شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الكاميرا الخفية في غزة...

الكاميرا الخفية في غزة... "كوميديا" غير كوميدية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 18 أبريل 202211:04 ص

تنتشر برامج المقالب، أو برامج "الكاميرا الخفية"، على الشاشات الفلسطينية منذ 12 عاماً تقريباً وتبحث عن رفع نسب المشاهدة والتفاعل، لكنها كثيراً ما تؤسس "مقالِبها" على أسس مهينة لفئات من الناس، ما يدفع إلى التساؤل عن مدى "كوميديتها".

فالموسم الثاني من برنامج "جيت لحالك" الذي تعرضه قناة "الكوفية" في رمضان، أظهرت معظم حلقاته التي تُبَثّ مساء كل يوم صورة سلبية عن أبناء قطاع غزة واكتفت بعرض مشاجرات بين مقدّم المقلب والضحايا، ما أثار غضب الغزيين على أساس أن مضمونه مسيء لهم ويصدر صورة عن أبناء غزة بوصفهم عصبيين ولا يقبلون النقاش.

وفي آخر الأمثلة على ذلك، عبّر كثيرون من أبناء القطاع عن غضبهم من مقطع لحلقة من برنامج المقالب "أوت فوكس" نشرته صفحة "خانيونس اليوم"، شهد تضارباً بين الناس، استمر حتى بعد الكشف لهم على أن ما يجري "مقلب".

إهانة الأوكرانيات

مقدّم البرنامج إسلام أيوب اقتبس فكرة طريقة تقديم مقالبه من برنامج مصري يعرض المقالب داخل سيارات "تاكسي". ولم يتوقف في تنميطه عند الغزيين، فقد عرض في الحلقة الثانية مقلباً ادّعى فيه أنه ممثل عن جمعية اسمها جمعية الصداقة الفلسطينية الأوكرانية تعمل على استقدام شابات أوكرانيات هاربات من الحرب إلى غزة ويردن الزواج من غزيين مع منحهم مبلغاً مالياً بقيمة ألفيّ دولار.

أغضبت هذه الحلقة الكثيرين، خصوصاً مشهد أظهر رجلاً وصف نفسه بأنه "حديد" وأراد من مقدم البرنامج أن يحضر له شابة أوكرانية بسرعة حتى يتزوجها، وطلبها صغيرة في العمر، وتعهد بطرد ابنه من الشقة العلوية في بيته.

وصف الكاتب والأكاديمي الفلسطيني خالد الحروب هذا المشهد بأنه انحطاط أخلاقي، وعلّق بأن التسلي بكوارث الآخرين ومصائبهم ينمّ عن قلة أخلاق وتفاهة ونذالة، وأضاف: "ليس هناك ما يُضحك عندما يتم تهجير ملايين من الأبرياء في أي مكان في العالم"، خاصةً عندما يقوم ذلك على أساس فكرة تزويج بناتهم لرجال متزوجين "مستعدين لبيع زوجاتهم وأبنائهم".

يبرر مقدم البرنامج إسلام أيوب ما يقوم به بأنه يهدف إلى رسم الابتسامة على وجوه الغزيين ولا يقصد التجريح بأحد، ويقول لرصيف22: "طرحنا مواضيع اجتماعية وسياسية، وحاولنا أن نعالج بعض السلوكيات بقالب ساخر، وتطوير المحتوى".

ناتاشا سعيد (48 عاماً) أوكرانية متزوجة من غزّي وتقيم في غزة منذ عام 2000 وتتحدث العربية بطلاقة، حتى أنها انغمست في العادات والتقاليد الغزية، شعرت بغضب كبير عندما شاهدت الحلقة واعتبرت أن هذا العمل ليس إنسانياً.

تنتشر برامج المقالب، أو برامج "الكاميرا الخفية"، على الشاشات الفلسطينية منذ 12 عاماً تقريباً وتبحث عن رفع نسب المشاهدة والتفاعل، لكنها كثيراً ما تؤسس "مقالِبها" على أسس مهينة لفئات من الناس، ما يدفع إلى التساؤل عن مدى "كوميديتها"

تقول ناتاشا لرصيف22: "نحن لا نريد حروباً ولا نريد أن يُقتل أحد في العالم. الأوكرانيون شعب مثله مثل المجتمعات العربية. هل يقبل عربي أن يزوج ابنته لأنها هربت من الحرب؟ لا. في أصعب الأوقات في حرب غزة كنت أساعد زوجي وأسرته".

الغزّيون ليسوا متعصبين

عرض برنامج "جيت لحالك 2" في معظم حلقاته ردة فعل الغزيين على أنها تقوم على الضرب والتهديد والشتم وغيره. في الحلقة السابعة منه، عرض "مقلباً" يقول فيه المقدم أمام الركاب إن على العمال الغزييين العمل في إسرائيل مهما كانت الظروف، موحياً بأنهم يجب أن يعملوا حتى لو طُلب منهم التجسس على بيئتهم، من أجل استفزاز ضحايا المقلب.

"يعمد مقدّمو برامج الكاميرا الخفية في غزة خلال الأعوام الأخيرة على إظهار مشاهد الضرب على أنها ممتعة"، يقول المهندس المعماري سعيد أبو طويل (38 عاماً) لرصيف22. لن برأيه، لا توجد أي متعة في العنف، معبّراً عن غضبه من تصدير صورة سلبية عن المجتمع الغزّي.

يقول: "أنا لا أمتلك خلفية في إعداد برامج الكاميرا الخفية لكنّي شاهدت برامج مقالب كاميرا خفية قديمة لا يوجد فيها ضرب ولا شتم إنما ضحك وغضب قليلاً، وكانت جميلة خصوصاً برنامج ‘زكية زكريا’ كما أذكره قبل أكثر من 20 عاماً، لكن اليوم الكاميرا الخفية العربية فيها عنف كبير. كلّنا نقلّد بعضنا في العنف".

يتفق مع أبو طويلة محسن البربراوي (40 عاماً). ينتقد مضمون هذه البرامج ويمتعض من ضحك أطفاله أمام ما تعرضه من مواقف لما لذلك من تأثير سلبي على تكوين شخصيتهم. لكن شقيقه يوسف (38 عاماً) يعارضه ويعتبر هذه "المقالب" مسلية، فبرأيه "واقعنا هكذا".

"تُصدّر صورة الغزّي العنيف الذي لا يقبل النقاش ويمد يده بسرعة للضرب، وكل ذلك طمعاً بالشهرة السريعة وتحقيق التفاعل، لكن هذا الأمر يعيد تدوير العنف الذي نتعرض له"

برأي يوسف، الكاميرا الخفية مسلية بالنسبة للغزيين ولا شيء سلبياً في مشاهد الغضب والضرب لأنها ردود فعل تلقائية لمجتمع يعيش تحت ضغط نفسي، وما فيها أخف بكثير مما يقدّمه رامز جلال وبعض برامج الكاميرا الخفية المصرية. لكنه يوافق أخيه في أنه يفضل ألا يشاهدها الأطفال لأنها "تؤثر على سلوكهم".

إهانة ذوي الإعاقة والمشرّدين

تقدّم "قناة القدس" اليوم التي تبُث من غزة برنامج مقالب آخر اسمه "بس استنى"، عرض حلقة يمثّل فيها أحد أعضاء فريق البرنامج أنه مقعَّد على كرسي متحرك ويتهرب من سداد مبلغ صغير، فيما يقوم عضو آخر من الفريق بإهانته ومطالبته بما عليه أمام الناس، وهو ما رأى فيه كثيرون من ذوي الإعاقة الحركية إهانة بحقهم.

محمد الشاعر (41 عاماً) هو من ذوي الإعاقة الحركية نتيجة إصابته خلال العدوان الإسرائيلي الأول على غزة، عام 2008-2009، ويعمل استشارياً في مساعدة أقرانه من ذوي الإعاقة أخصائياً اجتماعياً، وينشط في مجال المطالبة بحقوق ذوي الإعاقة في قطاع غزة، انزعج من مضمون الحلقة وخاصةً من بعض ما جاء فيها من كلمات اعتبرها جارحة ومهينة لذوي الإعاقة.

يقول لرصيف22: "الإعاقة الحركية في قطاع غزة هي النسبة الأكبر بين إعاقات ذوي الإعاقة في القطاع، والإهانة واضحة لفئة مهمة أصبحت مؤثرة في المجتمع، وكان من الممكن تنفيذ المقلب بشخصية شخص غير معوّق".

ووفقاً لإحصائية أصدرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2017، يبلغ عدد الأشخاص ذوو الإعاقة في فلسطين حوالي 93 ألفاً، ويُشكل هؤلاء ما نسبته 2.1% من مجمل السكان، و52% منهم في قطاع غزة.

ويضيف الشاعر أن "الغزيين يبحثون عن السعادة في أي مخرج ومتنفس لهم. نشاهد برامج ومقاطع فيديو من البحر ورقص الدبكة والدحية وغيرها مما يعبّر عن السعادة، ولكن هذه البرامج تبحث عن التفاعل وحصد نسب المتابعين دون التدقيق في محتواها ومدى احتوائها على كلمات جارحة".

في الحلقة العاشرة من نفس البرنامج، عُرض مقلب يجسد فيه اثنان دور متشردين في الشارع ويقومان بإخافة الناس وتهديدهم برمي الحجارة على سياراتهم.

عن هذه الحلقة، يقول المخرج الفلسطيني مؤمن خضر إن التهديد المباشر والرعب ليسا من أخلاقيات العمل التلفزيوني، ويضيف لرصيف22: "العمل الكوميدي مبني على معالجة فكرة مجتمعية بمواقف فنية طريفة متداولة ومقبولة بين المجتمع. ليس ذكاءً من المخرج أن يبث الرعب. تابعت هذا العام حلقات تصدّر صورة الغزّي العنيف الذي لا يقبل النقاش ويمد يده بسرعة للضرب، وكل ذلك طمعاً بالشهرة السريعة وتحقيق التفاعل، لكن هذا الأمر يعيد تدوير العنف الذي نتعرض له".

ويتابع خضر أن الهدف من هذه البرامج إسعاد الناس وإضحاكِهم، لكن إذا أتى ذلك على حساب أذية الناس تصير "عملاً غير أخلاقي"، فبرأيه، "نحن بحاجة للضحك لا الضحك على إرعاب أنفسنا".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard