار الخطاب المبني على الكراهية".

وعن ضحايا خطاب الكراهية تُبيّن في ختام حديثها: "يشعرون بأن كرامتهم الإنسانية مُهانة، ويلحق بهم الأذى النفسي ويصبحون حاقدين وناقمين على مجتمعاتهم، وقد يقودهم الأمر إلى العزلة المجتمعية، ومع تفاقم هذه الظاهرة أشار القانون الدولي لحقوق الإنسان إلى ضرورة تكاتف الجهود من قبل البلدان والحكومات ومنظمات المجتمع المدني للحد من هذه الظاهرة، ولا ننسى أن التربية الأسرية هي الأساس في غرس حب الآخر واحترامه".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard