شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
البحث عن الحب في بلاد لم تعد تعرف معناه هو أصعب مهمة

البحث عن الحب في بلاد لم تعد تعرف معناه هو أصعب مهمة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الجمعة 15 أبريل 202211:07 ص


تقومُ كافة المجتمعات في أساسها على نمط العلاقات الإنسانية والقيم الحياتية. عديدةٌ كانت تلك القيم وتلك الأنماط، تأتي في مقدمتها: الحب، تلك القيمة التي إن وجدت وانتشرت في أي مجتمع، تكون كفيلة بنجاحه واستمراره.

ما الممتع في فكرة الحبّ حتى تشعر بأنك تريده في أشدّ أوقات الحرب في بلادك؟ لطالما كانت فكرة الحب في زمن الحرب مغرية لنا.

ما الممتع في فكرة الحبّ حتى تشعر بأنك تريده في أشدّ أوقات الحرب في بلادك؟

البحث عن الحب في بلاد لم تعد تعرف معنى الحب هو أصعب مهمة يمكن أنْ تقوم بها. أصبحنا نتهافت وراء أشكال مختلفة من علاقات لم نعلم بوجودها في حياتنا. ورغم تشابه قصصنا ومشاعرنا في الحب إلا أنّ أفعالنا لم تكن يوماً متشابهة. لم يعد باستطاعتنا البحث عن الحب اليوم، فقد فقدنا أغلب تلك المشاعر والقيم التي ترتبط فيه. الحب في هذه البلاد يأخذ شكلاً من الغرابة ويجعل من الصعب تواجده، حيث بإمكانك اليوم أن تحب شخص وفي اليوم التالي تنتقل لتظهر مشاعر الحب لشخص آخر تحت حجة الشباب السوريين "الحاجة إلى التفريغ". وقد باتت هذه الحجة مبرّر لتثبت أنّك على حق في تعدّد الأشخاص الذين تحبّهم في آنٍ واحد.

المشكلة ليست باختفاء الحب وإنّما في اختفاء تلك القيم المرتبطة به. تلك القصص المتعلقة بالتضحية والإخلاص، والتي كنّا نسمع عنها، أصبحت غريبة نوعاً ما، وكأنك تتحدث مع أي فرد بلغة أخرى تماماً.

كانت دمشق تعيش نوعاً من الانفتاح في أيام ازدهارها. حينها، كان هناك العديد من الجنسيات والثقافات التي تزورها على مدار العام، وكانت دمشق تنشر ثقافتها وعاداتها التي كانت تشتهر بها. بينما، وصلنا اليوم، كأي مجتمع مرّ بما مرّ به السوريون، إلى هذه الفجوة في العلاقات الإنسانية داخل البلاد. وعدد الجنسيات المختلفة التي دخلت بلادنا في فترات الحرب وانخراط السوريين مع هذه الثقافات، التي لطالما كنّا نسعى لتحقيق انفتاحهم، أدّى إلى نتيجة كارثية بما يخصّ العلاقات الإنسانية.

الحب في هذه البلاد يأخذ شكلاً من الغرابة ويجعل من الصعب تواجده، حيث بإمكانك اليوم أن تحب شخص وفي اليوم التالي تنتقل لتظهر مشاعر الحب لشخص آخر تحت حجة الشباب السوريين "الحاجة إلى التفريغ"

في السابق، كنت أبحث عن الحب، ولكن في السنوات الأخيرة، أصبح من النادر تواجده. وفي حال كنت تريد أنْ تتحكم بمشاعرك وتسيطر على نفسك لتلتزم تجاه أي علاقة، يكون الأمر صعباً نظراً لكثرة المشاعر التي يعيشها أغلب الناس. وبالتالي، من الممكن أنْ يظهر أي مصطلح سيء بحقك إنْ كان لديك العديد من الأصدقاء من الجنس الآخر، نظراً لسهولة إقامة أي علاقة إنسانية اليوم.

عشتُ الحب في هذه البلاد مرات عديدة، ولكن اليوم، أصبح يأتيني بحلّة مختلفة.

الحبّ ليس هو القيمة الوحيدة التي اختفت، بل نميل اليوم لنسخ مزيّفة وأفعال لم نعتد عليها مسبقاً، ونبتعد عن الصدق في أغلب أوقاتنا، كما نطمح لنكون نسخ عديدة عن أنفسنا. وتحمل كلّ نسخة شكلاً وقضية نرتديها بحسب الموقف الذي نمرّ به. وتلك المرونة في القدرة على ارتداء ألوان مختلفة بحسب الموقف كانت ومازالت أهم إنجازاتنا من هذه الحرب.

أعتقد أنّ أغلبنا سيعاني من التأقلم وسيخوض علاقات إنسانية صحية ضمن المجتمعات الأخرى عندما يجد طريقه للخروج من هذه البلاد، وبخاصة ذلك الذي سيخرج متأخراً، لأنه سيكون بذلك قد وصل لأقصى درجات معاناة التأقلم مع الشكل الغريب للعلاقات الإنسانية

أعتقد أنّ أغلبنا سيعاني من التأقلم وسيخوض علاقات إنسانية صحية ضمن المجتمعات الأخرى عندما يجد طريقه للخروج من هذه البلاد، وبخاصة ذلك الذي سيخرج متأخراً، لأنه سيكون بذلك قد وصل لأقصى درجات معاناة التأقلم مع الشكل الغريب للعلاقات الإنسانية. وبالتالي، سيكون من الصعب عليه العودة إلى الشكل الطبيعي والصحي. وتعتبر تلك إحدى أكثر المشاكل تعقيداً والتي ستواجهنا في أي مرحلة قادمة نعمل بها على النهوض ضمن أي شكل لأي نظام سياسي سيكون قائماً حينها.

يقول لي صديقي عند كل مرة أحادثه بموضوع الحبّ، جملة أصبحت فيما بعد تتبادر إلى ذهني عند كل مشهد أراه وأستغرب منه: "الشام قلبت حفلة جنس جماعي، ما بتعرف مين بينام مع  مين". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard