شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"ضحّكتني وأنا عيّان"... تحدّي إضحاك الشعوب الأكثر تعاسةً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 6 أبريل 202204:30 م

تتنافس بلاد عربيّة عدّة على صدارة قائمة الشعوب الأكثر تعاسةً حول العالم. وعاماً تلو الآخر تزداد حفرة الغمّ عمقاً فتصير الضحكة عملةً نادرةً.

يكفي أن تمشي في الشارع وتراقب العابرين، حتى ترى الغيوم الرمادية التي تظلّل معظم الوجوه. يكفي أن تقود سيارتك وتلتفت إلى من هم في السيارات من حولك، حتى تلحظ العبوس.

صحيح أنّ جيلاً من العرب سمع مُدَرّسةً أو قريباً أو جارةً يردّدون أنّ "الضحك بلا سبب من قلّة الأدب"، واعتاد على الأمّهات اللواتي يشعرن بذنب الفرح، فيُسارعنَ إلى إلحاق فاصل من الضحك بعبارة "الله يكفينا شر هالضحكة"، غير أنّ كل ذلك لا يعني أنّ الشعوب العربية لا تبدع في زرع الضحكة، ولا تستحق قطفها.

هشام حدّاد يبحث عمّا يُضحِكُه 

"صار إضحاك الناس يشكّل تحدياً كبيراً بالنسبة لي"، يبوح الممثّل والإعلامي الكوميدي اللبناني هشام حدّاد لرصيف22. "كيف أُضحك ثاني أتعَس شعب في العالم؟"، يتساءل حداد الذي أمضى أربع عشرة سنةً متواصلةً وهو يطلّ أسبوعياً على المشاهدين من خلال برامج تلفزيونية لم ترتدِ سوى الطابع الكوميدي الترفيهي الساخر والناقد.



أما اليوم فقد اختلف الأمر وصارت المهمّة أصعب بكثير. "كل شيء محزن من حولنا في لبنان، والمادّة الكوميدية صارت نادرةً جداً". ويضيف حداد: "من غير المنطقي أن تتمحور النكتة مثلاً حول كيلو الخيار الذي يباع بـ45 ألف ليرة وكل قضمة منه تساوي ألف ليرة! من غير الطبيعي أن نضحك على مأساتنا! هذه أمور مثيرة للبكاء وليس للضحك".

"صار إضحاك الناس يشكّل تحدياً كبيراً بالنسبة لي"، يبوح الممثّل والإعلامي الكوميدي اللبناني هشام حدّاد لرصيف22. "كيف أُضحك ثاني أتعَس شعب في العالم؟"

يفكّر حدّاد جدّياً في أخذ فترة استراحة، فهو بحاجة إلى التمويه واسترجاع الطاقة قليلاً كي يستطيع الاستمرار والتواصل مع جمهوره من خلال الضحكة. "أبداً لا أعيد النظر في مهنتي، فقد واجهت ظروفاً شخصيّةً دقيقةً جداً لها علاقة بصحّة بعض أفراد عائلتي، وبالرغم من ذلك تابعت ولم يمرّ عليّ أسبوع من دون إضحاك الناس". 


يشعر هشام حدّاد بأنّه بات مسؤولاً عن ضحكة المشاهدين، لا سيّما بعد أن لمس تفاعلهم معه وتعلّقهم بالموعد الأسبوعي مع برنامجه. من بين هؤلاء، الشاب جورج جبّور الذي كان يعاني من مرض مزمن جعله طريح الفراش، فصار هشام يزوره بعد أن أرسل إليه رسالةً مفادها بأنه الوحيد القادر على إضحاكه في محنته. "بقيت أزور جورج حتى آخر أيامه"، يخبرنا حداد الذي تَأسِرُه وتؤثّر فيه ردود فعل المشاهدين، كما ذلك الشاب الذي أوقفه في الشارع مرّةً ليقول له:" إمي مريضة بالفرشة وإنت الوحيد اللي بتضحّكها... بحبك وبحسّك متل خيّي".

وسط كل ما يمرّ به اللبنانيون وسِواهم من الأشقّاء في التعاسة العربيّة، تبقى هكذا مواقف إنسانيّة دافع استمرار بالنسبة إلى هشام حدّاد في رحلة انتزاع الضحكة من قلوبٍ مُتعَبة وعلى شفير اليأس. أَضِف إلى ذلك أنّ السلوى الوحيدة بالنسبة إلى اللبنانيين حالياً هي التلفزيون، بما أنّهم في غالبيّتهم محرومون من زيارة المطاعم والمسارح وغيرها من أماكن الترفيه، بفعل الانهيار المادي غير المسبوق.

يؤمن هشام حدّاد بأنّ الضحكة علاج لعددٍ كبير من الذين يشاهدونه، خصوصاً مَن هم مصابون بأمراض جسديّة أو اضطرابات نفسيّة. 


طوبى للّذين ينتزعون منّا ضحكةً
ونحن غَرقى في دموعنا 





إذا لم تأتِكَ الضحكة، اذهبْ إليها

العلاج بالضحك هو بالفعل تقنيّة معترَف بها، وتُعرَف بيوغا الضحك laughter yoga. فإذا لم تأتِكَ الضحكة، اذهب أنت إليها.

عندما قرّرت سالي وهبي السفر إلى الهند للتخصّص في العلاج بالضحك على يد مؤسس التقنيّة مادان كاتاريا، فعلت ذلك من أجل الترفيه عن مرضى السرطان ومساعدتهم خلال فترتهم العلاجيّة. مع الوقت، فرض الضحك نفسه حاجةً للجميع وصار يشارك في جلسات سالي أشخاصٌ من مختلف الأعمار والخلفيّات والحالات الصحية والنفسية.

تؤكّد سالي لرصيف22، أنه "بغضّ النظر عن مزاج الشخص، سواء أكان حزيناً، أم غاضباً أم سعيداً، فهو مؤهّل لممارسة يوغا الضحك". وتضيف: "ما زلنا حتى اليوم نُجابَه أحياناً بالسخرية والاستغراب عندما نتحدّث عن يوغا الضحك، فالتقنيّة غير منتشرة بقوّة في البلاد العربيّة، وما يزيد الأمر صعوبةً أننا شعوبٌ ومجتمعات تخاف من الضحكة إجمالاً أو تحرّمها. لذلك نحن ما زلنا في مرحلة نشر التوعية حول الموضوع وأهمّيته".

وعلى قاعدة "افتَعِلْها حتّى تفعلها"، تنطلق رحلة العلاج بالضحك، فتتحوّل الضحكة المفتعلة تدريجياً إلى ضحكة حقيقيّة لها فعل العلاج. تقول وهبي في هذا الإطار، إنّ يوغا الضحك ليست علاجاً طبياً بحدّ ذاته للمصابين بأمراض، إلّا أنّها علاجٌ مُكمِّل، أمّا الذين يمرّون بمرحلة توتّر وإحباط عابرة فهو يساعد كثيراً إذا جرى الالتزام بالتمارين لفترة لا تقلّ عن شهرَين.

على قاعدة "افتَعِلْها حتّى تفعلها"، تنطلق رحلة العلاج بالضحك، فتتحوّل الضحكة المفتعلة تدريجياً إلى ضحكة حقيقيّة لها فعل العلاج

أكثر المستفيدين من يوغا الضحك هم مرضى القلب والضغط، ثم يأتي مرضى السكّري والأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب والقلق، باستثناء الحالات المتقدّمة والمتطوّرة من كل تلك الأمراض وسواها من المشكلات الصحية والنفسية والذين ليسوا مؤهّلين للعلاج بالضحك، تجنّباً لأيّ مضاعفات. 

مراحل جلسة يوغا الضحك (بين 40 دقيقةً وساعة)

1- التصفيق والتحمية

2- التصفيق الإيقاعي ولازمة "هو هو ها ها ها"

3- تمارين التنفّس العميق (والتنفّس هو الرابط الوحيد بين اليوغا العاديّة ويوغا الضحك ومن هنا جاءت التسمية)

4- إطلاق العنان للطفل الذي في داخلنا

5- تمارين الضحك: افتعال الضحكة من خلال تخيّل مواقف معيّنة

6- التأمّل بالضحك من خلال التواصل بالعيون والضحكة المُعدية

7- تهدئة الأحاسيس


تلفت سالي وهبي إلى أنّ عشر دقائق من الضحك تساوي ثلاثين دقيقة مشي، كونها تُفرّغ كميات من ثاني أوكسيد الكربون وتفعّل الدورة الدمويّة وتنشّط عمليّة التنفّس. لكن قد تتحوّل الضحكة إلى بكاء حسب سالي، خصوصاً إذا كان الشخص يمرّ بفترة دقيقة، وتضيف: "هذا ما حصل معي في إحدى الجلسات مع صحافيين غطّوا تفجير مرفأ بيروت، إذ تحوّلت ضحكة أحدهم إلى بكاء نظراً إلى ما كان يكبت في داخله من مشاهد مروّعة وذكريات أليمة".

إذا تعذّر اللجوء إلى يوغا الضحك لسببٍ ما، تبقى الكوميديا الحلّ الأنسب، وكم هي كثيرة مشاهد الأفلام والمسرحيات والمسلسلات التي أضحكتنا حتى الدمع وأنسَتنا دموعنا الحقيقيّة. 

أكثر 5 مشاهد تُضحِك هشام حدّاد

1- مشهد العشرين جنيه من مسرحية "الواد سيد الشغال"


2- مشهد العرس من فيلم "الناظر"


3- مشهد الكولا كولا من مسرحية "شاهد ما شفش حاجة"


4- مشاهد سامية الجزائري وباسم ياخور وأيمن رضا في مسلسل "عيلة سبع نجوم"


5- مشهد يورغو شلهوب ومجدي مشموشي من مسلسل "الأرملة والشيطان"



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard